مؤشر aSOPR للبيتكوين: هل الذروة الحقيقية للعملة المشفرة لم تأت بعد؟ تحليل شامل
شهدت عملة البيتكوين (Bitcoin)، رائدة العملات المشفرة، تقلبات حادة في الأسعار مؤخرًا، حيث كانت في حالة تراجع ملحوظ. يراقب المستثمرون والمتداولون على حد سواء العديد من المؤشرات الفنية والتحليلية لمحاولة فهم المسار المستقبلي لهذه الأصول الرقمية المثيرة للاهتمام. من بين هذه المؤشرات التي تحظى بشعبية كبيرة، يبرز “مؤشر نسبة الربح/الخسارة للناتج المنفق المعدل” المعروف اختصارًا بـ aSOPR. هذا المؤشر، رغم أهميته في الدورات السوقية السابقة، لم يصل بعد إلى مستويات الذروة التي سجلها في الدورات الماضية. فهل هذا يعني أن الذروة الحقيقية لسعر البيتكوين لم تأت بعد؟ أم أن هذه الدورة تختلف عن سابقاتها؟ هذا ما سنتناوله بالتفصيل في هذا المقال.
لقد ظل مؤشر aSOPR للبيتكوين في مرحلة توطيد وتماسك ملحوظة على مدار العامين الماضيين، مما يثير تساؤلات حول ديناميكيات السوق الحالية. بحسب ما أشار إليه أحد المحللين في منشور على CryptoQuant Quicktake، فإن مؤشر aSOPR للبيتكوين يتذبذب ويتماسك بين خطوط اتجاه متقاربة لما يقرب من عامين كاملين. هذه الفترة الطويلة من التوحيد تثير فضول العديد من المحللين وتدفعهم للتساؤل عن دلالاتها المستقبلية.
ما هو مؤشر aSOPR وكيف يعمل؟
لفهم دلالات مؤشر aSOPR، يجب علينا أولاً فهم مؤشر SOPR الأساسي، وهو اختصار لـ “Spent Output Profit Ratio” أو “نسبة الربح/الخسارة للناتج المنفق”. يقيس هذا المؤشر ما إذا كان مستثمرو البيتكوين يبيعون عملاتهم بربح أم بخسارة. ببساطة، يقوم بحساب متوسط نسبة السعر الذي تم بيع العملات به مقارنة بالسعر الذي تم شراؤها به آخر مرة.
- عندما تكون قيمة مؤشر SOPR أكبر من 1: هذا يعني أن متوسط حاملي العملات المشفرة يقومون بتحويل عملاتهم على البلوكشين محققين صافي ربح. بعبارة أخرى، أغلبية البائعين يجنون أرباحًا من مبيعاتهم. هذا يشير إلى فترة من جني الأرباح وثقة المستثمرين.
- عندما تكون قيمة المؤشر أقل من 1: يشير هذا إلى أن الغالبية العظمى من المستثمرين يبيعون عملاتهم بخسارة. هذا يدل على هيمنة عمليات البيع بخسارة على الشبكة، مما قد يشير إلى فترات من الخوف أو استسلام “الأيدي الضعيفة” في السوق.
- عندما يكون مؤشر SOPR مساويًا لـ 1 تمامًا: هذا يعني أن عمليات تحقيق الربح تلغي عمليات تحقيق الخسارة. بعبارة أخرى، المستثمرون ككل يحققون نقطة التعادل تقريبًا في مبيعاتهم، لا يربحون ولا يخسرون بشكل كبير.
في سياق نقاشنا الحالي، فإن النسخة التي تهمنا هي “مؤشر SOPR المعدل” أو “Adjusted SOPR” (aSOPR). يتميز هذا المؤشر بإزالة عمليات بيع جميع العملات التي تحركت في غضون ساعة واحدة من حركتها الأخيرة من البيانات. تُعرف هذه التحركات عادةً باسم “معاملات الترحيل” (relay transactions) ولا تحمل أي عواقب حقيقية للسوق أو تعكس نية بيع حقيقية من قبل المستثمرين. هذا التعديل يجعل مؤشر aSOPR أكثر دقة في عكس سلوك المستثمرين الحقيقي.
