“`html
تصويت مجلس الشيوخ 68-30 على إغلاق باب النقاش يسرّع قانون GENIUS نحو الإقرار بأغلبية بسيطة
في خطوة تشريعية هامة تؤثر بشكل مباشر على مستقبل العملات الرقمية، وتحديداً فئة العملات المستقرة (Stablecoins) في الولايات المتحدة، صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية كبيرة بلغت 68 صوتًا مقابل 30 في 11 يونيو لصالح إغلاق باب النقاش (Cloture) بشأن قانون توجيه وتأسيس الابتكار الوطني للعملات المستقرة الأمريكية، المعروف اختصارًا بقانون GENIUS (Guiding and Establishing National Innovation for US Stablecoins Act). يُعدّ هذا التصويت نقطة تحول رئيسية، حيث أنهى خيار المماطلة (Filibuster) الذي يمكن أن يعرقل تمرير القوانين في مجلس الشيوخ، ومهّد الطريق لمشروع القانون للانتقال إلى تصويت نهائي على أرضية المجلس يتطلب أغلبية بسيطة فقط (51 صوتًا من أصل 100).
يشير هذا التصويت الهام إلى دعم واسع النطاق، بما في ذلك دعم من الحزبين الرئيسيين، لتنظيم العملات المستقرة على المستوى الفدرالي. لطالما كانت العملات المستقرة، التي تهدف إلى الحفاظ على قيمة ثابتة غالبًا ما تكون مرتبطة بعملة ورقية كال دولار الأمريكي، موضوع نقاش مستمر بين المشرعين والمنظمين. ينبع هذا الاهتمام من دورها المتزايد في النظام البيئي للأصول الرقمية، سواء كجسر بين العملات الورقية والأصول المشفرة، أو كأداة للتداول والتحويلات.
بعد إعلان نتيجة التصويت مباشرةً، بدأ زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، السيناتور جون ثون (John Thune)، الذي يتحكم في جدول أعمال المجلس، احتساب ساعة ما بعد إغلاق باب النقاش التي تستمر لمدة 30 ساعة. هذه المدة مخصصة لمزيد من النقاشات وتقديم التعديلات، قبل أن يتم طرح مشروع القانون للتصويت النهائي على إقراره. يُظهر بدء العد التنازلي هذا جدية القيادة في المجلس لدفع التشريع قدمًا.
تعديل هاجرتي يخفف الاعتراضات الحزبية
الخطوة التالية في العملية التشريعية تسمح للمشرعين بمناقشة تعديل بديل تم التفاوض عليه بواسطة السيناتور بيل هاجرتي (Bill Hagerty). هذا التعديل المقترح يمثل محاولة لتسوية الخلافات التي ظهرت في المحاولات السابقة لإقرار القانون. بعد مناقشة التعديل، سيتم التصويت على اعتماده قبل التصويت على مشروع القانون بأكمله. وفقًا لتحليل أليكس ثورن (Alex Thorn)، رئيس الأبحاث في شركة Galaxy المتخصصة في الأصول الرقمية، فإن هذا التسلسل يمكن أن ينتهي بالتصويت النهائي وإقرار القانون إما في 16 يونيو أو 17 يونيو.
يأتي تعديل هاجرتي كاستجابة مباشرة للعقبات التي واجهها مشروع القانون سابقًا. في مايو الماضي، فشلت محاولة أولى لإغلاق باب النقاش (Cloture) بسبب اعتراضات، خاصة من بعض المشرعين الديمقراطيين. تضمن تعديل هاجرتي المعدل تغييرات رئيسية طلبتها الأطراف الديمقراطية المتفاوضة بعد فشل المحاولة الأولى. من أبرز هذه التغييرات إلغاء حظر مقترح على الاسترداد العيني (in-kind redemptions)، وهو أمر كان يثير قلقاً في الصناعة. كما يوضح التعديل السلطة الإشرافية على المصدرين غير المصرفيين للعملات المستقرة، مما يوفر وضوحًا تنظيمياً لهذه الكيانات التي تلعب دوراً متزايد الأهمية في السوق.
