تحليل فيدليتي للربع الثاني: استقرار البيتكوين وفرص الإيثيريوم المحتملة
كشفت شركة فيديليتي للأصول الرقمية (Fidelity Digital Assets) في تقرير صدر بتاريخ 28 أبريل عن توقعات متباينة للربع الثاني من العام بخصوص أكبر عملتين مشفرتين، البيتكوين (BTC) والإيثيريوم (ETH)، وذلك بناءً على أدائهما المتناقض خلال الربع الأول. يسلط التقرير الضوء على صمود البيتكوين رغم تقلبات الأسعار، بينما يشير إلى ضعف فني قصير الأجل للإيثيريوم قد يخفي فرصًا استثمارية طويلة الأجل.
أنهت عملة البيتكوين الربع الأول وهي تتداول بالقرب من مستوى 82,560 دولارًا، مسجلة انخفاضًا بأكثر من 20% عن أعلى مستوى تاريخي لها المسجل في ديسمبر 2024 عند 108,000 دولار. ومع ذلك، أكد تقرير فيديليتي أن العملة المشفرة الرائدة حافظت على أساسيات قوية على السلسلة (on-chain fundamentals)، مما يدعم نظرة إيجابية على المدى المتوسط والطويل.
في المقابل، عانت الإيثيريوم من ضعف فني وانخفاض في نشاط الشبكة، مما أدى إلى هبوط سعرها بنسبة 45% خلال نفس الفترة، لتغلق الربع عند 2,246 دولارًا. ورغم هذا الضعف الواضح، تشير مقاييس التقييم الخاصة بالإيثيريوم إلى وجود فرص محتملة للمستثمرين الذين يركزون على المدى الطويل.
البيتكوين: مرحلة تماسك مع أساسيات قوية
على الرغم من التقلبات قصيرة الأجل التي شهدتها البيتكوين في الربع الأول، وجد تحليل فيديليتي أن المؤشرات الفنية الرئيسية للعملة لا تزال بناءة وتدعم الصمود. يمثل هذا الاستقرار النسبي أساسًا للنظرة المتفائلة تجاه مستقبل العملة المشفرة الأبرز.
المؤشرات الفنية والتقييم
أشار التقرير إلى أن نمط “التقاطع الذهبي” (Golden Cross) الذي تشكل في أواخر عام 2024 لا يزال قائمًا في نهاية الربع الأول، وهو مؤشر إيجابي تقليديًا. ومع ذلك، يجب ملاحظة أن سعر البيتكوين كان يتداول بنسبة 4% أقل من متوسطه المتحرك لمئتي يوم (200-day moving average)، مما قد يشير إلى ضغوط بيعية على المدى القصير أو مرحلة تجميع قبل حركة سعرية تالية.
فيما يتعلق بالتقييم، انخفض مقياس MVRV Z-Score الخاص بالبيتكوين، والذي يُستخدم لقياس قيمة العملة السوقية بالنسبة لقيمتها المحققة، لكنه ظل في المنطقة “المحايدة”. يشير هذا إلى أن هوامش الربح قد تقلصت للمتداولين، لكن ذلك لم يؤدِ إلى عمليات بيع واسعة النطاق أو حالة ذعر في السوق. وبالمثل، أشار مقياس “مخاطر الاحتياطي” (Reserve Risk) إلى ظروف مواتية للمخاطرة مقابل العائد على المدى الطويل، مدعومًا بعوامل اقتصادية كلية محتملة مثل تخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والاعتماد المؤسسي المتزايد للبيتكوين كأصل استثماري.
بيانات السلسلة وسلوك المستثمرين
أظهرت البيانات على السلسلة (on-chain data) اتجاهًا واضحًا نحو التراكم من قبل حاملي البيتكوين على المدى الطويل. لوحظ ارتفاع في “العرض غير السائل” (illiquid supply)، وهو مقياس للبيتكوين المحتفظ به في محافظ لا تظهر نشاطًا بيعيًا كبيرًا. بالتوازي مع ذلك، استمر انخفاض أرصدة البيتكوين في منصات التداول، مما يشير بقوة إلى أن المستثمرين ينقلون عملاتهم إلى الحفظ الذاتي (self-custody) في محافظهم الخاصة، وهو سلوك يرتبط عادةً بالثقة طويلة الأجل في الأصل وتقليل نية البيع الفوري.
