ektsadna.com
العملات الرقمية الرائدة

تعدين البيتكوين والاستدامة: أكثر من 50% من الطاقة تأتي من المصادر المتجددة




تعدين البيتكوين والاستدامة: أكثر من 50% من الطاقة تأتي من المصادر المتجددة

ال يقود أجندة الاستدامة بأكثر من 50% من طاقته من المصادر المتجددة

في تطور لافت يعكس تحولاً مهماً في صناعة العملات المشفرة، كشف حديث صادر عن مركز كامبريدج لل البديل (CCAF) أن الطاقة المستدامة أصبحت تشكل أكثر من نصف استهلاك الطاقة في عمليات تعدين البيتكوين (BTC) اعتبارًا من الربع الأول من العام. يأتي هذا التحول في وقت يشهد فيه القطاع زيادة في إجمالي استهلاك الطاقة، مما يسلط الضوء على الجهود المبذولة لتعزيز الاستدامة والمرونة طويلة الأمد في هذه الصناعة الحيوية.

يُعد تقرير صناعة الرقمي الصادر عن مركز كامبريدج مرجعاً رئيسياً لفهم ديناميكيات هذا القطاع المعقد. وتشير نتائجه الأخيرة إلى أن الصناعة لا تتوسع فحسب، بل تتطور أيضاً نحو ممارسات أكثر مسؤولية بيئياً. فبينما زاد استهلاك الطاقة، زاد معه الاعتماد على المصادر النظيفة، وتُظهر المقاييس التشغيلية توجهاً واضحاً نحو بناء مرونة طويلة الأجل من خلال التنويع والابتكار المستمر.

الطاقة المتجددة في قلب تعدين البيتكوين: تحول نحو مستقبل أخضر

أحد أبرز ما كشفه التقرير هو أن مصادر الطاقة المستدامة، مثل الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح، تمثل مجتمعة نسبة مذهلة تبلغ 52.4% من إجمالي مزيج الكهرباء المستخدم في تعدين البيتكوين. هذه النسبة تتجاوز لأول مرة عتبة الـ 50%، مما يمثل علامة فارقة في مساعي الصناعة لتقليل بصمتها الكربونية.

هذا الإنجاز يأتي على الرغم من ارتفاع الاستهلاك السنوي التقديري للكهرباء في تعدين البيتكوين ليصل إلى 138 تيراواط/ساعة (TWh)، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 17% على أساس سنوي. إن تحقيق زيادة في نسبة الطاقة المتجددة بالتزامن مع زيادة الاستهلاك الكلي يشير إلى جاد وموجه نحو تبني حلول الطاقة النظيفة من قبل المعدّنين حول العالم.

ومع ذلك، لا يزال الطريق طويلاً. فقد أشار التقرير إلى أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالتعدين بلغت ما يقدر بنحو 39.8 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (CO₂e). ورغم أن هذا الرقم يمثل 0.08% فقط من إجمالي الانبعاثات العالمية، إلا أنه يؤكد على أهمية مواصلة الجهود لتعزيز كفاءة الطاقة والتوسع في استخدام المصادر المتجددة.

يبقى الغاز الطبيعي أكبر مصدر منفرد للطاقة، حيث يمثل 38.2% من المزيج. هذا يسلط الضوء على التحدي المتمثل في الانتقال الكامل نحو الطاقة النظيفة، ولكنه يوضح أيضاً الفرص المتاحة للاستفادة من موارد مثل الغاز المحترق (gas flaring) كمصدر طاقة انتقالي وأكثر كفاءة من مجرد حرقه في الغلاف الجوي.

هيمنة أمريكا الشمالية وتطورات السوق العالمية

جغرافياً، لا تزال الولايات المتحدة تهيمن بشكل كبير على مشهد التعدين العالمي. فقد أشار التقرير إلى أن 75.4% من معدل التجزئة (hash rate) العالمي المبلغ عنه للبيتكوين ينشأ من الولايات المتحدة، تليها كندا بنسبة 7.1%. تعكس هذه الأرقام استمرار تركز نشاط التعدين في أمريكا الشمالية، مدفوعاً بعوامل مثل توفر بنية تحتية للطاقة وسياسات تنظيمية ملائمة نسبياً في بعض الولايات.

على الرغم من هذه الهيمنة، تم رصد نشاط تعدين ناشئ في مناطق أخرى مثل أمريكا الجنوبية والشرق الأوسط. يشير هذا إلى بداية تنوع جغرافي قد يكتسب زخماً في المستقبل، خاصة مع بحث المعدّنين عن مناطق ذات تكاليف طاقة منخفضة أو فرص للاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة غير المستغلة.

أما على صعيد سوق أجهزة التعدين (hardware)، فقد أظهر التقرير مستويات عالية من التركيز. تستحوذ شركة Bitmain على حصة سوقية تبلغ 82%، بينما تسيطر الشركات الثلاث الكبرى – Bitmain و MicroBT و Canaan – مجتمعة على أكثر من 99% من السوق. هذا التركز الكبير قد يمثل تحدياً للمنافسة والابتكار على المدى الطويل، ولكنه يعكس أيضاً الخبرة والتكنولوجيا المتقدمة التي تمتلكها هذه الشركات الرائدة.

