“`html
تصحيح بيتكوين بنسبة 8% يخلص السوق من الرافعة المالية ولكنه يمهد لاضطراب قصير الأجل
شهدت عملة بيتكوين (BTC) مؤخرًا انخفاضًا ملحوظًا، حيث تراجعت بنسبة تقارب 8% من أعلى مستوى لها على الإطلاق الذي سجلته في 22 مايو، والذي كان قريبًا من 112,000 دولار. هذا الانخفاض المفاجئ جاء بعد فترة من الصعود القوي حيث حققت العملة الرقمية الرائدة ارتفاعًا بنسبة 50% على مدى 45 يومًا، بدءًا من 7 أبريل عندما وصلت بيتكوين إلى أدنى مستوى لها لهذا العام عند 74,441.20 دولارًا أمريكيًا. يعتبر هذا التصحيح جزءًا طبيعيًا من دورات السوق الصاعدة، ولكنه غالبًا ما يثير التساؤلات حول العوامل المسببة له وتأثيره المحتمل على الاتجاهات المستقبلية.
لفهم الأسباب الكامنة وراء هذا التصحيح الأخير، يمكننا الرجوع إلى تقارير تحليلية معمقة. فوفقًا لتقرير “Bitfinex Alpha” الصادر في 2 يونيو، لعبت العوامل الاقتصادية الكلية دورًا مهمًا في هذه التحركات. أشارت التقرير إلى أن قرار محكمة الاستئناف الذي أعاد فرض تعريفات الاستيراد الأمريكية المتنازع عليها كان له تأثير مباشر على الأسواق المالية. هذا القرار دفع عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 30 عامًا إلى تجاوز 5% للمرة الأولى منذ عام 2009، مما أدى إلى تحركات واسعة النطاق لتجنب المخاطر (risk-off moves) في مختلف فئات الأصول، بما في ذلك الأصول الرقمية التي تعتبر غالبًا ذات مخاطر أعلى.
عوامل الاقتصاد الكلي وتأثيرها
يُظهر الارتباط بين تحركات بيتكوين والعوامل الاقتصادية الكلية تزايد نضج السوق وتأثره بالديناميكيات المالية العالمية. ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية يجعل الأصول ذات الدخل الثابت أكثر جاذبية نسبيًا مقارنة بالأصول الأكثر تقلبًا مثل بيتكوين. عندما ترتفع تكلفة الاقتراض أو تزداد جاذبية الاستثمارات الآمنة مثل السندات الحكومية، يميل المستثمرون إلى إعادة تقييم محافظهم وتقليل انكشافهم على الأصول التي يُنظر إليها على أنها أكثر خطورة. هذا التحول في المعنويات يمكن أن يؤدي إلى ضغط بيع على بيتكوين والأصول الرقمية الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، فإن السياسات التجارية والقرارات القانونية المتعلقة بالتعريفات يمكن أن تؤثر على سلاسل الإمداد والتضخم وآفاق النمو الاقتصادي العامة. هذه العوامل كلها تساهم في تشكيل نظرة المستثمرين للمخاطر وتوقعاتهم للأسواق المستقبلية. في بيئة تتسم بعدم اليقين المتزايد أو المخاوف من تباطؤ النمو، يصبح الميل نحو الأمان أقوى، مما يؤثر سلبًا على الأصول الأكثر حساسية للمخاطر مثل بيتكوين.
صناديق بيتكوين المتداولة (ETFs) وسلوك المستثمرين
سلّطت صناديق بيتكوين المتداولة الفورية (Spot Bitcoin ETFs) الضوء على هذه التحركات الأخيرة وسلوك المستثمرين. فقد شهدت هذه الأدوات الاستثمارية تدفقات كبيرة في الأسابيع التي سبقت التصحيح. أضاف المستثمرون 6.2 مليار دولار من التعرض لبيتكوين من خلال هذه الصناديق في الأسابيع الأربعة الأولى من شهر مايو وحده. هذا يشير إلى شهية قوية للعملة الرقمية من قبل المستثمرين المؤسساتيين والأفراد الذين يفضلون وسيلة استثمار منظمة وسهلة الوصول إليها.
المثير للاهتمام، وفقًا لبلومبرج إنتليجنس، أن هذه التدفقات إلى صناديق بيتكوين تزامنت مع سحب 2.7 مليار دولار من صناديق الذهب المتداولة خلال نفس الفترة. هذا يمكن أن يفسر على أنه تحول في تفضيلات المستثمرين من الذهب، الذي يعتبر ملاذًا آمنًا تقليديًا، نحو بيتكوين، الذي بدأ البعض ينظر إليه كشكل رقمي من أشكال الملاذ الآمن أو كأصل للتحوط ضد التضخم، على الرغم من تقلبه العالي.
