الشركات العامة تستحوذ بالفعل على 96% من إجمالي البيتكوين المتوقع تعدينه في 2025: هل بدأ عصر الندرة الحقيقية؟
في تطور مذهل قد يعيد تشكيل فهمنا لسوق العملات المشفرة وديناميكيات العرض والطلب، كشفت البيانات الحديثة عن استحواذ الشركات العامة المدرجة في البورصات على حصة ضخمة من عملات البيتكوين (BTC) الجديدة التي من المتوقع أن تدخل السوق خلال عام 2025. يبدو أن السباق المحموم لامتلاك “الذهب الرقمي” قد دخل مرحلة جديدة، حيث تتجاوز شهية المؤسسات وتيرة الإنتاج بشكل كبير.
وفقًا للبيانات الصادرة عن Bitcoin Treasuries، حتى الأول من مايو 2025، قامت الشركات العامة بشراء ما يقرب من 157,957 بيتكوين. هذا الرقم يمثل نسبة هائلة تبلغ 96% من إجمالي الكمية المتوقع تعدينها على مدار العام بأكمله، والمقدرة بـ 164,250 بيتكوين. هذا الرقم لا يثير الدهشة فحسب، بل يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل توفر البيتكوين في السوق المفتوحة وتأثير ذلك على الأسعار والمستثمرين الأفراد.
تفاصيل الاستحواذ: كيف تتوزع ملكية البيتكوين الجديدة؟
لم تقتصر حمى الشراء على الشركات العامة وحدها. خلال نفس الفترة، أضافت الشركات الخاصة غير المدرجة 16,799 بيتكوين إضافية إلى محافظها الاستثمارية. وفي الوقت نفسه، قامت الجهات المصدرة لصناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين (ETFs) بالاستحواذ على 34,968 بيتكوين. هذه الصناديق، التي شهدت إطلاقها التاريخي في أوائل عام 2024 في الولايات المتحدة، أصبحت لاعباً رئيسياً في استقطاب التدفقات المؤسسية نحو البيتكوين.
إذا جمعنا مشتريات هذه الفئات الثلاث – الشركات العامة، والشركات الخاصة، ومصدري صناديق الاستثمار المتداولة – خلال الأشهر الأربعة الأولى فقط من عام 2025، نجد أنهم قاموا بشراء ما مجموعه 192,925 بيتكوين. هذا الإجمالي يتجاوز بالفعل العرض السنوي المتوقع من عملات البيتكوين المعدنة حديثًا بنسبة 17%. هذه الإحصائية بحد ذاتها تعتبر مؤشراً قوياً على ضغط الطلب المستمر من قبل الكيانات المؤسسية والشركات الكبرى التي ترى في البيتكوين أصلاً استراتيجياً طويل الأمد.
الشركات العامة في المقدمة: استراتيجية MicroStrategy تقود الطريق
تواصل شركة MicroStrategy، بقيادة مايكل سايلور المعروف بتأييده القوي للبيتكوين، ريادتها بين الكيانات العامة في مجال تجميع البيتكوين. خلال عام 2025 حتى الآن، استحوذت الشركة وحدها على 107,155 بيتكوين. هذا الرقم يمثل وحده ما يقرب من ثلثي إجمالي ما اشترته جميع الشركات العامة مجتمعة (حوالي 68%)، وأكثر من 65% من إجمالي العرض الجديد المتوقع تعدينه خلال العام بأكمله.
تُعتبر مشتريات MicroStrategy المستمرة هي المحرك الرئيسي وراء قصة تبني الشركات للبيتكوين كأصل احتياطي في ميزانياتها العمومية. ومع ذلك، فإن الاتجاه الأوسع يشمل الآن مجموعة متنوعة من الشركات، بما في ذلك:
- شركات تعدين البيتكوين نفسها، التي تحتفظ بجزء من إنتاجها.
- شركات مالية ومؤسسات استثمارية.
- مديرو احتياطيات الخزينة في شركات من قطاعات مختلفة.
هذا التوسع في قاعدة المشترين المؤسسيين يشير إلى قبول متزايد للبيتكوين كفئة أصول مشروعة ومخزن للقيمة محتمل في بيئة اقتصادية عالمية تتسم بعدم اليقين.
