استثمارات تيثر التي بلغت 5 مليارات دولار تدعم الشركات الأمريكية: تصريح الرئيس التنفيذي

تيثر (Tether)، الشركة المصدرة لعملة USDT المستقرة، قامت بهدوء بضخ ما يقرب من 5 مليارات دولار من أرباحها في مزيج من الشركات الأمريكية والديون الحكومية على مدى العامين الماضيين. هذا يمثل تطبيقًا عمليًا لاستراتيجيتها المعلنة.

وفقًا لتصريح الرئيس التنفيذي للشركة، باولو أردوينو، فإن هذه الخطوات تهدف إلى إظهار مدى ارتباط الشركة بالاقتصاد الأمريكي، حتى مع هيمنتها على الأسواق في الخارج. هذا التحرك الاستراتيجي لا يقتصر على مجرد تنويع المحافظ الاستثمارية، بل يحمل رسالة واضحة عن التزام تيثر تجاه السوق والاقتصاد الأكبر في العالم، حتى في الوقت الذي تواجه فيه الشركة تحديات تنظيمية ومنافسة متزايدة في مناطق أخرى مثل أوروبا.

رهانات كبيرة في قطاع التكنولوجيا الأمريكي

أوضح أردوينو أن تيثر ضخت استثمارات كبيرة في شركات التكنولوجيا الأمريكية الواعدة. أحد أبرز هذه الاستثمارات كان مبلغ 775 مليون دولار في شركة Rumble في وقت سابق من هذا العام، حيث استحوذت تيثر على أكثر من 103 ملايين سهم من أسهم الفئة A. هذه الصفقة تجعل تيثر لاعباً رئيسياً في مستقبل منصات المحتوى البديلة.

بالإضافة إلى ذلك، استثمرت الشركة 200 مليون دولار في شركة BlackRock Neurotech في عام 2024 من خلال ذراعها الاستثماري، Tether Evo. لم يكن هذا الاستثمار مجرد حصة صغيرة، بل جعل تيثر المالك الأغلبية لهذه الشركة الناشئة المتخصصة في واجهات الدماغ والحاسوب (brain-interface). هذا النوع من الاستثمارات يشير إلى اهتمام تيثر بالتقنيات المستقبلية المتقدمة التي قد تشكل الموجة التالية من النمو في قطاع التكنولوجيا.

هذه الاستثمارات ليست بالأسهم الصغيرة على الإطلاق. إنها رهانات كبيرة على ما يمكن أن يكون الجيل القادم من النمو التكنولوجي في الولايات المتحدة. اختيار شركات مثل Rumble و BlackRock Neurotech يظهر استراتيجية تيثر لتوزيع استثماراتها بين قطاعات متنوعة داخل التكنولوجيا، من المنصات الإعلامية إلى التقنيات الطبية الحيوية المتقدمة. هذه الاستثمارات تعكس رؤية تيثر للمستقبل وتأكيدها على الثقة في الابتكار الأمريكي.

كما أشار أردوينو في تغريدة له، فإن مجموعة تيثر أعادت استثمار ما يقرب من 5 مليارات دولار من أرباحها خلال العامين الماضيين داخل الاقتصاد الأمريكي وفي شركات مقرها الولايات المتحدة. هذه الاستثمارات تشمل، على سبيل المثال:

• Rumble (منصة فيديو واستضافة)
• Blackrock Neurotech (واجهات الدماغ والحاسوب)
• XXI (لم يتم تحديد نوع الشركة بالضبط في المصادر المتاحة، لكنها جزء من محفظة استثمارية واسعة)
• مشاريع مختلفة لتعدين البيتكوين (سيتم تفصيلها لاحقاً)

وأضاف أردوينو أن هذا المبلغ (5 مليارات دولار) يأتي “بالإضافة إلى وجود أكثر من 120 مليار دولار في…”. مما يشير إلى أن الاستثمارات المذكورة هي فقط جزء من استراتيجية أوسع لإدارة أصول الشركة الضخمة.