ومع ذلك، لم تكن جميع الأخبار حول صناديق الاستثمار المتداولة إيجابية. شهد صندوق IBIT التابع لشركة BlackRock، وهو أحد أكبر صناديق بيتكوين المتداولة، أعلى تدفق يومي خارجي في تاريخه، حيث خسر ما يقرب من 431 مليون دولار في 30 مايو، وفقًا لبيانات Farside Investors. تجاوز إجمالي التدفقات الخارجية في نفس اليوم 616 مليون دولار، وهو أعلى مستوى منذ 26 فبراير. هذا التحول المفاجئ من التدفقات الكبيرة إلى التدفقات الخارجية يشير إلى أن بعض المستثمرين المؤسساتيين أو الكبار قد قرروا تصفية جزء من مراكزهم أو جني الأرباح بعد الارتفاع الأخير.
تحليل الأرباح المحققة ومقاييس البلوك تشين
أشار تقرير Bitfinex Alpha أيضًا إلى تسارع الأرباح المحققة في الأسبوع الذي سبق التصحيح. تتحقق الأرباح المحققة عندما يبيع المستثمرون بيتكوين بسعر أعلى مما دفعوه لشرائه. عندما يحدث هذا على نطاق واسع، فإنه يشير إلى أن حاملي العملة بدأوا في جني مكاسبهم بعد فترة من الارتفاع.
أحد المؤشرات الهامة التي ترصد هذه الظاهرة هو مؤشر “Relative Unrealised Profit” (الربح غير المحقق النسبي). أشار التقرير إلى أن هذا المؤشر قد تجاوز نطاق الانحراف المعياري زائد اثنين (+2)، وهو مستوى لا يظهر إلا في 16% فقط من تاريخ تداول بيتكوين. تاريخيًا، تزامن الوصول إلى هذه المستويات المرتفعة مع فترات قصيرة من التقلبات المتزايدة حيث يقوم الحاملون “بتحويل” مكاسبهم غير المحققة إلى مكاسب محققة عن طريق البيع.
يشير هذا المستوى المرتفع من الربحية غير المحققة إلى أن عددًا كبيرًا من حاملي بيتكوين كانوا يمتلكون العملة بأسعار أقل بكثير ولديهم حوافز قوية للبيع للاستفادة من الأرباح الكبيرة. تزيد هذه الربحية المرتفعة من “ضغط البيع” في السوق الفوري. يتطلب الحفاظ على الاتجاه الصاعد في مثل هذه البيئة أن يكون الطلب الفوري كافيًا لاستيعاب كميات بيتكوين التي يتم إعادة توزيعها من قبل البائعين الذين يجنون الأرباح. إذا لم يكن الطلب قويًا بما يكفي، يمكن أن يؤدي ضغط البيع إلى انخفاض الأسعار.
التصحيح يهدئ سوق المشتقات المالي
جانب آخر مهم من التصحيح هو تأثيره على سوق المشتقات المالية. تضخمت العقود الآجلة الدائمة المفتوحة (perpetual futures open interest) بشكل كبير مع اقتراب بيتكوين من أعلى مستوى لها على الإطلاق واختراقها. تشير العقود المفتوحة إلى العدد الإجمالي للعقود الآجلة أو الخيارات التي لم يتم تسويتها بعد. ارتفاعها يشير إلى زيادة المشاركة والرهانات على حركة السعر المستقبلية، وغالبًا ما تكون مصحوبة بزيادة استخدام الرافعة المالية.
ومع حدوث التصحيح، بدأت هذه العقود المفتوحة في التقلص بشكل كبير. يعزى هذا التقلص بشكل أساسي إلى تصفية المراكز الطويلة ذات الرافعة المالية (leveraged longs unwinding). عندما تنخفض الأسعار، يتم تصفية المراكز التي تستخدم رافعة مالية عالية تلقائيًا عندما يصل السعر إلى مستوى معين، مما يزيد من ضغط البيع ويساهم في تسريع وتيرة الانخفاض. هذه التصفية الإجبارية للرافعة المالية الزائدة هي عملية تنظيف صحية للسوق، حيث تزيل المضاربين المفرطين في التفاؤل وتجعل السوق أقل عرضة لتقلبات حادة ناجمة عن تصفية المراكز الكبيرة.
كما بلغت العقود المفتوحة للخيارات (options open interest) ذروتها عند 49.4 مليار دولار قبل التصحيح، وهو ما يزيد بحوالي 6 مليارات دولار عن الذروة المسجلة في يناير. بعد انتهاء صلاحية عقود الخيارات في 29 مايو، انخفض هذا الرقم إلى ما يقرب من 39 مليار دولار. يشير هذا إلى أن جزءًا كبيرًا من الرهانات الكبيرة في سوق الخيارات قد تم تسويتها أو تصفيتها.