هذه الديناميكيات – التراكم من قبل الحائزين على المدى الطويل وانخفاض الأرصدة في البورصات – تعتبر إشارات قوية على صحة السوق الأساسية للبيتكوين، حيث تعكس قناعة المستثمرين بقيمة الأصل على المدى الطويل بغض النظر عن التقلبات السعرية قصيرة المدى.
صحة قطاع التعدين
حافظ قطاع تعدين البيتكوين على استقراره، وفقًا لتقرير فيديليتي. على الرغم من انخفاض الربحية مقارنة بالربع الأخير من عام 2024، ظلت إيرادات المعدنين أعلى من متوسطاتها على مدار 365 يومًا. بالإضافة إلى ذلك، استمر نمو معدل الهاش (hash rate) – وهو مقياس للقوة الحاسوبية المخصصة لتأمين الشبكة – بوتيرة صحية، مما يدل على ثقة المعدنين المستمرة في جدوى عملياتهم.
أظهر مقياس “مضاعف بويل” (Puell Multiple)، الذي يقارن قيمة إصدار البيتكوين اليومي بمتوسطه المتحرك السنوي، أن عوائد التعدين ظلت قريبة من المعدلات التاريخية الطبيعية. يعكس هذا مرونة عمليات التعدين وقدرتها على التكيف، حتى في ظل التحديات المحتملة مثل حدث تنصيف مكافأة التعدين (halving) الذي وقع في أبريل 2024، والذي يخفض مكافأة إنشاء كتل جديدة إلى النصف.
نظرة مستقبلية للبيتكوين
خلصت فيديليتي إلى أن مرحلة التماسك الحالية التي تمر بها البيتكوين قد تخلق فرصًا للمستثمرين ذوي النظرة طويلة الأجل لتجميع المزيد من العملة بأسعار قد تكون جذابة. حدد التقرير مستويات الدعم الفني الرئيسية بالقرب من 86,000 دولار و 88,500 دولار كعتبات مهمة يجب مراقبتها، حيث يمكن أن تمثل هذه المستويات مناطق ارتداد محتملة للسعر.
الإيثيريوم: ضعف قصير الأجل يقابله تقييم جذاب
على النقيض من البيتكوين، واجهت الإيثيريوم (ETH) رياحًا معاكسة قوية خلال الربع الأول، مما أدى إلى تدهور ملحوظ في مؤشراتها الفنية قصيرة الأجل. هذا الأداء السلبي دفع فيديليتي إلى تبني نظرة حذرة تجاه العملة على المدى القصير.
المؤشرات الفنية ونشاط الشبكة
أدى الانخفاض الحاد في سعر الإيثيريوم خلال الربع الأول إلى تدهور الإشارات الفنية. انخفض سعر ETH إلى ما دون متوسطيه المتحركين لخمسين يومًا (50-day moving average) ومئتي يوم (200-day moving average)، وهي إشارات تعتبر سلبية بشكل عام. علاوة على ذلك، تشكل نمط “تقاطع الموت” (Death Cross) – حيث يتقاطع المتوسط المتحرك لخمسين يومًا هبوطًا مع المتوسط المتحرك لمئتي يوم – في أوائل مارس، مما زاد من المخاوف الفنية.
بناءً على هذه المؤشرات، منحت فيديليتي الإيثيريوم نظرة سلبية على المدى القصير. تفاقم هذا الضعف الفني بسبب انخفاض نشاط الشبكة. أظهرت بيانات الطبقة الأساسية (base layer) للإيثيريوم انخفاضًا متواضعًا في عدد العناوين الجديدة، والعناوين النشطة، وعدد المعاملات خلال الربع الأول. والأهم من ذلك، انخفض حجم المعاملات على شبكات الطبقة الثانية (Layer 2) بنسبة 11%، مما يمثل انقطاعًا عن اتجاهات النمو القوية التي لوحظت سابقًا، وهو أمر مقلق نظرًا لأهمية حلول الطبقة الثانية في توسيع نطاق استخدام إيثيريوم.
