تيثر تسعى لجمع 20 مليار دولار بتقييم 500 مليار: نقلة نوعية في عالم الكريبتو
شهد عالم العملات المشفرة مؤخرًا خبرًا مدويًا قد يغير موازين القوى فيه، حيث تسعى شركة تيثر (Tether)، المصدرة لأكبر عملة مستقرة في العالم، لجمع تمويل يتراوح بين 15 مليار دولار و20 مليار دولار مقابل حوالي 3% من أسهمها من خلال اكتتاب خاص. هذا التمويل المحتمل، الذي ورد في تقرير بلومبرج نيوز بتاريخ 23 سبتمبر، من شأنه أن يدفع بتقييم الشركة إلى ما يقرب من 500 مليار دولار، مما يضعها في مصاف الشركات الخاصة الأكثر قيمة في العالم، جنبًا إلى جنب مع عمالقة مثل OpenAI و SpaceX التابعة لإيلون ماسك. هذا التقييم الهائل لا يعكس فقط النمو المذهل لشركة تيثر، بل يسلط الضوء أيضًا على الإمكانيات غير المستغلة والمخاطر الكامنة في قطاع العملات المشفرة سريع التطور.
لطالما كانت تيثر لاعبًا رئيسيًا في السوق، إذ تُعد عملتها المستقرة USDT حجر الزاوية في العديد من عمليات التداول والتحويلات داخل منظومة العملات الرقمية. ومع ذلك، فإن السعي وراء هذا الحجم من التمويل يمثل قفزة نوعية في طموحات الشركة. ولتقديم سياق لهذا التقييم، كانت منافستها الرئيسية، شركة سيركل (Circle)، التي تُصدر عملة USDC المستقرة، تقدر قيمتها بحوالي 30 مليار دولار اعتبارًا من 23 سبتمبر. هذا الفارق الشاسع في التقييم المقترح يؤكد على المكانة الفريدة التي تطمح تيثر لتبوئها في المشهد المالي العالمي. ومع ذلك، حذرت مصادر مطلعة على الأمر من أن هذه الأرقام تمثل أهدافًا قصوى، وقد تكون الأرقام النهائية أقل بكثير، مشيرة إلى أن المحادثات لا تزال في مراحلها الأولية وتفاصيل الصفقة قابلة للتغيير. يُقال إن كانتور فيتزجيرالد (Cantor Fitzgerald) يعمل كمستشار رئيسي للصفقة المحتملة.
تفاصيل صفقة التمويل الضخمة وتأثيرها المحتمل
إن الأرقام المتداولة في صفقة تيثر ليست مجرد أرقام؛ إنها تعكس ثقة محتملة من المستثمرين في نموذج أعمال الشركة وقدرتها على تحقيق أرباح هائلة. فلو تمت الصفقة بهذا التقييم، فإنها لن تعزز فقط من مكانة تيثر المالية، بل ستمنحها أيضًا قدرة أكبر على التوسع في مجالات جديدة، والاستثمار في الابتكار، وربما حتى الاستحواذ على شركات أخرى. هذا الحجم من رأس المال يمكن أن يُستخدم لتعزيز احتياطيات العملة المستقرة، مما يزيد من استقرارها وثقة المستخدمين بها، أو لتمويل مبادرات استراتيجية كبرى.
تُظهر هذه الخطوة أيضًا نضجًا متزايدًا في قطاع العملات المشفرة، حيث بدأت الشركات الكبرى في هذا المجال تجذب اهتمامًا استثماريًا مشابهًا للشركات التقليدية أو شركات التكنولوجيا الرائدة. ومع ذلك، فإن الطبيعة غير المنظمة نسبيًا لقطاع العملات المشفرة تثير دائمًا تساؤلات حول الشفافية والحوكمة، وهي نقاط سيتعين على تيثر معالجتها بشكل فعال لكسب ثقة المستثمرين على المدى الطويل. وقد بدأت بالفعل عملية تقييم المستثمرين المحتملين من خلال الوصول إلى غرفة بيانات (data room) في الأسابيع الأخيرة، مع توقع إتمام الصفقة بحلول نهاية العام الجاري. ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الصفقة ستتضمن أسهمًا جديدة، وليس بيع حصص مستثمرين حاليين، مما يؤكد على ضخ رأس مال جديد في الشركة.
طموحات تيثر الاستراتيجية والعودة إلى السوق الأمريكي
تتزامن مناقشات جمع التمويل مع جهود تيثر لإعادة الدخول بقوة إلى السوق الأمريكي. لطالما تجنبت الشركة السوق الأمريكية بعد اشتباكات تنظيمية، بما في ذلك تسوية عام 2021 حيث دفعت الشركة 41 مليون دولار لتسوية مزاعم بتحريف احتياطياتها. ومع ذلك، فإن المشهد يتغير بسرعة، وتأمل تيثر في الاستفادة من التغيرات المحتملة في السياسات، خاصة في ظل احتمالية تبني إدارة الرئيس دونالد ترامب لسياسات داعمة للعملات المشفرة.