نظرة تاريخية: مؤشر aSOPR ودورات السوق السابقة
لفهم التوقعات المستقبلية، من الضروري إلقاء نظرة على كيفية تصرف مؤشر aSOPR في الدورات السوقية السابقة للبيتكوين. يوفر التاريخ لنا دروسًا قيمة يمكن أن تساعدنا في تفسير الوضع الحالي. كما أبرز الخبير الكمي في الرسم البياني، فإن فترتي الارتفاع الصعودي (bull runs) في عام 2017 والنصف الأول من عام 2021، قد وصلتا إلى ذروتهما بشكل مثير للاهتمام عندما ارتفع مؤشر aSOPR ولامس الخط الأحمر. هذا المستوى من مؤشر aSOPR يتوافق مع درجة ملحوظة من تحقيق الأرباح بين المستثمرين، مما يشير إلى أن المستثمرين بدأوا في جني أرباح كبيرة، وهي علامة تقليدية على قرب انتهاء الدورة الصعودية.
على نحو مماثل، شهدت الأسواق الهابطة (bear markets) للدورتين الأخيرتين قيعانها تقريبًا في نفس الوقت الذي وصل فيه مؤشر aSOPR إلى أدنى مستوياته عند الخط الأخضر، الذي يقع على مسافة ما دون علامة 1. عند هذا المستوى، تكون عمليات جني الخسارة هي المسيطرة، مما يعني أن “الأيدي الضعيفة” – أي المستثمرين الذين يشعرون بالذعر ويبيعون بخسارة – يستسلمون، في حين تقوم الكيانات الأكثر ثباتًا وعزمًا بتجميع العملات. غالبًا ما تكون هذه الديناميكية وراء تشكيل القاع في السوق، حيث تنتقل العملات من الأيدي الضعيفة إلى الأيدي القوية التي ترى قيمة طويلة الأجل.
الوضع الحالي: توطيد مؤشر aSOPR على مدار عامين
في الدورة الحالية حتى الآن، هناك اختلاف واضح ومثير للقلق: لم يلمس مؤشر aSOPR الخط الأحمر بعد. بدلاً من ذلك، ظل المؤشر عالقًا في مرحلة توطيد داخل خطي اتجاه متقاربة في منطقة تحقيق أرباح معتدلة لما يقرب من العامين الماضيين. هذا التماسك الطويل يمثل انحرافًا عن النمط الواضح الذي رأيناه في الدورات السابقة، حيث كانت الذروات والقيعان تتسم بحركات أسرع وأكثر تحديدًا لمؤشر aSOPR نحو الخطين الأحمر والأخضر.
يعكس هذا التوطيد الطويل حالة من عدم اليقين والتوازن الدقيق في السوق. فمن ناحية، لا توجد حالة من جني الأرباح المفرط التي تشير إلى قرب نهاية الدورة الصعودية كما حدث سابقًا. ومن ناحية أخرى، لم نشهد هبوطًا حادًا يعكس استسلامًا كاملاً للمستثمرين. هذا التوازن يجعل التنبؤ بالخطوة التالية للبيتكوين أكثر تعقيدًا.
إن استمرار مؤشر aSOPR في هذه المنطقة الرمادية يعطي إشارة على أن السوق قد يكون في طور بناء زخم جديد، أو أنه قد يواجه تحديات جديدة. إن عدم وصوله إلى الخط الأحمر يمكن تفسيره بطريقتين رئيسيتين: إما أننا لم نشهد بعد الذروة الحقيقية للدورة الحالية، وأن هناك مجالًا كبيرًا للصعود قبل أن تبدأ عمليات جني الأرباح الكبرى، أو أن هذه الدورة تختلف بشكل جوهري عن سابقاتها، وقد لا يصل المؤشر إلى تلك المستويات التي اعتدنا عليها أبدًا.
تضيف هذه الفترة من التوحيد طبقة من الغموض إلى التحليل الفني، وتجعل العديد من المحللين يتساءلون عما إذا كانت الديناميكيات السوقية قد تغيرت، أو ما إذا كانت هذه مجرد استراحة مؤقتة قبل حركة كبيرة قادمة.
