“`html
محكمة الاستئناف البريطانية ترفض دعوى BSV ضد بينانس وآخرين بشأن شطب 2019
في تطور مهم يتعلق بالنزاعات القانونية في سوق العملات المشفرة، أصدرت محكمة الاستئناف في المملكة المتحدة قرارًا يرفض جزءًا كبيرًا من دعوى قضائية رفيعة المستوى رفعتها شركة BSV Claims Ltd. كانت الدعوى تستهدف بورصات عملات مشفرة كبرى مثل بينانس (Binance) وكراكن (Kraken) وشيب شيفت (ShapeShift)، مطالبة بتعويضات قد تصل إلى 9 مليارات جنيه إسترليني (حوالي 11.5 مليار دولار أمريكي بأسعار الصرف الحالية) بسبب شطب عملة بيتكوين ساتوشي فيجن (BSV) من هذه المنصات في عام 2019.
تُمثل شركة BSV Claims Ltd في هذه الدعوى حوالي 243,000 من حاملي عملة BSV. ادعت الشركة أن إجراءات الشطب المنسقة التي اتخذتها البورصات المتهمة انتهكت قوانين المنافسة وألحقت ضررًا جسيمًا بقيمة BSV، مما أدى إلى خسائر كبيرة للمستثمرين.
خلفية الدعوى والمطالبات
تعود جذور القضية إلى أبريل 2019، عندما قامت العديد من البورصات الرئيسية، بما في ذلك بينانس وكراكن، بشطب عملة BSV من قوائم التداول الخاصة بها. جاءت هذه الخطوة في أعقاب جدل متصاعد وخلافات داخل مجتمع العملات المشفرة، لا سيما تلك المتعلقة بشخصية كريج رايت، الذي يدعي أنه هو ساتوشي ناكاموتو، مبتكر البيتكوين. اعتبرت العديد من المنصات والمطورين أن تصرفات رايت ومطالباته كانت ضارة بالمجتمع.
الدعوى التي رفعتها BSV Claims Ltd تزعم أن هذه الإجراءات لم تكن مجرد قرارات تجارية فردية، بل كانت نتيجة لتنسيق بين البورصات بهدف قمع BSV في السوق. وفقًا للادعاء، هذا التنسيق يعتبر ممارسة احتكارية أو منافية للمنافسة بموجب القانون البريطاني والأوروبي (الذي كان لا يزال ساريًا وقت وقوع الأحداث).
كانت الدعوى تشمل مجموعات فرعية مختلفة من المستثمرين. إحدى المجموعات الفرعية الرئيسية التي تناولها حكم محكمة الاستئناف ضمت حوالي 75,000 مستثمر احتفظوا بعملة BSV بشكل مستمر من أبريل 2019، وقت عمليات الشطب، حتى يوليو 2022. كانت هذه المجموعة تسعى للحصول على تعويضات ليس فقط عن الخسائر الفورية التي تكبدوها بسبب انخفاض قيمة BSV بعد الشطب، ولكن أيضًا عن ما أسموه “النمو الفائت”.
“النمو الفائت” كانت فرضية تأملية تفترض أن BSV كان يمكن أن تصبح عملة مشفرة من الفئة الأولى وتنافس البيتكوين (BTC) في قيمتها ونموها لو لم يتم شطبها. استندت هذه الفرضية إلى سيناريوهات نظرية للنمو، وكانت تسعى للحصول على تعويضات تعادل أضعافًا مضاعفة لقيمة أصولهم وقت الشطب، بناءً على مقارنات بنمو عملات أخرى مثل البيتكوين خلال نفس الفترة.
قرار محكمة استئناف المنافسة (CAT) السابق
قبل وصول القضية إلى محكمة الاستئناف، نظرت فيها محكمة استئناف المنافسة (Competition Appeal Tribunal – CAT). لم ترفض CAT الدعوى بالكامل في تلك المرحلة، لكنها قيدت بشكل كبير نطاق التعويضات التي يمكن للمدعين المطالبة بها. أشارت CAT إلى أنه يجب على المدعين الذين كانوا على دراية بعمليات الشطب أن يكونوا قد اتخذوا خطوات لتخفيف خسائرهم، مثل بيع حيازاتهم من BSV.