في المقابل، شهدت كفاءة أجهزة التعدين المتخصصة (ASIC) تحسناً ملحوظاً على مستوى الصناعة، حيث وصلت إلى 28.2 جول لكل تيراهاش (J/TH). يمثل هذا زيادة بنسبة 24% في الكفاءة مقارنة بالعام السابق، وهو تطور حاسم يساعد على التخفيف من أثر زيادة استهلاك الطاقة ويحسن من اقتصاديات التعدين.

النفايات الإلكترونية: تحدي تحت السيطرة؟

تُعد إدارة النفايات الإلكترونية (e-waste) الناتجة عن تقادم أجهزة التعدين أحد الشواغل البيئية المرتبطة بالصناعة. ومع ذلك، يشير تقرير كامبريدج إلى أن هذا التحدي لا يزال ضمن حدود يمكن التحكم فيها نسبياً. يتوقع أن يتم إعادة استخدام أو إعادة تدوير ما يقرب من 86.9% من أجهزة التعدين التي تم إخراجها من الخدمة.

وتشير التقديرات إلى أن الإنتاج الفعلي للنفايات الإلكترونية بلغ حوالي 2.3 كيلو طن للفترة التي تم تقييمها. على الرغم من أن أي كمية من النفايات الإلكترونية تعتبر مصدر قلق، إلا أن النسبة العالية المتوقعة لإعادة الاستخدام وإعادة التدوير تشير إلى وعي متزايد بأهمية الاقتصاد الدائري داخل قطاع التعدين. وتُبذل جهود لتطوير عمليات أكثر استدامة لإدارة دورة حياة الأجهزة.

اقتصاديات التعدين تحت الضغط: التكاليف، المخاطر، والاستراتيجيات

تظل اقتصاديات تعدين البيتكوين مجالاً معقداً ومحفوفاً بالتحديات. تشكل تكاليف الكهرباء العبء الأكبر على المعدّنين، حيث تمثل أكثر من 80% من نفقاتهم التشغيلية (OpEx). وبلغ متوسط تكلفة الكهرباء المبلغ عنه 45 دولارًا أمريكيًا لكل ميغاواط/ساعة (MWh)، بينما بلغ متوسط إجمالي تكاليف التشغيل الشاملة 55.50 دولارًا أمريكيًا لكل ميغاواط/ساعة.

على الرغم من الضغط على هوامش الربح، لا سيما بسبب تأثيرات تنصيف مكافأة الكتلة (halving) الذي يقلل من عائدات التعدين المباشرة، حافظ القطاع على ربحيته بشكل عام. ويعود ذلك إلى حد كبير إلى المكاسب المستمرة في كفاءة الأجهزة واستراتيجيات إدارة الطاقة المبتكرة التي يتبعها المعدّنون لتحسين استهلاكهم وتكاليفهم.

أبرز التحديات التي تواجه المعدّنين

حدد المعدّنون الذين شملهم الاستطلاع مجموعة من المخاوف الرئيسية التي تؤثر على عملياتهم وتخطيطهم للمستقبل. وتشمل هذه المخاوف بشكل أساسي:

  • تقلب أسعار الطاقة: الاعتماد الكبير على الكهرباء يجعل المعدّنين عرضة لتقلبات أسعار الطاقة العالمية والمحلية.
  • عدم اليقين التنظيمي: البيئة التنظيمية المتغيرة للعملات المشفرة والتعدين في مختلف البلدان تخلق حالة من عدم اليقين وتؤثر على قرارات الاستثمار طويلة الأجل.

استراتيجيات التخفيف والمواجهة

لمواجهة هذه المخاطر والتحديات، يتبنى المعدّنون مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات لتعزيز مرونتهم واستدامتهم المالية والتشغيلية. تشمل هذه الاستراتيجيات:

  • تنويع الأعمال: البحث عن مصادر إيرادات بديلة أو مكملة لنشاط التعدين الأساسي.
  • التوسع الجغرافي: توزيع عمليات التعدين عبر مناطق جغرافية مختلفة لتقليل المخاطر المرتبطة بمنطقة واحدة (تنظيمية، طاقوية، إلخ).
  • استراتيجيات التحوط من أسعار الطاقة: استخدام أدوات مالية وعقود طويلة الأجل لتثبيت أو إدارة تكاليف الطاقة.

بالإضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى أن القدرة المحدودة على النشر (deployment capacity) واختناقات سلسلة توريد أجهزة التعدين تمثل العوائق الرئيسية أمام توسع الصناعة بشكل أكبر.

