تباطؤ صعود البيتكوين بسبب حيتان “المدارس القديمة”: محلل يحذر
شهدت أسواق العملات المشفرة هذا الأسبوع تقلبات حادة في أسعار البيتكوين، وهي تقلبات يُعزى جزء كبير منها إلى تحركات مفاجئة قام بها حائزون كبار ومالكون مبكرون ذوو جيوب عميقة. هذه الظاهرة، التي تُعرف بتأثير “الحيتان”، تسلط الضوء مرة أخرى على مدى حساسية السوق للتحركات الكبيرة من قبل اللاعبين الرئيسيين. فبينما يترقب الكثيرون صعودًا قويًا للبيتكوين في هذه الدورة، يبدو أن هناك قوى خفية تعمل على إبطاء هذا الزخم، مما يثير تساؤلات حول طبيعة السوق وتأثير اللاعبين الكبار على أكبر عملة مشفرة في العالم.
لا يقتصر الأمر على مجرد عمليات بيع عشوائية، بل يشير المحللون إلى أن الأيدي التي تحتفظ بالبيتكوين منذ فترة طويلة، والتي اشترتها بأسعار زهيدة للغاية، تلعب دوراً حاسماً في ديناميكيات العرض والطلب الحالية. فهم يمتلكون كميات هائلة من العملات التي يمكن أن تحدث فروقات هائلة في السوق بمجرد تحريكها. هذه الخلفية التاريخية تجعل من كل قرار بيع أو تحويل من قبل هؤلاء “الحيتان القديمة” حدثاً ذا أهمية قصوى يترقبه السوق بشدة، وقد يؤثر على الملايين من المستثمرين والمتداولين.
الحيتان القديمة تحتفظ بأرباح عميقة
وفقًا للمحلل البارز ويلي وو (Willy Woo)، فإن المعروض من البيتكوين محتجز بشدة من قبل “حيتان العصابات الأصلية” (OG “original gangster” whales) الذين بنوا مراكز كبيرة في حوالي عام 2011 عندما كان سعر البيتكوين يتداول بسعر 10 دولارات تقريبًا. هذه الفئة من المستثمرين تمتلك كميات هائلة من البيتكوين تم شراؤها بأسعار منخفضة جداً لدرجة أن أي عملية بيع بسيطة يمكن أن تدر عليهم أرباحاً فلكية، مما يجعلهم قوة سوقية لا يستهان بها، قادرة على التأثير على اتجاهات الأسعار بشكل كبير.
حذر وو من أن الفجوة الكبيرة في “أساس التكلفة” (cost basis) تحدث فرقًا هائلاً. وأوضح أن الأمر يتطلب الآن ما يقرب من 110,000 دولار من رأس المال الجديد لامتصاص كل عملة بيتكوين يختار هؤلاء الحائزون بيعها. هذا يعني أن كل عملية بيع يقوم بها حوت قديم لا تقتصر على إغراق السوق بالمعروض فحسب، بل تتطلب ضخًا مكثفًا من السيولة الجديدة للحفاظ على استقرار السعر أو دفعه نحو الأعلى، وهذا ما يجعل الصعود السريع أمرًا صعب التحقق.
يساعد هذا التحليل في تفسير سبب بطء حركة الأسعار حتى مع تزايد اهتمام السوق الإجمالي بالبيتكوين. فمع كل زخم صعودي يظهر، قد يقابله ضغط بيعي من هؤلاء الحيتان الذين يسعون لتحقيق أرباحهم الكبيرة، مما يؤدي إلى “تبريد” الارتفاعات السريعة ومنع الارتفاعات الجامحة. يصبح السوق في حالة توازن دقيق بين تدفق رأس المال الجديد ورغبة الحائزين القدامى في جني الأرباح، مما يفسر التذبذبات المستمرة في الأسعار.
في إشارة إلى تأثير هؤلاء اللاعبين، ذكر مراقبو السوق أن تحويل حوت واحد من البيتكوين إلى الإيثر ساعد في إحداث عمليات بيع سريعة أدت لفترة وجيزة إلى خفض حوالي 45 مليار دولار من القيمة السوقية للبيتكوين. هذه الحادثة هي دليل ملموس على القوة الهائلة التي يمتلكها هؤلاء المستثمرون الكبار وكيف يمكن لحركة واحدة منهم أن تهز السوق بأكمله، وتغير من مسار الأسعار بشكل جذري في غضون دقائق.
