كمية صادمة من الإيثريوم تُفقد للأبد بسبب أخطاء المستخدمين: تقرير
في عالم العملات المشفرة المتسارع، حيث تُقاس القيم بالمليارات وتتطور التقنيات بسرعة البرق، تبرز قضية محورية ومقلقة للغاية: الخسائر الدائمة للأصول الرقمية بسبب أخطاء بشرية. يكشف تقرير حديث عن حجم مذهل من عملات الإيثريوم (ETH) التي فُقدت إلى الأبد، مما يسلط الضوء على المخاطر الكامنة في التعامل مع الأصول الرقمية إذا لم يتم توخي الحذر اللازم.
أكثر من 900 ألف ETH في عداد المفقودين للأبد
وفقًا لتحليل مفصل أجراه كونور جروغان، مدير المنتجات في Coinbase، فإنه حتى 31 يناير 2025، فُقد ما لا يقل عن 913,111 من عملات الإيثريوم (ETH) بشكل دائم بسبب أخطاء ارتكبها أصحابها. تُقدر قيمة هذه العملات المفقودة بحوالي 3.43 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل نسبة 0.76% من إجمالي المعروض المتداول من الإيثريوم. هذا الرقم الصادم يثير تساؤلات جدية حول مدى أمان التعاملات الرقمية وأهمية فهم آليات البلوكتشين جيدًا قبل القيام بأي تحويلات.
شارك جروغان تحليله هذا في 21 يوليو عبر منشور على منصة X، مشيرًا إلى أن هذا التقدير لا يمثل سوى جزء من الصورة الكبيرة. تشمل هذه الخسائر حالات متعددة تنوعت بين إرسال الأموال إلى عناوين حرق غير قابلة للاسترداد، أو إيداعها في عقود ذكية معيبة، أو ببساطة سوء إدارة المحافظ الرقمية مما أدى إلى فقدان الوصول إلى الأموال.
الخسائر الفعلية قد تكون أعلى بكثير
يؤكد جروغان أن الرقم المعلن عنه والبالغ 3.4 مليار دولار أمريكي هو تقدير متحفظ للغاية للكمية الفعلية من الإيثريوم المفقودة أو التي لا يمكن الوصول إليها. يشرح أن هذا الرقم يغطي فقط عملات الإيثريوم التي تم قفلها بشكل دائم. وأضاف قائلاً: “لكي نكون واضحين، فإن هذا الرقم الذي يتجاوز 3.4 مليار دولار يقل بشكل كبير عن المبلغ الفعلي للإيثريوم المفقود/المتعذر الوصول إليه.”
ولفهم حجم الخسائر الحقيقي بشكل أوسع، يوضح جروغان أنه إذا قمنا بتضمين 5.3 مليون ETH التي تم حرقها من خلال آلية EIP-1559 – وهي آلية تدمير جزء من رسوم المعاملات بشكل دائم – فإن أكثر من 5% من إجمالي المعروض من الإيثريوم الذي تم إنشاؤه على الإطلاق قد تم تدميره بشكل دائم. وهذا يترجم إلى قيمة مذهلة تبلغ 23.42 مليار دولار من العملة المشفرة، مما يعطي منظورًا أوسع لحجم الأصول الرقمية التي لم تعد موجودة في التداول.
من الأمثلة التي لم يشملها التقرير، جميع المفاتيح الخاصة المفقودة أو المحافظ الخامدة مثل محافظ Genesis المنسية التي لا يزال أصحابها غير قادرين على الوصول إليها. يكشف تقرير جروغان أيضًا عن تفاصيل دقيقة تشمل عناوين المعاملات وكيفية حدوث كل خسارة على حدة، مما يوفر نظرة ثاقبة في الآليات وراء هذه الحوادث. تعتمد هذه النتائج على بيانات موثوقة ومتحقق منها على السلسلة، مما يعزز مصداقية التحليل ويقدم صورة واضحة عن الأخطاء الشائعة.
أبرز حوادث فقدان الإيثريوم: دروس مستفادة
يسلط التقرير الضوء على عدة حوادث بارزة أدت إلى خسائر كبيرة في الإيثريوم، مما يقدم لمحة عن التحديات الأمنية والتقنية في هذا المجال:
-
خطأ محفظة Parity في عام 2017: يعتبر هذا أحد أهم الحوادث التي تم تسليط الضوء عليها. في عام 2017، قامت مؤسسة Web3 بشطب 306,000 ETH بعد اكتشاف خطأ في محفظة Parity سمح لشخص ما بإيقاف جزء رئيسي من النظام، مما أدى إلى حظر الوصول إلى تلك الأموال. كان هذا الخطأ تقنيًا بحتًا وأظهر مدى حساسية العقود الذكية للعيوب البرمجية.
-
تبادل QuadrigaCX الكندي: حالة أخرى مؤلمة شملت بورصة العملات المشفرة الكندية QuadrigaCX، التي قامت بقفل 60,000 ETH في عقد ذكي دون أي طريقة لسحب الأموال. أدت هذه الحادثة، بالإضافة إلى مشاكل أخرى في البورصة، إلى خسائر فادحة للمستخدمين وصنف كواحد من أكبر الكوارث في تاريخ العملات المشفرة الكندية.
