إيثريوم يتجاوز أعلى مستوى تاريخي لعام 2021 بعد ارتفاع صاروخي بنسبة 15%
سجلت عملة إيثريوم (ETH) ارتفاعًا صاروخيًا تجاوز 15% في الساعات الـ 24 الماضية، متجاوزة بذلك أعلى مستوى تاريخي لها في عام 2021 والذي بلغ 4,869.47 دولارًا أمريكيًا بتاريخ 22 أغسطس. وحسب وقت النشر، كانت ثاني أكبر عملة مشفرة يتم تداولها عند مستوى 4,888 دولارًا أمريكيًا، ومستمرة في التحرك صعودًا. جاء هذا الارتفاع في الأسعار بعد أن أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إلى تخفيضات محتملة في أسعار الفائدة. يعتبر هذا الإنجاز علامة فارقة في مسيرة إيثريوم، ويشير إلى تحول كبير في معنويات السوق.
محفز الارتفاع: تصريحات جيروم باول المتفائلة
كانت الشرارة التي أطلقت هذا الارتفاع السريع هي تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، خلال ندوة جاكسون هول الاقتصادية المرموقة. ألمح باول إلى تخفيضات محتملة في أسعار الفائدة، وهي إشارة “متفائلة” للسوق، ما يعني أن السياسة النقدية قد تصبح أقل تقييدًا. أدت هذه التصريحات إلى انتعاش فوري في سوق العملات المشفرة، حيث ارتفع بأكثر من 4% في غضون ساعة واحدة، مستعيدًا عتبة الـ 4 تريليونات دولار من القيمة السوقية الإجمالية. إن تأثير مثل هذه التصريحات من أحد أبرز الشخصيات الاقتصادية في العالم لا يمكن الاستهانة به، إذ غالبًا ما يؤدي التخفيف المحتمل للسياسة النقدية إلى زيادة الإقبال على الأصول الخطرة، بما في ذلك العملات المشفرة.
صرح رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي بأن “التوقعات الأساسية والتوازن المتغير للمخاطر قد يستدعيان تعديل موقفنا السياسي”، ما أثار تكهنات واسعة النطاق حول تخفيضات أسعار الفائدة في سبتمبر. هذه العبارة الدقيقة، التي تعكس مرونة الفيدرالي تجاه الظروف الاقتصادية المتغيرة، تم تفسيرها على نطاق واسع كإشارة إلى استعداد البنك المركزي لتبني نهج أكثر تساهلاً. هذا التغيير في الخطاب كان له تأثير فوري وملموس على توقعات السوق.
تغيرت احتمالات تخفيض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في 17 سبتمبر بشكل كبير، حيث قفزت من 57% إلى 79% في غضون ساعات قليلة بعد خطاب باول، وذلك وفقًا لبيانات منصة Polymarket. هذا التحول الكبير في توقعات السوق يعكس مدى سرعة استجابة المتداولين والمستثمرين للإشارات الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي. كلما زادت احتمالية خفض أسعار الفائدة، زادت جاذبية الأصول الرقمية كبديل للاستثمار، وذلك لأن انخفاض تكلفة الاقتراض يمكن أن يضخ المزيد من السيولة في الاقتصاد.
علق محللو UBS بأن تصريحات باول المتفائلة تمثل “تأطيرًا وتبريرًا لنقطة انعطاف في تحيز السياسة النقدية”، مع تحويل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي تركيز مهمته من المخاوف المتعلقة بالتضخم إلى مخاوف التوظيف. هذا التغيير الجوهري في الأولويات يمكن أن يؤثر على القرارات المستقبلية للبنك المركزي، مما قد يؤدي إلى بيئة اقتصادية أكثر ملاءمة للأصول المشفرة. إن التركيز على التوظيف بدلاً من التضخم يشير إلى أن الفيدرالي قد يكون أكثر استعدادًا للتساهل في السياسة النقدية، وهو ما يصب في مصلحة الأسواق بشكل عام والعملات المشفرة بشكل خاص.