تساؤل يطرح نفسه بقوة في أذهان الكثيرين حول أسباب بطء صعود البيتكوين في هذه الدورة السوقية. الإجابة تتلخص في النقاط التالية، كما أوضحها ويلي وو:
- تركز العرض: يتم تركيز عرض البيتكوين حول حيتان “العصابات الأصلية” (OG whales) الذين بلغوا ذروة مقتنياتهم في عام 2011. هذا يعني أن جزءًا كبيرًا من المعروض ليس في أيدي المتداولين النشطين، بل في محافظ المستثمرين على المدى الطويل.
- تكلفة الشراء المنخفضة للغاية: اشترى هؤلاء الحيتان عملات البيتكوين الخاصة بهم بسعر 10 دولارات أو أقل، مما يعني أن لديهم هامش ربح هائل يسمح لهم بالبيع عند أي سعر مرتفع.
- الحاجة إلى رأس مال ضخم للامتصاص: يتطلب الأمر أكثر من 110 آلاف دولار من رأس المال الجديد لامتصاص كل عملة بيتكوين واحدة يبيعونها. هذا يفسر الصعوبة في رؤية قفزات سعرية سريعة ومستمرة، حيث يحتاج السوق لسيولة هائلة لامتصاص الضغط البيعي.
انهيار مفاجئ وسريع في الأسعار
بناءً على التقارير المتاحة، شهدت البيتكوين انزلاقًا حادًا من 114,500 دولار إلى 112,980 دولارًا في غضون تسع دقائق فقط، ولامست لفترة وجيزة مستوى 112,050 دولارًا، وفقًا لبيانات CoinMarketCap. هذا الانخفاض السريع يبرز هشاشة السوق وسرعة استجابته للأحداث الكبيرة. لم تكن البيتكوين وحدها المتضررة؛ فقد انخفض سعر الإيثر (ETH) بنسبة 3.8% في نفس الفترة، هابطًا من 4,925 دولارًا إلى 4,680 دولارًا. ورغم هذا الانخفاض السريع، فقد استعادت الأسعار لاحقًا حوالي نصف تلك الخسائر، مما يدل على مرونة السوق وقوة الشراء الكامنة التي تظهر بعد الانخفاضات الحادة.
يشير المتداولون إلى أن سلسلة من التحويلات الكبيرة كانت هي الشرارة التي أطلقت هذه الحركة الهابطة. هذه التحويلات، التي عادة ما تتم من قبل اللاعبين الكبار أو “الحيتان”، غالبًا ما تكون مؤشرًا مبكرًا على تحولات محتملة في السوق. فهم يتمتعون بالقدرة على تحريك كميات هائلة من الأصول بين المنصات أو المحافظ، مما يؤثر بشكل مباشر على العرض والطلب ويخلق ضغوطًا بيعية أو شرائية مفاجئة.
دوران الحيتان والتحويلات الكبيرة
تُظهر سجلات Blockchain.com أنه تم إرسال حوالي 24,000 بيتكوين – ما يعادل حوالي 2.7 مليار دولار في ذلك الوقت – إلى منصة المشتقات اللامركزية Hyperliquid عبر ستة تحويلات بدأت في 16 أغسطس. هذه الخطوة بحد ذاتها كانت كافية لإثارة الشكوك والتكهنات حول نوايا هذا الحوت وتأثيره المحتمل على السوق.
من هذا المبلغ الضخم، تم بيع 18,142 بيتكوين، وتم تحويل جزء كبير من العائدات إلى 416,590 إيثر (ETH)، حسبما أفاد محلل يُعرف باسم MLM. هذه الخطوة، وهي عبارة عن “دوران” كبير من عملة إلى أخرى، تُظهر استراتيجية معينة من قبل الحوت تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة من تحركات السوق. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تم رهن جزء من هذا الإيثر – حوالي 275,500 إيثر – بقيمة تبلغ حوالي 1.3 مليار دولار. يشير الرهن (staking) عادةً إلى نية الاحتفاظ بالأصول على المدى الطويل والاستفادة من عوائد الشبكة، ولكنه في هذا السياق، يمكن أن يكون جزءًا من استراتيجية أكبر لتعزيز مركز الحوت في النظام البيئي للإيثر.
تحديد المواقع الاستراتيجي والمكاسب الكبيرة
لم يكتفِ الحوت بتحويل الأصول فحسب، بل أفادت التقارير أيضًا أنه اتخذ مراكز رافعة مالية كبيرة، حيث قام بـ “شراء” (longing) 135,260 إيثر على Hyperliquid، ليصل إجمالي تعرضه إلى ما يقرب من 551,861 إيثر، بقيمة تتجاوز 2.6 مليار دولار. تُعرف مراكز الرافعة المالية بأنها استراتيجية عالية المخاطر وعالية العائد، يستخدمها المتداولون الكبار لتضخيم أرباحهم المحتملة من تحركات الأسعار، لكنها تتطلب فهمًا عميقًا للسوق وقدرة على تحمل المخاطر.