على الرغم من هذه التغييرات، أكد النص المنقح الذي اقترحه هاجرتي على الاحتفاظ بمتطلبات صارمة تتعلق بالاحتياطيات، الإفصاح، والفحص الدوري. هذه المتطلبات الأساسية تهدف إلى ضمان استقرار العملات المستقرة وحماية المستخدمين والمستثمرين. يشمل ذلك التأكد من أن الأصول التي تدعم العملة المستقرة كافية وسائلة، وأن المصدرين يقدمون معلومات شفافة حول احتياطياتهم، وأن هناك عمليات تدقيق وفحص منتظمة للتأكد من الامتثال.
يُظهر قبول التعديل من قبل أغلبية كبيرة من أعضاء مجلس الشيوخ رغبة في التوصل إلى حل وسط يمكن أن يحظى بدعم كافٍ لتمرير التشريع. إن القدرة على التوصل إلى اتفاق بين الحزبين في قضايا تتعلق بالعملات الرقمية غالباً ما تكون صعبة، مما يجعل التقدم المحرز في قانون GENIUS جديرًا بالملاحظة.
رد فعل الصناعة والإشادة بالتصويت
لم تمر نتيجة التصويت على إغلاق باب النقاش دون رد فعل من الجهات الفاعلة في صناعة العملات الرقمية. رحب كل من مجلس الابتكار المشفر (Crypto Council for Innovation) وصندوق تعليم التمويل اللامركزي (DeFi Education Fund) بالتصويت في بيانين منفصلين. اعتبرت المجموعتان هامش التصويت الكبير (68-30) دليلاً على وجود دعم واسع للقواعد الفدرالية الواضحة التي تحكم العملات المستقرة.
لطالما دعت صناعة العملات المشفرة إلى توفير وضوح تنظيمي للعملات المستقرة. فغياب إطار قانوني محدد يزيد من حالة عدم اليقين ويعيق الابتكار والاستثمار. لذلك، فإن التقدم المحرز في مجلس الشيوخ يعتبر خطوة إيجابية كبيرة في نظر الكثيرين في هذا المجال. حثت المجموعتان السيناتورات على الحفاظ على الزخم الذي حققه التصويت على إغلاق باب النقاش، ومواصلة العمل من خلال التصويتات القادمة على التعديل المقترح وإقرار مشروع القانون بأكمله. يعكس هذا الحث الرغبة في رؤية تشريع نهائي يتم سنه بسرعة نسبية.
الأحكام الرئيسية التي يفرضها القانون
في جوهره، يهدف قانون GENIUS إلى وضع معايير صارمة وواضحة لضمان استقرار وموثوقية العملات المستقرة المستخدمة في المدفوعات في الولايات المتحدة. يتطلب مشروع القانون أن تحتفظ كل عملة مستقرة مخصصة للمدفوعات بأصول عالية الجودة وذات سيولة عالية تعادل قيمة التوكنات المتداولة.
تركز الأصول المسموح بها للاحتياطي بشكل أساسي على سندات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل (Short-dated US Treasuries) أو الودائع المؤمنة (Insured deposits). اختيار هذه الأصول ليس عشوائياً؛ فسندات الخزانة الأمريكية تعتبر من أكثر الأصول أماناً وسيولة في العالم، وكذلك الودائع المؤمنة التي تحميها الحكومة الفدرالية. هذا يضمن أنه في أي وقت، يمكن لمصدري العملات المستقرة تلبية طلبات استرداد قيمة التوكنات بسهولة وسرعة.
بالإضافة إلى متطلبات الاحتياطي، يحظر القانون على المصدرين تقديم عائد (yield) على العملات المستقرة نفسها. هذا التقييد يهدف إلى تمييز العملات المستقرة عن منتجات الإقراض أو الاستثمار الأخرى في عالم التمويل اللامركزي، ويؤكد على دورها كوسيلة للتبادل وحفظ القيمة، وليس كأداة استثمار مدرة للدخل بشكل مباشر.
كما يفرض القانون الفصل الكامل للاحتياطيات عن رأس المال التشغيلي للمصدر. هذا يعني أن الأموال التي تحتفظ بها الشركة لتغطية عملياتها اليومية يجب أن تكون منفصلة تمامًا عن الأصول التي تدعم قيمة العملة المستقرة. هذا الفصل ضروري لحماية أموال المستخدمين في حالة إفلاس الشركة أو مواجهتها لمشاكل مالية.