-
مشروع Akutars NFT في عام 2022: في حادثة حديثة نسبيًا، احتجز مشروع Akutars NFT حوالي 11,500 ETH خلال عملية بيع بسبب عيب في العقد الذكي، مما منع إرسال المبالغ المستردة إلى المشترين. هذه الحادثة تظهر أن حتى المشاريع الحديثة والشهيرة ليست بمنأى عن الأخطاء البرمجية التي قد تكلف المستخدمين مبالغ ضخمة.
-
الإرسال العشوائي إلى عناوين الحرق: بالإضافة إلى الأخطاء البرمجية، تم إرسال أكثر من 25,000 ETH بشكل جماعي من قبل المستخدمين إلى “عناوين الحرق” لأسباب غير معروفة. هذه العناوين مصممة لعدم السماح باسترداد الأموال، مما يجعل هذه الأموال مفقودة إلى الأبد. قد يكون هذا نتيجة لعدم فهم المستخدمين لآلية العناوين أو أخطاء بسيطة في إدخال بيانات التحويل.
إيثريوم يتصدر قائمة الأهداف للهجمات السيبرانية
في سياق متصل، كشف تقرير “Hack3d” الصادر عن شركة CertiK لأمن البلوكتشين عن النصف الأول من عام 2025 أن مستثمري العملات المشفرة قد خسروا 2.47 مليار دولار بسبب الاختراقات الأمنية وعمليات الاحتيال والاستغلال، متجاوزًا بذلك إجمالي الخسائر المسجلة في عام 2024 بأكمله. هذه الأرقام المخيفة تؤكد الحاجة الملحة لتعزيز التدابير الأمنية والوعي بين المستخدمين.
كانت بلوكتشين الإيثريوم هي الأكثر استهدافًا، حيث شهدت 175 حادثة منفصلة، نتج عنها سرقة 1.63 مليار دولار من الأموال. يبرر التقرير هذا التركيز على الإيثريوم بدورها الرائد في التمويل اللامركزي (DeFi) والحجم الكبير لنشاط العقود الذكية على شبكتها. فبوجود مليارات الدولارات محتجزة في البروتوكولات القائمة على الإيثريوم، تصبح هذه البروتوكولات أهدافًا جذابة للجهات الفاعلة السيئة.
أنواع الاختراقات الأكثر تدميراً وشيوعاً
-
اختراق المحافظ: برزت عمليات اختراق المحافظ كأكثر أشكال الاختراق تدميرًا، حيث كانت مسؤولة عن خسائر بلغت 1.7 مليار دولار عبر 34 حادثة فقط. هذا يسلط الضوء على أهمية تأمين المفاتيح الخاصة واستخدام محافظ الأجهزة (Hardware Wallets) لتقليل المخاطر.
-
هجمات التصيد الاحتيالي: من ناحية أخرى، كانت هجمات التصيد الاحتيالي هي الأكثر تكرارًا، حيث بلغت 132 حادثة، مما أدى إلى سرقة 410 ملايين دولار من مستخدمي العملات المشفرة. تُظهر هذه الإحصائيات أن التهديدات لا تقتصر على العيوب التقنية فحسب، بل تمتد لتشمل الهندسة الاجتماعية التي تستهدف المستخدمين الأفراد.
كيف نحمي أنفسنا من هذه الخسائر؟
مع تزايد أعداد العملات المفقودة والاختراقات الأمنية، يصبح من الضروري للمستخدمين اتخاذ خطوات استباقية لحماية أصولهم الرقمية. الوعي هو الخطوة الأولى، ولكن هناك أيضًا إجراءات عملية يمكن اتخاذها:
- التحقق المزدوج من العناوين: قبل إرسال أي عملات مشفرة، تأكد دائمًا من التحقق من عنوان المستلم عدة مرات. الكثير من الخسائر تحدث بسبب خطأ بسيط في نسخ ولصق العنوان.
- استخدام محافظ الأجهزة (Hardware Wallets): توفر محافظ الأجهزة طبقة أمان إضافية يصعب اختراقها، حيث تبقى المفاتيح الخاصة مخزنة في وضع عدم الاتصال.
- الحذر من العقود الذكية: قبل التفاعل مع أي عقد ذكي، تأكد من فهم وظيفته ومخاطره. استخدم فقط البروتوكولات والعقود التي تم تدقيقها والموثوقة.
- تجنب التصيد الاحتيالي: كن حذرًا من الروابط المشبوهة والرسائل غير المرغوب فيها التي تطلب معلومات شخصية أو مفاتيح خاصة. دائمًا ما تذكر أن البورصات والمنصات الموثوقة لن تطلب منك مفتاحك الخاص أبدًا.
- تثقيف نفسك باستمرار: عالم العملات المشفرة يتطور باستمرار. ابقَ مطلعًا على أحدث التهديدات الأمنية وأفضل الممارسات لحماية أصولك.
خاتمة
إن الكم الهائل من الإيثريوم الذي فُقد للأبد بسبب أخطاء المستخدمين ليس مجرد رقم على ورقة، بل هو تذكير صارخ بالمخاطر الكامنة في الفضاء الرقمي. بينما تواصل تكنولوجيا البلوكتشين إحداث ثورة في العديد من الصناعات، فإن المسؤولية تقع على عاتق المستخدمين لحماية استثماراتهم من خلال اليقظة والتعليم والتطبيق الصارم للممارسات الأمنية. الأمان في عالم الكريبتو يبدأ بك.