هذه الصفقة أدت إلى تحقيق صافي ربح يقارب 185 مليون دولار، وفقًا لنفس المحلل. وقد أدت هذه المراكز الطويلة إلى تعزيز أسعار الإيثر مع اتباع المتداولين الآخرين للتدفقات الكبيرة لرأس المال، مما خلق زخماً صعودياً مؤقتاً. وعندما بدأ الحوت في إغلاق مراكزه، أدت الانعكاسات السريعة إلى أوامر بيع متتالية، مما أثر بدوره على سعر الإيثر بشكل كبير وأدى إلى تقلبات ملحوظة. يبرز هذا الحدث الدور المحوري الذي تلعبه الحيتان في توجيه معنويات السوق وتحديد اتجاهات الأسعار قصيرة المدى، سواء كان ذلك عن قصد أو نتيجة لردود فعل السوق العضوية.
في سياق متصل، تُشير التقارير إلى أن هذا الحوت لا يزال يتحكم في 152,874 بيتكوين موزعة عبر عدة عناوين، وأن هذه الأموال قد تحركت في الأصل من إحدى منصات التداول قبل حوالي ست سنوات. هذا يؤكد على أن هذه ليست حركة عشوائية أو ناجمة عن متداول مبتدئ، بل هي جزء من استراتيجية مدروسة بعناية من قبل لاعب يمتلك خبرة طويلة وكميات هائلة من الأصول، مما يجعله قوة لا يستهان بها في سوق العملات المشفرة.
قوى متضاربة في السوق وتأثيرها المستقبلي
يرى مراقبو السوق أن هناك قوتين رئيسيتين تعملان في السوق حاليًا، وتتفاعلان لتشكيل حركة الأسعار واتجاهاتها:
- الحائزون الخاملون منذ فترة طويلة: هؤلاء هم المستثمرون الأوائل الذين يجلسون على أرباح هائلة غير محققة من استثماراتهم المبكرة. قد يختارون بيع جزء من مقتنياتهم لجني الأرباح في الأوقات التي يرون فيها الأسعار جذابة، مما يضع ضغطًا بيعيًا على السوق ويحد من الارتفاعات السريعة.
- المتداولون النشطون ذوو رؤوس الأموال الكبيرة: يستخدم هؤلاء اللاعبون تحويلات كبيرة لعمليات “الدوران” لالتقاط التحركات قصيرة الأجل في السوق وتحقيق مكاسب سريعة من التذبذبات اليومية أو الأسبوعية. هذه التحركات يمكن أن تكون مفاجئة وتؤدي إلى تقلبات حادة.
إذا تحرك المزيد من الـ 152,874 بيتكوين التي لا يزال الحوت يسيطر عليها إلى السوق، فقد يختبر البائعون الطلب مرة أخرى، مما قد يؤدي إلى مزيد من التقلبات أو حتى انخفاض الأسعار إذا لم يكن هناك ما يكفي من رأس المال الجديد لامتصاص المعروض. هذه الكمية من البيتكوين تمثل قوة بيعية محتملة كبيرة يمكن أن تؤثر على اتجاه السوق على المدى القصير والمتوسط، مما يجعل المستثمرين في حالة ترقب مستمر.
من ناحية أخرى، فإن كمية الإيثر التي يتم رهنها تشير إلى نية طويلة الأجل من قبل اللاعبين الكبار. الرهن يعني حجز العملات للمساعدة في تأمين الشبكة وكسب مكافآت، وهو عادة ما يكون مؤشرًا على الثقة في قيمة الأصل على المدى الطويل وعلى رغبة في المشاركة في اقتصاد الشبكة. هذا التباين في الاستراتيجيات – البيع لجني الأرباح قصيرة الأجل مقابل الرهن من أجل المستقبل – يضيف تعقيدًا إلى ديناميكيات السوق ويجعل من الصعب التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية بشكل قاطع، مما يستدعي تحليلًا مستمرًا ودقيقًا.
في الختام، يظل تأثير “الحيتان” على سوق العملات المشفرة حقيقة لا يمكن تجاهلها. سواء كانوا حائزين قدامى يسعون لجني أرباحهم التاريخية أو متداولين نشطين يستغلون تقلبات السوق، فإن تحركاتهم تشكل عاملًا رئيسيًا في تحديد مسار الأسعار. ولذلك، فإن مراقبة هذه التحركات وتحليلها يظل أمرًا حيويًا لأي مستثمر أو متداول في هذا الفضاء المتغير باستمرار، ليكونوا على دراية بالمخاطر والفرص المحتملة.