خروج بيتر ثيل الكامل من أسهم إنفيديا (NVDA) قبيل إعلان الأرباح: تحولات سوق الرقائق والذكاء الاصطناعي وتوقعات المستقبل
في حدث بارز هز أركان الأسواق المالية العالمية وأثار موجة من التساؤلات والتكهنات حول مسار عملاق صناعة الرقائق والذكاء الاصطناعي، إنفيديا (NVIDIA)، كشفت التقارير الأخيرة عن قيام صندوق التحوط “ثييل ماكرو إل إل سي” (Thiel Macro LLC)، الذي يديره الملياردير والمستثمر الشهير بيتر ثيل، ببيع كامل حصته الكبيرة في أسهم إنفيديا خلال الربع الثالث من العام الجاري. يأتي هذا الإعلان الحاسم قبل أيام قليلة فقط من الموعد المقرر لإعلان إنفيديا عن أرباحها الفصلية، مما أضفى طبقة إضافية من الغموض والترقب على أداء السهم ومستقبله في السوق. فهل يمكن اعتبار خروج أحد أبرز اللاعبين في وادي السيليكون، والذي يُعرف ببعد نظره الاستراتيجي، إشارة إلى تحول وشيك في التوقعات الصناعية أو تقييمات السوق، أم أنه مجرد مناورة تكتيكية لإعادة تنظيم المحافظ الاستثمارية في ظل بيئة السوق المتقلبة والسريعة التغير؟ هذه الأسئلة تكتسب أهمية بالغة في ظل الطفرة غير المسبوقة التي يشهدها قطاع الذكاء الاصطناعي.
تفاصيل صادمة: خروج بيتر ثيل بقيمة 100 مليون دولار من إنفيديا
جاء الكشف عن هذه الصفقة الضخمة عبر إيداع 13F الرسمي الذي قدمه صندوق “ثييل ماكرو إل إل سي”، والذي أكد بيع جميع الأسهم التي كان يمتلكها في إنفيديا، والبالغ عددها 537,742 سهمًا، خلال الربع الذي انتهى في 30 سبتمبر الماضي. وبناءً على سعر الإغلاق لسهم إنفيديا في ذلك التاريخ، قُدرت القيمة الإجمالية لهذه الحصة المباعة بحوالي 100 مليون دولار أمريكي. ما يجعل توقيت هذه الخطوة محط أنظار الجميع هو تزامنها مع استعداد إنفيديا للإعلان عن أرباحها الربع سنوية بعد إغلاق السوق يوم الأربعاء القادم. يمثل هذا الخروج المثير للجدل مؤشرًا آخر على تراجع اهتمام مستثمر رفيع المستوى عن الشركة التي تُعد بلا منازع رائدة في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي، وهي خطوة وضعت ضغوطًا فورية على أسهم إنفيديا، التي شهدت انخفاضًا بنسبة 1.2% لتصل إلى 187.95 دولارًا في تداولات ما قبل السوق صباح يوم الاثنين، مما يعكس حساسية السوق لمثل هذه الأخبار الصادرة عن مستثمرين بحجم ثيل.
سابقة سوفت بنك: هل تتكرر مخاوف المبالغة في تقييمات الذكاء الاصطناعي؟
لم يكن بيتر ثيل المستثمر المؤسسي الوحيد الذي قرر تقليل تعرضه لأسهم إنفيديا في الآونة الأخيرة. ففي أكتوبر الماضي، أعلنت مجموعة سوفت بنك (SoftBank Group) اليابانية العملاقة عن خطوة مماثلة ومثيرة للقلق، حيث قامت ببيع حصتها الكبيرة في إنفيديا، محققة عائدات بلغت 5.83 مليار دولار. حدث كلا الانسحابين البارزين في وقت يشتعل فيه النقاش وتتزايد التساؤلات الملحة حول مدى معقولية وجدوى تقييمات الاستثمار الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع الارتفاع الصاروخي الذي شهدته أسهم شركات الذكاء الاصطناعي على مدار الفترة الماضية، يتساءل العديد من الخبراء الاقتصاديين والماليين عما إذا كانت هذه التقييمات قد وصلت إلى مستويات مبالغ فيها لا تعكس القيمة الحقيقية، وعما إذا كانت هذه الشركات قد تمكنت بالفعل من إثبات وبلورة نماذج واضحة ومستدامة لتحقيق الدخل تبرر مستويات الاستثمار الهائلة التي تتدفق عليها. هذا الجدل المالي والاقتصادي المستمر يضيف طبقة معقدة لموقف إنفيديا، والتي تُعتبر بحق حجر الزاوية في الثورة التكنولوجية للذكاء الاصطناعي بفضل تصميمها وتصنيعها للرقائق المتطورة والضرورية لتشغيل هذه التقنيات.
