سيتي جروب ترفع توقعاتها لسوق العملات المستقرة إلى 1.9 تريليون دولار بحلول 2030 رغم بطء التبني المؤسسي والفرص المتنامية
في تحليل شامل يعكس النظرة المتغيرة للمؤسسات المالية الكبرى تجاه الأصول الرقمية، قامت مجموعة سيتي جروب (Citigroup) المصرفية العملاقة بتعديل توقعاتها لسوق العملات المستقرة بالزيادة، لتصل إلى 1.9 تريليون دولار بحلول عام 2030. هذا التعديل، الذي أُعلن عنه في تقرير مفصل صدر بتاريخ 25 سبتمبر، يأتي مدفوعًا بعدة عوامل رئيسية أبرزها الزخم المتسارع الناتج عن الوضوح التنظيمي المتزايد على مستوى العالم، بالإضافة إلى التكامل المعزز لشبكات الدفع الرقمية. ومع ذلك، لم يغفل التقرير عن تسليط الضوء على عقبة رئيسية: لا يزال التبني المؤسسي للعملات المستقرة عند مستوى متدنٍ للغاية، حيث قدر بـ 0.5 فقط على مقياس من 0 إلى 10، مما يشير إلى فجوة واضحة بين الإمكانات السوقية الكبيرة والقبول العملي من قبل الكيانات التقليدية الكبرى.
تُظهر هذه التوقعات المعدلة تطورًا كبيرًا مقارنة بالتقديرات السابقة الصادرة في أبريل 2025، حيث كانت التقديرات تشير إلى 1.6 تريليون دولار. يعكس هذا الارتفاع المتوقع ديناميكية السوق وتوقعات بتسارع وتيرة النمو. في سيناريو التفاؤل، وصلت التوقعات الحالية إلى 4 تريليونات دولار، بزيادة ملحوظة عن 3.7 تريليون دولار سابقًا، مما يبرز الإيمان بإمكانية تحقيق قفزات نوعية في حال توفرت الظروف المثالية. يُعزى هذا الارتفاع جزئيًا إلى تصريحات ديفيد كانينجهام، رئيس الإستراتيجية والشراكات للأصول الرقمية في خدمات سيتي، الذي أكد على أن “حجم إصدار العملات المستقرة ارتفع بنسبة 40% هذا العام مع إزالة الأوامر التنفيذية وقانون GENIUS والمنصات الرئيسية للاحتكاك، مما يسهل عمليات التبني ويفتح آفاقًا جديدة أمام هذه الفئة من الأصول الرقمية”.
محركات النمو الرئيسية وراء توقعات سيتي جروب المتفائلة
تستند التوقعات المعدلة لسيتي جروب إلى تحليل دقيق لثلاثة محركات رئيسية من المتوقع أن تسهم بشكل كبير في النمو المتوقع لسوق العملات المستقرة على مدى السنوات القادمة. هذه المحركات لا تعكس فقط التغيرات التكنولوجية، بل أيضًا تحولات في السلوكيات المالية والاقتصادية العالمية:
- **استبدال الودائع الجزئي في الولايات المتحدة وخارجها:** يمثل هذا المحرك المحوري 45% من السيناريو الأساسي لنمو السوق. يتوقع سيتي تحول ما يقرب من 2.5% من إجمالي الودائع المصرفية الأمريكية بحلول عام 2030 إلى عملات مستقرة. هذا التحول لا يقتصر على السوق المحلية فحسب، بل يمتد ليشمل الودائع في الخارج أيضًا، مما يعكس رغبة متنامية في الاستفادة من كفاءة ومرونة العملات المستقرة مقارنة بالأنظمة المصرفية التقليدية، وربما سعيًا لتحقيق عوائد أفضل أو سهولة في التحويلات الدولية.
- **توسع سوق العملات المشفرة المستمر:** يساهم هذا العامل بنسبة 40% من النمو المتوقع، مدفوعًا بزيادات سنوية مستمرة بنسبة 20% في إصدار العملات المستقرة. هذا يشير إلى أن النمو الكلي لسوق العملات الرقمية يغذي بدوره الطلب الأساسي على العملات المستقرة، حيث تعتبر هذه الأخيرة ركيزة أساسية لتسهيل التداول وتوفير ملاذ مستقر للقيمة داخل النظام البيئي المتقلب للعملات المشفرة. كلما اتسع نطاق العملات المشفرة، زادت الحاجة إلى أصول رقمية مستقرة لتوفير السيولة والأمان.
