ektsadna.com
أخبار عامةالأخبار المتعلقة بالبلوكتشينالاقتصاد والتمويلالبلوكتشين

البيتكوين يفرض معضلة سياسية ثلاثية على البنوك المركزية: تحديات ونفوذ





البيتكوين يفرض معضلة سياسية عالمية على البنوك المركزية

ال يفرض معضلة سياسية عالمية على البنوك المركزية

في عالم المال والتكنولوجيا المتغير باستمرار، لا يزال البيتكوين، العملة الرقمية الرائدة، يشكل موضوعًا للنقاش الساخن، خاصة في دوائر البنوك المركزية والمؤسسات المالية التقليدية. ليس سرًا أن العديد من هذه المؤسسات تنظر إلى البيتكوين بعين الريبة والقلق، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى طبيعته الة وقدرته على العمل خارج نطاق السيطرة الحكومية والمصرفية المباشرة. ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة وآراء الخبراء إلى أن نفوذ البيتكوين قد نما إلى درجة أنه أصبح يفرض تحديات هيكلية وسياسية على البنوك المركزية لم تكن متوقعة في السابق.

وفقًا للعديد من الملاحظين والمحللين، فإن البيتكوين قد وضع البنوك المركزية في موقف لا تحسد عليه، وهو ما وصفه المؤلف آدم ليفينغستون في 9 يوليو بأنه “لا مفر منه”. يرى ليفينغستون أن البنوك المركزية تواجه “تحديًا غير مسبوق”، يتمثل في عدم قدرتها على “طباعة” البيتكوين لتعزيز أو الدفاع عن عملاتها الورقية الوطنية. هذا التحدي الأساسي يختلف جذريًا عن الأدوات التقليدية التي تمتلكها البنوك المركزية للتأثير على قيمة عملاتها، مثل طباعة المزيد من النقود أو تعديل أسعار الفائدة.

عدم القدرة على طباعة البيتكوين لخلق المعروض حسب الحاجة، كما هو الحال مع العملات الورقية (الفيات)، يخلق ما يسميه ليفينغستون “معضلة سياسية ثلاثية”. هذه المعضلة تضع صانعي السياسات أمام ثلاثة خيارات صعبة، كل منها له عواقب وخيمة على استقرار النظام المالي التقليدي وفعالية البنوك المركزية في إدارة الاقتصادات:

  • رفع أسعار الفائدة: يمكن للبنوك المركزية محاولة الدفاع عن عملتها الوطنية عن طريق رفع أسعار الفائدة. تهدف هذه الخطوة التقليدية إلى جعل الاحتفاظ بالعملة المحلية أكثر جاذبية للمستثمرين (مما يزيد الطلب عليها) وجعل الاقتراض أكثر تكلفة (مما يقلل المعروض من النقود المتداولة)، وكلاهما يمكن أن يساعد في دعم قيمة العملة. ومع ذلك، فإن رفع أسعار الفائدة بشكل كبير يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي، زيادة تكلفة خدمة الدين العام والخاص، وربما يتسبب في ركود. في سياق البيتكوين، قد لا يكون رفع أسعار الفائدة كافيًا لمواجهة الرغبة المتزايدة في التحول إلى أصول رقمية خارج النظام التقليدي، خاصة إذا كانت دوافع هذا التحول مرتبطة بفقدان الثقة في العملات الورقية نفسها.
  • استنزاف احتياطيات العملات الأجنبية: خيار آخر هو استخدام احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية (مثل ال الأمريكي أو اليورو) أو الذهب لشراء العملة المحلية في السوق المفتوحة. يزيد هذا الطلب على العملة المحلية وبالتالي يدعم قيمتها. لكن هذه الاستراتيجية محدودة بكمية الاحتياطيات المتاحة وهي غير مستدامة على المدى الطويل إذا كان هناك ضغط بيع مستمر على العملة المحلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن استنزاف الاحتياطيات يضعف قدرة البنك المركزي على التعامل مع الأزمات المستقبلية ويقلل من ثقة السوق في قدرته على الدفاع عن العملة.
  • الانضمام إلى الهجرة وشراء البيتكوين: الخيار الثالث، والأكثر إثارة للجدل، هو أن تقوم البنوك المركزية بنفسها بشراء البيتكوين. هذا الخيار يمثل اعترافًا ضمنيًا بأهمية البيتكوين كأصل احتياطي أو كشكل جديد من أشكال المال. يقول ليفينغستون إن هذا الإجراء من شأنه أن “يضفي الشرعية على الاتجاه الذي تحاول مكافحته” في المقام الأول. لو أن بنكًا مركزيًا بدأ في تحويل جزء من احتياطياته إلى البيتكوين، فسيكون ذلك بمثابة إشارة قوية جدًا للسوق بأن البيتكوين ليس مجرد ظاهرة عابرة ولكنه أصل ذو قيمة جوهرية يمكن أن يلعب دورًا في النظام المالي العالمي. ومع ذلك، فإن اتخاذ مثل هذه الخطوة يتطلب تحولًا جذريًا في الفلسفة والمهمة الأساسية للبنوك المركزية، ويواجه عقبات قانونية وسياسية هائلة.

