تحديث Bitcoin Core v30.0: ثورة OP_RETURN المثيرة للجدل وانقسام المجتمع
شهد عالم العملات المشفرة وتكنولوجيا البلوك تشين مؤخرًا حدثًا هامًا هز أركان مجتمع بيتكوين: إطلاق تحديث Bitcoin Core v30.0. هذا التحديث، الذي طال انتظاره من قبل المجتمع، يمثل نقطة تحول قد تعيد تشكيل مستقبل أكبر عملة مشفرة في العالم. في حين أن التحديث يجلب تحسينات مهمة مثل الاتصالات المشفرة للعقد وتحسينات في الأداء والرسوم، إلا أن التغيير الجوهري في وظيفة OP_RETURN هو الذي أثار أوسع ردود الأفعال وأشعل شرارة نقاش حاد داخل مجتمع بيتكوين. فما الذي تغير بالضبط، ولماذا انقسم المطورون ومؤيدو البيتكوين بين من يراه “برنامجًا ضارًا” ومن يراه “تطورًا طبيعيًا”؟
ما هو OP_RETURN وماذا حدث له؟
لفهم جوهر الجدل، يجب أن نغوص أولاً في ماهية OP_RETURN. تُعرف هذه الميزة بأنها “جدار رسومات البيانات” المدمج في البيتكوين، وتسمح للمستخدمين بإرفاق بيانات وصفية – مثل النصوص أو الصور أو التوقيعات الرقمية – بمعاملات البيتكوين دون التأثير على وظيفتها المالية الأساسية. حتى وقت قريب، كان كل مُخرج من نوع OP_RETURN يستطيع حمل ما يصل إلى 80 بايت من البيانات، مما يحد من حالات الاستخدام غير المالية.
لكن التحديث الجديد، v30.0، غيّر هذه المعادلة بشكل جذري. فقد وسّع هذا الإصدار الجديد الحد الأقصى للبيانات المسموح بها في OP_RETURN الواحد إلى 100,000 بايت. ليس هذا فحسب، بل سمح التحديث أيضًا بتضمين مُخرجات OP_RETURN متعددة في المعاملة الواحدة، مما يعني أنه يمكن الآن ترحيلها وتعدينها بشكل افتراضي. عمليًا، يعني هذا أن مشغلي العقد الذين يقومون بتشغيل الإصدار v30 يمكنهم الآن معالجة المعاملات التي تحتوي على هياكل بيانات أكبر وأكثر تعقيدًا، بدءًا من النقوش (Inscriptions) التي تشبه رموز NFT وصولاً إلى بيانات تعريف التطبيقات، دون الحاجة إلى تكوين يدوي.
يصف المطورون هذا التغيير بأنه تمكين “تجريب غني على السلسلة”. وقد ادعى أحد محللي السوق أن: “OP_RETURN صُممت للاستخدام. تخيل قوة سجل غير قابل للرقابة والتعديل. لا يستطيع المنتصرون إعادة كتابة التاريخ. يمكن للبشرية نقش الحقائق من وجهة نظرهم، في تلك اللحظة بالذات. هذا منجم ذهب للمؤرخين المستقبليين وقفزة لا تصدق للبشرية.” هذا التصور يفتح آفاقًا واسعة لاستخدام البيتكوين ليس فقط كعملة رقمية، بل كمنصة لتخزين البيانات التاريخية والثقافية بطريقة غير قابلة للتغيير.
المخاطر المحتملة: التضخم والضغط على الرسوم
على الرغم من الفوائد المحتملة، يحذر آخرون من أن هذا التغيير قد يؤدي إلى تسريع “انتفاخ البلوك تشين” وزيادة الضغط على رسوم المعاملات، خاصة إذا قام المستخدمون بإغراق “الميمبول” (mempool – منطقة انتظار المعاملات) بملفات بيانات كبيرة الحجم.
وفقًا لبيانات Mempool Research، تمثل النقوش ومعاملات OP_RETURN بالفعل 40% من جميع معاملات البيتكوين من حيث العدد، و10% من حيث الرسوم، و28% من حيث الوزن. هذه الأرقام تثير القلق، فإذا ازداد تبني هذه المعاملات كثيفة البيانات، فقد يدفع ذلك متوسط حجم كتلة البيتكوين إلى ما يتجاوز 1.5 ميجابايت حاليًا، ليصل إلى 4 ميجابايت لكل كتلة. هذه القفزة الهائلة قد تعيد تشكيل اقتصاد الشبكة بأكمله، وتؤثر على سرعة المعاملات وتكاليفها، وربما على استقرار الشبكة على المدى الطويل.