في خطوة استراتيجية جريئة، كشفت الشركة مؤخرًا عن خطط لعملة مستقرة منظمة في الولايات المتحدة، وعينت المستشار الاستراتيجي لتيثر، بو هاينز، وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض متخصص في العملات المشفرة، لقيادة العمليات الأمريكية. هذه الخطوات تشير إلى تحول جذري في استراتيجية تيثر، حيث تسعى لترسيخ نفسها ككيان مالي شرعي ومنظم في أكبر اقتصاد في العالم. ورغم أن بو هاينز نفى خطط جمع التمويل خلال مقابلة في مؤتمر بسول بتاريخ 23 سبتمبر، مشيرًا إلى أن الشركة ليس لديها خطط لجمع الأموال، فإن تقارير بلومبرج تشير إلى خلاف ذلك، مما يسلط الضوء على التعقيدات المحيطة بالصفقة والبيانات الصادرة عن الشركة.
الأداء المالي لتيثر وتحديات الشفافية
لا يمكن إنكار الأداء المالي القوي لشركة تيثر. فقد أعلنت الشركة عن أرباح بلغت 4.9 مليار دولار خلال الربع الثاني من العام، مع ادعاء الرئيس التنفيذي باولو أردوينو بهامش ربح يبلغ 99%. هذه الأرقام مذهلة، خاصة في قطاع يتسم بالتقلبات الشديدة. إن الأرباح الضخمة التي تحققها تيثر تمنحها قوة مالية هائلة، ولكنها في الوقت نفسه تضعها تحت مجهر التدقيق.
تحدي الشفافية هو نقطة محورية بالنسبة لتيثر. ففي حين أن الشركة تنشر تقارير حول احتياطياتها، إلا أن إفصاحاتها المالية لا تفي بنفس معايير الإبلاغ المطلوبة من الشركات المتداولة علنًا. هذا النقص في الشفافية الكاملة كان دائمًا مصدر قلق للمنظمين وبعض المستثمرين. ومع سعيها لجمع تمويل بهذا الحجم الضخم وتحقيق تقييم قياسي، فمن المرجح أن تواجه تيثر ضغوطًا متزايدة لتلبية معايير أعلى من الشفافية المالية والحوكمة المؤسسية. هذه الخطوة نحو الاكتتاب الخاص، وإن كانت لا تضعها تحت نفس متطلبات الشركات العامة، إلا أنها بلا شك ستجلب تدقيقًا أكبر.
مسار الصفقة والتأثير على القطاع
يمثل التقييم المحتمل لتيثر إنجازًا رائعًا لقطاع العملات المشفرة الذي لا يزال تنظيمه خفيفًا نسبيًا. إن وصول شركة في هذا المجال إلى تقييم يتجاوز 500 مليار دولار يعيد تعريف ما هو ممكن في اقتصاد الويب 3.0. إذا تمت الصفقة بنجاح، فإنها يمكن أن تكون حافزًا لمزيد من الاستثمار المؤسسي في العملات المشفرة، وتجذب المزيد من اللاعبين الكبار إلى هذا السوق. كما يمكن أن تزيد من الضغط على المنظمين لإنشاء أطر تنظيمية أكثر وضوحًا وشمولية، حيث يصبح حجم هذه الكيانات كبيرًا جدًا بحيث لا يمكن تجاهله.
في النهاية، فإن سعي تيثر لجمع ما يصل إلى 20 مليار دولار بتقييم 500 مليار دولار ليس مجرد صفقة مالية؛ إنه بيان قوي حول طموحاتها ومكانتها المتنامية في الاقتصاد الرقمي. وبينما لا تزال المحادثات في مراحلها الأولية وتفاصيل الصفقة عرضة للتغيير، فإن هذه التطورات تشير إلى فصل جديد ومثير في رحلة تيثر، وربما في مستقبل العملات المشفرة ككل. سيتعين على العالم أن يراقب عن كثب كيف ستتطور هذه الصفقة، وما هي التداعيات التي ستحملها على المشهد المالي العالمي سريع التغير.
Keywords: تيثر، Tether، تمويل، استثمار، عملات مشفرة، تقييم 500 مليار دولار، عملة مستقرة، USDT، سوق العملات الرقمية، بلوكتشين، تنظيم العملات المشفرة، السوق الأمريكي، بو هاينز، باولو أردوينو، أرباح تيثر، شفافية مالية، شركات خاصة، اكتتاب خاص، SpaceX، OpenAI.