“`html

بنك أوف أمريكا يخطط لعملة مستقرة مرتبطة بالدولار وسط تسريع مجلس الشيوخ لقانون GENIUS

تتجه المؤسسات المالية الكبرى بخطوات متزايدة نحو عالم الأصول الرقمية، وفي تطور لافت، أكد الرئيس التنفيذي لبنك أوف أمريكا (Bank of America)، براين موينيهان، أن البنك يخطط لإصدار عملة مستقرة خاصة به مرتبطة بالدولار الأمريكي. يأتي هذا الإعلان في وقت يشهد فيه المشهد التنظيمي في الولايات المتحدة نشاطاً ملحوظاً، خاصة مع تسريع مجلس الشيوخ مناقشة مشروع قانون يخص العملات المستقرة.

وفقًا لتقرير صادر عن رويترز في 11 يونيو، أوضح موينيهان أن البنك يعمل على تطوير داخلي لهذه العملة المستقرة بالتعاون مع مشاركين آخرين في الصناعة. ومع ذلك، شدد على أن أي تقدم في عملية الإطلاق الفعلي سيكون مرهونًا بشكل أساسي بالقواعد الفيدرالية المرتقبة. هذه التصريحات تلقي الضوء على النهج الحذر الذي تتبعه المؤسسات المالية التقليدية الكبرى تجاه تبني التقنيات الجديدة في ظل غياب إطار تنظيمي واضح ومحدد.

أبلغ موينيهان المستثمرين أن البنك “يجب أن يكون مستعدًا” لاحتمالية إصدار هذه العملة، حتى وإن كان الطلب عليها لا يزال غير مؤكد في الوقت الحالي. هذا الاستعداد يعكس إدراك البنك لأهمية مواكبة التطورات في سوق العملات الرقمية والأصول الرمزية، وتجهيز البنية التحتية اللازمة لاستيعابها متى ما سمحت الظروف التنظيمية بذلك.

وأضاف موينيهان أن المشرعين الأمريكيين يناقشون حاليًا تشريعًا “سيسمح لنا بمعرفة ما إذا كان هناك بالفعل عرض عمل حقيقي”، في إشارة إلى مشروع قانون يهدف إلى إنشاء متطلبات موحدة لجودة الاحتياطيات، وعمليات الاسترداد، والإفصاحات المتعلقة بالعملات المستقرة. هذا التشريع، الذي يُعرف بقانون GENIUS، يُنظر إليه على أنه خطوة حاسمة نحو توفير الوضوح التنظيمي الذي تحتاجه البنوك والمؤسسات المالية للانخراط بثقة أكبر في سوق العملات المستقرة.

تشير هذه التصريحات بوضوح إلى أن ثاني أكبر بنك أمريكي من حيث الأصول يهدف إلى مواكبة أقرانه في استكشاف إمكانية استخدام الودائع المرمزة (tokenized deposits) أو إصدار العملات المستقرة، ولكنه لن يتعهد بالدخول الكامل إلى هذا المجال إلا بعد وجود حدود تنظيمية واضحة ومستقرة. هذا النهج يجنب البنك المخاطر المحتملة المرتبطة بالتحرك في بيئة تنظيمية غامضة، ولكنه في الوقت نفسه يبقيه على اطلاع واستعداد للتحرك بسرعة عند توفر الإطار المناسب.

تجارب عالمية: سوسيتيه جنرال يصدر عملة رمزية للمؤسسات

على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، وفي خطوة تعكس تزايد الاهتمام المؤسسي بالعملات المستقرة، أطلق بنك سوسيتيه جنرال (Societe Generale) الفرنسي من خلال ذراعه المتخصصة في الأصول الرقمية، SG-FORGE، عملته المستقرة المسماة USD CoinVertible في 10 يونيو. هذه العملة هي رمز مرتبط بالدولار الأمريكي ومبني على شبكتي إيثيريوم (Ethereum) وسولانا (Solana).

يُعد USD CoinVertible ثاني عملة مستقرة يصدرها البنك الفرنسي، بعد نسخته المرتبطة باليورو التي أُطلقت في عام 2023. الجدير بالذكر أن هذه العملة الجديدة تتوافق مع إطار عمل أسواق الأصول المشفرة (MiCA) الخاص بالاتحاد الأوروبي، والذي يُعد أحد أكثر الأطر التنظيمية شمولاً للعملات المشفرة حتى الآن. عينت SG-FORGE بنك BNY Mellon كوصي على احتياطيات العملة، وتلتزم بنشر تفاصيل يومية عن الضمانات التي تدعمها.

من المقرر أن يبدأ التداول عبر وسطاء متعددين في أوائل يوليو، مع إمكانية تحويل العملة بين الدولار واليورو والرمز الرقمي على مدار 24 ساعة. صرح جان مارك ستينجر، الرئيس التنفيذي لـ SG-FORGE، أن طلب العملاء على التسوية على مدار الساعة جعل أداة مرتبطة بالدولار “الخطوة المنطقية التالية”. هذا يؤكد أن المؤسسات المالية مدفوعة بطلب العملاء على كفاءة وسرعة التسويات التي توفرها تقنية البلوكتشين والأصول الرقمية.

مجلس الشيوخ يسرع مناقشة قانون GENIUS

تزامنت هذه التطورات المتعلقة بالعملات المستقرة مع خطوة تشريعية هامة في الولايات المتحدة. ففي 11 يونيو، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي بنسبة 68 صوتًا مقابل 30 لصالح إنهاء النقاش (invoke cloture) حول قانون “توجيه وإنشاء الابتكار الوطني للعملات المستقرة الأمريكية” (Guiding and Establishing National Innovation for US Stablecoins) المعروف اختصارًا بقانون GENIUS. هذا التصويت ينهي المناقشة العامة ويفتح بابًا لعد تنازلي مدته 30 ساعة لإجراء تصويت نهائي يتطلب أغلبية بسيطة فقط للمرور.