نظرة إلى الوراء: عام 2024 وموجة الشراء غير المسبوقة
لم يكن الاتجاه الحالي وليد اللحظة. بل هو استمرار لدورة شراء أكثر شراسة شهدها عام 2024. خلال ذلك العام، استحوذت الشركات العامة المدرجة على كمية مذهلة بلغت 331,141 بيتكوين. وكما هو متوقع، كانت MicroStrategy مسؤولة عن الجزء الأكبر من هذا الإجمالي، حيث استحوذت على 257,250 بيتكوين.
على النقيض من ذلك، قامت الشركات الخاصة بتقليل تعرضها للبيتكوين في عام 2024، حيث باعت ما مجموعه 3,204 بيتكوين. قد يعكس هذا تبايناً في الاستراتيجيات أو ظروف السوق التي واجهت هذه الشركات.
أما مصدرو صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs)، فقد كانوا القوة الشرائية الأكبر في عام 2024، حيث قاموا بتجميع 518,018 بيتكوين بعد الموافقة التاريخية على إطلاقها في الولايات المتحدة. هذا الرقم يعكس الاهتمام المؤسسي الهائل الذي أطلقته هذه المنتجات الاستثمارية المنظمة.
بشكل جماعي، استحوذت هذه الفئات الثلاث (العامة، الخاصة، ETFs) على 845,955 بيتكوين في عام 2024. وللمقارنة، بلغ إجمالي عدد عملات البيتكوين التي تم تعدينها خلال عام 2024 حوالي 217,518.75 بيتكوين (مع الأخذ في الاعتبار حدث التنصيف الذي وقع في أبريل 2024 وخفض مكافأة التعدين إلى النصف). هذا يعني أن الطلب المؤسسي والشركاتي كان أعلى بنحو أربعة أضعاف (تقريبًا 3.9x) من العرض الجديد القادم من التعدين. هذا الفارق الهائل يوضح حجم الضغط الشرائي الذي شهده السوق.
التداعيات العميقة: ماذا يعني هذا السلوك لسوق البيتكوين؟
إن التراكم المستمر للبيتكوين من قبل المؤسسات والشركات الكبرى له آثار بعيدة المدى على النظام البيئي للبيتكوين بأكمله. يمكن تلخيص أبرز هذه التداعيات في النقاط التالية:
1. ضغط على العرض وتأثير محتمل على السعر
عندما يتجاوز الطلب من كيانات كبيرة ومستثمرين طويلي الأمد العرض الجديد المتاح من التعدين بشكل مستمر، فإن النتيجة الطبيعية هي انخفاض كمية البيتكوين المتاحة للتداول في الأسواق الثانوية (البورصات). يُعرف هذا بمصطلح “صدمة العرض” أو “Supply Squeeze”. نظريًا، ومع بقاء الطلب قوياً أو زيادته، يمكن أن يؤدي هذا الانخفاض في العرض المتاح إلى ضغوط تصاعدية على سعر البيتكوين. إن شراء 96% من المعروض السنوي المتوقع في الأشهر الأربعة الأولى فقط هو مؤشر صارخ على حدة هذا الضغط.
2. هيمنة مؤسسية متزايدة
أصبحت الملكية المدفوعة بالرغبة في إضافة البيتكوين إلى الميزانيات العمومية للشركات قابلة للقياس بشكل متزايد. تمثل المشتريات المعلنة من قبل الشركات العامة وحدها الآن حصة ذات مغزى من إجمالي البيتكوين المتداول. هذا التحول في هيكل الملكية من المستثمرين الأفراد والمضاربين الأوائل إلى المؤسسات الكبرى والشركات يُنظر إليه على أنه علامة على نضج السوق وزيادة القبول السائد للبيتكوين.
3. حيازات طويلة الأجل وانخفاض السيولة
تميل المؤسسات والشركات التي تشتري البيتكوين كأصل احتياطي إلى الاحتفاظ به لفترات طويلة، غالبًا لسنوات متعددة. هذه الكيانات لديها آفاق استثمارية طويلة الأمد ومعدلات دوران سيولة أقل بكثير مقارنة بالمستثمرين الأفراد أو المتداولين اليوميين. نتيجة لذلك، يتم “قفل” أجزاء أكبر من المعروض المتداول من البيتكوين في محافظ استثمارية طويلة الأجل، مما يقلل من الكمية المتاحة للتداول النشط ويزيد من ندرة الأصل “السائل” في السوق.
