# بيتكوين تفقد الارتباط بالمعروض النقدي M2 بينما يصل الأخير إلى أعلى مستوياته على الإطلاق: تحليل شامل لديناميكيات السوق الحالية
في تطور مفاجئ يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة عملة البيتكوين كأصل تحوطي وملاذ آمن، لاحظ جو كونسورتي، رئيس قسم النمو في شركة “ثيا”، أن البيتكوين لم تتعقب المعروض النقدي العالمي M2 بهذا الفارق الزمني الكبير منذ مايو الماضي. هذه الظاهرة الملحوظة تضع العملة الرقمية الرائدة في مسار مختلف تمامًا عن سلوكها المعتاد الذي غالبًا ما يرتبط بزيادة السيولة في السوق. في المقابل، حافظ الذهب، وهو الأصل التقليدي للتحوط ضد التضخم، على ارتباط شبه مثالي مع هذا المؤشر الاقتصادي الحيوي، مما يعزز مكانته كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين. تشير هذه الظاهرة إلى تحولات محتملة ومثيرة للاهتمام في ديناميكيات الأصول الرقمية الأكبر عالميًا وفي فهم المستثمرين لدورها في محفظة متنوعة.
## الانفصال الكبير: بيتكوين ومعروض M2 النقدي — لماذا هذا التباين؟
يشير كونسورتي، وهو محلل مالي معروف بملاحظاته الثاقبة، إلى أن عملة البيتكوين تتخلف حاليًا عن نمو المعروض النقدي M2 بحوالي 70 يومًا. هذه الفترة الطويلة من عدم الارتباط لم تُشاهد منذ أوائل مايو، مما يمثل تحولًا ملحوظًا عن سلوكها السابق الذي كان يميل إلى الاستفادة من ضخ السيولة. يصف كونسورتي هذا الوضع بدقة بأنه “حكاية ارتباطات عبر الأصول وسط ضعف الدولار المزمن والمخاطر الجيوسياسية المتزايدة”، مضيفًا تحليلاً هامًا: “الذهب هو أصل ذو مخاطر عالية للانحسار (high beta risk-off)، بينما البيتكوين هو أصل ذو مخاطر عالية للارتفاع (high beta risk-on)”. هذا التصنيف الجديد يضع البيتكوين أقرب إلى أسهم التكنولوجيا عالية المخاطر التي تزدهر في بيئة “المخاطرة المرتفعة” (risk-on) وتتراجع في بيئة “الابتعاد عن المخاطرة” (risk-off)، بدلاً من كونها ملاذًا آمنًا للتحوط ضد التضخم في مواجهة تدهور قيمة العملات الورقية. هذا التباين في السلوك يدعو المستثمرين إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم وتوقعاتهم بشأن البيتكوين.
## فهم المعروض النقدي M2: قلب السيولة الاقتصادية
المعروض النقدي M2 هو مقياس شامل للكمية الإجمالية للأموال السائلة المتاحة في الاقتصاد. يشمل هذا المقياس النقد المتداول خارج البنوك، الودائع الجارية في البنوك التجارية، حسابات التوفير، الودائع لأجل أقل من 100 ألف دولار، وصناديق سوق المال للأفراد. يُعد M2 مؤشرًا حاسمًا لمستوى السيولة في النظام المالي، وزيادته عادةً ما تعني وجود المزيد من الأموال التي يمكن تخصيصها للأصول ذات المخاطر العالية مثل الأسهم والعملات المشفرة. عندما يرتفع M2، يعني ذلك أن هناك المزيد من الأموال المتوفرة للمستثمرين والمستهلكين، مما قد يؤدي إلى زيادة في الإنفاق والاستثمار.
## لغز السيولة المتزايدة: لماذا لا تستفيد البيتكوين؟
من الناحية النظرية، عندما تزيد البنوك المركزية من طباعة العملات الورقية (الفيات) لتطبيق سياسات التيسير النقدي، يرتفع المعروض النقدي العالمي M2. هذا بدوره يزيد السيولة في النظام المالي ككل، مما يوفر المزيد من الأموال لتخصيصها للأصول الأكثر خطورة والبحث عن عوائد أعلى. ومع ذلك، على الرغم من أن المعروض النقدي M2 في الولايات المتحدة وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق هذا الأسبوع، مسجلاً حوالي 22.2 تريليون دولار وفقًا للبيانات الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، لم تستفد البيتكوين من هذه الزيادة بنفس القدر المتوقع.
بدأ توسع M2 بوتيرة متسارعة في أوائل عام 2024 وقد زاد بأكثر من 7% منذ ذلك الحين. وقد وُصف هذا التوسع بأنه “إضعاف لا هوادة فيه متأصل في النظام المالي”، حيث تؤدي كل دولار جديد تتم طباعته إلى تخفيف قيمة الدولارات الموجودة بالفعل في التداول. هذا التضخم النقدي يجب أن يكون حافزًا قويًا للأصول ذات العرض المحدود مثل البيتكوين، ولكن السوق يشهد رد فعل مختلفًا.
