تحذير راي داليو: هل يدفع التيسير الكمي الجديد الفيدرالي الأسواق نحو “فقاعة”؟
في تحول سياسي يثير جدلاً واسعاً في الأسواق العالمية، يراقب المستثمرون والمحللون خطوة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأخيرة بتركيز شديد. فبعد أن أشار البنك المركزي إلى وقف سياسة التشديد الكمي وإمكانية العودة إلى شراء الأصول، وصف المستثمر الملياردير راي داليو، مؤسس شركة بريدج ووتر أسوشيتس، هذا التحول بأنه “تحفيز نحو فقاعة” (Stimulating into a Bubble)، محذراً من أن السياسة الجديدة قد تضخ السيولة في أسواق مالية تعاني بالفعل من فرط النشاط.
يأتي هذا التحذير في وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن استقرار الاقتصاد العالمي، خاصة مع استمرار معدلات التضخم أعلى من المستويات المستهدفة والتقييمات المرتفعة في بعض القطاعات، لا سيما أسهم شركات الذكاء الاصطناعي. يرى داليو أن هذا التحرك من الفيدرالي يمثل جزءاً من “دورة الديون الكبيرة” (Big Debt Cycle) في مراحلها المتأخرة، حيث تتضافر القوى المالية والنقدية بطرق قد تكون محفوفة بالمخاطر.
تحول السياسة الفيدرالية يثير مخاوف السيولة
أوضح راي داليو، في منشور مفصل على منصة X، أن إعلان الفيدرالي الأخير يمثل شكلاً مبكراً من التيسير النقدي. فقد ألمح رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إلى إضافة احتياطيات “لمواكبة حجم الاقتصاد”، مما يشير إلى توسع محتمل في الميزانية العمومية للبنك المركزي. يرى داليو أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تمزج القوى المالية والنقدية بطريقة تؤدي فعلياً إلى تسييل الدين الحكومي.
عندما يحدث هذا بينما يكون الاقتصاد قوياً وأسواق الائتمان غنية بالسيولة، يقول داليو إن ذلك يخلق الظروف اللازمة لتشكيل فقاعة مالية. وأشار إلى أن ارتفاع أسعار الأسهم، وتضييق هوامش الائتمان (credit spreads)، والتضخم الذي لا يزال أعلى من المستهدف، كلها عوامل تجعل الوضع أكثر خطورة. وقد وصف داليو البيئة الحالية بأنها “نهج جريء يدفع نحو النمو”، مشيراً إلى ارتفاع العجوزات وجدول إصدار سندات الخزانة الثقيل. هذا المزيج، كما حذر، يعكس ديناميكيات المراحل المتأخرة لما يصفه بدورة الديون الكبيرة.
وفي إشارة إلى طبيعة هذه الدورة، يرى داليو أن التيسير الكمي في هذه المرحلة يختلف عن الدورات السابقة لأنه يُقدم في ظل قوة اقتصادية وليس ضعفاً، مما قد يؤدي إلى عواقب غير متوقعة. هذه المخاوف تتجاوز مجرد “تعديل فني”، لتشير إلى تغيير أعمق في مسار السياسة النقدية.
ارتفاع السيولة قد يدفع تضخم الأصول
يشرح داليو كيف ينتقل التيسير الكمي عادة عبر الأسواق. فعندما تشتري البنوك المركزية السندات، فإنها تضخ السيولة وتدفع أسعار الفائدة الحقيقية للانخفاض. هذه السيولة غالباً ما تتدفق أولاً إلى الأصول المالية، مما يعزز التقييمات ويوسع فجوات الثروة. وأوضح أنه مع زيادة السيولة، تنخفض العوائد الحقيقية، وتتوسع مضاعفات السعر إلى الأرباح (P/E multiples)، وغالباً ما يرتفع سعر الذهب.
المشكلة، وفقاً لداليو، هي أن هذه الموجة من السيولة يمكن أن ترفع أسعار الأصول وتوقعات التضخم على حد سواء. وبمجرد أن يرتفع التضخم بما يكفي لدفع الأسعار الاسمية أعلى، يمكن أن تعاني كل من الأسهم والسندات. لقد رسم داليو أوجه تشابه مع زيادات السيولة السابقة، مثلما حدث في عامي 1999 و2011، عندما ارتفعت أسعار الأصول قبل تصحيحات حادة.
وحذر داليو من أن “ارتفاعاً ذوبانياً” (melt-up) مشابهاً قد يحدث مرة أخرى، خاصة مع تداول أسهم شركات الذكاء الاصطناعي بالفعل عند تقييمات مبالغ فيها. هذا السيناريو يزيد من مخاطر تعرض المستثمرين لخسائر كبيرة عندما ينعكس مسار السيولة أو تزداد المخاوف التضخمية. إن التركيز على السيولة وتأثيرها على الأصول يشير إلى أن المستثمرين يجب أن يكونوا حذرين للغاية في بيئة كهذه.
“تحفيز نحو فقاعة” مقابل “تحفيز نحو ركود”
وفقاً لداليو، كانت جولات التيسير الكمي السابقة استجابات لضعف اقتصادي وانخفاض أسعار الأصول. على النقيض من ذلك، تظهر الظروف اليوم العكس تماماً. فالتقييمات مرتفعة، والنمو لا يزال مستقراً، والتضخم لا يزال أعلى من هدف الفيدرالي.
قال داليو إن هذا يجعل الإعداد الحالي مميزاً؛ فالتيسير الكمي يُنشر الآن عندما تكون الأسواق مرتفعة بالفعل. وهذا، بعبارته، هو “تحفيز نحو فقاعة”، وليس “تحفيز نحو ركود”. وأضاف أن مثل هذا التوقيت يمكن أن يجعل التصحيح المحتمل أكثر حدة بمجرد استئناف التشديد النقدي. يشير هذا التمييز إلى أن أدوات السياسة النقدية قد لا تعمل بالطريقة المعتادة في بيئة غير مسبوقة كهذه، مما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي للمستثمرين.
في الوقت الحالي، يراقب المستثمرون إلى أي مدى سيذهب الفيدرالي في توسيع ميزانيته العمومية وكيف ستتفاعل هذه السيولة مع الوفرة الحالية في السوق. إن التداعيات المحتملة لتحفيز “فقاعة” مالية يمكن أن تكون بعيدة المدى، مما يؤثر على الاستقرار الاقتصادي العالمي ومستقبل الاستثمارات في الأصول المختلفة، بما في ذلك العملات المشفرة والأسواق التقنية.
إن نصيحة داليو هنا هي دعوة للحذر والترقب. ففي عالم تتسارع فيه التغيرات الاقتصادية، يصبح فهم دوافع السياسات النقدية وتأثيراتها المحتملة أمراً بالغ الأهمية. فهل نحن بالفعل على حافة “فقاعة” جديدة، أم أن الفيدرالي قادر على ترويض هذه القوى قبل فوات الأوان؟ الأيام القادمة ستكشف المزيد.
