تحليلات جلاسنود تكشف: ديناميكيات سوق البيتكوين تعكس سيناريو الربع الأول من عام 2022 – هل نحن على أعتاب تحول جديد؟
في عالم العملات الرقمية الذي لا يهدأ، تعد قراءة المؤشرات الفنية وتحليلات السوق أمرًا بالغ الأهمية للمستثمرين والمتداولين على حد سواء. مؤخرًا، أشارت شركة تحليلات البلوك تشين الرائدة “جلاسنود” (Glassnode) إلى أن البنية الحالية لسوق البيتكوين (Bitcoin) تحمل تشابهًا لافتًا مع الهيكل الذي ساد خلال الربع الأول من عام 2022. هذه الملاحظة تثير تساؤلات جوهرية حول المسار المستقبلي لأكبر عملة مشفرة في العالم، وما إذا كانت التغيرات الحالية تنذر بتحول وشيك في ديناميكيات السوق.
يناقش تقرير جلاسنود الأسبوعي الأخير كيف أن البنية العامة لسوق البيتكوين بدأت تتشابه بشكل كبير مع الوضع الذي شهدناه في الربع الأول من عام 2022. ولتسليط الضوء على هذه الملاحظة، استعرضت الشركة بيانات نموذج “أساس التكلفة لشرائح المعروض” (Supply Quantiles Cost Basis Model)، والذي يبرز مستويات الأسعار التي تتوافق مع درجة معينة من ربحية المستثمرين.
نموذج أساس التكلفة لشرائح المعروض: مؤشر للربحية والخسارة
يتضمن نموذج جلاسنود ثلاث شرائح رئيسية للمعروض: 0.75، 0.85، و 0.95. تعكس هذه المستويات النسب المئوية للمعروض من البيتكوين التي تكون في حالة ربح عند سعر معين. على سبيل المثال، إذا تداول البيتكوين عند مستوى الشريحة الأولى (0.75)، فهذا يعني أن 75% من إجمالي المعروض سيكون في حالة ربح. وبالمثل، تشير الشريحتان الأخريان إلى ربحية 85% و 95% على التوالي.
المثير للقلق هو أن سعر البيتكوين قد انخفض مؤخرًا دون جميع هذه المستويات الثلاثة الحرجة. هذا التطور يشير إلى أن أكثر من 25% من إجمالي معروض البيتكوين بات الآن “تحت الماء”، أي أن حاملي هذه النسبة يتكبدون خسائر غير محققة. ووفقًا لتفسير جلاسنود، فإن هذا الوضع “يخلق توازنًا هشًا بين مخاطر استسلام كبار المشترين الذين دخلوا السوق عند القمم، واحتمال استنزاف البائعين لتشكيل قاع سعري”. هذا التوازن الدقيق هو ما يثير القلق ويجعل المقارنة مع بداية عام 2022 أكثر أهمية، حيث شهدنا في تلك الفترة انخفاضًا مماثلًا دون مستوى 0.75 خلال سوق اتسم بالتحرك الجانبي.
إجمالي المعروض في الخسارة: انعكاس لتراكم الضغوط البيعية
لتعزيز هذا التشابه مع بداية عام 2022، يشير مؤشر آخر إلى أن ديناميكيات السوق الحالية تتطابق مع تلك الفترة: “إجمالي المعروض في الخسارة” (Total Supply in Loss). يقيس هذا المؤشر، كما يوحي اسمه، حجم المعروض المتداول من البيتكوين الذي يحتفظ به المستثمرون بخسارة صافية غير محققة. يعد هذا المقياس أداة قوية لتقييم مدى الضغط البيعي المحتمل في السوق، حيث يشير ارتفاعه إلى أن عددًا أكبر من المستثمرين يجدون أنفسهم في وضع خسارة، مما قد يدفعهم إلى البيع لتقليل الخسائر.