المعدّنين: نظرة متفائلة للمستقبل

على الرغم من التحديات، أظهرت بيانات التوقعات أن المعدّنين حافظوا على قدرات تنبؤية قوية ورؤية متفائلة بشكل عام. فقد بلغ متوسط السعر المتوقع للبيتكوين من قبل المعدّنين لنهاية عام 2024 حوالي 80,500 دولار أمريكي. هذه التوقعات، بغض النظر عن دقتها المطلقة، تعكس ثقة المعدّنين في قيمة الأصل الرقمي على المدى الطويل.

كما اقتربت توقعاتهم لمعدل التجزئة للشبكة بشكل كبير من الواقع. حيث بلغ متوسط التوقعات لمعدل التجزئة في نهاية العام 750 إكساهاش في الثانية (EH/s)، بينما كان المعدل المحقق فعلياً 796 إكساهاش في الثانية. هذا التقارب يشير إلى فهم جيد لديناميكيات نمو الشبكة وقدرة المعدّنين على التخطيط بناءً على تطورات السوق والتكنولوجيا.

مصادر إيرادات جديدة ومبادرات بيئية مبتكرة

يواجه نموذج الإيرادات التقليدي للمعدّنين، الذي يعتمد بشكل كبير على مكافآت الكتل (block subsidies)، ضغوطاً متزايدة وسط ظروف السوق المتطورة وتأثيرات التنصيف. هذا يدفع شركات التعدين إلى البحث بنشاط عن مصادر دخل جديدة وتنويع عملياتها.

استجابة لذلك، بدأت شركات التعدين في التنويع نحو قطاعات الحوسبة عالية الأداء (HPC)، لا سيما خدمة أعباء العمل المتعلقة بالذكاء الاصطناعي (). تمتلك مراكز بيانات التعدين بنية تحتية وقدرات حوسبة هائلة يمكن إعادة توظيفها لهذه الأغراض، مما يفتح آفاقاً جديدة للنمو. بالتوازي مع ذلك، يستكشف المعدّنون أيضاً مبادرات الطاقة المستدامة كمصادر إيرادات محتملة، مثل بيع الطاقة الزائدة أو المشاركة في أسواق خدمات الشبكة.

الابتكار في مجال الطاقة: محور التركيز الجديد

أصبح الابتكار في مجال الطاقة محور تركيز أساسي للعمليات. وتشارك شركات التعدين بشكل متزايد في مبادرات تهدف إلى تحسين استدامة عملياتها والتكامل بشكل أفضل مع شبكات الطاقة. تشمل هذه المبادرات:

  • تخفيف حرق الغاز المصاحب (Gas Flaring Mitigation): استخدام الغاز الطبيعي الذي كان سيتم حرقه في حقول النفط لتشغيل عمليات التعدين، مما يقلل الانبعاثات ويوفر مصدر طاقة منخفض التكلفة.
  • تطوير حلول استعادة الحرارة المهدرة (Waste Heat Recovery): استخدام الحرارة الناتجة عن أجهزة التعدين لأغراض أخرى، مثل تدفئة المباني أو العمليات الصناعية أو الزراعة في البيوت المحمية.
  • المشاركة في برامج الاستجابة للطلب (Demand Response): اتفاقيات مع مشغلي شبكات الكهرباء لتقليل استهلاك الطاقة خلال فترات الذروة، مما يساعد على استقرار الشبكة وقد يوفر تعويضات مالية للمعدّنين.

علاوة على ذلك، أفاد ما يقرب من 70.8% من المعدّنين الذين شملهم الاستطلاع بأنهم يشاركون بنشاط في جهود التخفيف من آثار تغير المناخ. يعكس هذا الرقم التزاماً متزايداً على مستوى الصناعة بتقليل التأثير البيئي وتبني ممارسات أكثر استدامة، ليس فقط كضرورة بيئية ولكن أيضاً كاستراتيجية عمل ذكية.

الخلاصة: قطاع تعدين البيتكوين يتجه نحو نموذج أكثر استدامة وتنوعًا

خلص تقرير مركز كامبريدج إلى أن قطاع تعدين البيتكوين يشهد تحولاً عميقاً، مدفوعاً بمجموعة من الضغوط التكنولوجية والاقتصادية والبيئية. تتجه الصناعة بوضوح نحو نموذج تشغيلي أكثر استدامة وتنوعًا، حيث لم تعد الربحية تعتمد فقط على مكافآت الكتل، بل تتشابك بشكل متزايد مع كفاءة الطاقة، والابتكار، والمشاركة المسؤولة في أسواق الطاقة والمجتمع.

إن تجاوز نسبة 52% من استخدام الطاقة المتجددة يمثل اً قوياً على هذا التحول. فبينما تستمر التحديات المتعلقة باستهلاك الطاقة والانبعاثات، يُظهر القطاع قدرة ملحوظة على التكيف والابتكار. من خلال تبني مصادر الطاقة النظيفة، وتحسين كفاءة الأجهزة، واستكشاف مصادر إيرادات جديدة، وتنفيذ مبادرات بيئية استباقية، يرسم معدّنو البيتكوين مسارًا نحو مستقبل أكثر مرونة واستدامة لهذه التكنولوجيا الثورية.

مواضيع مشابهة