هل كل قمة ناسداك تسبق صعود البيتكوين؟ دراسة تاريخية لتدفق السيولة وتأثيرها على العملات المشفرة
في إنجاز تاريخي يلفت الأنظار، تخطى مؤشر ناسداك (Nasdaq) حاجز 26,000 نقطة للمرة الأولى على الإطلاق، وهو حدث أثار موجة من التحليلات والنقاشات المعمقة في الأوساط المالية والاقتصادية العالمية. بالنسبة للمستثمرين التقليديين، يمثل هذا الإنجاز فصلاً جديداً ومهماً في صعود وول ستريت الذي لا يتوقف. أما بالنسبة لمراقبي سوق العملات المشفرة والمهتمين بالبيتكوين (Bitcoin)، فقد يُنظر إلى هذا الحدث على أنه الشرارة المحتملة التي ستدفع البيتكوين نحو تسارع جديد في قيمته السوقية.
المشهد الاقتصادي الحالي يشهد توسعاً ملحوظاً في السيولة النقدية، إلى جانب تزايد واضح في شهية المستثمرين للمخاطرة، وهي عوامل تاريخية تشير إلى أن سوق العملات المشفرة قد يكون على موعد مع تأثيرات إيجابية قريباً. يطرح المحللون الآن تساؤلات جدية حول ما إذا كانت ظاهرة “تدوير رأس المال” التي شهدناها في دورات اقتصادية سابقة، ستتكرر مرة أخرى لتشكل مساراً مشابهاً في الأسواق الحالية.
أنماط سعر البيتكوين بعد قمم ناسداك التاريخية
وفقاً للتحليلات الدقيقة التي يقدمها حساب “Bull Theory” المتخصص في بيانات السوق على منصة X، فإن كل قمة تاريخية جديدة لمؤشر ناسداك قد عملت في الماضي كإشارة رائدة وواضحة لتحركات سعر البيتكوين. تشير البيانات المستخلصة من هذه التحليلات إلى أن البيتكوين يميل إلى متابعة ناسداك في غضون بضعة أشهر، عندما يدخل الأخير مرحلة “اكتشاف الأسعار” (price discovery) ويحقق مستويات قياسية جديدة.
الأرقام تتحدث عن نفسها: في المتوسط، شهد سعر البيتكوين مكاسب بنسبة 7% خلال أول 30 يوماً فقط بعد وصول ناسداك إلى قمة جديدة. وبعد مرور 60 يوماً، قفز هذا الرقم ليبلغ 14%، وفي غضون 90 يوماً، وصل متوسط أداء البيتكوين إلى حوالي 25% من المكاسب. هذه الإحصائيات ليست مجرد مصادفات، بل تعكس أنماطاً سلوكية متكررة في تدفقات السيولة ورؤوس الأموال.
يكمن جوهر هذا التفسير في ديناميكية سلوك السيولة في الأسواق. فمع استمرار أسعار الأسهم في الارتفاع وتحقيق مستويات قياسية، لا تتلاشى رؤوس الأموال من الأسواق، بل يحدث لها “تدوير” (rotation) بين فئات الأصول المختلفة. عادةً ما يسعى المستثمرون، بعد تحقيق أرباح مجزية من مكاسب الأسهم، إلى البحث عن عوائد أعلى في أصول ذات “بيتا” (Beta) أعلى، وهي الأصول التي تتميز بتقلبات أكبر وإمكانية تحقيق عوائد أعلى، مثل البيتكوين. لقد تكرر هذا النمط الدوري بشكل لافت للنظر منذ عام 2017، حيث تلت ارتفاعات البيتكوين الكبرى تعافيات قوية في وول ستريت.
وأشار تحليل “Bull Theory” إلى أن الظروف السوقية الحالية تعكس بشكل ملحوظ المراحل الأولية لسنوات الاختراق الكبرى للبيتكوين، وتحديداً في أعوام 2017 و2020 و2023. في كل من هذه الحالات، كانت السيولة العالمية قد بدأت في التوسع، وكانت البنوك المركزية قد شرعت في تخفيض أسعار الفائدة، وبدأ التضييق الكمي في التراجع. يبدو أن هذه القوى المحفزة نفسها تعاود الظهور في الوقت الراهن، مما يرسم صورة مألوفة لمستقبل الأصول ذات المخاطر العالية.
لماذا قد تكون العملات المشفرة هي منفذ السيولة التالي؟
تعتبر اتجاهات السيولة عنصراً حاسماً في تحديد مسار الأسواق المالية. ومع استمرار ناسداك في تحقيق الأرقام القياسية وعودة سياسات التيسير النقدي إلى المشهد الاقتصادي العالمي، يقترح المحللون أن سوق العملات المشفرة قد يصبح مرة أخرى منفذاً رئيسياً لاستقبال تدفقات رأس المال الجديدة. عادةً ما تؤدي تخفيضات أسعار الفائدة وتوسعات الميزانيات العمومية للبنوك المركزية إلى زيادة حجم النقد المتاح في النظام المالي، وفي الدورات السابقة، تدفقت هذه السيولة الفائضة من أسواق الأسهم التقليدية نحو الأصول الرقمية.
إن تأثير “تدوير رأس المال” هذا يحمل أهمية قصوى لمسار سعر البيتكوين المستقبلي. عندما تبدأ الأسواق التقليدية بالهدوء أو تتباطأ بعد ارتفاعات قوية ومطولة، يبدأ المستثمرون عادةً في البحث عن مجالات جديدة توفر تقلبات وفرصاً صعودية. وقد أدى هذا الانتقال، تاريخياً، إلى توجيه رؤوس أموال جديدة وضخها في أسواق العملات المشفرة، مما أثار ارتفاعات قصيرة الأجل ومراحل صعودية أطول وأكثر استدامة.
لذلك، يمكن اعتبار الإنجاز الأخير لمؤشر ناسداك بمثابة عد تنازلي غير مباشر أو إشارة مبكرة للحركة التالية للبيتكوين. جميع المكونات الاقتصادية الكلية تتوافق الآن: سياسات نقدية أكثر مرونة وتيسيراً، ومعنويات عامة تميل نحو البحث عن المخاطر، وتجدد في مستويات السيولة العالمية. وبينما يبقى أن نرى ما إذا كان البيتكوين سيكرر نمطه التاريخي بعد قمم ناسداك، فإن إيقاع السوق الحالي يبدو وكأنه يعزف لحناً مألوفاً ومبشراً بالخير.
وفقاً لبيانات “Bull Theory”، غالباً ما تمثل هذه الفترة ما يطلقون عليه “مرحلة التسارع” (acceleration phase)، وهي المرحلة التي تستقر فيها أسواق الأسهم وتبدأ العملات المشفرة في امتصاص السيولة الفائضة. إذا ما استمر التاريخ في التكرار وأنماطه في الظهور، فإن الأشهر الأربعة إلى الخمسة القادمة قد تكون حاسمة بشكل خاص في تحديد الاتجاه المستقبلي للبيتكوين والعملات الرقمية بشكل عام.
