كاثي وود تتنبأ: الذكاء الاصطناعي والبيتكوين محركا النمو الاقتصادي الأمريكي الجديد
في تصريح يحمل الكثير من التفاؤل بمستقبل الاقتصاد الأمريكي، كشفت كاثي وود، الرئيس التنفيذي لشركة “آرك إنفست” (Ark Invest) الاستثمارية المرموقة، عن رؤيتها الثاقبة لتحولات اقتصادية عميقة. ترى وود أن الاقتصاد الأكبر في العالم لا يمر بمجرد تعافٍ عابر، بل هو على أعتاب مرحلة انتقالية حاسمة، يودّع فيها فترة مطولة مما أسمته “الركود المتداول” أو “rolling recession”، ليدخل حقبة جديدة كليًا. هذه الحقبة، بحسب وود، ستكون مدفوعة بشكل أساسي بالنمو القائم على الإنتاجية، والذي تستمد زخمه من التطورات الهائلة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأصول الرقمية، والأتمتة. فبعد ما يقرب من ثلاث سنوات من التباطؤ الذي طال قطاعات محددة، نتيجة للسياسات النقدية المتشددة التي هدفت لكبح جماح التضخم، تبدي وود الآن تفاؤلاً حذراً، مشيرة إلى ظهور علامات واضحة على استقرار اقتصادي وتجدد في وتيرة التوسع والنمو.
نهاية “الركود المتداول” وبداية عصر الإنتاجية
تُشير كاثي وود إلى أن الاقتصاد الأمريكي قد تجاوز بالفعل أصعب مراحل التباطؤ التي شهدتها قطاعات معينة بشكل متتالٍ، فيما يشبه موجات الركود التي تضرب قطاعاً تلو الآخر دون أن تُغرق الاقتصاد بأكمله في ركود شامل. هذه الظاهرة، التي وصفتها بـ”الركود المتداول”، كانت إلى حد كبير نتيجة مباشرة لسياسات التشديد النقدي التي تبناها الاحتياطي الفيدرالي لكبح جماح التضخم المرتفع. الآن، ومع ظهور بوادر تراجع التضخم واستيعاب الأسواق لهذه السياسات، ترى وود أن الاقتصاد قد وصل إلى نقطة تحول. بدأت المؤشرات الاقتصادية تُظهر علامات استقرار ملموسة، ليس فقط توقفاً للانكماش في بعض القطاعات، بل بداية لتوسع ونمو متجدد. هذا التفاؤل لا ينبع من فراغ، بل يستند إلى تحليل عميق للتغيرات الهيكلية التي بدأت تظهر، والتي ستكون الإنتاجية المحرك الأساسي لها، بدلاً من الاعتماد المفرط على الاستهلاك أو التوسع الائتماني كما كان الحال في دورات اقتصادية سابقة. إنها بداية مرحلة جديدة، حيث يتوقع أن تلعب الابتكارات التكنولوجية دور البطولة في تشكيل ملامح النمو المستقبلي.
تعتمد نظرتها المستقبلية على التأثير المتسارع للذكاء الاصطناعي والأتمتة عبر مختلف الصناعات، والتي تعتقد أنها ستخفض التكاليف، وتعزز الإنتاج، وتساعد في السيطرة على التضخم حتى مع استئناف النمو. فبعد ما يقرب من ثلاث سنوات من التباطؤات الخاصة بقطاعات معينة والتي نجمت عن سياسة نقدية أكثر تشددًا، ترى وود الآن علامات على الاستقرار الاقتصادي والتوسع المتجدد. هذا التحول يبشر بمرحلة اقتصادية جديدة تُعلي من شأن الكفاءة والابتكار كقوى دافعة رئيسية.
الذكاء الاصطناعي والأتمتة: وقود الثورة الإنتاجية القادمة
تُعلق كاثي وود آمالاً كبيرة على الدور المحوري الذي سيلعبه الذكاء الاصطناعي (AI) وتقنيات الأتمتة في قيادة هذه الموجة الجديدة من النمو الاقتصادي. ففي قلب توقعاتها المتفائلة، يكمن الإيمان بأن التأثير المتسارع لهذه التقنيات عبر مختلف الصناعات لن يقتصر على تحسينات هامشية، بل سيُحدث ثورة حقيقية في كيفية عمل الشركات والمؤسسات. تتوقع وود أن الذكاء الاصطناعي والأتمتة سيساهمان بشكل مباشر في خفض التكاليف التشغيلية، وزيادة الإنتاج بشكل ملحوظ، والأهم من ذلك، المساعدة في إبقاء معدلات التضخم تحت السيطرة حتى مع استئناف النمو الاقتصادي بوتيرة متسارعة.