تيثر تنخرط في تعدين البيتكوين بالولايات المتحدة

بناءً على التقارير، قامت تيثر أيضًا ببناء مواقف استثمارية في العديد من شركات تعدين البيتكوين التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها. هذا التحرك يتناسب مع الاتجاه المتزايد لشركات العملات المشفرة الكبرى للانخراط بشكل مباشر في البنية التحتية للشبكات التي تعتمد عليها.

قامت الشركة مؤخرًا بزيادة حصتها في شركة Bitdeer إلى 21%، مما يجعلها واحدة من أكبر المساهمين في هذه الشركة الرائدة في مجال تعدين البيتكوين والبنية التحتية للحوسبة عالية الأداء. هذه الحصة الكبيرة تمنح تيثر نفوذًا كبيرًا في عمليات Bitdeer وتوجهاتها المستقبلية، وتربط تيثر بشكل أوثق بعمليات التعدين داخل الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، تقوم الشركة بتوجيه قوة الهاش (hash power) الخاصة بها إلى مجمع التعدين OCEAN. هذا الربط يربط احتياطياتها من العملات المشفرة بشكل أكثر مباشرة بعمليات التعدين الأمريكية. يمثل هذا مزيجًا مثيرًا للاهتمام بين التمويل والأجهزة والبنية التحتية المادية. من خلال الاستثمار في شركات التعدين والمشاركة في مجمعات التعدين التي تعمل في الولايات المتحدة، لا تدعم تيثر فقط عمليات التعدين الأمريكية، بل تزيد أيضًا من تعرضها ونفوذها في هذا القطاع الحيوي لبيئة البيتكوين.

هذا الانخراط المباشر في التعدين يشير إلى رؤية تيثر بأن تعدين البيتكوين هو جزء أساسي من النظام البيئي للعملات المشفرة، وأن وجود قاعدة قوية لعمليات التعدين في الولايات المتحدة يساهم في استقرار وأمن الشبكة عالمياً، بالإضافة إلى توفير فرص استثمارية مربحة. إن الجمع بين الاستثمارات المالية والشراكات التشغيلية في قطاع التعدين يوضح مدى عمق التزام تيثر بدعم البنية التحتية الرقمية.

احتياطيات الخزانة والديون الأمريكية

أحد الجوانب الأكثر بروزًا في استراتيجية تيثر المالية هو حجم احتياطياتها الكبيرة. وفقًا للإيداعات والتقارير المالية، تمتلك تيثر أكثر من 120 مليار دولار في سندات الخزانة الأمريكية (US Treasury bills). هذه السندات قصيرة الأجل تعتبر من الأصول الآمنة شديدة السيولة، وتستخدم كغطاء رئيسي لمعظم عملات USDT المتداولة.

هذا المستوى الضخم من الاحتياطيات يجعل تيثر واحدة من أكبر حاملي الديون الأمريكية في العالم. بالتحديد، تحتل المرتبة 19 بين أكبر حاملي الديون الأمريكية، متقدمة على دول ذات اقتصادات كبرى مثل ألمانيا (حوالي 111 مليار دولار) والإمارات العربية المتحدة (حوالي 104 مليار دولار). هذا يضع تيثر في مصاف المؤسسات المالية الكبرى والدول السيادية من حيث حيازتها للديون الحكومية الأمريكية.

بشكل ما، أصبحت تيثر لاعبًا رئيسيًا في سوق السندات، مع مصلحة واضحة في الحفاظ على استقرار الشؤون المالية والضريبية للولايات المتحدة. استقرار سوق سندات الخزانة الأمريكية أمر حيوي لقيمة احتياطيات تيثر وبالتالي لاستقرار عملة USDT نفسها. هذا الارتباط العميق بالاقتصاد الأمريكي من خلال الديون الحكومية يؤكد على الأهمية التي توليها تيثر للحفاظ على غطاء قوي ومستقر لعملتها المستقرة، ويبرز الدور غير المتوقع الذي تلعبه شركة عملات مشفرة في الأسواق المالية التقليدية.