- **استبدال الأوراق النقدية:** يشكل هذا المحرك الواعد 15% من التوقعات الكلية، ويتركز بشكل خاص على تحول 10% من حيازات العملة الأمريكية في الخارج و2.5% من الأوراق النقدية المحلية إلى عملات مستقرة. يعكس هذا الاتجاه رغبة متزايدة في التحول نحو بدائل رقمية أكثر كفاءة وأمانًا للنقود المادية، والتي تتسم بالتكلفة العالية للتخزين والنقل. العملات المستقرة توفر حلًا رقميًا مرنًا لهذه التحديات، خاصة في الاقتصادات التي تعتمد بشكل كبير على الدولار الأمريكي.
الوضع الحالي للعملات المستقرة والنمو الملحوظ في حجم التداولات
في الوقت الحالي، وصل المعروض الكلي من العملات المستقرة إلى 292 مليار دولار أمريكي اعتبارًا من 25 سبتمبر، مسجلًا ارتفاعًا ملحوظًا من 224 مليار دولار في بداية العام. هذه الزيادة تعكس ثقة متزايدة من قبل الأفراد والمؤسسات في هذه الفئة من الأصول. بالإضافة إلى ذلك، تقترب أحجام المعاملات الشهرية من تريليون دولار على أساس معدل، وهو ما يمثل ضعف مستويات العام الماضي تقريبًا. هذه الأرقام الضخمة لا تؤكد فقط الزخم المتزايد والقبول الواسع للعملات المستقرة كوسيلة للتبادل وتخزين القيمة في النظام المالي الرقمي، بل تشير أيضًا إلى دورها المحوري المتزايد في السيولة العالمية للعملات المشفرة والتجارة الرقمية.
التحدي الأكبر: فجوة بطء التبني المؤسسي للعملات المستقرة
على الرغم من التوقعات المتفائلة والنمو المتسارع في أحجام الإصدار والمعاملات، يظل حماس الشركات والمؤسسات الكبرى متأخرًا بشكل ملحوظ عن هذه التوقعات الواعدة. لخصت كاثرين جو، رئيسة حلول العملاء المؤسسيين في شركة فيزا (Visa) العالمية للمدفوعات، وضع تبني العملات المستقرة على المستوى المؤسسي بأنه “ربما 0.5 على مقياس من 0 إلى 10″، مشيرة إلى أن الاهتمام الجاد والملموس عبر البنوك الكبرى ومديري الأصول لا يزال محدودًا للغاية. هذه النسبة المتدنية تسلط الضوء على العقبات الهيكلية والثقافية التي لا تزال قائمة.
كشف تقرير سيتي جروب أيضًا أن معظم الشركات الكبرى السائدة لا تزال “فضولية بدلًا من متحمسة” بشأن دمج العملات المستقرة في عملياتها اليومية. السبب الرئيسي وراء هذا التردد يكمن في أن الشركات الكبيرة تستفيد بالفعل من شروط مصرفية مواتية للغاية وأنظمة مدفوعات سريعة وفعالة من خلال شركائها المصرفيين التقليديين. هذا يقلل بشكل كبير من جاذبية العملات المستقرة للمعاملات عالية القيمة، حيث لا ترى هذه الشركات ميزة تنافسية فورية أو قيمة مضافة كافية للانتقال الكامل إلى حلول قائمة على العملات المستقرة عندما تكون أنظمتها الحالية تلبي احتياجاتها بكفاءة وموثوقية.
صعود الرموز المصرفية: بديل محتمل للعملات المستقرة في المشهد المؤسسي
في سياق متصل، تعتقد سيتي جروب أن الرموز المصرفية، وهي فئة أصول ناشئة تشمل الودائع الرمزية (tokenized deposits) ورموز الودائع (deposit tokens)، قد تستحوذ على أحجام معاملات أكبر بكثير من العملات المستقرة بحلول عام 2030، وقد تتجاوز 100 تريليون دولار سنويًا. تُقدم هذه الأدوات الرمزية الصادرة عن البنوك نفسها أطرًا تنظيمية مألوفة ومقبولة بالفعل من قبل المؤسسات المالية التقليدية، بالإضافة إلى توفير تكامل أسهل وأكثر سلاسة مع أنظمة الخزانة الحالية للشركات. هذا يجعلها خيارًا أكثر جاذبية وموثوقية للمؤسسات التي تبحث عن الاستفادة من كفاءة البلوكتشين دون الخروج عن الأطر التنظيمية والتشغيلية المألوفة.