وول ستريت تتحدى التوقعات: تفاؤل مستمر رغم إشارات البيع
على الرغم من عمليات البيع الكبيرة وغير المتوقعة التي قام بها مستثمرون بارزون مثل بيتر ثيل ومجموعة سوفت بنك، يظل محللو وول ستريت محافظين على مستوى عالٍ من التفاؤل الحذر بشأن تقرير أرباح إنفيديا القادم. ويشير الإجماع العام للتوقعات الصادرة عن كبرى المؤسسات المالية إلى أن إنفيديا ستحقق أرباحًا معدلة قدرها 1.23 دولار للسهم الواحد، مع توقعات بإيرادات إجمالية تصل إلى 54.83 مليار دولار للربع المالي المنتهي في أكتوبر. وفي دليل على هذا التفاؤل، حافظ المحلل “غيل لوريا” من D.A. Davidson على تصنيف “شراء” (Buy) لسهم إنفيديا، بل وحدد هدفًا سعريًا طموحًا يبلغ 250 دولارًا للسهم. وقد دعم لوريا رؤيته المتفائلة بالإشارة إلى استمرار الطلب القوي والمدفوع من قطاعات عملاء متعددة ومتنوعة، تشمل “عمالقة السحابة” (hyperscalers) التي تحتاج إلى بنية تحتية ضخمة، و”السحابات الجديدة” (neoclouds) التي تقدم حلولاً مبتكرة، بالإضافة إلى “مختبرات الحدود” (frontier labs) التي تعمل على تطوير أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وفي مذكرة بحثية مفصلة، كتب لوريا مؤكدًا: “بالنظر إلى الاتجاهات القوية التي نراها عبر عمالقة السحابة، والسحابات الجديدة، والمختبرات الرائدة، لا نرى أي سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن الطلب على منتجات وخدمات إنفيديا يتباطأ في أي شكل من الأشكال.” وأضاف المحلل بجرأة أن السوق قد يكون يقلل من تقدير حجم الطلب المتزايد على قدرات الحوسبة المتقدمة والضرورية لتطوير الذكاء الاصطناعي على مدى السنوات القليلة المقبلة. هذا التعليق المتفائل من جانب المحللين يتناقض بشكل لافت وصارخ مع قرار بيتر ثيل ببيع كامل حصته والخروج من إنفيديا، مما يسلط الضوء بوضوح على التباين العميق في الآراء ووجهات النظر بين كبار المستثمرين والخبراء الماليين حول التقييم الحقيقي والمستقبل طويل الأجل للشركة الرائدة في مجال الرقائق وقطاع الذكاء الاصطناعي بأكمله. هذا التباين هو ما يجعل مراقبة أداء السهم وإعلان الأرباح القادم أمرًا بالغ الأهمية.
استراتيجية بيتر ثيل: استثمارات بديلة في شركات منافسة للذكاء الاصطناعي
يوفر قرار بيتر ثيل الصادم بالخروج الكامل من إنفيديا نافذة مهمة لفهم استراتيجيته الاستثمارية الأوسع وتوجهاته المستقبلية. فصندوقه “ثييل ماكرو إل إل سي” يمتلك حاليًا مراكز استثمارية كبيرة في شركات تكنولوجية عملاقة وراسخة مثل أبل (Apple) ومايكروسوفت (Microsoft)، بالإضافة إلى حصة مخفضة بشكل ملحوظ في شركة تسلا (Tesla)، والتي تشكل حاليًا مواقعه الاستثمارية الأساسية والمحورية. والأكثر إثارة للاهتمام والتساؤل هو أن ثيل قد ضخ استثمارات ودعمًا ماليًا لشركة “سوبستريت” (Substrate) الناشئة، ومقرها الولايات المتحدة، والتي تُعد بشكل مباشر منافسًا ناشئًا وقويًا لإنفيديا في سوق الرقائق ومعالجات الذكاء الاصطناعي. كما قام ثيل أيضًا بالاستثمار في شركات ناشئة أخرى واعدة في مجال الذكاء الاصطناعي مثل “ميركور” (Mercor) و”كوجنيشن إيه آي” (Cognition AI). هذه التحركات الاستثمارية تشير بوضوح إلى أن بيتر ثيل لم يفقد إيمانه الجذري والمطلق بقطاع الذكاء الاصطناعي كقوة دافعة للمستقبل، ولكنه قد يكون بصدد إعادة توجيه استثماراته بشكل استراتيجي نحو لاعبين ناشئين أو بدائل يعتبرها ذات إمكانات نمو أعلى أو تقييمات سوقية أكثر جاذبية ومعقولية مقارنة بالشركات العملاقة الراسخة. هذا التوجه يسلط الضوء على ديناميكية التغيير السريعة داخل قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
انقسام حاد في صناديق التحوط: صورة أوسع لتقييمات شركات الذكاء الاصطناعي
يكشف تحليل عميق لأكثر من 909 إيداعات 13F لصناديق التحوط المختلفة عن وجود انقسام حاد ومثير للجدل في الآراء ووجهات النظر حول سهم إنفيديا. فخلال الربع الثالث من العام، قامت 161 صندوقًا من صناديق التحوط بزيادة مراكزها الاستثمارية في أسهم إنفيديا، بينما في المقابل، قامت 160 صندوقًا آخر بتقليل أو تصفية مراكزها. يعكس هذا الانقسام شبه المتساوي حالة أوسع من عدم اليقين والقلق الذي يكتنف تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي بشكل عام. فبينما تواصل هذه الشركات، بما فيها إنفيديا، جمع الأموال الضخمة وإنفاقها بمعدلات مرتفعة للغاية على البحث والتطوير والتوسع، إلا أنها لم تنجح بعد في إثبات وبلورة نماذج مستقرة ومربحة لتحقيق الدخل تبرر مستويات الاستثمار الهائلة التي تتدفق عليها وتقييماتها السوقية الفلكية. هذا الوضع المعقد يطرح تحديًا استراتيجيًا كبيرًا أمام المستثمرين الذين يحاولون بجدية التمييز بين الشركات التي ستحقق نجاحًا طويل الأجل ومستدامًا في سباق الذكاء الاصطناعي وتلك التي قد تكون قيمتها السوقية مبالغًا فيها وقد تشهد تصحيحات حادة في المستقبل القريب.
