“`html
هبوط البيتكوين وحمام دم بقيمة 712 مليون دولار للمشترين: تحليل للتصفية ونشاط الحيتان
شهد سوق العملات الرقمية في الآونة الأخيرة تقلبات سعرية حادة وغير متوقعة، مما أثر بشكل مباشر على المتداولين، وخاصة أولئك الذين يستخدمون الرافعة المالية في سوق المشتقات. بالتزامن مع انخفاض سعر البيتكوين (BTC) والعديد من العملات البديلة، أظهرت البيانات حدوث موجة ضخمة من عمليات تصفية المراكز، تُعرف في عالم التداول بـ “الليكويداشن” (Liquidations).
لم تكن هذه التقلبات مجرد تحركات سعرية عادية، بل كانت مصحوبة بتصفية هائلة لمراكز الشراء (Long positions)، حيث راهن العديد من المتداولين على استمرار الارتفاع. عندما ينخفض السعر بشكل مفاجئ وسريع، يتم إغلاق هذه المراكز تلقائيًا من قبل منصات التداول لحماية المتداول من الوصول إلى رصيد سلبي، مما يؤدي إلى خسائر كبيرة للمتداولين الذين تم تصفية مراكزهم.
حجم التصفية يتجاوز 712 مليون دولار في 24 ساعة
وفقًا للبيانات المتوفرة من منصة CoinGlass، التي تُعد مصدرًا موثوقًا لبيانات سوق المشتقات للعملات الرقمية، سادت حالة من الفوضى والاضطراب في سوق العقود الآجلة والخَيارات خلال الـ 24 ساعة الماضية. جاء هذا الاضطراب كنتيجة مباشرة للتقلبات العنيفة التي مرت بها أسعار البيتكوين والعملات الرقمية الأخرى في نفس الفترة الزمنية. حجم التداول بالرافعة المالية في هذه الأسواق يعني أن أي تحرك سعري كبير يمكن أن يؤدي إلى تداعيات متسلسلة.
أظهرت البيانات الصادرة عن CoinGlass أن قيمة عقود العملات الرقمية التي تم إغلاقها قسريًا من قبل المنصات (أي تم تصفيتها) قد بلغت ما يقرب من 712 مليون دولار خلال اليوم الماضي وحده. هذا الرقم يمثل خسائر مباشرة للمتداولين الذين كانت لديهم مراكز مفتوحة عكس اتجاه حركة السعر. والمثير للقلق هو أن الجزء الأكبر من هذه التصفية، ما يقدر بحوالي 477 مليون دولار، حدث خلال الاثنتي عشرة ساعة الأخيرة فقط، مما يشير إلى تسارع وتيرة الهبوط وزيادة الضغط على السوق في فترة زمنية قصيرة جدًا.
نظرًا لأن البيتكوين والعملات البديلة شهدت انخفاضًا ملحوظًا خلال هذه الفترة، كان من الطبيعي أن تكون عمليات التصفية قد أثرت بشكل طاغٍ على مستثمري “الشراء” (Long Investors). هؤلاء هم المتداولون الذين فتحوا مراكز برافعة مالية متوقعين ارتفاع الأسعار. تشير الإحصائات إلى أن أكثر من 90% من إجمالي حجم التصفية كان ضد مراكز الشراء، مما يؤكد أن الهبوط كان مفاجئًا وسريعًا بما يكفي لتجاوز مستويات التصفية للمتداولين الذين كانوا يراهنون على الصعود.
فهم “الضغط الطويل” (Long Squeeze): كيف تتفاقم الخسائر؟
عندما تحدث موجة تصفية جماعية بهذا الحجم والسرعة، يُعرف هذا الحدث عادةً باسم “الضغط” (Squeeze). وفي الحالة التي تكون فيها الغالبية العظمى من عمليات التصفية ضد مراكز الشراء، كما حدث مؤخرًا، يُطلق عليها تحديدًا اسم “الضغط الطويل” (Long Squeeze).