يؤكد ليفينغستون أن هذه المعضلة تشير إلى “تحول أساسي في ميزان القوى بين البيتكوين والحكومات”، مختتمًا بالقول “السوق الحرة ستنتصر”. هذه النظرة تعكس الرأي القائل بأن قدرة البيتكوين على العمل بشكل مستقل عن السيطرة المركزية تمنحه ميزة تنافسية في بيئة تتزايد فيها الشكوك حول إدارة الحكومات والبنوك المركزية للاقتصادات والعملات الورقية.

تآكل قيمة العملات الورقية (الفيات)

أحد الدوافع الرئيسية وراء هذا التحول المحتمل نحو الأصول الرقمية مثل البيتكوين هو التآكل المستمر في قيمة العملات الورقية، أو ما يعرف بـ “الإنقاص” (Debasement)، والذي غالبًا ما يكون نتيجة للطباعة المفرطة للنقود من قبل البنوك المركزية والحكومات. تاريخيًا، كان التضخم دائمًا تحديًا، لكن الزيادات الكبيرة في الدين العام والاستجابات للأزمات الاقتصادية (مثل الأزمة المالية العالمية لعام 2008 وجائحة كوفيد-19) أدت إلى سياسات تيسير كمي غير مسبوقة، والتي يتهمها الكثيرون بأنها ساهمت في تسارع تآكل القوة الشرائية للعملات الورقية.

لا يزال عدد قليل جدًا من البلدان قد تبنت رسميًا استراتيجية وطنية للاحتفاظ بالبيتكوين كاحتياطي سيادي. السلفادور وبوتان هما الدولتان الأكثر شهرة في هذا الصدد، حيث تحتفظ السلفادور بـ 6,089 بيتكوين وبوتان بـ 13,029 بيتكوين (الأرقام المذكورة هي حسب بيانات سابقة وقد تكون تغيرت). هذه الخطوات، رغم أنها محدودة من حيث عدد الدول، تعتبر رائدة وتشير إلى إمكانية وجود اتجاه مستقبلي للدول الصغيرة أو المتوسطة التي تبحث عن بدائل للعملات الاحتياطية التقليدية أو وسيلة لحماية ثرواتها الوطنية من تدهور قيمة العملات الورقية العالمية.

بالإضافة إلى ذلك، يُقال إن العديد من الدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين وأوكرانيا، تحتفظ بكميات غير معلنة رسميًا من البيتكوين، غالبًا ما تكون مصادرة من أنشطة غير قانونية. على الرغم من أن هذه الحيازات ليست جزءًا من استراتيجية احتياطي معلنة، إلا أنها تعكس وجود البيتكوين كأصل ذي قيمة حتى لدى الحكومات التي تنتقده علنًا. يشير هذا الوضع إلى نوع من “نظرية ال” المحيطة بالتبني السيادي، كما قال أحد مستخدمي يوتيوب المتخصصين في العملات المشفرة يُعرف باسم “Professor Crypto”، الذي يرى أن “عصر اختيار العملات الورقية يوشك على الانتهاء بهدوء، ونظرية الألعاب حول التبني السيادي تزداد سخونة”.

يتفق العديد من المحللين ورجال الأعمال المعروفين في مجال العملات المشفرة، مثل أنتوني بومبليانو، وويلي وو، وآرثر هايز، على أن عملية تآكل قيمة العملات الورقية من خلال طباعة النقود ستستمر. يرى ويلي وو، على سبيل المثال، أن “السبب الرئيسي لإنشاء البيتكوين هو التآكل، وطباعة البنوك المركزية للنقود الورقية، مما يؤدي إلى التضخم المفرط”. يؤكد هذا الرأي أن البيتكوين وُلد كاستجابة مباشرة للمخاوف بشأن إدارة المال المركزي وقدرته على الحفاظ على القوة الشرائية على المدى الطويل.

دراسة أجرتها Kalypsus Research أشارت في وقت سابق إلى أن “جميع الحكومات الكبرى غارقة في الديون لدرجة أنها ستضطر إلى الطباعة وتسييل الديون لسدادها”. هذه ال تتماشى مع وجهة النظر القائلة بأن الدين العام المتزايد يترك للحكومات خيارات محدودة لسداد التزاماتها، وأن طباعة المزيد من النقود غالبًا ما تكون المسار الأقل مقاومة سياسيًا على المدى القصير، حتى لو كان ذلك على حساب القوة الشرائية على المدى الطويل. “هذا هو سبب تحول المستثمرين إلى البيتكوين. لا يمكن للحكومات تآكل قيمته عن طريق طباعة المزيد من النقود.” يمثل البيتكوين، بحد أقصى ثابت لإجمالي العرض عند 21 مليون وحدة، ملاذًا من التضخم لمن يخشون تآكل قيمة أصولهم المقومة بالعملات الورقية.