بدأ زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، جون ثون، العد التنازلي لما بعد إنهاء النقاش على الفور. وفي الوقت نفسه، يستعد أعضاء مجلس الشيوخ لمناقشة تعديل بديل صاغه السيناتور بيل هاجرتي، والذي يزيل الحظر المقترح على عمليات الاسترداد العينية ويوضح الإشراف على الجهات المصدرة غير المصرفية للعملات المستقرة. سعت الأغلبية الديمقراطية لإدخال هذه التغييرات بعد فشل محاولة سابقة لإنهاء النقاش.

أبرز أحكام قانون GENIUS المقترح

يهدف قانون GENIUS، إذا تم إقراره، إلى فرض متطلبات صارمة على جميع العملات المستقرة المستخدمة كوسيلة دفع. من أهم هذه المتطلبات:

• يجب أن تحتفظ كل عملة مستقرة باحتياطي يعادل قيمتها واحدًا لواحد مع أصول سائلة عالية الجودة.
• تشمل الأصول المقبولة في الاحتياطي بشكل أساسي سندات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل أو الودائع المؤمن عليها.
• يجب فصل الاحتياطيات بشكل كامل عن أموال التشغيل الخاصة بالجهة المصدرة.

تهدف هذه الأحكام إلى ضمان استقرار العملات المستقرة وحماية المستهلكين والمستخدمين من مخاطر عدم القدرة على استرداد قيمة العملة. الفصل بين الاحتياطيات وأموال التشغيل يضمن أن الأصول الداعمة للعملة المستقرة لن تُستخدم لأغراض تجارية أخرى قد تعرضها للخطر.

إذا اعتمد مجلس الشيوخ تعديل السيناتور بيل هاجرتي ومرر مشروع القانون بشكله المعدل، يمكن لمجلس النواب التصويت على النص نفسه دون الحاجة إلى تشكيل لجنة مؤتمر مشتركة بين المجلسين لتسوية الاختلافات. هذه الإمكانية يمكن أن تسرع بشكل كبير عملية سن القانون وجعله نافذًا.

إن تسريع عملية الموافقة على قانون GENIUS في مجلس الشيوخ يعد مؤشرًا قويًا على أن المشرعين الأمريكيين أصبحوا يدركون الحاجة الملحة لوضع إطار تنظيمي للعملات المستقرة. هذا الإطار لا يخدم فقط هدف حماية المستهلك وتعزيز الاستقرار المالي، بل يُنظر إليه أيضًا على أنه ضروري لتشجيع الابتكار الآمن في هذا المجال ومنح الثقة للمؤسسات التقليدية مثل بنك أوف أمريكا للدخول بقوة أكبر.

إن ربط بنك أوف أمريكا لخططه المتعلقة بالعملات المستقرة بالتقدم التنظيمي، وتزامن ذلك مع التحركات التشريعية السريعة في مجلس الشيوخ، يُظهر بوضوح أن العلاقة بين الابتكار المالي والتنظيم الحكومي هي علاقة وثيقة ومعقدة. المؤسسات الكبرى تفضل البيئات التي توفر اليقين، بينما يسعى المشرعون إلى تحقيق التوازن بين تشجيع الابتكار وضمان الاستقرار المالي وحماية الجمهور.

تجارب مثل تلك التي يقوم بها سوسيتيه جنرال في أوروبا، حيث يوجد بالفعل إطار تنظيمي مثل MiCA، قد توفر نماذج قابلة للتطبيق للمنظمين في الولايات المتحدة. إن القدرة على إصدار عملات مستقرة متوافقة مع التنظيمات وتقديم خدمات تسوية على مدار الساعة تعكس الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن توفرها هذه التقنيات للقطاع المالي، بشرط وجود البيئة التشريعية المناسبة.

بالنسبة لبنك أوف أمريكا، فإن الاستعداد والبقاء على اطلاع مع انتظار القواعد الفيدرالية هو استراتيجية حذرة ومبررة. إذا تم إقرار قانون GENIUS بالشكل الذي يوفر الوضوح والحماية المطلوبة، فقد نشهد دخولًا أسرع وأكثر حزمًا ليس فقط من بنك أوف أمريكا، ولكن أيضًا من مؤسسات مالية أمريكية أخرى إلى سوق العملات المستقرة والأصول الرمزية.

إن التطورات المتزامنة في كل من القطاع المصرفي (خطط بنك أوف أمريكا، إطلاق سوسيتيه جنرال) والقطاع التشريعي (تسريع قانون GENIUS) تؤكد أن العملات المستقرة لم تعد مجرد موضوع يهم عشاق العملات المشفرة، بل أصبحت على جدول أعمال أكبر المؤسسات المالية والحكومات حول العالم. الطريق نحو تبني واسع النطاق من قبل المؤسسات لا يزال يتطلب تجاوز بعض العقبات، أبرزها بناء الثقة وتوفير إطار تنظيمي يحقق الأمان والابتكار معًا.

الوقت وحده كفيل بأن يظهر مدى سرعة وكفاءة المشرعين الأمريكيين في إتمام عملية سن قانون GENIUS أو تشريعات مماثلة، ومدى تأثير ذلك على قرارات المؤسسات المالية مثل بنك أوف أمريكا بخصوص إطلاق عملاتها المستقرة الخاصة. ولكن المؤشرات الحالية تشير إلى أننا نقترب من مرحلة سيكون للعملات المستقرة دور محتمل ومهم في مستقبل المدفوعات والخدمات المالية.

“`