آلية عمل الضغط الطويل تتلخص في حلقة تغذية مرتدة سلبية: عندما ينخفض سعر الأصل الذي يمتلك فيه المتداولون مراكز شراء برافعة مالية، تصل مراكزهم إلى “مستوى التصفية”. عند هذا المستوى، تقوم منصة التداول تلقائيًا بإغلاق المركز لتقليل خسائر المتداول ومنعها من تجاوز الهامش المتاح. عملية الإغلاق هذه تتضمن بيع الأصول الأساسية المرتبطة بالمركز المصفى في السوق المفتوحة. على سبيل المثال، تصفية مركز شراء بيتكوين يعني بيع البيتكوين في السوق الفورية.
عندما يتم تصفية عدد كبير من المراكز في نفس الوقت، ينتج عن ذلك حجم كبير من أوامر البيع التي تُغرق السوق. هذا البيع المتزايد يزيد من ضغط البيع ويدفع السعر إلى الانخفاض بشكل أسرع. الانخفاض السريع والمستمر في السعر يؤدي بدوره إلى تفعيل أوامر تصفية جديدة لمراكز شراء أخرى كانت على بعد مسافة قليلة من مستوى التصفية الخاص بها. تستمر هذه السلسلة المتتالية من التصفية والبيع والانخفاض السعري في التفاقم، مما يخلق “تأثير متتالي” (Cascade effect) يزيد من حدة الحركة السعرية ويجعل الحدث شديد التقلب والفوضوية. لهذا السبب، يمكن لحدث ضغط طويل أن يتسبب في انخفاضات سعرية حادة جدًا في فترة زمنية قصيرة جدًا، حتى لو لم تكن هناك أخبار سلبية كبيرة ومباشرة.
الضغط الطويل هو أحد الأسباب الرئيسية وراء الانهيارات السريعة في أسعار العملات الرقمية بعد فترات من الارتفاع، خاصة في الأسواق التي تشهد استخدامًا مكثفًا للرافعة المالية. إنه يوضح كيف يمكن لديناميكيات سوق المشتقات أن تؤثر بشكل كبير على السوق الفورية وتزيد من هشاشته.
العملات الرقمية التي تحملت العبء الأكبر من التصفية
لفهم أي العملات كانت الأكثر تأثرًا بهذا الضغط الطويل، يمكننا النظر إلى توزيع حجم التصفية على العملات الفردية. كما هو متوقع نظرًا لهيمنتهما على السوق وحجم التداول في المشتقات، تصدرت عملتا البيتكوين والإيثيريوم قائمة العملات التي شهدت أعلى قيم تصفية لمراكز الشراء.
بلغت تصفية مراكز شراء البيتكوين حوالي 221 مليون دولار، مما يجعلها العملة الأكثر تضررًا بفارق كبير. وتلتها الإيثيريوم بحجم تصفية لمراكز الشراء بلغ حوالي 116 مليون دولار. هذه الأرقام تؤكد دورهما المركزي في سوق المشتقات وأن أي تحرك كبير فيهما ينعكس بشكل مباشر على حجم التصفية.
المفاجأة ربما كانت في المركز الثالث. لم تكن عملة الريبل (XRP)، التي عادةً ما تحتل مرتبة متقدمة من حيث القيمة السوقية، هي الثالثة في قائمة التصفية، بل كانت عملة سولانا (SOL). سجلت سولانا تصفية مراكز شراء بقيمة 32 مليون دولار، على الرغم من أنها تحتل مرتبة أقل من XRP من حيث القيمة السوقية الإجمالية. يمكن تفسير ارتفاع حجم التصفية في سولانا إلى حقيقة أنها شهدت انخفاضًا سعريًا أكبر وأكثر حدة نسبيًا مقارنة بـ XRP خلال الفترة الأخيرة. الانخفاض الأكبر يعني أن المزيد من مراكز الشراء القائمة على الرافعة المالية في سولانا وصلت إلى مستويات التصفية الخاصة بها وتم إغلاقها قسريًا.