حجم هذه الحيازات له تداعيات واسعة، ليس فقط على تيثر وعملة USDT، بل أيضًا على كيفية نظر المنظمين والمؤسسات المالية إلى شركات العملات المستقرة الكبرى. إن حقيقة أن كيانًا في عالم العملات المشفرة يحمل كميات هائلة من الديون السيادية الأمريكية تثير نقاشات حول المخاطر النظامية والترابط بين التمويل التقليدي واللامركزي. تصر تيثر على أن هذه الاحتياطيات يتم إدارتها بحذر وتوفر السيولة اللازمة لدعم استقرار USDT، لكن حجمها يظل نقطة تركيز للمحللين والجهات التنظيمية.

خطط لعملة مستقرة جديدة للسوق الأمريكي

بالنظر إلى التحديات التنظيمية والتركيبة الفريدة للسوق الأمريكي، تخطط تيثر لإطلاق عملة جديدة مستقرة ومدعومة بالدولار ومخصصة تحديدًا للسوق الأمريكي. وفقًا لتصريحات الرئيس التنفيذي أردوينو، سيتم إطلاق هذه العملة بمجرد وضع القواعد واللوائح الفيدرالية اللازمة من قبل السلطات الأمريكية.

يهدف هذا التحرك إلى تلبية متطلبات القوانين الأمريكية القادمة بشأن العملات المستقرة، والتي من المتوقع أن تفرض شروطًا أكثر صرامة على الشركات المصدرة لها، خاصة فيما يتعلق بالاحتياطيات والشفافية وإدارة المخاطر. في الوقت الذي ستبقى فيه عملة USDT نشطة ومهمة في الأسواق الناشئة والدول التي قد لا تكون فيها الأطر التنظيمية للعملات المشفرة متطورة بنفس القدر، فإن إطلاق رمز جديد محلي يمكن أن يسهل الامتثال للقوانين الأمريكية المستقبلية.

على الرغم من أن تيثر لا تزال تحتل الصدارة عالميًا بحجم تداول يصل إلى حوالي 153 مليار دولار من USDT، وهو ما يمثل حوالي 60% من إجمالي المعروض من العملات المستقرة، إلا أن USDT واجهت بعض التحديات في أسواق مثل الولايات المتحدة وأوروبا. في أوروبا، شهدت USDT عمليات شطب من بعض منصات التداول بسبب مخاوف تتعلق بالامتثال للوائح MiCA الجديدة للأسواق في الأصول المشفرة. عملة مستقرة مصممة خصيصًا للسوق المحلي يمكن أن تخفف من هذه الاحتكاكات التنظيمية وتفتح الباب أمام تيثر للمنافسة بشكل أقوى في الأسواق التي تشهد تدقيقًا تنظيميًا عاليًا.

إن إطلاق عملة مستقرة جديدة للسوق الأمريكي ليس مجرد تغيير في العلامة التجارية، بل يتطلب على الأرجح هيكلًا قانونيًا وتنظيميًا مختلفًا وربما متطلبات احتياطي أكثر تحديدًا تتوافق مع القوانين الفيدرالية الأمريكية. هذا يظهر مرونة تيثر وقدرتها على التكيف مع البيئات التنظيمية المختلفة في محاولة للحفاظ على ريادتها في سوق العملات المستقرة العالمي.