## ضعف الدولار الأمريكي: عامل آخر في معادلة السوق المعقدة
إضافة إلى ديناميكيات M2، شهد الدولار الأمريكي ضعفًا كبيرًا ومستمرًا هذا العام. فقد انخفض مؤشر الدولار (DXY) – وهو مقياس للعملة الخضراء مقابل سلة من ست عملات عالمية رئيسية – بنسبة 12% منذ بداية هذا العام، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ أوائل عام 2022 هذا الشهر. ضعف الدولار غالبًا ما يدفع المستثمرين للبحث عن أصول بديلة للحفاظ على القوة الشرائية، بما في ذلك الذهب والعملات المشفرة.
كل هذه العوامل – زيادة السيولة الناتجة عن توسع M2 وضعف الدولار الأمريكي – كان من المفترض أن تكون مواتية بشكل كبير للبيتكوين، وأن تدفع سعرها نحو الارتفاع. لكن المفاجأة تكمن في أن الأصل ظل يتداول بشكل جانبي خلال الأشهر الثلاثة الماضية وهو الآن منخفض بنسبة 9% عن أعلى مستوى تاريخي له، مما يثير حيرة العديد من المحللين والمستثمرين.
## البيتكوين مقابل الذهب: سردان متناقضان ونظرة على الندرة
بينما يرى البعض أن هذه الظروف يجب أن تكون “نعمة” للبيتكوين، يرى النقاد اللدودون للعملات المشفرة، مثل “بيتر شيف” المعروف بتأييده للذهب، أن البيتكوين في سوق هابطة بالفعل. وقد عزز شيف حجته بالإشارة إلى أنها انخفضت بنسبة 20% مقابل الذهب منذ ذروتها في أغسطس. ومع ذلك، فات الناقد العملات المشفرة الإشارة إلى سياق أوسع وأكثر إيجابية للبيتكوين: فقد حققت العملة الرقمية الرائدة مكاسب مذهلة بنسبة 78% على مدار الاثني عشر شهرًا الماضية، بينما ارتفع الذهب بنسبة 42% فقط خلال نفس الفترة. هذا يبرز أن النظرة طويلة الأجل للبيتكوين لا تزال قوية، على الرغم من التقلبات قصيرة الأجل.
بغض النظر عما إذا كنت تفضل البيتكوين أو الذهب كأصل تحوطي، فإن قيمة البيتكوين ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمبدأ اقتصادي أساسي: الندرة. على عكس العملات الورقية التي يمكن طباعتها بلا حدود من قبل البنوك المركزية، فإن البيتكوين لديها عرض محدود بـ 21 مليون عملة فقط. طالما ستتم طباعة العملات الورقية (الفيات)، واستمرار سياسات التيسير الكمي، ستستمر قيمة البيتكوين في الارتفاع على المدى الطويل نظرًا لمحدودية عددها الإجمالي وحماية قيمتها من التضخم. هذه الندرة هي حجر الزاوية في نظرية القيمة للبيتكوين.
## توقعات سعر البيتكوين والمستويات الرئيسية التي يجب مراقبتها
أغلقت البيتكوين بالقرب من مستوى 114,000 دولار خلال تداولات مساء الأربعاء، لكنها واجهت مقاومة قوية عند هذا المستوى ولم تتمكن من اختراقه. تراجعت بعد ذلك إلى حوالي 111,700 دولار بعد أن وجدت دعمًا عند مستوى أقل قليلاً وقت كتابة هذا التقرير.
انخفض الأصل بنسبة 4.5% خلال الأسبوع الماضي ويحتفظ بمستوى دعم رئيسي يجب على المستثمرين الانتباه إليه. بدون زخم إضافي قوي من المشترين، من المرجح أن يزداد ضغط البيع، مما قد يعمق تصحيح سبتمبر الحالي ويدفع الأسعار إلى مستويات أدنى. يحتاج المستثمرون إلى مراقبة مستويات الدعم والمقاومة عن كثب لتحديد الاتجاهات المستقبلية المحتملة ولتعديل استراتيجياتهم بناءً على سلوك السوق.
## الخلاصة والتفكير المستقبلي
يُظهر الانفصال الحالي بين البيتكوين والمعروض النقدي M2 تعقيدات السوق المتزايدة وتغيرًا محتملاً في ديناميكيات الأصول التي كان يُعتقد أنها راسخة. فبينما يرى البعض أن هذا يقلل من جاذبية البيتكوين كأصل تحوطي فعال في ظل ضعف الدولار وزيادة السيولة، يؤكد آخرون على أهمية ندرتها كقيمة جوهرية طويلة الأجل ستحميها من التضخم النقدي على المدى البعيد. يظل مراقبة سلوك البيتكوين مقابل المؤشرات الاقتصادية الكلية مثل M2 وضعف الدولار أمرًا بالغ الأهمية للمستثمرين في سوق العملات المشفرة المتغير باستمرار. في ظل هذه التطورات، قد يكون من الحكمة للمستثمرين إعادة تقييم كيفية دمج البيتكوين في محافظهم الاستثمارية، مع الأخذ في الاعتبار أدائها الأخير كأصل “عالي المخاطر للارتفاع” بدلاً من “الملاذ الآمن التقليدي”.