تُظهر البيانات الحديثة، وتحديداً المتوسط المتحرك لمدة 7 أيام لهذا المقياس، ارتفاعًا مقلقًا. وصل “إجمالي المعروض في الخسارة” إلى 7.1 مليون بيتكوين الأسبوع الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ سبتمبر 2023، أي قبل أكثر من عام ونصف. وهذا الارتفاع الكبير يؤكد الضغوط التي يتعرض لها السوق. علقت جلاسنود على هذا الأمر قائلة: “إن النطاق الحالي للمعروض في الخسارة، الذي يتراوح بين 5 مليون و 7 مليون بيتكوين، يشبه بشكل مدهش السوق الجانبي في أوائل عام 2022، مما يعزز التشابه الملحوظ أعلاه”. هذا يعني أن هناك كمية كبيرة من البيتكوين المحتفظ بها حاليًا بخسارة، مما يضع ضغطًا إضافيًا على السوق.
مؤشر ربحية المخرجات المصروفة لحاملي المدى الطويل (SOPR): تآكل هوامش الربح
عنصر ثالث يؤكد أن البنية الحالية للسوق تعكس الربع الأول من عام 2022 هو مؤشر “ربحية المخرجات المصروفة لحاملي المدى الطويل” (Long-term holder Spent Output Profit Ratio – SOPR). يقدم هذا المقياس نظرة ثاقبة حول ما إذا كان المستثمرون الذين يحتفظون بعملاتهم لأكثر من 155 يومًا يبيعون أصولهم بربح أم بخسارة. إنه مقياس حاسم لفهم معنويات كبار المستثمرين وتوقعاتهم على المدى الطويل.
شهد مؤشر SOPR لحاملي المدى الطويل انخفاضًا حادًا مؤخرًا. ومع ذلك، لا تزال قيمته أعلى من 1، مما يشير إلى أن حاملي المدى الطويل ما زالوا يبيعون عملاتهم ببعض الربح الصافي. لكن القيمة الحالية للمؤشر، والتي تبلغ 1.43، تعكس تقلصًا ملحوظًا في هوامش الربح لهذه الفئة من المستثمرين. هذا التضاؤل في الأرباح يمكن أن يكون مؤشرًا على أن حتى الحائزين الأقوياء بدأوا يشعرون بالضغوط أو يعيدون تقييم استراتيجياتهم في ظل ظروف السوق الحالية. قد يؤدي هذا الانكماش في الربحية إلى تردد في البيع أو انتظار فرص أفضل، مما يؤثر على ديناميكيات العرض والطلب.
هل نحن على أعتاب سوق هابط جديد أم انتعاش وشيك؟
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كانت الاتجاهات الحالية لهذه المؤشرات تعني أن سوق العملات الرقمية على وشك الانتقال إلى سوق هابط شبيه بما حدث في أوائل عام 2022، أم أن انتعاشًا قادمًا سيظهر قبل فترة طويلة. التاريخ يعيد نفسه في كثير من الأحيان في الأسواق المالية، والتشابهات التي كشفت عنها جلاسنود لا يمكن تجاهلها. ففي أوائل عام 2022، تبعت هذه المؤشرات فترة طويلة من التقلبات التي أدت في النهاية إلى سوق هابط.
بالنظر إلى تراجع سعر البيتكوين الأخير، حيث انخفض سعره إلى 91,800 دولار، تتزايد حالة عدم اليقين. هذا التراجع الطفيف خلال اليوم الماضي يضيف إلى القلق العام. يحتاج المستثمرون إلى مراقبة هذه المؤشرات عن كثب، بالإضافة إلى التطورات الكلية في الاقتصاد العالمي وسوق العملات الرقمية الأوسع. الفهم العميق لهذه الديناميكيات يمكن أن يساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة في بيئة سوق متقلبة.
في الختام، تُعد تحليلات جلاسنود بمثابة جرس إنذار حاسم للمجتمع الاستثماري في البيتكوين. إن التشابهات الواضحة بين ديناميكيات السوق الحالية وتلك التي سادت في الربع الأول من عام 2022 تتطلب يقظة وحذرًا. سواء كنا نتجه نحو فترة من عدم اليقين المتزايد أو على وشك تجربة انتعاش، فإن مراقبة مؤشرات مثل نموذج أساس التكلفة، وإجمالي المعروض في الخسارة، ومؤشر SOPR لحاملي المدى الطويل ستكون ضرورية لتوجيه القرارات الاستثمارية في الأشهر القادمة. يجب على المستثمرين البقاء على اطلاع دائم والتحلي بالصبر، حيث أن الأسواق غالبًا ما تكافئ أولئك الذين يتمتعون بالبصيرة والتخطيط الاستراتيجي.