ربط التقرير هذا الارتفاع في نشاط المشتقات بتوسع نشاط المستثمرين المؤسساتيين. أشار التقرير إلى أن دفاتر المشتقات الكبيرة يمكن أن تضخم تقلبات الأسعار، خاصة عندما تضيق السيولة الكلية في الأسواق المالية. بمعنى آخر، مع تزايد حجم التداول في العقود الآجلة والخيارات، يصبح السوق أكثر حساسية لتحركات الأسعار السريعة، حيث يمكن للمراكز الكبيرة أن تساهم في تسارع الاتجاهات.
نتيجة التصحيح: سوق أنظف؟
خلص تقرير Bitfinex Alpha إلى أن عملية التراجع الأخيرة كانت مفيدة للسوق من عدة نواحٍ. أولاً، نجحت في إزالة الرافعة المالية الزائدة التي تراكمت خلال فترة الصعود. ثانيًا، ساعدت في مواءمة العرض مع الطلبات العضوية (organic bids)، أي الطلب الحقيقي من المشترين الذين لا يستخدمون رافعة مالية مفرطة. ثالثًا، أدت إلى إعادة ضبط شروط التمويل (funding conditions) عبر أسواق العقود الآجلة والخيارات إلى مستويات أكثر صحة واستدامة. غالبًا ما تصبح معدلات التمويل في العقود الآجلة الدائمة مرتفعة جدًا خلال فترات الصعود السريع، مما يشير إلى تفاؤل مفرط وميل نحو المراكز الطويلة؛ يعيد التصحيح هذه المعدلات إلى مستويات أكثر توازناً.
هذه العوامل مجتمعة تخلق سيناريو أكثر صحة للسوق بشكل عام، مما يمهد الطريق لحركة صعودية مستدامة في المستقبل. عندما يتم تطهير السوق من الرافعة المالية المفرطة والمضاربين ضعيفي المراكز، يصبح الاتجاه المستقبلي المحتمل مدفوعًا بأساسيات أقوى وطلب حقيقي بدلاً من المضاربة القصيرة الأجل.
اضطراب قصير الأجل يلوح في الأفق
على الرغم من التقييم الإيجابي للتصحيح من حيث تطهير السوق، تشير بعض مقاييس البلوك تشين (on-chain metrics) إلى احتمال حدوث اضطراب أو تقلبات في المدى القصير. هذا التنبؤ يأتي على الرغم من أن بيتكوين لا تزال تتداول أقل بقليل من أعلى مستوى لها على الإطلاق (حوالي 6.5% أقل وقت كتابة التقرير المشار إليه).
يمكن أن تشمل مقاييس البلوك تشين التي تشير إلى الاضطراب القصير الأجل عدة جوانب، مثل: حركة العملات القديمة، نشاط الحيتان (كبار الحائزين)، معدلات التدفق والخروج من البورصات، وسلوك مجموعات محددة من الحاملين (مثل الحاملين على المدى القصير مقابل الحاملين على المدى الطويل). عندما تظهر هذه المقاييس أنماطًا غير مستقرة أو تشير إلى نشاط كبير من قبل المجموعات التي قد تكون أكثر ميلًا للبيع في المستقبل القريب، فإنها يمكن أن تكون مؤشرًا على استمرار التقلبات.
على سبيل المثال، قد تشير زيادة تحرك العملات التي كانت خاملة لفترة طويلة إلى أن الحاملين على المدى الطويل بدأوا في تحريك أصولهم، ربما للاستعداد للبيع. وبالمثل، يمكن أن تشير التدفقات الكبيرة لبيتكوين إلى البورصات إلى نية البيع. هذه التحركات، حتى لو لم تؤدِ إلى انخفاض كبير على الفور، يمكن أن تخلق بيئة سوقية أكثر توترًا حيث يترقب المتداولون المزيد من التقلبات.
في الختام، بينما كان تصحيح بيتكوين الأخير ضروريًا لتطهير السوق من الرافعة المالية المفرطة وإعادة ضبط الأساسيات نحو وضع أكثر صحة للنمو المستقبلي، فإن البيانات الحالية، لا سيما من مقاييس البلوك تشين وبعض التحركات في صناديق الاستثمار المتداولة، تشير إلى أننا قد نشهد فترة من التقلبات أو الاضطراب في المدى القصير قبل أن يستأنف السوق اتجاهًا واضحًا. يجب على المستثمرين والمتداولين أن يظلوا حذرين ومراقبة تطورات السوق عن كثب.
“`