كان قرار CAT يمثل ضربة أولى لمطالبات “النمو الفائت”، لكنه لم يغلق الباب تمامًا أمام الدعوى، مما أدى إلى استئناف بعض الجوانب أمام محكمة الاستئناف.
حكم محكمة الاستئناف: تأييد قاعدة تخفيف السوق
أيدت محكمة الاستئناف في المملكة المتحدة وجهة نظر CAT بشأن نطاق التعويضات ونطاق المسؤولية. كان الحكم مركزيًا حول مبدأ قانوني يعرف باسم “قاعدة تخفيف السوق” (market mitigation rule). ينص هذا المبدأ على أن الأفراد الذين يواجهون ضررًا ماليًا بسبب سلوك غير قانوني ملزمون باتخاذ خطوات معقولة لتقليل أو تخفيف حجم خسائرهم.
في سياق هذه القضية، رأت المحكمة أن حاملي BSV الذين كانوا على دراية بشطب العملة من البورصات كان لديهم خيار بيع حيازاتهم في أسواق أو منصات أخرى لا تزال تدعم BSV، أو حتى تحويلها إلى عملات مشفرة أخرى قابلة للتداول بسهولة. وبالتالي، كان عليهم تخفيف خسائرهم المحتملة من خلال اتخاذ هذه الإجراءات.
أكدت المحكمة بشكل قاطع أن المدعين في هذه المجموعة الفرعية “لا يمكنهم السعي للحصول على تعويضات تزيد بمئات المرات عن قيمة الأصول التي يُزعم أن المدعى عليهم ألحقوا بها الضرر”. هذا الجزء من الحكم يوجه ضربة قاضية لمطالبات التعويضات الضخمة المستندة إلى سيناريوهات النمو التضخمي.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت المحكمة إلى أن عملة BSV لم تكن “فريدة” في السوق، وأن استثمارات بديلة قابلة للمقارنة كانت متاحة بسهولة للمستثمرين. هذا الرأي يعزز فكرة أن المدعين كان لديهم خيارات أخرى متاحة لتوظيف رؤوس أموالهم لو اختاروا بيع BSV بعد الشطب.
انتقادات إجرائية ووضوح الحكم
في ملاحظة جانبية، انتقدت محكمة الاستئناف محكمة CAT لفشلها في إضفاء الطابع الرسمي على قرارها السابق في أمر واضح ومحدد. اقترحت المحكمة أن الوضوح الإجرائي في المرحلة الأولية كان يمكن أن يساعد في تجنب الحاجة إلى هذا الاستئناف وتوضيح الأمور بشكل أفضل للطرفين.
مع ذلك، على الرغم من هذا الانتقاد الإجرائي، حكمت محكمة الاستئناف بشكل حاسم بأنه لا حاجة لإجراء محاكمة لتحديد ما إذا كان أعضاء المجموعة الفرعية (المجموعة ب) لديهم بدائل قابلة للتطبيق لتخفيف خسائرهم. بهذا، أعادت المحكمة تأكيد أن “قاعدة تخفيف السوق” هي المبدأ الحاكم في هذه الحالة وينطبق بشكل مباشر على مطالبات هذه المجموعة.
رفض التعويضات التأملية (خسارة الفرصة)
من أبرز النقاط التي تناولها حكم محكمة الاستئناف كان رفضها القاطع لمطالبة “فقدان فرصة” (loss of a chance)، والتي تتعلق بإمكانية أن تتطور BSV لتصبح عملة مشفرة من الفئة الأولى على غرار البيتكوين. سعت BSV Claims Ltd للقول بأن التعويضات يجب أن تشمل قيمة هذه الفرصة الضائعة.