نشاط الحيتان: هل كانوا السبب وراء القمة الأخيرة؟
في حين أن الهبوط الحاد الذي أدى إلى موجة التصفية تركز خلال الـ 24 ساعة الماضية، فإن الانخفاض الفعلي في سعر البيتكوين قد بدأ قبل ذلك. وصلت عملة البيتكوين إلى أعلى مستوى لها مؤخرًا حوالي 112,000 دولار في 22 مايو، والذي يُنظر إليه الآن على أنه القمة المؤقتة للحركة الصعودية الأخيرة.
ما الذي دفع البيتكوين للانخفاض بعد الوصول إلى هذا المستوى؟ وفقًا لتقرير صادر عن شركة Santiment، وهي شركة متخصصة في تحليلات البيانات على السلسلة (On-Chain Analytics)، تزامن هذا الارتفاع في السعر وتشكيل القمة مع ارتفاع ملحوظ في “نشاط الحيتان”. يشير مصطلح “الحيتان” في سياق العملات الرقمية إلى كبار المستثمرين أو المؤسسات التي تمتلك وتتداول كميات ضخمة جدًا من العملات، بحيث يمكن لتحركاتهم أن تؤثر على السوق.
المؤشر الذي استخدمته Santiment لتحليل هذا النشاط هو “عدد معاملات الحيتان” (Whale Transaction Count). يقيس هذا المؤشر عدد التحويلات على شبكة البيتكوين التي تتجاوز قيمة معينة يوميًا. تتبعت Santiment إصدارين رئيسيين من هذا المقياس: أحدهما يتتبع المعاملات التي تزيد قيمتها عن 100,000 دولار، والآخر يركز على المعاملات التي تزيد قيمتها عن 1 مليون دولار.
أظهرت البيانات أن كلا الإصدارين من هذا المؤشر قد ارتفعا بشكل كبير ووصلا إلى مستويات عالية في وقت سابق من هذا الشهر، تحديدًا في الفترة التي سبقت ورافقت الوصول إلى قمة 112,000 دولار في 22 مايو. هذا الارتفاع في عدد المعاملات كبيرة الحجم يُفسر غالبًا على أنه إشارة إلى نشاط متزايد من قبل الحيتان. يمكن أن يشمل هذا النشاط عمليات تحويل بين المحافظ، أو إيداع العملات في المنصات استعدادًا للبيع، أو عمليات “جني أرباح” (Profit-taking).
تشير Santiment إلى أن هذا الارتفاع في نشاط الحيتان هو علامة محتملة على أن هذه الكيانات الضخمة كانت تقوم بعمليات جني أرباح بعد الارتفاع الكبير في السعر. قيام الحيتان ببيع كميات كبيرة من البيتكوين في السوق يمكن أن يزيد من ضغط البيع بشكل كبير ويؤدي إلى عكس اتجاه السعر. هذا يرجح أن يكون نشاط جني الأرباح من قبل الحيتان هو الشرارة الأولى التي أدت إلى بداية الانخفاض من مستوى 112,000 دولار، والذي تفاقم لاحقًا بسبب عمليات تصفية مراكز الشراء التي شكلت الضغط الطويل الذي تحدثنا عنه.
سعر البيتكوين يحاول التماسك فوق 105,000 دولار
في خضم موجة التصفية هذه، شهد سعر البيتكوين انخفاضًا إلى ما دون مستوى 105,000 دولار في وقت سابق من اليوم. يعتبر هذا المستوى مهمًا من الناحية الفنية والنفسية، حيث يمثل منطقة دعم محتملة. الهبوط تحته زاد من القلق بين المتداولين والمستثمرين.