يمثل هذا التوجه تحديًا مباشرًا للعملات المستقرة التقليدية، حيث إن الرموز المصرفية قد تستفيد من الثقة المتأصلة والبيئة التنظيمية القائمة للبنوك لتعزيز تبني الأصول الرقمية على مستوى الشركات الكبرى، ولكن من خلال مسارات مختلفة تمامًا عن تلك التي تسلكها العملات المستقرة غير المصرفية. قد نشهد منافسة قوية بين هذين النموذجين في السنوات القادمة لتلبية احتياجات السوق المؤسسية.
العقبات الهيكلية والتحديات الرئيسية في نظام العملات المستقرة البيئي
حدد تقرير سيتي جروب بدقة عددًا من التحديات الرئيسية التي لا تزال تواجه نظام العملات المستقرة البيئي، والتي تعيق تبنيها على نطاق أوسع من قبل المؤسسات وتحد من إمكاناتها الكاملة:
- **التجزئة عبر سلاسل الكتل المتعددة (البلوكتشين):** عدم وجود معيار موحد للعملات المستقرة عبر مختلف شبكات البلوكتشين المتنوعة يخلق تعقيدات تشغيلية كبيرة، ويجعل من الصعب على المؤسسات إدارة الأصول عبر منصات متعددة بكفاءة.
- **مخاوف الخصوصية على الشبكات العامة:** طبيعة الشفافية الكاملة لبعض شبكات البلوكتشين العامة تثير مخاوف جوهرية بشأن خصوصية المعاملات للمؤسسات الكبرى التي تحتاج إلى مستوى معين من السرية والسرية التجارية في عملياتها المالية.
- **عدم اليقين بشأن المعالجة المحاسبية:** ربما تكون هذه هي العقبة الأكثر أهمية. بدون الاعتراف بالعملات المستقرة كمعادل نقدي بموجب معيار المحاسبة الدولي IAS7، تظل أقل جاذبية بكثير لأمناء الخزانة في الشركات. هذا النقص في الوضوح المحاسبي يمثل حاجزًا كبيرًا أمام دمجها في السجلات المالية للشركات ويحد من قدرتها على أن تكون جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات إدارة السيولة.
الخلاصة والتوقعات المستقبلية: بناء جسور الثقة والابتكار
في الختام، وعلى الرغم من التقدم التنظيمي الملحوظ في السنوات الأخيرة، بما في ذلك إقرار قانون GENIUS وإنشاء أطر عمل دولية واضحة في مراكز مالية رئيسية مثل هونغ كونغ والإمارات العربية المتحدة، لا يزال التبني المؤسسي الواسع للعملات المستقرة يتطلب معالجة شاملة لقضايا حاسمة مثل قابلية التشغيل البيني بين مختلف الشبكات، وقابلية التوسع لاستيعاب أحجام المعاملات الضخمة، وقبل كل شيء، بناء قضايا الثقة التي تحد حاليًا من النشر على نطاق المؤسسات الكبيرة. يتطلب بناء جسور قوية بين الأنظمة المالية التقليدية وعالم العملات المستقرة الناشئ جهدًا منسقًا لتطوير معايير مشتركة، وتبسيط العمليات، وتوفير ضمانات تنظيمية ومحاسبية واضحة لا لبس فيها.
إن مسار العملات المستقرة نحو أن تصبح جزءًا لا يتجزأ وراسخًا من النظام المالي العالمي ليس خاليًا من التحديات، لكن التوقعات المتفائلة من جهات رفيعة المستوى مثل سيتي جروب تؤكد على إمكاناتها الهائلة في إحداث تحول. ومع استمرار تطور البيئة التنظيمية والتكنولوجية بوتيرة سريعة، من المرجح أن نشهد ظهور حلول مبتكرة لهذه التحديات، مما سيمهد الطريق في نهاية المطاف لتبني مؤسسي أوسع وأكثر شمولًا في المستقبل القريب. ستكون السنوات القادمة حاسمة في تحديد الدور الفعلي الذي ستلعبه العملات المستقرة والرموز المصرفية في تشكيل المشهد المالي العالمي.