رأت المحكمة أن مثل هذه المطالبة تفشل في تلبية العتبات القانونية المطلوبة لإثبات الضرر، وأنها ترقى إلى مستوى المضاربة السوقية التي لا أساس لها من الصحة. نظرية التعويضات التي قدمها الممثل، والتي بنيت على افتراض أن BSV كان يمكن أن يحقق ارتفاعًا هائلاً مماثلًا لارتفاع البيتكوين (حوالي 352 ضعفًا من قيمتها قبل الشطب وفقًا لحساباتهم)، وُجد أنها تفتقر إلى السابقة القانونية والأساس الواقعي.
اعتبرت المحكمة أن القفزة المقترحة في القيمة (352 ضعفًا) غير معقولة لأغراض الانتصاف القانوني. ببساطة، لا يمكن للنظام القانوني أن يمنح تعويضات بناءً على سيناريوهات سوقية شديدة المضاربة وغير مؤكدة.
ماذا يعني هذا للحالة؟
قرار محكمة الاستئناف هذا لا ينهي الدعوى القضائية بالكامل، لكنه يقلص نطاقها بشكل كبير جدًا بالنسبة لإحدى المجموعات الفرعية الرئيسية من المدعين. الهام بشكل خاص هو رفض مطالبات “النمو الفائت” والتعويضات الضخمة المرتبطة بها بناءً على سيناريوهات النمو التأملية.
سيتم الانتهاء من أمر رسمي يعكس حكم محكمة الاستئناف الصادر في 21 مايو بين الأطراف المعنية في الوقت المناسب. هذا الأمر سيوضح بالتحديد نطاق الدعوى المتبقي.
تظل الدعوى مستمرة بالنسبة لمجموعات فرعية أخرى من المستثمرين. يشمل ذلك على وجه التحديد أولئك الذين باعوا BSV بعد فترة وجيزة من عمليات الشطب وربما لم يتسن لهم الوقت الكافي لتخفيف خسائرهم، أو أولئك الذين فقدوا الوصول إلى حيازاتهم بالكامل على بورصات مثل كراكن وبينانس بسبب ظروف معينة تتعلق بالشطب. هذه المجموعات قد لا تكون مشمولة بنفس القدر بـ”قاعدة تخفيف السوق” بنفس الطريقة التي انطبقت بها على المجموعة التي احتفظت بالعملة لسنوات بعد الشطب.
تأثير الحكم على قضايا العملات المشفرة المستقبلية
يحمل هذا الحكم من محكمة استئناف رفيعة المستوى في المملكة المتحدة أهمية كبيرة للقضايا المستقبلية المتعلقة بالعملات المشفرة وسلوك البورصات. إنه يؤكد على عدة نقاط رئيسية:
- قاعدة تخفيف السوق: يشدد الحكم على أن المستثمرين في سوق الأصول المتقلبة مثل العملات المشفرة يتحملون مسؤولية تخفيف خسائرهم عند مواجهة ظروف غير مواتية (مثل الشطب). لا يمكنهم ببساطة الاحتفاظ بأصل متضرر ثم المطالبة بالتعويض الكامل لسنوات لاحقة دون اتخاذ إجراء.
- رفض التعويضات التأملية: يوضح الحكم أن المحاكم البريطانية لن تمنح تعويضات بناءً على سيناريوهات نمو سوقية تأملية للغاية. يجب أن تستند مطالبات الأضرار إلى خسائر فعلية وقابلة للإثبات، وليس على ما كان يمكن أن يحدث في ظروف مثالية أو خيالية.
- الطبيعة غير الفريدة للأصول الرقمية: إشارة المحكمة إلى أن BSV لم تكن فريدة وأن بدائل كانت متاحة تشير إلى أن المحاكم قد لا تتعامل مع الأصول الرقمية على أنها لا يمكن تعويضها أو استبدالها بسهولة في سياق مطالبات الأضرار.
في الختام، بينما لم يتم تسوية القضية بالكامل بعد، فإن قرار محكمة الاستئناف البريطانية يمثل انتصارًا كبيرًا للبورصات المتهمة فيما يتعلق بنطاق مطالبات التعويضات المحتملة، ويوفر وضوحًا قانونيًا بشأن توقعات المحاكم من المستثمرين فيما يتعلق بتخفيف الخسائر في أسواق الأصول الرقمية المتقلبة.
“`