هل قاع السوق قريب؟ نظرة متعمقة على تباين المشاعر في عالم العملات المشفرة
سوق العملات المشفرة يواجه مرة أخرى ضغوطاً هائلة، حيث يبدو أن التراجع الأخير قد أصاب الكثيرين بالإحباط والقلق. ولكن وسط هذه الأجواء المتشائمة التي تخيّم على المشهد الرقمي، يبرز صوت خبير استثماري مخضرم يدعو إلى الهدوء والتفكير بعقلانية، مقدماً رؤية مختلفة تماماً لما يحدث. مات هوجان، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة Bitwise الرائدة في مجال استثمارات العملات المشفرة، يرى أن التراجع الحاد في سعر بيتكوين، الذي دفع الأسعار لأول مرة منذ خمسة أشهر إلى ما دون عتبة 102,000 دولار، هو في الغالب ناتج عن حالة من الذعر والبيع العاطفي أكثر من كونه انعكاساً للمبادئ الأساسية الحقيقية والصحية للسوق. هذه الرؤية المتفائلة نسبياً تقدم منظوراً مهماً يستحق التدقيق والتحليل، خاصة في وقت تتزايد فيه المخاوف وتتجدد الشكوك بشأن مستقبل العملات الرقمية ومدى استقرارها على المدى الطويل.
بيتكوين تحت الضغط: هل هو ذعر أم تصحيح عميق؟
يشهد سوق بيتكوين حالياً فترة من التراجعات الحادة والمتقلبة، مما أثار قلقاً بالغاً وتساؤلات عديدة بين قطاع واسع من المستثمرين، سواء كانوا جدداً أو ذوي خبرة. يرى مات هوجان أن الانخفاض الأخير ليس مجرد تصحيح عادي أو حركة سوق طبيعية، بل هو نتيجة لحالة من “الذعر الأقصى” التي تستحوذ على المستثمرين الأفراد بشكل خاص. هذا التفسير العميق يشير إلى أن الأسس الجوهرية لبيتكوين والعديد من العملات المشفرة الأخرى قد لا تكون بالضعف الذي توحي به حركة الأسعار السلبية الحالية. ففي كثير من الأحيان، يمكن أن تكون ردود الفعل العاطفية المفرطة للمتداولين الصغار هي المحرك الرئيسي للتقلبات الحادة في السوق، خصوصاً في الفترات التي تتسم بعدم اليقين الاقتصادي والضبابية العامة في المشهد الاستثماري.
المستثمرون الأفراد: في “أقصى درجات اليأس”
بشكل مؤثر، وصف هوجان في مقابلة حديثة مع شبكة CNBC الإخبارية الشهيرة حالة المستثمرين الأفراد بأنها وصلت إلى “نقطة الانهيار” أو “نقطة اللاعودة”. وأشار إلى أن السوق يشهد حالياً ما يمكن وصفه بـ “عالَمَين تقريباً”، حيث يسود “اليأس الأقصى” والمطلق بين صغار المتداولين والمتعاملين الأفراد، وذلك بعد أشهر طويلة ومتتالية من الخسائر الفادحة التي تكبدوها وتصفية الرافعة المالية التي أدت إلى ضربات قوية في محافظهم الاستثمارية. وصف هوجان هذه الحالة المزاجية السائدة بأنها الأكثر اكتئاباً وتدنياً للمعنويات التي شهدها على الإطلاق في عالم العملات المشفرة المتقلب. بالنسبة له، قد يكون هذا المستوى غير المسبوق من اليأس والإحباط هو المرحلة النهائية والحرجة قبل أن يتمكن السوق من استعادة توازنه المفقود والبدء في دورة تعافٍ جديدة. هذه الظاهرة ليست بالجديدة في الأسواق المالية على الإطلاق؛ فغالباً ما يكون الوصول إلى قاع السوق مصحوباً بظاهرة التسليم الجماعي من قبل المستثمرين الذين فقدوا الأمل تماماً واستسلموا للضغوط، مما يفتح الباب أمام دورة صعودية جديدة.
التدفقات المؤسسية: علامة على الثقة المستمرة والمتزايدة
على النقيض تماماً من حالة الذعر واليأس التي تسيطر على المستثمرين الأفراد، يبدو أن المستثمرين الأكبر حجماً، أي المؤسسات المالية الكبرى والصناديق الاستثمارية الضخمة، ما زالوا يحتفظون بمراكزهم بل ويزيدون منها بثبات وهدوء. وفقاً للتقارير الأخيرة التي صدرت عن وكالات التحليل المالي، لا يزال المستشارون الماليون والصناديق المؤسسية يضيفون إلى مراكزهم الاستثمارية من خلال صناديق بيتكوين المتداولة (ETFs) ذات الشعبية المتزايدة، مثل iShares Bitcoin Trust (IBIT)، وFidelity Wise Origin Bitcoin Fund (FBTC)، وGrayscale Bitcoin Trust (GBTC). على الرغم من تباطؤ وتيرة التدفقات النقدية الأسبوعية إلى هذه الصناديق منذ منتصف العام الحالي، إلا أنها لا تزال إيجابية ومستمرة – وهي إشارة واضحة، كما يرى هوجان، إلى أن “الأموال الكبيرة” أو ما يعرف بـ “المال الذكي” لم تفقد ثقتها في الإمكانات الهائلة للعملات المشفرة على المدى الطويل. هذا التباين الحاد والواضح بين ردود فعل المستثمرين الأفراد والمؤسسات هو ما يميز المرحلة الحالية ويقدم بصيصاً قوياً من الأمل والثقة في مستقبل السوق.
صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs): محرك رئيسي لاهتمام المؤسسات المتصاعد
يشير هوجان إلى أن هذا الانقسام الملحوظ بين ذعر المستثمرين الأفراد من جهة وثقة المؤسسات الراسخة من جهة أخرى يمكن أن يشكل بشكل حاسم كيفية تعافي السوق في الفترة القادمة. “عندما أتحدث مع المستشارين والمؤسسات،” قال، “أجدهم ما زالوا متحمسين بشدة لتخصيص جزء كبير من استثماراتهم لفئة أصول، إذا نظرنا إليها من منظور أوسع وأشمل، تحقق عوائد قوية ومستدامة على مدار العام الماضي، مما يؤكد جاذبيتها طويلة الأمد.” لا يقتصر التأثير المتزايد والمهم لصناديق العملات المشفرة على بيتكوين وحدها. فقد أشار هوجان أيضاً إلى أن صندوق Solana Staking ETF (BSOL) الجديد التابع لـ Bitwise جذب أكثر من 400 مليون دولار أمريكي في أسبوعه الأول فقط، قبل أن يتراجع بنحو 20% منذ إطلاقه في 28 أكتوبر. حتى مع هذا التراجع الأولي، يرى هوجان شهية قوية ومتنامية للتعرض المهني والمنظم للعملات المشفرة بين المستثمرين الذين يفضلون المنتجات الاستثمارية المهيكلة والمنظمة على التداول المباشر والمعقد. هذا يدل بوضوح على أن الطلب على منتجات استثمارية منظمة في سوق العملات المشفرة آخذ في الازدياد بشكل مطرد، مما يضفي الشرعية ويؤكد على نضج هذه الفئة من الأصول المالية الحديثة.
التوقعات المستقبلية: تفاؤل حذر بين الخبراء
بطبيعة الحال، لا يتفق جميع الخبراء والمحللين على مدى سرعة الارتداد المحتمل أو توقيت حدوثه. فقد توقع الرئيس التنفيذي لشركة MicroStrategy، مايكل سايلور، مؤخراً أن سعر بيتكوين يمكن أن يصل إلى مستوى مذهل قدره 150,000 دولار بحلول نهاية العام – وهو توقع يعتبره هوجان “جريئاً” بالتأكيد ولكنه “ليس مستحيلاً” في ظل الظروف المناسبة. هوجان نفسه يرى أن حركة السعر نحو 125,000 دولار أو حتى 130,000 دولار أمر ممكن و”قابل للتحقيق” إذا استمر ضغط البيع في التلاشي تدريجياً وتزايد الطلب بشكل مطرد من المؤسسات الكبرى. هذه التوقعات، على الرغم من تفاؤلها المحدود، تستند إلى تحليلات عميقة ودقيقة لسلوك السوق الحالي والتدفقات المالية الرئيسية التي تشكل المشهد الاستثماري للعملات المشفرة.
الطريق إلى التعافي: متى يمكن أن نرى الارتداد المنتظر؟
في الوقت الحالي، لا يزال سوق العملات المشفرة يبدو هشاً للغاية وعرضة للتقلبات السريعة. يعترف هوجان بصراحة بأنه قد يكون هناك المزيد من التراجع الطفيف قبل أن تتحول الأسعار وتبدأ في مسار صعودي، لكنه يعتقد بقوة أن نهاية حملة البيع الحالية قريبة جداً وأننا نشهد المراحل الأخيرة منها. هذه النظرة تتوافق بشكل كبير مع الفكرة القائلة بأن “اليأس الأقصى” غالباً ما يسبق التحول الكبير في معنويات السوق. فمع استمرار المستثمرين الأفراد في التخلي عن ممتلكاتهم تحت الضغط، تقل سيولة البيع المتاحة، مما يمهد الطريق لارتداد قوي ومحتمل. العامل الحاسم هنا هو مدى استمرارية وثبات التدفقات المؤسسية، والتي يبدو أنها لا تزال قوية ومتينة، مما يوفر قاعدة دعم قوية للسوق.
خلاصة القول: ثقة المؤسسات قد تكون وقود الارتفاع القادم لبيتكوين
بينما قد تنهار معنويات المستثمرين الأفراد وتصل إلى أدنى مستوياتها، فإن التفاؤل المؤسسي لا يزال ثابتاً وراسخاً. وهذا، كما يقول هوجان، يمكن أن يكون الوقود الأساسي والحيوي للارتفاع القادم لبيتكوين. في جوهر الأمر، يرى هوجان أن السوق يمر بمرحلة تطهير ضرورية وحتمية، حيث يتم التخلص من المستثمرين الأضعف عاطفياً والأقل صبراً، بينما يستغل الكبار الفرصة الذهبية لتجميع المزيد من الأصول بأسعار أقل جاذبية. التاريخ يشهد أن الأسواق التي تشهد تباينات كبيرة في المشاعر بين المستثمرين غالباً ما تكون على وشك تغيير اتجاهها بشكل كبير. لذا، في حين أن التقلبات قد تستمر على المدى القصير، فإن الصورة الأكبر التي يرسمها هوجان تشير إلى أساس قوي ومتين للتعافي مدعوم بثقة المؤسسات المتزايدة في العملات المشفرة كفئة أصول مشروعة ومربحة على المدى الطويل. يجب على المستثمرين الواعين أن ينظروا إلى هذه التراجعات ليس كعلامة على الانهيار الوشيك، بل كفرصة ثمينة لإعادة التقييم والاستعداد للموجة الصعودية التالية التي قد تكون وشيكة.