وتعزو وود هذا الانتعاش الاقتصادي المرتقب إلى تحول هيكلي عميق يجري حاليًا في كل من القطاعين العام والخاص. هذا التحول مدفوع بشكل أساسي بالتقدم المذهل في مجالات الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) وتعلم الآلة (Machine Learning). هذه التقنيات المتطورة بدأت بالفعل في إحداث تغييرات جذرية، فهي تقلل من كثافة العمالة المطلوبة في الصناعات القائمة على المعرفة، وتُسهم في تقليص الجداول الزمنية للمشاريع بشكل كبير، والأهم من ذلك، أنها تُحرر رأس المال البشري من المهام الروتينية والمتكررة، مما يسمح للموظفين بالتركيز على المهام ذات القيمة الأعلى والتي تتطلب إبداعًا وتفكيرًا نقديًا.
أمثلة واقعية لتأثير الذكاء الاصطناعي: ثورة في الكفاءة
لتوضيح وجهة نظرها، أشارت وود إلى تطورات ملموسة تحدث على أرض الواقع. من بين أبرز الأمثلة التي ساقتها، التطورات الحاصلة في إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA). ففي هذه المؤسسة الحكومية الحيوية، تُستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي بالفعل لضغط مهام سير العمل التي كانت تستغرق عدة أيام لتُنجز في غضون دقائق معدودة. هذا يُشير إلى نقلة نوعية حقيقية في إنتاجية القطاع الحكومي، مما يفتح الباب أمام تحسينات هائلة في الخدمات العامة وسرعة اتخاذ القرارات.
ولم يقتصر الأمر على القطاع الحكومي، فقد لاحظت وود أن كفاءات مماثلة بدأت تظهر بوضوح في قطاعات حيوية أخرى مثل القطاع المالي، والقانوني، والخدمات اللوجستية، والرعاية الصحية. في هذه القطاعات، أصبح الذكاء الاصطناعي يُدمج بسرعة في العمليات الأساسية، مما يُحدث تحولاً في طريقة تقديم الخدمات وإدارة العمليات. ففي القطاع المالي، يُستخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل المخاطر، واكتشاف الاحتيال، وتقديم الاستشارات المالية الشخصية. وفي القطاع القانوني، يُساعد في مراجعة العقود والبحث في السوابق القضائية. أما في اللوجستيات، فيُسهم في تحسين سلاسل التوريد وتخطيط المسارات. وفي الرعاية الصحية، يُستخدم في تشخيص الأمراض وتطوير الأدوية وتحسين رعاية المرضى.
الذكاء الاصطناعي كقوة انكماشية في مواجهة التضخم
ترى كاثي وود أن هذه الطفرة في الإنتاجية الرقمية لن تقتصر فوائدها على رفع هوامش ربح الشركات فحسب، بل ستلعب أيضًا دورًا حاسمًا كقوة انكماشية (deflationary force). هذا يعني أنها ستُساعد في مواجهة الضغوط التضخمية التي عادة ما تُصاحب فترات النمو الاقتصادي القوي. فمن خلال أتمتة العمليات الروتينية وتحسين سرعة اتخاذ القرارات، يمكن للشركات زيادة إنتاجها وتوسيع نطاق عملياتها بشكل أسرع دون الحاجة إلى زيادة متناسبة في تكاليف المدخلات، بما في ذلك تكاليف العمالة والمواد الخام. هذا بدوره يُخفف من الضغط على الأسعار ويُساعد في الحفاظ على استقرارها.
وأكدت وود على أن مرحلة النمو هذه ستكون مختلفة جوهريًا عن الدورات الاقتصادية السابقة التي كانت مدفوعة بشكل أساسي بالاستهلاك المفرط أو التوسع الائتماني. فبدلاً من ذلك، سيكون هذا النمو متجذرًا في مكاسب كفاءة حقيقية وملموسة، ناتجة عن الابتكار التكنولوجي. من وجهة نظرها، تدخل الولايات المتحدة مناخًا استثماريًا جديدًا تمامًا، حيث تتماشى توقعات انخفاض التضخم مع وتيرة الابتكار السريعة والمتسارعة. هذا المزيج الفريد يخلق خلفية مثالية للاستثمارات طويلة الأجل في الشركات التي تقود هذا التحول التكنولوجي، مما يُبشر بعوائد مجزية للمستثمرين الذين يراهنون على مستقبل الإنتاجية والابتكار.
