تحول حاد في سوق صناديق الاستثمار المتداولة للعملات المشفرة: صعود العملات البديلة وتراجع القادة
شهد سوق صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) للعملات المشفرة تحولًا حادًا وملحوظًا هذا الشهر، حيث برز تباين واضح في اتجاهات تدفقات رأس المال. فبينما تستقطب المنتجات الجديدة التي تتتبع عملتي سولانا (Solana) وXRP رؤوس أموال ضخمة، تشهد صناديق البيتكوين (Bitcoin) والإيثريوم (Ethereum) القائمة موجة قوية من التدفقات الخارجة، مما يشير إلى تغيير محتمل في اهتمامات المستثمرين وفي ديناميكيات السوق الأوسع للعملات الرقمية. هذا التحول لم يكن مفاجئًا تمامًا للمحللين الذين يراقبون عن كثب تطورات السوق، ولكنه يعكس بشكل جلي التفضيلات المتغيرة للمستثمرين تجاه الأصول الرقمية الأقل رسوخًا والتي قد تحمل إمكانيات نمو أعلى.
تُظهر البيانات الحديثة، وفقًا لمنصة “SoSo Value”، أن صناديق الاستثمار المتداولة للعملات البديلة (Altcoin ETFs) التي تم إطلاقها مؤخرًا قد سجلت تدفقات داخلة مجمعة تتجاوز 500 مليون دولار أمريكي في أقل من شهر واحد. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات؛ بل هي مؤشر قوي على تزايد اهتمام المستثمرين بالأصول التي تتجاوز قادة السوق التقليديين مثل البيتكوين والإيثريوم. هذا الاهتمام المتزايد بالعملات البديلة يمكن أن يُعزى إلى عدة عوامل، بما في ذلك البحث عن عوائد أعلى في بيئة سوق متقلبة، والتنويع بعيدًا عن المخاطر المركزة، أو حتى الإيمان بالإمكانيات التكنولوجية الفريدة التي تقدمها هذه العملات البديلة.
صناديق سولانا وXRP تتألق وتجذب مئات الملايين
صناديق سولانا (Solana) تحقق نجاحًا باهرًا
لقد أثبتت صناديق الاستثمار المتداولة الخاصة بسولانا، التي تم إطلاقها في أكتوبر الماضي، أنها مغناطيس لرأس المال، حيث جمعت تدفقات داخلة إجمالية بلغت 382.05 مليون دولار في غضون ثلاثة أسابيع فقط. تُشرف ثلاثة صناديق رئيسية، تُديرها شركات مرموقة مثل Grayscale، وBitwise، وVanEck، على أصول مجمعة تتجاوز قيمتها الإجمالية 541.31 مليون دولار، وذلك وفقًا لبيانات “SoSo Value”. يُعد هذا الأداء المذهل شهادة على الثقة المتزايدة في نظام سولانا البيئي وإمكانياته كمنصة بلوكتشين عالية الأداء تنافس الإيثريوم.
الطلب القوي على منتج XRP الجديد
لم يختلف الحال كثيرًا بالنسبة لمنتج XRP الأحدث، فقد أظهر طلبًا قويًا ومماثلًا. فصندوق XRP الفوري المتداول (Spot XRP ETF)، الذي أطلقته شركة Canary Capital الأسبوع الماضي، استقطب 250 مليون دولار في أول يوم تداول له، محققًا حجم تداول يقارب 60 مليون دولار. وقد سلّط “نايت جيراسي” (Nate Geraci)، الشريك المؤسس لمعهد ETF ورئيس NovaDius Wealth، الضوء على الأهمية الكبيرة لأداء هذا المنتج عبر منصة X، مشيرًا إلى أن:
“صندوق Canary XRP ETF حقق أعلى حجم تداول في اليوم الأول من بين أكثر من 900 عملية إطلاق صندوق استثمار متداول هذا العام.”
يُعتبر هذا التصريح دليلًا إضافيًا على أن أداء صناديق الاستثمار المتداولة الفورية للعملات المشفرة قد تجاوز بشكل مستمر وكبير التوقعات التي وضعها قطاع التمويل التقليدي. ورغم استمرار الشكوك من “الحرس القديم” في التمويل التقليدي، فإن رأس مال المستثمرين يظل المقياس الحاسم للنجاح. وقد أشار “جيراسي” إلى أن صناديق الاستثمار المتداولة الفورية للعملات المشفرة قد تجاوزت التوقعات باستمرار، وهي تهيمن على قائمة أفضل إطلاقات صناديق الاستثمار المتداولة في العامين الماضيين، مما يعكس تحولًا جذريًا في نظرة المستثمرين والمؤسسات لهذه الفئة من الأصول.
البيتكوين والإيثريوم تشهدان تدفقات خارجة كبيرة
يتناقض الحماس لصناديق العملات البديلة بشكل صارخ مع وضع صناديق البيتكوين الفورية المتداولة في الولايات المتحدة، والتي سجلت تدفقات خارجة كبيرة تجاوزت 3 مليارات دولار على مدى الأسابيع الثلاثة المنتهية في 14 نوفمبر. كانت عمليات الاسترداد مستمرة، بدءًا من 798 مليون دولار للأسبوع المنتهي في 31 أكتوبر، ثم تسارعت التدفقات الخارجة لتصل إلى 1.2 مليار دولار للأسبوع المنتهي في 7 نوفمبر، تلاها تخلص من 1.1 مليار دولار أخرى للأسبوع المنتهي في 14 نوفمبر.