انقسام المجتمع: فائدة أم بريد عشوائي؟
لقد أشعل هذا التغيير جدلاً حادًا بين مطوري البيتكوين ومشغلي العقد. يرى البعض أنه تطور طبيعي يمنح البيتكوين تكافؤًا مع سلاسل الكتل التي تدعم العقود الذكية مثل إيثيريوم، مما يوسع من حالات استخدامها. بينما يرى آخرون أنه يخاطر بتخفيف الدور الأساسي للبيتكوين كشبكة مالية من نظير إلى نظير.
كان المطور البارز لوك داشجر من أشد منتقدي التغيير، حيث صرح بأن Core 30 “كسر” التحكم في حجم حامل البيانات وأهمله تمامًا، مما سمح بظهور المزيد من “مُخرجات البريد العشوائي” لكل معاملة. وفقًا لداشجر: “لا يدعم البيتكوين تخزين البيانات بما يتجاوز (على الأكثر*) 80 بايت (في OP_RETURN، ولكن هذا ليس جوهريًا) المرفقة بمعاملة مالية؛ أو 95 بايت لكل كتلة في Coinbase. هذا ليس كبيرًا بما يكفي لتشمل مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال (CSAM). استغلال الثغرات الأمنية، كما هو الحال مع النقوش، ليس سلوكًا/حالة استخدام مدعومة، بل هو مجرد إساءة استخدام لأكواد السكربت. إنه لا يخزن البيانات بحد ذاتها، بل يضر بالبيتكوين ببرامج نصية زائفة. توسيع OP_RETURN يزيد من حجم تخزين البيانات _المدعوم_، وهو كبير بما يكفي لتضمين CSAM.”
نظرًا لذلك، وصف داشجر الإصدار v30 بأنه “برنامج ضار” وحث على “هجرة جماعية إلى Knots”، وهو عميل بديل يفرض سياسات أكثر صرامة.
ومع ذلك، رد الرئيس التنفيذي لـ Blockstream، آدم باك، بأن شيطنة تغييرات OP_RETURN ترقى إلى “مهاجمة البيتكوين”. ووفقًا لباك، يتضمن التحديث إصلاحات أمنية ومتانة مشروعة من “بعض المطورين الأكثر مهارة على هذا الكوكب”، مشيرًا إلى أن هذه التغييرات هي نتيجة عمل جماعي ومدروس، وليست هجومًا على جوهر البيتكوين.
ماذا بعد؟ مقترحات لحل الأزمة
وسط هذا الانقسام، اقترح بعض أعضاء المجتمع حلولًا وسطية على مستوى السياسة لهذا التحديث. اقترح نيك سابو، عالم التشفير الشهير: “إلغاء استخدام OP_RETURN لوظائف المعاملات المالية في المستقبل؛ وإضافة القدرة على تقليم مُخرجات OP_RETURN الأحدث مع الاحتفاظ بالقديمة.” هذا الاقتراح يسعى إلى فصل استخدام OP_RETURN لأغراض البيانات عن استخدامها في المعاملات المالية الأساسية، وربما تخفيف الضغط على الشبكة.
في غضون ذلك، سلطت BitMEX Research الضوء على مفهوم OP_Return2، وهي آلية “سوفت فورك” (soft-fork) تسمح للمعاملات بالالتزام بـ “تجزيئات” (hashes) تصل إلى 8 ميجابايت من البيانات الخارجية، دون إجبار العقد الكاملة على التحقق من صحتها أو تخزينها. وفقًا للشركة، يمكن لهذا الاقتراح أن يحافظ على سلامة البيانات مع تقليل انتفاخ السلسلة.
ومع ذلك، يحذر الباحثون من أن عمال التعدين قد يكون لديهم حافز ضئيل لتضمين مثل هذه المعاملات إذا لم تعوض الرسوم التعقيد الإضافي. كما يلاحظون أن وظائف الطابع الزمني المماثلة موجودة بالفعل بتكلفة أقل، مما يثير تساؤلات حول مدى الحاجة الفعلية لهذا الحل.
في الختام، يمثل تحديث Bitcoin Core v30.0 لحظة محورية في تطور البيتكوين. في حين أنه يفتح آفاقًا جديدة للتجريب والابتكار، فإنه يثير أيضًا تساؤلات جوهرية حول هوية البيتكوين المستقبلية: هل سيبقى نظامًا ماليًا بحتًا أم سيتطور ليصبح سجلًا عالميًا للبيانات؟ النقاش مستمر، والحلول المقترحة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الابتكار والحفاظ على قيم البيتكوين الأساسية. سيكون من المثير للاهتمام متابعة كيف سيتشكل هذا الجدل في الأشهر والسنوات القادمة، وكيف سيؤثر على أكبر عملة مشفرة في العالم.