البيتكوين (BTC): حجر الزاوية في التحول المالي
في قلب توقعات كاثي وود الجريئة، تحتل عملة البيتكوين (BTC) مكانة محورية، حيث تواصل شركة “آرك إنفست” النظر إليها ليس فقط كعملة رقمية، بل كأصل مالي تحويلي قادر على إحداث تغيير جذري في النظام المالي العالمي. ولا تتردد الشركة في التعبير عن تفاؤلها الكبير بمستقبل البيتكوين، حيث تحتفظ بسعر مستهدف طويل الأجل يصل إلى 1.5 مليون دولار للعملة الواحدة. هذا الهدف الطموح قد يبدو للبعض مبالغًا فيه، ولكنه يستند إلى تحليل عميق لعدة عوامل أساسية تدعم هذه النظرة الصعودية.
العوامل الداعمة لتوقعات البيتكوين الصعودية:
إن التوقعات الإيجابية لشركة “آرك إنفست” تجاه البيتكوين لا تأتي من فراغ، بل هي نتيجة لتقييم شامل لعدة محركات نمو رئيسية، من أبرزها:
- تزايد المشاركة المؤسسية: تشهد ساحة العملات المشفرة، وعلى رأسها البيتكوين، اهتمامًا متزايدًا من قبل كبار المستثمرين المؤسسيين، مثل صناديق التقاعد، وشركات إدارة الأصول، وحتى بعض البنوك الكبرى. هذا التدفق لرأس المال المؤسسي لا يُضفي على البيتكوين شرعية أكبر فحسب، بل يُساهم أيضًا في زيادة الطلب واستقرار الأسعار على المدى الطويل. ترى وود أن هذه الموجة من التبني المؤسسي لا تزال في مراحلها الأولى، وأن هناك مجالاً واسعًا لنمو هذا الاتجاه في المستقبل.
- دور البيتكوين كمخزن رقمي للقيمة: في عالم يتسم بالتقلبات الاقتصادية والسياسية، يبرز البيتكوين كبديل جذاب للأصول التقليدية التي تُستخدم كمخزن للقيمة، مثل الذهب. فبفضل خصائصه الفريدة، مثل الندرة الرقمية (محدودية المعروض عند 21 مليون عملة)، واللامركزية، وصعوبة المصادرة، يُنظر إلى البيتكوين بشكل متزايد على أنه “الذهب الرقمي”. هذا الدور يجعله ملاذًا آمنًا محتملاً للمستثمرين الذين يسعون لحماية ثرواتهم من مخاطر التضخم وتدهور قيمة العملات الورقية.
- أهميته المتزايدة في البلدان ذات العملات غير المستقرة: في العديد من دول العالم التي تُعاني من تضخم جامح، أو قيود صارمة على رأس المال، أو عدم استقرار سياسي واقتصادي، يُقدم البيتكوين حلاً عمليًا للأفراد والشركات. فهو يُتيح لهم وسيلة للحفاظ على قيمة مدخراتهم، وإجراء المعاملات المالية الدولية بسهولة وبتكلفة منخفضة، والتحرر من قيود الأنظمة المالية التقليدية. ترى وود أن هذا الاستخدام للبيتكوين في الأسواق الناشئة يُمثل أحد أهم محركات الطلب العالمي على العملة الرقمية.
بالإضافة إلى هذه العوامل، تؤمن كاثي وود بأن البنية التحتية للبيتكوين، المتمثلة في شبكة البلوكتشين الآمنة واللامركزية، تُقدم إمكانيات هائلة لتطبيقات مالية مبتكرة تتجاوز مجرد كونه مخزنًا للقيمة. ومع استمرار تطور النظام البيئي للبيتكوين وظهور حلول جديدة لتوسيع نطاق الشبكة وزيادة كفاءتها، من المتوقع أن تزداد حالات استخدامه وتتوسع قاعدة مستخدميه بشكل كبير في السنوات القادمة. كل هذه العوامل مجتمعة تُعزز من قناعة “آرك إنفست” بأن البيتكوين ليس مجرد فقاعة مضاربة، بل هو أصل مالي حقيقي ذو قيمة جوهرية، وأن سعره الحالي لا يعكس سوى جزء بسيط من إمكاناته المستقبلية الهائلة.