4. تأثير مستمر لصناديق الاستثمار المتداولة (ETFs)
على الرغم من أن نشاط صناديق الاستثمار المتداولة قد تباطأ مقارنة بالتدفقات الهائلة التي شهدتها في أعقاب إطلاقها في عام 2024 (أكثر من 500 ألف بيتكوين تم شراؤها في 2024 مقابل أقل من 35 ألف بيتكوين حتى الآن في 2025)، إلا أن تأثير تدفقاتها المستمرة لا يزال جوهريًا. قد يعكس هذا التباطؤ استقرارًا في طلب السوق الثانوي بعد الموجة الأولية، أو نضج دورة التدفقات الأولية بعد الموافقة. ومع ذلك، تظل صناديق الاستثمار المتداولة، جنبًا إلى جنب مع خزائن الشركات، هي المستوعب المهيمن للعملات المعدنة حديثًا، مما يضمن استمرار الطلب المؤسسي حتى لو كان بوتيرة أبطأ.
امتصاص العرض يتجاوز الإنتاج: استنزاف الاحتياطيات القائمة
النقطة الأكثر أهمية هي أن إجمالي كمية البيتكوين التي تم شراؤها من قبل هذه المجموعات الثلاث في عام 2025 حتى الآن (192,925 بيتكوين) لا يتجاوز فقط العرض الجديد المتوقع للعام بأكمله (164,250 بيتكوين)، بل يعني أن التراكم المؤسسي يمتص كامل العرض الجديد القادم من التعدين، بالإضافة إلى سحب كميات إضافية من الاحتياطيات الموجودة بالفعل في السوق.
هذا يعني أن هذه الكيانات لا تكتفي بشراء كل ما يتم إنتاجه حديثًا، بل تشتري أيضًا من العرض الذي كان متاحًا سابقًا للتداول. هذا يزيد من حدة ضغط العرض ويؤكد على قوة الطلب المؤسسي الحالي.
نظرة مستقبلية: هل يستمر هذا الاتجاه؟
يشير التحول المستمر في هيكل ملكية البيتكوين إلى مستقبل قد يكون فيه الأصل نادرًا بشكل متزايد في السوق المفتوحة. مع تزايد حصص العرض التي يتم تأمينها في حيازات طويلة الأجل من قبل كيانات ذات رؤى تمتد لسنوات، قد نشهد تغييرًا دائمًا في ديناميكيات السوق.
تطرح هذه البيانات عدة أسئلة للمستقبل:
- هل ستستمر الشركات العامة في زيادة مخصصاتها للبيتكوين بهذه الوتيرة؟
- هل ستتبع المزيد من الشركات حذو MicroStrategy وتبدأ في تحويل جزء من احتياطياتها النقدية إلى بيتكوين؟
- كيف سيؤثر حدث تنصيف البيتكوين القادم (المتوقع في 2028)، والذي سيقلل المعروض الجديد مرة أخرى، على هذه الديناميكيات؟
- ما هو التأثير طويل الأمد على سعر البيتكوين وإمكانية وصول المستثمرين الأفراد إليه؟
ما هو مؤكد هو أن السرد حول البيتكوين يتغير. لم يعد مجرد أصل مضاربة للمتحمسين الأوائل، بل أصبح بشكل متزايد مكونًا استراتيجيًا في محافظ المؤسسات والشركات الكبرى حول العالم. الاستحواذ على 96% من إنتاج عام 2025 المتوقع في الأشهر الأولى فقط هو دليل دامغ على أن عصر الندرة المؤسسية للبيتكوين قد بدأ بالفعل.
الخلاصة: عصر جديد لهيمنة المؤسسات على البيتكوين
في الختام، تكشف البيانات عن حقيقة صارخة: الشركات العامة، مدعومة بالشركات الخاصة ومصدري صناديق الاستثمار المتداولة، تستحوذ على البيتكوين بوتيرة تتجاوز بكثير قدرة الشبكة على إنتاج عملات جديدة. هذا الاتجاه، الذي تسارع بشكل كبير منذ عام 2024، يؤدي إلى ضغط كبير على العرض المتاح في السوق، مع تحول متزايد نحو حيازات طويلة الأجل من قبل كيانات مؤسسية.
بينما قد يثير هذا قلق البعض بشأن تركز الملكية، يراه آخرون علامة على نضج البيتكوين وقبوله المتزايد كأصل استثماري شرعي ومخزن للقيمة. بغض النظر عن وجهة النظر، فإن الأرقام لا تكذب: الطلب المؤسسي يلتهم العرض، وهذا قد يكون له تداعيات عميقة على سعر البيتكوين ومستقبله في السنوات القادمة.