شهدت صناديق الإيثريوم المتداولة اتجاهًا مماثلًا، حيث فقدت أكثر من 1.2 مليار دولار إجمالًا خلال الفترة نفسها. فبعد تدفقات داخلة متواضعة بلغت 15 مليون دولار في الأسبوع الأخير من أكتوبر، شهدت صناديق الإيثريوم تدفقات خارجة كبيرة تجاوزت 500 مليون دولار و728 مليون دولار في الأسبوعين التاليين. وهذا يمثل إجمالي تدفقات خارجة بقيمة 4.2 مليار دولار عبر صناديق البيتكوين والإيثريوم وحدها.
أشار “جيمس باترفيل” (James Butterfill) من شركة CoinShares إلى أن عمليات السحب الأخيرة من صناديق البيتكوين والإيثريوم مرتبطة بمخاوف على مستوى الاقتصاد الكلي. وكتب: “نعتقد أن مزيجًا من عدم اليقين بشأن السياسة النقدية وبائعي الحيتان الأصليين للعملات المشفرة هي الأسباب الرئيسية لهذا الانخفاض السلبي الأخير”. هذا التحليل يربط بين حركة السوق الأوسع وبين العوامل الاقتصادية الكلية التي تؤثر على قرارات الاستثمار، مما يشير إلى أن المستثمرين قد يكونون يتخذون قراراتهم بناءً على نظرة أوسع للمشهد الاقتصادي العالمي، وليس فقط على أسس داخلية لسوق العملات المشفرة.
صناديق بلاك روك (BlackRock) تتأثر أيضًا
في غضون ذلك، كانت صناديق BlackRock مسؤولة عن حوالي 50% من عمليات الاسترداد، حيث خسرت IBIT وETHA مجتمعة أكثر من 2 مليار دولار. وقد خرج ما يقرب من 1.4 مليار دولار من IBIT، بينما غادر أكثر من 700 مليون دولار من ETHA. وخلال هذه الفترة، سجلت ETHA التابعة لـ BlackRock تدفقًا خارجًا بقيمة 421 مليون دولار، وهي أكبر خسارة أسبوعية لها منذ إطلاقها في عام 2024. هذه الأرقام تؤكد حجم وشدة التدفقات الخارجة التي شهدتها حتى أكبر الشركات في هذا المجال، مما يسلط الضوء على التقلبات الشديدة التي يمكن أن يشهدها سوق العملات المشفرة.
نظرة متفائلة رغم التراجعات: ملكية IBIT المؤسسية
على الرغم من عمليات السحب الأخيرة، أظهرت نظرة عامة للربع الثالث من عام 2025 لملكية IBIT المؤسسية زيادة بنسبة 15% في عدد حاملي المؤسسات. ارتفعت إجمالي الملكية المؤسسية بنسبة 1% لتصل إلى 29%، مع ملكية صناديق الثروة السيادية ودولة الإمارات العربية المتحدة بنسبة 2.14% و4.1% على التوالي. هذا يشير إلى أنه حتى مع التقلبات قصيرة الأجل والتدفقات الخارجة، لا يزال هناك اهتمام مؤسسي كامن وطويل الأجل بالبيتكوين كفئة أصول، مما يوفر بارقة أمل واستقرار على المدى الأبعد.
مستقبل صناديق الاستثمار المتداولة للعملات المشفرة: ديناميكية متغيرة
إن التباين الحاد في أداء صناديق الاستثمار المتداولة للعملات المشفرة هذا الشهر يبعث برسالة واضحة حول نضج السوق وتنوعه المتزايد. فبينما يستمر البيتكوين والإيثريوم في لعب دور محوري كأصول رئيسية، فإن صعود العملات البديلة مثل سولانا وXRP في جذب رؤوس الأموال يشير إلى تحول في اهتمامات المستثمرين نحو فرص نمو جديدة وإمكانيات تكنولوجية مبتكرة. هذا لا يعني تراجع أهمية الأصول القائدة، بل يشير إلى توسع أفق الاستثمار في الفضاء الرقمي.
يجب على المستثمرين ومراقبي السوق الانتباه لهذه الاتجاهات المتغيرة، حيث يمكن أن تشكل هذه الديناميكيات الجديدة مستقبل الاستثمار في العملات المشفرة. إن قدرة العملات البديلة على جذب تدفقات رأسمالية كبيرة في وقت تشهد فيه الأصول الأكبر تراجعات هي مؤشر على مرونة السوق وقدرته على التكيف مع التفضيلات المتغيرة. ومع استمرار تطور المشهد التنظيمي وزيادة وضوح المنتجات المالية، من المتوقع أن يستمر هذا التنوع والابتكار في صناديق الاستثمار المتداولة للعملات المشفرة، مما يوفر للمستثمرين المزيد من الخيارات لتعزيز محافظهم الاستثمارية.
في الختام، بينما تثير المخاوف الكلية بعض التقلبات في صناديق البيتكوين والإيثريوم، فإن الأداء القوي لصناديق سولانا وXRP يمثل شهادة على الحيوية المتجددة في قطاع العملات البديلة. يبقى السؤال هو ما إذا كانت هذه الديناميكية الجديدة ستستمر في التشكيل الرئيسي لسوق العملات المشفرة على المدى الطويل، وما هي العملات البديلة الأخرى التي قد تبرز كمنافسين أقوياء في المستقبل. متابعة هذه التطورات ستكون حاسمة لفهم المشهد المتغير للاستثمار في الأصول الرقمية. استمروا في متابعة آخر الأخبار والتحليلات للبقاء على اطلاع دائم بفرص وتحديات السوق.