رياح معاكسة تنظيمية

على الرغم من استراتيجية تيثر الطموحة واستثماراتها الضخمة، فإن الشركة ليست بمعزل عن التحديات، خاصة على الصعيد التنظيمي. تواجه تيثر باستمرار دعوات متزايدة للمزيد من الشفافية فيما يتعلق باحتياطياتها، وكيفية إدارتها، والتدقيق المنتظم عليها من قبل جهات مستقلة ومعترف بها. الشفافية كانت ولا تزال نقطة ضعف رئيسية تواجهها العملات المستقرة الكبرى مثل USDT، وتثير قلق المنظمين والمستثمرين على حد سواء.

بالإضافة إلى ذلك، تتعرض الشركة لانتقادات بشأن استخدام عملة USDT من قبل بعض الجهات الفاعلة السيئة في أنشطة غير قانونية، مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. نظرًا لحجم تداول USDT الكبير وسيولتها العالية، يمكن للمجرمين استغلالها في تحويل الأموال عبر الحدود بسرعة وسهولة أكبر مقارنة بالنظام المصرفي التقليدي.

ترد تيثر على هذه الانتقادات وتؤكد أنها تعمل بشكل وثيق وتتعاون مع وكالات إنفاذ القانون حول العالم عندما تظهر أموال مرتبطة بنشاط إجرامي على شبكتها. تشير الشركة إلى قدرتها على تجميد عناوين المحافظ المرتبطة بأنشطة غير قانونية وتزويد السلطات بالمعلومات اللازمة للمساعدة في التحقيقات. ومع ذلك، يظل هذا التحدي قائمًا ويتطلب جهودًا مستمرة للتخفيف من المخاطر والرد على المخاوف التنظيمية.

إن البيئة التنظيمية للعملات المشفرة والعملات المستقرة تتطور بسرعة، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا. يمكن لأي تغييرات في القوانين أو زيادة في التدقيق أن تؤثر بشكل كبير على عمليات تيثر وحجم تداول USDT. ولذلك، فإن التكيف مع هذه البيئات المتغيرة وتلبية متطلبات الامتثال يمثل تحديًا مستمرًا وحاسمًا لمستقبل الشركة.

خلاصة

استثمارات تيثر الأخيرة التي بلغت 5 مليارات دولار في الاقتصاد الأمريكي على مدى العامين الماضيين تمثل تحولًا استراتيجيًا كبيرًا. من خلال ضخ أموال في شركات التكنولوجيا الأمريكية الواعدة، والاستثمار بكثافة في البنية التحتية لتعدين البيتكوين داخل الولايات المتحدة، والحفاظ على حجم هائل من الديون الحكومية الأمريكية، تؤكد تيثر على ارتباطها العميق بالاقتصاد الأمريكي.

كما أشار الرئيس التنفيذي باولو أردوينو، فإن هذه الخطوات ليست مجرد عمليات مالية، بل هي رسالة تهدف إلى إظهار مدى اندماج تيثر مع النظام الاقتصادي الأمريكي، حتى وهي تهيمن على أسواق العملات المستقرة عالميًا. خطط إطلاق عملة مستقرة جديدة ومخصصة للسوق الأمريكي تعكس أيضًا استجابة تيثر للتحديات التنظيمية وسعيها لتأمين مكانتها في هذا السوق الحيوي.

مع ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات التنظيمية المستمرة، خاصة فيما يتعلق بالشفافية واستخدام العملات المستقرة في الأنشطة غير المشروعة. ستكون قدرة تيثر على معالجة هذه المخاوف، بالإضافة إلى التكيف مع الأطر التنظيمية المتغيرة، حاسمة في تحديد مسارها المستقبلي.

بشكل عام، تظهر استراتيجية تيثر الأخيرة أنها ليست مجرد مصدر رئيسي للسيولة في سوق العملات المشفرة من خلال USDT، بل أصبحت أيضًا قوة استثمارية كبرى تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على قطاعات حيوية في الاقتصاد الأمريكي، من التكنولوجيا والتمويل إلى الطاقة والبنية التحتية الرقمية.

الصورة المميزة من Unsplash، الرسم البياني من TradingView.