ومع ذلك، يبدو أن البيتكوين قد شهد ارتدادًا طفيفًا منذ ذلك الحين. في وقت كتابة هذا التقرير، عاد سعر العملة للتداول فوق مستوى 105,000 دولار، وتحديدًا حوالي 105,800 دولار. هذا الارتداد الصغير قد يكون ناتجًا عن محاولات شراء عند المستويات المنخفضة من قبل بعض المتداولين الذين يرون هذه الأسعار فرصة، أو قد يكون مجرد تصحيح طبيعي بعد الهبوط السريع. من السابق لأوانه الجزم ما إذا كان هذا الارتداد يمثل بداية تعافي حقيقي أو مجرد توقف مؤقت قبل استئناف الحركة الهابطة.
يجب على المتداولين والمستثمرين البقاء على اطلاع ومراقبة تطورات الأسعار عن كثب. مستويات الدعم الرئيسية مثل 105,000 دولار ستكون حاسمة في تحديد الاتجاه المستقبلي على المدى القصير. إذا تمكن البيتكوين من التماسك فوق هذا المستوى والبدء في الارتفاع، فقد يشير ذلك إلى تراجع ضغط البيع. أما إذا فشل في الحفاظ على هذا المستوى وعاد للانخفاض تحته، فقد يشير ذلك إلى استمرار ضعف السوق واحتمالية اختبار مستويات دعم أدنى. مراقبة نشاط الحيتان وحجم التصفية سيظل مفيدًا أيضًا كمؤشرات على معنويات السوق والضغوط المحتملة.
الاستنتاجات: دروس من حمام الدم والتصفية
إن حدث التصفية الجماعية الأخير، والذي أدى إلى خسائر فادحة لمراكز الشراء تجاوزت 712 مليون دولار، يسلط الضوء مجددًا على المخاطر الكبيرة المرتبطة بالتداول بالرافعة المالية في سوق العملات الرقمية المتقلب بطبيعته. الضغط الطويل الذي حدث أدى إلى تفاقم الهبوط السعري بشكل كبير وسريع، متأثرًا على الأرجح بعمليات جني الأرباح الأولية من قبل كبار اللاعبين في السوق، أو ما يُعرف بـ “الحيتان”، عند مستويات الأسعار المرتفعة.
في حين أن البيتكوين يظهر بعض علامات التماسك فوق مستوى 105,000 دولار بعد الهبوط الحاد، إلا أن حجم التصفية الهائل ونشاط الحيتان الأخير يشيران إلى أن السوق لا يزال في مرحلة غير مستقرة. التقلبات من المتوقع أن تستمر، ويجب على المتداولين أن يكونوا حذرين للغاية وأن يطبقوا استراتيجيات صارمة لإدارة المخاطر، خاصة عند استخدام الرافعة المالية. عدم استخدام الرافعة المالية أو استخدامها بمستويات منخفضة جدًا يمكن أن يقلل بشكل كبير من خطر التعرض لمثل هذه التصفية المفاجئة والعنيفة.
تبقى بيانات التصفية وتحليلات نشاط الحيتان أدوات قيمة للمتداولين والمستثمرين لفهم الديناميكيات الخفية للسوق. يمكن لهذه البيانات أن توفر إشارات مبكرة عن نقاط التحول المحتملة أو المناطق التي قد يزداد فيها الضغط على الأسعار. هذا الحدث الأخير هو تذكير قوي بأن سوق العملات الرقمية يمكن أن يكون وحشيًا، وأن التحركات السعرية قد تكون سريعة وغير متوقعة، مدفوعة ليس فقط بالأخبار الأساسية ولكن أيضًا بالهياكل الفنية وديناميكيات سوق المشتقات وسلوك اللاعبين الكبار.
في النهاية، الصبر، البحث المعمق، وإدارة المخاطر الحكيمة هي العوامل الأكثر أهمية للتنقل في هذه الأسواق المتقلبة. التسرع في الدخول أو الخروج من المراكز بناءً على التحركات السعرية قصيرة المدى أو التأثر بـ “FOMO” (الخوف من فوات الفرصة) أو “FUD” (الخوف وعدم اليقين والشك) يمكن أن يؤدي إلى خسائر كبيرة، كما أظهرت أحداث الأيام القليلة الماضية بوضوح.
“`