انتفاضة شاملة في السوق: من العملات المشفرة إلى الأسهم التقليدية
لم يقتصر الارتفاع الأخير على إيثريوم فقط، بل امتد ليشمل السوق بأكمله، مما يشير إلى تحول واسع النطاق في معنويات المستثمرين. ارتفعت عملة بيتكوين، العملة الرقمية الأكبر والأكثر رسوخًا، بأكثر من 4% خلال الـ 24 ساعة الماضية، لتصل إلى ما يقارب 117,000 دولار أمريكي وقت كتابة هذا التقرير. يعتبر أداء بيتكوين مؤشرًا رئيسيًا لصحة سوق العملات المشفرة، وارتفاعها يعزز الثقة في السوق بأكمله.
تابعت العملات البديلة ذات القيمة السوقية الكبيرة أداء بيتكوين وإيثريوم بشكل حثيث. سجلت عملة BNB مستوى تاريخيًا جديدًا بلغ 900 دولار أمريكي، مرتفعة بأكثر من 7% خلال الفترة المذكورة. كما سجلت عملات XRP وسولانا (Solana) ودوغكوين (Dogecoin) مكاسب مزدوجة الأرقام المئوية، ما يدل على قوة الدفع الإيجابية التي تجتاح قطاع العملات المشفرة. يشير هذا الارتفاع الجماعي إلى أن المستثمرين يتجهون نحو الأصول الرقمية عبر طيف واسع من الخيارات، مدفوعين بتفاؤل متزايد.
في المقابل، شهد الدولار الأمريكي ضعفًا مقابل الذهب والأصول الرئيسية الأخرى، حيث توقع المستثمرون ظروفًا نقدية أكثر سهولة. عندما يتوقع السوق تخفيضات في أسعار الفائدة، عادةً ما ينخفض سعر العملة المحلية، مما يجعل الأصول مثل الذهب والعملات الأجنبية الأخرى أكثر جاذبية. هذا الضعف في الدولار يعزز جاذبية الأصول التي لا تدر فائدة مثل الذهب والعملات المشفرة، حيث يمكن أن تكون بمثابة مخازن للقيمة في بيئة تتسم بانخفاض العوائد على الودائع التقليدية.
التعافي من أدنى مستوياته في عدة سنوات
يمثل اختراق إيثريوم الحالي علامة على انعكاس كبير من أدنى مستوى له في عدة سنوات، والذي بلغ 1,385.41 دولارًا أمريكيًا في أبريل 2025 (المستوى الأدنى للرمز منذ مارس 2023). هذا التعافي المذهل يؤكد مرونة إيثريوم وقدرته على استعادة زخمه حتى بعد فترات الانكماش الطويلة. هذه العودة القوية تبعث برسالة طمأنة للمستثمرين وتؤكد على مكانة إيثريوم كلاعب رئيسي ومؤثر في المشهد المالي الرقمي.
في المقابل، تسبب هذا الارتفاع الحاد في أضرار بالغة للمتداولين الذين يستخدمون الرافعة المالية، حيث كشفت بيانات Coinglass عن تصفية أكثر من 553 مليون دولار أمريكي في المراكز خلال الـ 24 ساعة الماضية. تحدث التصفية عندما لا يكون لدى المتداول أموال كافية لتغطية الخسائر المحتملة في مركز الرافعة المالية، مما يؤدي إلى إغلاق بورصة التداول لمركزه تلقائيًا لتجنب المزيد من الخسائر. هذا الرقم الضخم يعكس التقلبات الشديدة في السوق ويبرز المخاطر المرتبطة بالتداول بالرافعة المالية.