أداء سهم إنفيديا الأخير: هل هو مؤشر لمستقبل قطاع الرقائق؟
على الرغم من الضغوط الأخيرة، اكتسبت أسهم إنفيديا 2% فقط من قيمتها منذ نهاية شهر سبتمبر. ومع ذلك، شهد السهم ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 1.8% يوم الجمعة الماضي، بعد أن تمكن المشترون من عكس الخسائر المبكرة التي تكبدها السهم خلال الجلسة. وفي الوقت نفسه، أظهرت أسهم شركات الرقائق الأخرى حركة مختلطة صباح يوم الاثنين، حيث انخفض سهم Advanced Micro Devices (AMD) المنافس بنسبة 0.3%، بينما تداول سهم Broadcom (برودكوم) بشكل ثابت تقريبًا في نشاط ما قبل السوق. يشير خروج “ثييل ماكرو” الكامل والمنظم من إنفيديا خلال الربع الثالث إلى أن هذا الصندوق يتخذ موقفًا استثماريًا استراتيجيًا يختلف عن العديد من نظرائه في السوق، خاصة قبيل إعلان أرباح إنفيديا المرتقب. وقد أظهر الإيداع أن الصندوق قام بتصفية مركزه بالكامل قبل بدء الربع الحالي، مما يؤكد على أن هذا القرار لم يكن مجرد رد فعل لحظي، بل كان جزءًا من قرار استراتيجي أوسع وبعيد المدى يتخذه بيتر ثيل.
الخلاصة: توقعات مستقبل إنفيديا وسوق الذكاء الاصطناعي
في الختام، يمثل خروج بيتر ثيل من أسهم إنفيديا، على الرغم من التفاؤل الحذر الذي يبديه بعض محللي وول ستريت، إشارة مختلطة ومعقدة إلى السوق. فبينما يرى البعض أن الطلب المتزايد على تقنيات إنفيديا المتطورة في مجال الذكاء الاصطناعي سيستمر في الارتفاع بوتيرة سريعة، مما يضمن للشركة مكانتها كقائد للسوق، يرى آخرون، وربما بيتر ثيل من بينهم، أن التقييمات الحالية للسهم قد تكون مفرطة وغير مستدامة، وأن هناك فرصًا استثمارية أفضل وأكثر جاذبية في مكان آخر، لا سيما في الشركات الناشئة الواعدة التي قد تقدم تقنيات مبتكرة أو نماذج عمل جديدة. ستكون أرباح إنفيديا القادمة، والتي يترقبها الجميع بفارغ الصبر، حاسمة في تحديد الاتجاه المستقبلي للسهم وما إذا كانت المخاوف التي أبداها المستثمرون البارزون مبررة وواقعية. بغض النظر عن النتائج قصيرة المدى، فإن قصة إنفيديا الأوسع هي جزء لا يتجزأ من سرد أكبر وأكثر عمقًا حول كيفية تقييم السوق والمستثمرين لشركات الذكاء الاصطناعي في هذه المرحلة التأسيسية المبكرة من نموها الهائل والمتسارع. إن التوازن بين الابتكار والتقييم الواقعي يظل التحدي الأكبر في هذا العصر الجديد من الثورة التكنولوجية.
إخلاء مسؤولية: هذا المقال يعكس وجهة نظر تحليلية مبنية على المعلومات المتاحة ويجب اعتباره لأغراض معلوماتية وتثقيفية فقط. لا يشكل بأي حال من الأحوال نصيحة استثمارية أو توصية بشراء أو بيع أي أوراق مالية. يُنصح دائمًا بإجراء البحث الشامل الخاص بك، وتحليل المخاطر بعناية، واستشارة مستشار مالي مؤهل ومختص قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية تتعلق بأسواق المال والأسهم.