يلزم مشروع القانون أيضاً المصدرين بتطبيق برامج الامتثال لقانون السرية المصرفية (Bank Secrecy Act – BSA)، وإجراء العناية الواجبة بالعملاء (Customer Due Diligence – CDD)، وتقديم تقارير عن الأنشطة المشبوهة (Suspicious Activity Reports – SARs). هذه المتطلبات تهدف إلى مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ودمج مصدري العملات المستقرة ضمن الإطار الأوسع لمكافحة الجرائم المالية الذي ينطبق على المؤسسات المالية التقليدية.
يتبنى التشريع نهجاً طبقياً في التنظيم بناءً على حجم الكيان المصدر. الكيانات التي تزيد التزاماتها (أي قيمة العملات المستقرة التي أصدرتها) عن 10 مليارات دولار مطالبة بالحصول على ترخيص فدرالي. هذا يضع أكبر اللاعبين في السوق تحت إشراف مباشر وأكثر صرامة على المستوى الوطني. في المقابل، يمكن للمصدرين الأصغر حجماً العمل بموجب الأنظمة المعمول بها في الولايات الفردية، شريطة أن تلبي هذه الأنظمة الحد الأدنى من المعايير الفدرالية التي يحددها القانون. تخضع الكيانات الأصغر أيضاً لفحوصات مشتركة تقوم بها الهيئات التنظيمية الفدرالية وهيئات الولايات لضمان الامتثال.
يتضمن التشريع أحكاماً أخرى مهمة. يوجه وزارة الخزانة الأمريكية بنشر نماذج لتدقيق الاحتياطيات ربع السنوية، مما يوفر معيارًا موحدًا وشفافية أكبر حول كيفية تدقيق الأصول الاحتياطية. كما يمنح القانون لجنة تداول السلع الآجلة (Commodity Futures Trading Commission – CFTC) صلاحيات إنفاذ محدودة تتعلق بالتلاعب بالأسعار في السوق الفورية للعملات المستقرة. يُعدّ إسناد هذه الصلاحيات للجنة CFTC أمراً مهماً، نظراً لخبرتها في تنظيم الأسواق المالية ومنع التلاعب.
المسار المستقبلي والتوقعات
إذا نجح مجلس الشيوخ في اعتماد تعديل هاجرتي ثم إقرار مشروع القانون بصيغته المعدلة، فإن ذلك سيؤثر على المسار التشريعي في مجلس النواب. يمكن لمجلس النواب في هذه الحالة أن يتصرف بناءً على النص الذي أقره مجلس الشيوخ دون الحاجة إلى عقد لجنة مؤتمر (conference committee)، والتي تتكون من أعضاء من المجلسين لتسوية الاختلافات بين نسختين مختلفتين من مشروع القانون. تجنب الحاجة إلى لجنة مؤتمر سيسرّع بشكل كبير عملية سن القانون ودخوله حيز التنفيذ.
خلال الساعات الثلاثين المخصصة للنقاشات بعد إغلاق باب النقاش، يُسمح فقط بتقديم التعديلات ذات الصلة (germane amendments) بمشروع القانون، ما لم يوافق 60 سيناتوراً على التنازل عن هذه القاعدة. تتوقع قيادة مجلس الشيوخ أن تكون هناك عدد قليل من هذه التصويتات على التنازل، مما يشير إلى أن نطاق التغييرات المحتملة على مشروع القانون في هذه المرحلة النهائية سيكون محدودًا بشكل كبير. هذا يعزز احتمال تمرير مشروع القانون بصيغته الحالية أو مع تعديلات طفيفة جدًا.
يمثل هذا التقدم التشريعي خطوة حاسمة نحو توفير الوضوح التنظيمي للعملات المستقرة في الولايات المتحدة. مع تزايد استخدام العملات المستقرة في المعاملات والمنصات اللامركزية، أصبح وجود إطار تنظيمي قوي أمراً ضرورياً للحفاظ على الاستقرار المالي وحماية المستهلكين والمستثمرين. إن تمرير قانون GENIUS سيكون له تأثير كبير على كيفية عمل مصدري العملات المستقرة في الولايات المتحدة، وقد يؤثر أيضاً على المشهد التنظيمي العالمي مع اتخاذ بلدان أخرى خطوات مماثلة. يراقب اللاعبون في صناعة العملات الرقمية والمؤسسات المالية التقليدية عن كثب هذه التطورات، حيث يمكن أن تعيد تشكيل العلاقة بين التمويل التقليدي والأصول الرقمية.
“`