تحمل البائعون على المكشوف (Short sellers) الجزء الأكبر من الخسائر، حيث بلغ إجمالي التصفية لمراكزهم 308 ملايين دولار أمريكي. بينما خسرت المراكز الطويلة (Long positions) حوالي 325 مليون دولار أمريكي. يُظهر هذا التباين أن الارتفاع المفاجئ في الأسعار فاجأ الكثير من المتداولين الذين كانوا يراهنون على انخفاض الأسعار. في سوق صاعد كهذا، يكون البائعون على المكشوف أكثر عرضة للخسائر، حيث يضطرون لشراء الأصول بسعر أعلى لتغطية مراكزهم، مما يزيد من الضغط الصعودي على الأسعار.
هيمنت إيثريوم على حجم التصفية بإجمالي 251 مليون دولار أمريكي تم محوها من مراكزها، تليها بيتكوين بـ 102 مليون دولار أمريكي. هذا يوضح أن الارتفاع الكبير في سعر إيثريوم كان له تأثير هائل على المراكز المفتوحة، مما أدى إلى عمليات تصفية مكثفة. يشير هذا التركيز في التصفية على إيثريوم إلى شدة التقلبات التي شهدتها العملة، وتأثيرها على المتداولين الذين لم يتوقعوا هذا الارتفاع المفاجئ.
الآفاق المستقبلية: السياسة النقدية والسيولة
يمكن أن يؤدي التخفيض المحتمل لأسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر إلى زيادة السيولة بشكل أكبر في الأسواق المالية. عندما يتم تخفيض أسعار الفائدة، يصبح الاقتراض أرخص، مما يشجع الشركات والأفراد على الاقتراض والإنفاق والاستثمار. هذه السيولة الإضافية غالبًا ما تجد طريقها إلى الأصول الخطرة، بما في ذلك العملات المشفرة، مما يمكن أن يعزز من قيمتها. يتوقع الكثيرون أن استمرار بيئة السياسة النقدية المتساهلة سيدعم النمو المستمر في أسواق الأصول الرقمية.
من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تمديد الزخم الحالي للعملات المشفرة، حيث تظل الأسواق مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقرارات السياسة النقدية الأمريكية. العلاقة بين قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي وأداء سوق العملات المشفرة أصبحت أكثر وضوحًا مع مرور الوقت. المستثمرون يراقبون عن كثب أي إشارات حول أسعار الفائدة والتضخم، حيث أن هذه العوامل تؤثر بشكل مباشر على جاذبية العملات المشفرة كاستثمار. فإذا استمر الفيدرالي في نهجه المتساهل، فإن ذلك يوفر أرضية خصبة لمزيد من الارتفاعات في أسواق الأصول الرقمية.
خاتمة: إيثريوم في قمة جديدة وتوقعات صعودية
يمثل تجاوز إيثريوم لأعلى مستوى تاريخي له في عام 2021 نقطة تحول محورية، ليس فقط للعملة نفسها، بل لسوق العملات المشفرة بأكمله. إن الارتفاع الصاروخي الذي دفع إيثريوم إلى مستويات قياسية جديدة، مدعومًا بتصريحات رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول المتفائلة، يؤكد على حساسية السوق تجاه قرارات السياسة النقدية الكلية. هذا الحدث لم يعزز مكانة إيثريوم كثاني أكبر عملة مشفرة فحسب، بل أشعل أيضًا شرارة انتعاش واسع النطاق في جميع أنحاء السوق الرقمية والأسواق التقليدية.
مع استمرار التوقعات بتخفيضات محتملة في أسعار الفائدة وزيادة السيولة، يبدو أن الزخم الحالي لسوق العملات المشفرة لديه القدرة على الاستمرار. إن ارتباط الأسواق الرقمية الوثيق بالسياسة النقدية الأمريكية يعني أن المستثمرون سيواصلون مراقبة إشارات بنك الاحتياطي الفيدرالي عن كثب. وبينما يحتفل مجتمع العملات المشفرة بهذا الإنجاز، تظل الأنظار متجهة نحو المستقبل، مع ترقب المزيد من التطورات التي قد تدفع إيثريوم والعملات المشفرة الأخرى إلى آفاق جديدة.