ماذا يعني هذا للمستقبل؟ هل الذروة الحقيقية للبيتكوين لا تزال أمامنا؟
بالنظر إلى النمط الذي سلكته الدورات السابقتان، حيث كانت ذروات السوق تتزامن مع وصول مؤشر aSOPR إلى الخط الأحمر وقيعانها مع وصوله إلى الخط الأخضر، فمن المحتمل جدًا أن الدورة الأخيرة لم تصل إلى ذروتها بعد. هذا السيناريو يدعم فكرة أن هناك مجالًا كبيرًا لنمو سعر البيتكوين قبل أن نرى عمليات جني أرباح واسعة النطاق تشير إلى نهاية الدورة الصعودية. إذا كان التاريخ يعيد نفسه، فإن لمس الخط الأحمر سيكون إشارة قوية على أننا نقترب من قمة الدورة الحالية.
ومع ذلك، هناك احتمال آخر لا يقل أهمية، وهو أن مؤشر aSOPR ببساطة لن يلامس المستوى الأحمر في هذه الدورة على الإطلاق. قد تكون ديناميكيات السوق قد تغيرت، أو قد تكون هناك عوامل جديدة تؤثر على سلوك المستثمرين بطرق لم نشهدها من قبل. على سبيل المثال، قد يكون دخول المستثمرين المؤسسيين أو اعتماد العملات المشفرة على نطاق أوسع قد غير من طبيعة الدورات السوقية التقليدية. هذا يعني أن الاعتماد الكلي على الأنماط التاريخية قد لا يكون كافيًا للتنبؤ بالمستقبل بشكل دقيق.
الشيء الوحيد المؤكد هو أن مؤشر aSOPR للبيتكوين يتقدم ببطء نحو نهاية قناته المتقاربة. هذا يشير إلى أن اختراقًا وشيكًا، سواء كان صعودًا أو هبوطًا، قد يحدث قريبًا. يبقى أن نرى في أي اتجاه سيخرج المؤشر من هذه القناة. هذا الاختراق سيكون حاسمًا في تحديد المسار المستقبلي للبيتكوين، وسيراقب المتداولون والمستثمرون هذا التطور عن كثب.
يمكن أن يشير الاختراق الصعودي فوق منطقة التوطيد إلى تجدد الزخم الصعودي ودفع البيتكوين نحو مستويات جديدة، ربما وصولاً إلى الخط الأحمر الذي يشير إلى الذروة. بينما قد يشير الاختراق الهبوطي إلى استمرار حالة عدم اليقين أو حتى بداية لتصحيح أعمق في السوق. إن الفترات التي تسبق مثل هذه الاختراقات غالبًا ما تكون الأكثر إثارة وتوترًا في أسواق المال.
سعر البيتكوين الحالي
في وقت كتابة هذا المقال، يتم تداول البيتكوين حول سعر 86,300 دولار أمريكي، مسجلاً انخفاضًا بنسبة 9% خلال الأسبوع الماضي. هذا الانخفاض يعكس التقلبات المستمرة في السوق ويزيد من أهمية مراقبة المؤشرات مثل aSOPR لفهم الاتجاهات المحتملة.
الخلاصة
يُعد مؤشر aSOPR أداة قوية لتحليل سلوك المستثمرين في سوق البيتكوين، وتقديم رؤى حول مراحل جني الأرباح والخسائر التي تحدد ذروات وقيعان الدورات السوقية. إن توطيد المؤشر على مدار العامين الماضيين يضع سوق البيتكوين في مفترق طرق حاسم. بينما تشير الأنماط التاريخية إلى أن الذروة الحقيقية قد تكون لا تزال أمامنا، يجب ألا نغفل احتمال أن هذه الدورة قد تتبع مسارًا مختلفًا. سيبقى الاختراق الوشيك من القناة المتقاربة لمؤشر aSOPR نقطة محورية للمستثمرين والمتداولين على حد سواء. مراقبة هذا المؤشر بعناية ستكون مفتاحًا لفهم الاتجاه التالي لأكبر عملة مشفرة في العالم. ابقوا على اطلاع، فالفترة القادمة قد تحمل تطورات حاسمة في رحلة البيتكوين.
نتمنى أن يكون هذا التحليل قد قدم لكم فهمًا أعمق لمؤشر aSOPR وتأثيره المحتمل على مستقبل البيتكوين. شاركونا آراءكم وتوقعاتكم في التعليقات!
