شهدت الأوساط المالية هذا الأسبوع موجة من التفاؤل بعد إعلان بنك أوف أمريكا (Bank of America) عن نتائج مالية فاقت التوقعات للربع الثالث من عام 2025. فقد أظهر العملاق المصرفي أداءً قوياً ومدعماً، مما أدى إلى ارتفاع أسهمه وتجدد الثقة في قطاع الخدمات المصرفية التقليدية، حتى في ظل النمو المتسارع لقطاع العملات الرقمية والتكنولوجيا المالية. هذه النتائج لم تعكس فقط قوة البنك الذاتية، بل أشارت أيضاً إلى انتعاش أوسع في النشاط الاقتصادي العالمي، وخاصة في مجال صفقات الاندماج والاستحواذ التي تعد مؤشراً رئيسياً على صحة الأسواق.
في عالم يتزايد فيه الاعتماد على التكنولوجيا والابتكار، لا يزال الأداء القوي للمؤسسات المالية التقليدية يمثل ركيزة أساسية للاستقرار الاقتصادي. إن الأرقام التي أعلن عنها بنك أوف أمريكا لا تخص المستثمرين في القطاع المصرفي فحسب، بل تمتد لتشمل كل من يتابع نبض الاقتصاد العالمي ويتأثر بحركته، بما في ذلك مجتمعات العملات الرقمية والشركات التقنية التي تتطلع إلى فهم التغيرات الكلية في الأسواق.
أداء مالي استثنائي: نظرة على الأرقام الرئيسية
أعلن بنك أوف أمريكا عن صافي دخل بلغ 8.5 مليار دولار، أو 1.06 دولار للسهم الواحد، للأشهر الثلاثة المنتهية في 30 سبتمبر 2025. هذه الأرقام جاءت متفوقة بوضوح على تقديرات وول ستريت التي كانت تشير إلى أرباح قدرها 95 سنتاً للسهم الواحد. هذا التجاوز الكبير للتوقعات يعكس إدارة مالية حكيمة واستراتيجيات نمو فعالة.
- **صافي الدخل:** 8.5 مليار دولار، مقارنة بـ 6.9 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي.
- **ربحية السهم المعدلة:** 1.06 دولار، متجاوزاً تقديرات المحللين البالغة 95 سنتاً.
- **إجمالي الإيرادات:** 28.1 مليار دولار، مدفوعاً بأداء قوي عبر الخدمات المصرفية الاستهلاكية والأسواق العالمية.
هذا التحسن الملحوظ على أساس سنوي يؤكد على النمو القوي والشامل عبر جميع أقسام البنك، ويشير إلى قدرته على تحقيق نتائج مالية مبهرة حتى في بيئة اقتصادية تتسم بالتحديات والتغيرات السريعة. كما يظهر مدى مرونة البنك وقدرته على التكيف مع متطلبات السوق المتطورة.
الخدمات المصرفية الاستثمارية تقود النمو الكبير
كان قسم الخدمات المصرفية الاستثمارية هو النجم اللامع لهذا الربع، حيث شهدت رسوم الخدمات المصرفية قفزة مذهلة بنسبة 43%، لتصل إلى 2 مليار دولار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. هذا النمو لم يسحق فقط توقعات البنك نفسه، التي كانت تتراوح بين 10-15%، بل فاق جميع التوقعات بفضل انتعاش غير مسبوق في نشاط صفقات الشركات.
يعكس هذا الارتفاع الكبير انتعاشاً أوسع في صفقات الشركات العالمية. فقد أظهرت الشركات ثقة متجددة في متابعة عمليات الاندماج والاستحواذ الكبيرة، مما يشير إلى بيئة اقتصادية مواتية للنمو والتوسع. وصلت قيمة الصفقات الضخمة العالمية إلى 1.26 تريليون دولار خلال الربع، بزيادة قدرها 40% عن العام الماضي، وهي ثاني أعلى إجمالي للربع الثالث على الإطلاق، وفقاً لبيانات Dealogic. وفي الأرباع التسعة الأولى من عام 2025، تجاوز إجمالي صفقات الاندماج العالمية 3 تريليون دولار، وهو أعلى مستوى منذ ذروة الوباء في عام 2021، بحسب بيانات Mergermarket.
