# عودة “الارتفاع فقط”: هل تعود السيولة لدفع أسواق الكريبتو والأسهم بعد استنزاف الخزانة الأمريكية؟
شهدت أسواق العملات المشفرة نوعًا من التوقف والهدوء النسبي خلال الفترة الماضية، وذلك في ظل استنزاف السيولة من النظام المالي من قبل وزارة الخزانة الأمريكية. لكن مع اقترابها من إتمام عملية إعادة تعبئة حساب الخزانة العام (TGA)، وهو ما وصفه الرئيس التنفيذي السابق لـ BitMEX، آرثر هايز، بأنه “استنزاف للسيولة”، قد يعود مسار “الارتفاع فقط” إلى مساره الصحيح. هذا التحول الكبير يثير تساؤلات حول مستقبل الأسواق المالية، وخاصة أسواق العملات الرقمية التي غالبًا ما تتأثر بشكل كبير بتدفقات السيولة العالمية. فما هو حساب الخزانة العام هذا؟ وكيف يؤثر على الاقتصاد بشكل عام وأسواق الكريبتو بشكل خاص؟ وماذا يعني هذا التحول المرتقب للمستثمرين والمتداولين؟
ما هو حساب الخزانة العام (TGA)؟
ببساطة، يعتبر حساب الخزانة العام (TGA) بمثابة الحساب الجاري للحكومة الأمريكية لدى الاحتياطي الفيدرالي. عندما تحتاج الخزانة إلى إعادة تعبئة هذا الحساب، فإنها تقوم بإصدار ديون جديدة، وهذا الإجراء يسحب السيولة بفعالية من النظام المالي الأوسع. تخيل أن الحكومة تسحب مبالغ ضخمة من الأموال من البنوك والمؤسسات المالية، هذه الأموال التي كانت ستكون متاحة للاستثمار أو الإنفاق، تجد طريقها إلى الحساب الحكومي. هذه العملية تحدث بشكل دوري وتؤثر بشكل مباشر على حجم الأموال المتداولة في الأسواق.
في عام 2025، حددت الخزانة هدفًا لإعادة تعبئة الحساب بمقدار 850 مليار دولار. لتحقيق هذا الهدف، كان لابد من امتصاص مئات المليارات من الدولارات النقدية عن طريق بيع أذونات وسندات الخزانة. هذه الأموال، التي لولا ذلك لكان من الممكن أن تضخ في أسواق الأسهم والعملات المشفرة، تم تحويلها إلى الحساب الحكومي. عندما يتم تعبئة الحساب الجاري للحكومة، فإن هذه الأموال تبقى على الهامش، وغير متاحة للمستثمرين، مما يؤدي إلى انكماش سيولة السوق. هذا الانكماش في السيولة يقلل من حجم الأموال المتاحة للمضاربة والاستثمار في الأصول الخطرة، مما يؤثر سلبًا على أدائها.
هل تسبب إعادة تعبئة TGA في ركود الأسواق؟
نعم، جزئيًا على الأقل. لقد أدت عملية إعادة تعبئة TGA إلى خلق فراغ مؤقت في السيولة. على سبيل المثال، انخفض سعر البيتكوين إلى حوالي 113,500 دولار بعد أن كان يتداول فوق 124,000 دولار في وقت سابق من العام. كما انخفض مؤشر ناسداك بنحو 1.4%. تزامن هذا الاستنزاف مع تراجع عبر معظم الأصول الخطرة، ليس بسبب تغيير جذري في الأساسيات الاقتصادية، بل ببساطة بسبب قلة النقد المتداول للمضاربة. هذا يشير إلى أن السيولة تلعب دورًا حاسمًا في تحديد اتجاهات السوق، خاصة في الأصول المتقلبة مثل العملات المشفرة. المستثمرون يصبحون أكثر حذرًا عندما تقل السيولة، مما يؤدي إلى عمليات بيع وتراجع في الأسعار.
لم يقتصر التأثير على العملات المشفرة فقط، بل امتد ليشمل أسواق الأسهم التقليدية أيضًا. عندما يتم سحب السيولة من النظام، تصبح الشركات والمستثمرون أقل استعدادًا للمخاطرة، مما يؤدي إلى تراجع الاستثمارات وتوقف النمو. هذه الظاهرة تؤكد على الترابط الوثيق بين السياسات النقدية الحكومية وأداء الأسواق المالية.
تحول الاحتياطي الفيدرالي: تخفيض أسعار الفائدة
في غضون ذلك، أعلن الاحتياطي الفيدرالي عن أول خفض له لأسعار الفائدة في عام 2025، حيث خفض سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى نطاق 4.00%-4.25%. تتوقع الأسواق ما لا يقل عن خفضين إضافيين قبل نهاية العام. يمثل هذا تحولًا واضحًا عن سنتين من التشديد النقدي، وتاريخيًا، كانت أسعار الفائدة المنخفضة بمثابة وقود قوي للأصول الخطرة مثل الأسهم والعملات المشفرة. هذا التغيير في سياسة الاحتياطي الفيدرالي هو مؤشر قوي على أن الأوضاع الاقتصادية تتجه نحو بيئة أكثر ملاءمة للنمو والاستثمار.
أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى تباطؤ سوق العمل وضعف البيانات الاقتصادية كأسباب رئيسية لهذا الخفض، مما يشير إلى أن السياسة النقدية تتحرك لدعم النمو مرة أخرى، حتى لو لم يتم القضاء على التضخم بالكامل بعد. هذا يعني أن البنك المركزي أصبح أكثر استعدادًا للتساهل في سياسته النقدية لدعم الاقتصاد، وهو ما يُنظر إليه عادةً على أنه إيجابي لأسواق الأصول الخطرة. تثير هذه الخطوة تفاؤلًا بين المستثمرين بأن الأموال ستعود للتدفق نحو الأصول ذات المخاطر العالية بحثًا عن عوائد أعلى.
صمام الأمان البالغ تريليونات الدولارات لأسواق الكريبتو
ربما يكون السبب الأكبر وراء فرضية “الارتفاع فقط” هو أن رأس المال ينتظر. لقد تضخمت صناديق سوق المال إلى رقم قياسي بلغ 7.5 تريليون دولار اعتبارًا من منتصف سبتمبر 2025. هذه الأموال كانت تحقق عوائد في بيئات منخفضة المخاطر، ولكن يمكن إطلاقها في الأسهم أو السندات أو العملات المشفرة بمجرد عودة شهية المخاطرة. هذه الكمية الهائلة من رأس المال تمثل قوة كامنة يمكن أن تدفع الأسواق إلى مستويات غير مسبوقة بمجرد أن تبدأ في التحرك.
عندما تتحول موجة السيولة، كما يبدو أنها تفعل الآن، فإن هذا النقد لديه القدرة على خلق موجة صعودية شرسة. مع اكتمال إعادة تعبئة TGA إلى حد كبير، فإن استنزاف السيولة على وشك الانعكاس. اجمع هذا مع احتياطي فيدرالي أكثر ودية وتريليونات الدولارات المتوقفة على الهامش جاهزة للتحرك، وستكون الساحة مهيأة لزخم جديد نحو المخاطرة. هذه العوامل مجتمعة تخلق بيئة مثالية لعودة الثقة في الأسواق ودفع الأسعار إلى الأعلى.
استعداد المستثمرين لضخ هذه الأموال في الأصول الأكثر خطورة يعكس تحولًا في نظرتهم الاقتصادية. فبعد فترة من الحذر والبحث عن الأمان، أصبح هناك الآن تفاؤل متزايد بأن أفضل الفرص تكمن في الأسواق التي شهدت تراجعًا مؤخرًا. هذا التحول يمكن أن يؤدي إلى تدفقات رأسمالية كبيرة نحو أسواق العملات المشفرة، مما يعزز من قيمتها السوقية ويزيد من جاذبيتها.
الخلاصة: هل يعود “الارتفاع فقط”؟
إن سحب السيولة يقترب من نهايته، وقد بدأت دورة خفض أسعار الفائدة، وكتلة النقد الهائلة في السوق جاهزة لمطاردة العوائد والارتفاع مرة أخرى. أو كما يقول هايز، “يمكن أن يستأنف الارتفاع فقط”. هذا التفاؤل ليس مجرد تكهنات، بل هو مبني على تحليلات اقتصادية عميقة ترصد تحولات رئيسية في السياسات النقدية واتجاهات تدفقات رأس المال. إن نهاية استنزاف السيولة، بالإضافة إلى سياسة نقدية أكثر تساهلاً، توفر أساسًا قويًا لنمو محتمل في الأصول الخطرة.
بالنسبة للمستثمرين في العملات المشفرة، هذه الأخبار تعد إيجابية للغاية. فمع زيادة السيولة وتوفر الأموال للاستثمار، من المرجح أن تشهد أسواق الكريبتو انتعاشًا قويًا. هذا ليس فقط فرصة للمضاربة قصيرة الأجل، بل قد يمثل بداية لدورة صعودية أطول وأكثر استدامة، خاصة مع تزايد الاهتمام المؤسسي بالأصول الرقمية. يجب على المستثمرين أن يكونوا مستعدين لهذه التحولات والاستفادة من الفرص التي قد تنشأ.
في الختام، يبدو أن البيئة الاقتصادية الكلية تتجه نحو دعم الأصول الخطرة مجددًا. التوازن بين السياسة المالية الحذرة والسياسة النقدية التوسعية يخلق مزيجًا فريدًا يمكن أن يدفع أسواق الكريبتو والأسهم إلى آفاق جديدة. مع اكتمال تعبئة حساب الخزانة العام وبدء تخفيضات الفائدة، قد نكون على أعتاب فترة “الارتفاع فقط” التي طال انتظارها، مما يفتح الباب أمام فرص استثمارية واعدة في عالم العملات الرقمية والتقنيات المالية. يبقى السؤال، هل أنت مستعد للرحلة الصعودية القادمة؟