تسلا (Tesla): ريادة في الابتكار التكنولوجي المتعدد الأوجه
لا تقتصر رؤية كاثي وود الثورية على عالم الأصول الرقمية، بل تمتد لتشمل الشركات التكنولوجية الرائدة التي تُعيد تشكيل صناعات بأكملها. وفي هذا السياق، تظل شركة تسلا (Tesla)، عملاق صناعة السيارات الكهربائية، واحدة من أبرز استثمارات “آرك إنفست” التي تحظى بأعلى درجات القناعة والثقة. وتُحافظ الشركة على سعر مستهدف جريء لسهم تسلا على مدى خمس سنوات، يصل إلى 2600 دولار للسهم الواحد. هذا التقييم المرتفع لا يستند فقط إلى ريادة تسلا في سوق السيارات الكهربائية، بل إلى رؤية أوسع لإمكانات الشركة في مجالات تكنولوجية متعددة ومتداخلة.
محركات نمو تسلا المتوقعة: ما وراء السيارات الكهربائية
إن التوقعات الصعودية لسهم تسلا تستند إلى عدة عوامل رئيسية، تتجاوز مجرد مبيعات السيارات الكهربائية التقليدية. فشركة “آرك إنفست” ترى أن القيمة الحقيقية لتسلا تكمن في قدرتها على الابتكار في مجالات ستُحدث تحولاً جذريًا في حياتنا اليومية. من أبرز هذه المحركات:
- التسويق التجاري لأسطول سيارات الأجرة ذاتية القيادة (Robotaxi): تُراهن كاثي وود بقوة على نجاح تسلا في إطلاق وتشغيل شبكة واسعة من سيارات الأجرة ذاتية القيادة. هذا المشروع الطموح، في حال تحقيقه، لن يُحدث ثورة في قطاع النقل فحسب، بل سيُولد تدفقات نقدية هائلة للشركة، ويُغير نموذج أعمالها بشكل جذري. تتوقع “آرك إنفست” أن تكون هذه الخدمة مربحة للغاية، وأن تُساهم بشكل كبير في نمو إيرادات وأرباح تسلا في المستقبل.
- التقدم المستمر في تكنولوجيا القيادة الذاتية: تُعتبر تسلا رائدة في مجال تطوير أنظمة القيادة الذاتية، وتستثمر بكثافة في جمع البيانات وتحسين برمجياتها. كلما اقتربت تسلا من تحقيق القيادة الذاتية الكاملة (Full Self-Driving)، زادت قيمة سياراتها وبرمجياتها، وفتحت الباب أمام تطبيقات جديدة تتجاوز مجرد نقل الركاب.
- الإمكانات الهائلة غير المستغلة في قسم الروبوتات: لا يقتصر طموح تسلا على السيارات، بل يمتد ليشمل مجال الروبوتات، وتحديدًا الروبوتات البشرية (Humanoid Robots) مثل “أوبتيموس” (Optimus). ترى كاثي وود أن هذا المجال يُمثل فرصة عالمية هائلة تُقدر قيمتها بعشرات التريليونات من الدولارات. وتعتقد أن الروبوتات البشرية القادرة على أداء مهام متنوعة في المصانع والمنازل والعديد من البيئات الأخرى، ستُحدث ثورة في سوق العمل وتُعزز الإنتاجية بشكل غير مسبوق.
من وجهة نظر وود، تكمن قوة تسلا الحقيقية في قدرتها الفريدة على تحقيق تقدم متزامن في ثلاثة قطاعات تكنولوجية حاسمة ومترابطة: الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وأنظمة الطاقة (بما في ذلك البطاريات وتخزين الطاقة). هذا التآزر بين هذه التقنيات يمنح تسلا ميزة استراتيجية فريدة وريادة واضحة في سباق الابتكار العالمي. فالذكاء الاصطناعي هو العقل المدبر للسيارات ذاتية القيادة والروبوتات، وأنظمة الطاقة المتقدمة هي التي تُشغل هذه الآلات، والروبوتات هي التي ستُساعد في تصنيعها بكفاءة أعلى. هذا التكامل هو ما يجعل تسلا، في نظر “آرك إنفست”، ليست مجرد شركة سيارات، بل شركة تكنولوجيا وابتكار شاملة ذات آفاق نمو لا حدود لها.
استراتيجية Ark Invest الأوسع: التركيز على اتجاهات التكنولوجيا طويلة الأجل
لا تقتصر استراتيجية “آرك إنفست” الاستثمارية على البيتكوين وتسلا فحسب، بل تمتد لتشمل مجموعة أوسع من الشركات التي تتماشى مع رؤيتها للاتجاهات التكنولوجية طويلة الأجل. فإدراكًا منها بأن الابتكار لا يقتصر على عدد قليل من الشركات العملاقة، قامت “آرك إنفست” بزيادة حصصها في شركات واعدة تعمل في قطاعات حيوية مثل أشباه الموصلات والتكنولوجيا الحيوية.