يُتوقع أن يتضاعف حجم الدين العالمي الذي سيتم إصداره في العقد القادم مقارنة بالعبء الحالي، وأن البنوك المركزية ستعمل على تسييل جزء كبير من هذا الدين، مما يعني فعليًا طباعة المزيد من النقود لشرائه. هذا السيناريو، إذا تحقق، سيزيد من الضغط على قيمة العملات الورقية ويعزز جاذبية الأصول النادرة مثل البيتكوين كتحوط ضد التضخم.

بطء التبني ودفع العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)

على الرغم من الضغوط والتحديات التي يفرضها البيتكوين، من غير المرجح أن تسارع البنوك المركزية إلى تبنيه بالكامل في المستقبل القريب. إن الوظيفة الأساسية للبنك المركزي هي تحديد السياسة النقدية، والحفاظ على استقرار الأسعار، والتحكم في تدفق الأموال داخل الاقتصاد، بما في ذلك تعاملات مواطنيهم. يمثل البيتكوين تهديدًا كبيرًا لآليات التحكم هذه لأنه يسمح للأفراد بالتعامل فيما بينهم أو من خلال منصات لامركزية دون الحاجة إلى وسطاء بنكيين أو رقابة حكومية.

تظهر المشكلة من منظور البنوك المركزية عندما يرغب المستخدمون في تحويل عملاتهم الرقمية إلى عملات ورقية (فيات). في هذه المرحلة، يمكن للبنوك والسلطات استعادة بعض نفوذها من خلال التحكم في “مخارج السيولة” (Exit Ramps) – أي نقاط التحويل بين العملات الرقمية والعملات الورقية – كـ “نقطة اختناق” (Chokepoint) يمكن للحكومات ممارسة نفوذها من خلالها. تسمح العديد من البلدان بتداول العملات المشفرة الخاضع للتنظيم، والذي يمكن فرض ضرائب عليه، وغالبًا ما تقيد استخدام العملات المشفرة كوسيلة دفع مباشرة، والتي تتجاوز النظام المصرفي التقليدي والرقابة عليه.

علاوة على ذلك، تخشى البنوك المركزية أيضًا فقدان السيطرة على المعروض النقدي بشكل عام، لا سيما مع انتشار (Stablecoins) التي ترتبط قيمتها بأصول تقليدية مثل الدولار، وظاهرة “التحول إلى الدولار المشفر” (Crypto-dollarization) حيث يبدأ الناس في استخدام العملات المشفرة كبديل للعملة المحلية المتدهورة في بعض الاقتصادات. هذا الخوف هو دافع رئيسي وراء سعي العديد من البنوك المركزية لتطوير وإصدار “العملات الرقمية للبنوك المركزية” (CBDCs). تعتبر العملات الرقمية للبنوك المركزية بمثابة بدائل رقمية للعملة الورقية الحالية، ولكنها مصممة لتكون تحت السيطرة الكاملة والمركزية للبنك المركزي. باكستان هي إحدى الدول الأحدث التي أعلنت عن خطط لاستكشاف العملات الرقمية للبنوك المركزية، وتُظهر هذه الحركة رغبة البنوك المركزية في التحديث مع الحفاظ على صلاحياتها التقليدية في إدارة المال والسياسة النقدية في العصر الرقمي.

في الختام، يضع صعود البيتكوين والعملات الرقمية البنوك المركزية أمام مفترق طرق معقد. المعضلة السياسية الثلاثية التي وصفها آدم ليفينغستون تسلط الضوء على التحديات الأساسية التي تواجهها هذه المؤسسات في محاولة التكيف مع مشهد مالي يتغير بسرعة. سواء اختارت البنوك المركزية رفع أسعار الفائدة، أو استنزاف الاحتياطيات، أو حتى النظر في تبني البيتكوين نفسه (وهو أمر مستبعد على نطاق واسع في الوقت الحالي)، فإن عليها مواجهة حقيقة أن العملات الرقمية قد أدخلت عنصرًا جديدًا وقويًا في النظام المالي العالمي يختبر حدود سيطرتها ونفوذها. تآكل قيمة العملات الورقية بسبب الديون والطباعة المستمرة يعزز جاذبية البيتكوين كبديل. وبينما تسعى البنوك المركزية للحفاظ على سيطرتها من خلال آليات مثل التحكم في مخارج السيولة وتطوير العملات الرقمية للبنوك المركزية، فإن التفاعل بين الأنظمة المالية التقليدية والعالم الرقمي اللامركزي للعملات المشفرة لا يزال في مراحله المبكرة، ومن المرجح أن يستمر في تشكيل مستقبل المال والاقتصاد العالمي لسنوات قادمة.

“`

مواضيع مشابهة