لم يكن بنك أوف أمريكا وحده من استفاد من هذا الانتعاش؛ فقد أعلنت كل من JPMorgan Chase و Citigroup أيضاً عن أرباح فاقت التوقعات، وأظهرت وحداتهما المصرفية الاستثمارية قوة مماثلة خلال الربع. هذا يؤكد على أن التحسن في هذا القطاع هو اتجاه عام وليس مجرد حدث فردي.
صافي دخل الفوائد يسجل رقماً قياسياً جديداً
وصل صافي دخل الفوائد لبنك أوف أمريكا إلى مستوى قياسي بلغ 15.2 مليار دولار في هذا الربع، مسجلاً زيادة بنسبة 9% عن العام الماضي. يعتبر صافي دخل الفوائد مقياساً رئيسياً للعمليات المصرفية التقليدية، حيث يقيس الفرق بين ما تكسبه البنوك من القروض وما تدفعه على الودائع.
عزا الرئيس التنفيذي، براين موينيهان، هذا الأداء القياسي إلى التحركات الاستراتيجية التي قام بها البنك. وصرح في بيان قائلاً: “أدى النمو القوي في القروض والودائع، بالإضافة إلى التموضع الفعال للميزانية العمومية، إلى تحقيق صافي دخل قياسي من الفوائد”. هذا التصريح يسلط الضوء على الإدارة الفعالة للأصول والخصوم، وقدرة البنك على تحقيق أقصى استفادة من بيئة أسعار الفائدة الحالية.
توقعات إيجابية للربع الرابع والعام بأكمله
بناءً على هذه النتائج القوية، رفع بنك أوف أمريكا توقعاته للربع الرابع. ويتوقع البنك الآن أن يتراوح صافي دخل الفوائد للربع الرابع بين 15.6 مليار دولار و 15.7 مليار دولار، بزيادة تبلغ حوالي 8% عن العام الماضي. وكانت التوقعات السابقة قد حددت حداً أدنى أقل لهذا النطاق، مما يشير إلى تزايد الثقة في الأداء المستقبلي.
قد يساعد خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس من قبل الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر على زيادة الطلب من المقترضين. وهذا يمكن أن يوفر دفعة قوية لنشاط الإقراض في الأشهر المقبلة، مما يعزز من قدرة البنك على تحقيق إيرادات أعلى. وقد أشار بنك أوف أمريكا سابقاً إلى أنه يتوقع صافي دخل قياسي من الفوائد للعام بأكمله 2025، ونتائج الربع الثالث تبقي البنك على المسار الصحيح لتحقيق هذا الهدف الطموح.
أداء سهم بنك أوف أمريكا في السوق
عقب الإعلان عن هذه النتائج المبهرة، ارتفعت أسهم بنك أوف أمريكا بنحو 4% في تداولات ما قبل السوق. على الرغم من أن السهم قد تخلف عن أداء أقرانه ومؤشر KBW Bank حتى الآن في عام 2025، إلا أن هذا الارتفاع الأخير يبعث برسالة واضحة للمستثمرين حول الإمكانات الكبيرة للبنك وقدرته على التعافي وتحقيق النمو. تعكس هذه القفزة ثقة السوق في استراتيجية البنك وقدرته على توليد الأرباح.
خاتمة
في الختام، يؤكد الأداء القوي لبنك أوف أمريكا في الربع الثالث من عام 2025 على مرونة وقوة القطاع المصرفي التقليدي. مع تجاوز الأرباح للتوقعات بشكل كبير، وارتفاع رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية بشكل غير مسبوق، وتسجيل صافي دخل الفوائد أرقاماً قياسية، يقدم البنك نموذجاً يحتذى به في الإدارة المالية الفعالة والنمو الاستراتيجي. هذه النتائج لا تعزز فقط مكانة بنك أوف أمريكا كقوة مالية، بل تبعث برسالة تفاؤل أوسع نطاقاً للأسواق العالمية، مؤكدة أن الابتكار والنمو يمكن أن يأتيا من مصادر متعددة، سواء كانت تقليدية أو تقنية.
تابعوا أداء سهم BAC لمزيد من التحديثات حول مسيرة هذا العملاق المصرفي في تحقيق أهدافه الطموحة لعام 2025 وما بعده.