يُعد قطاع أشباه الموصلات بمثابة العمود الفقري للثورة الرقمية، حيث تُستخدم الرقائق الإلكترونية في كل شيء تقريبًا، من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر إلى السيارات ذاتية القيادة وأنظمة الذكاء الاصطناعي. ومع تزايد الطلب على القدرة الحاسوبية، ترى “آرك إنفست” أن الشركات المبتكرة في هذا المجال لديها إمكانات نمو هائلة.
أما قطاع التكنولوجيا الحيوية، فيشهد طفرة غير مسبوقة بفضل التقدم في مجالات مثل تحرير الجينات، والعلاجات الخلوية، والطب الشخصي. تتوقع “آرك إنفست” أن تُحدث هذه التقنيات ثورة في مجال الرعاية الصحية، وأن تُقدم حلولاً لأمراض كانت تُعتبر مستعصية في الماضي.
إن هذا التركيز على الشركات التي تقود الابتكار في قطاعات التكنولوجيا الأساسية يعكس إيمان “آرك إنفست” بأن المستقبل سيكون مدفوعًا بالتقدم العلمي والتكنولوجي. فالشركات التي تستثمر في البحث والتطوير، وتُقدم حلولاً مبتكرة للتحديات الكبرى، هي التي ستكون في طليعة النمو الاقتصادي في السنوات والعقود القادمة. وتسعى “آرك إنفست” من خلال استثماراتها إلى دعم هذه الشركات وتمكينها من تحقيق رؤيتها الطموحة، وفي الوقت نفسه تحقيق عوائد مجزية لمستثمريها الذين يشاركونها هذه النظرة المستقبلية المتفائلة.
نظرة مستقبلية: نحو مرحلة جديدة من الابتكار والنمو المستدام
في ختام رؤيتها الشاملة، تتوقع كاثي وود تحولاً اقتصادياً أوسع نطاقاً، يتجاوز مجرد التعافي الدوري، لينقل الاقتصاد الأمريكي والعالمي من مرحلة قد تكون اتسمت ببعض الركود أو النمو البطيء، إلى حقبة جديدة كلياً. هذه الحقبة القادمة، كما تراها وود، ستتحدد ملامحها الرئيسية من خلال ثلاثة أعمدة أساسية: الابتكار المتسارع أو الأسي (exponential innovation)، والإنتاجية القابلة للتطوير والتوسع (scalable productivity)، والنمو المستدام (sustainable growth).
ترى وود أن التقنيات التحويلية مثل الذكاء الاصطناعي، والبلوكتشين، والروبوتات، وهندسة الجينوم، ليست مجرد اتجاهات تكنولوجية عابرة، بل هي محركات قوية ستُغذي نموًا غير مسبوق في الإنتاجية والكفاءة عبر جميع القطاعات. هذا الابتكار المتسارع لن يكون خطيًا، بل سيتخذ منحنى أسيًا، مما يعني أن وتيرة التغيير والتطور ستزداد بشكل كبير في السنوات القادمة.
ومع هذا الابتكار، تأتي القدرة على تحقيق إنتاجية قابلة للتطوير. فالشركات التي تتبنى هذه التقنيات الجديدة ستكون قادرة على زيادة إنتاجها وتقديم خدماتها لعدد أكبر من العملاء دون الحاجة إلى زيادة متناسبة في التكاليف أو الموارد. هذا سيُعزز من قدرتها التنافسية ويُمكنها من تحقيق نمو سريع ومستدام.
وأخيراً، تؤكد وود على أهمية أن يكون هذا النمو مستدامًا، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل أيضًا من الناحية البيئية والاجتماعية. فالتقنيات الجديدة يمكن أن تُساهم في إيجاد حلول للتحديات العالمية الكبرى، مثل تغير المناخ وندرة الموارد، إذا تم توجيهها بشكل صحيح.
باختصار، ترسم كاثي وود صورة متفائلة لمستقبل الاقتصاد، مستقبل يقوده الابتكار التكنولوجي، وتُعززه الإنتاجية العالية، ويستهدف تحقيق نمو قوي ومستدام يعود بالنفع على الجميع. إنها دعوة للنظر إلى ما هو أبعد من التحديات الراهنة، والتركيز على الفرص الهائلة التي تحملها الثورة التكنولوجية القادمة.