التقييم والأساسيات
على الرغم من الضعف الفني وانخفاض النشاط، رسمت مقاييس التقييم والأساسيات الأخرى صورة أكثر تعقيدًا وفرصًا محتملة. أفادت فيديليتي بأن مقياس MVRV Z-Score الخاص بالإيثيريوم دخل منطقة “القيمة المنخفضة” (undervalued) في مارس. تاريخيًا، ارتبط دخول هذا المقياس لهذه المنطقة ببداية مراحل تراكم طويلة الأجل، حيث يعتبر السعر جذابًا مقارنة بقيمته المحققة.
بالإضافة إلى ذلك، انتقل مقياس صافي الربح/الخسارة غير المحققة (Net Unrealized Profit/Loss – NUPL) أيضًا إلى منطقة “الاستسلام” (capitulation). يشير هذا إلى أن الأسعار الحالية قريبة من أدنى مستوياتها التاريخية بالنسبة لدورات السوق السابقة، وأن العديد من حاملي العملة في حالة خسارة غير محققة، مما قد يحد من ضغوط البيع الإضافية ويمثل نقطة تحول محتملة.
التطورات المستقبلية وديناميكيات الشبكة
أشارت فيديليتي إلى أن التطورات القادمة، مثل ترقية “Pectra” المرتقبة، يمكن أن تكون حاسمة لإعادة تسريع نشاط الشبكة. من المتوقع أن تضاعف ترقية Pectra سعة “الـ Blobs” (وهي مساحات بيانات مخصصة لخفض تكلفة معاملات الطبقة الثانية)، مما قد يعزز بشكل كبير قابلية التوسع ويخفض الرسوم على شبكات الطبقة الثانية، وبالتالي تحفيز الاستخدام.
فيما يتعلق بالتحصيص (Staking)، انتعشت المشاركة بشكل متواضع بعد انخفاض نادر في الربع الأخير من عام 2024. ومع ذلك، تحولت ديناميكيات إصدار الشبكة بشكل طفيف نحو التضخم، حيث بلغ معدل التضخم السنوي 0.63% خلال الربع. عزت فيديليتي هذا التغيير إلى زيادة المشاركة في التحصيص وانخفاض رسوم المعاملات، مما أدى بدوره إلى تقليل كمية الإيثيريوم التي يتم حرقها (إزالتها من التداول) كجزء من آلية EIP-1559.
نظرة المستثمرين للربع الثاني
بناءً على تحليلها المفصل، قدمت فيديليتي توصيات وتوقعات متباينة للمستثمرين في البيتكوين والإيثيريوم خلال الربع الثاني.
توقعات البيتكوين
ترى فيديليتي بيئة محايدة للبيتكوين على المدى القصير، مع الاعتراف بالتقلبات المحتملة ومرحلة التماسك الحالية. ومع ذلك، تحافظ الشركة على موقف إيجابي على المديين المتوسط والطويل، مستندةً إلى قوة البيانات على السلسلة والزخم المؤسسي المستمر الذي يدعم تبني البيتكوين. نصح التقرير المستثمرين بمراقبة مستويات الدعم الفني المذكورة سابقًا (86,000 دولار و 88,500 دولار) والمحفزات الاقتصادية الكلية المحتملة، مثل التحولات في السياسة النقدية (قرارات أسعار الفائدة) والمبادرات الحكومية المتعلقة بالأصول الرقمية.
توقعات الإيثيريوم
بالنسبة للإيثيريوم، حذرت فيديليتي من التوقعات قصيرة الأجل بسبب استمرار الضعف الفني وانخفاض نشاط الشبكة. ومع ذلك، أشارت الشركة بقوة إلى أن مقاييس التقييم الحالية تقدم نقطة دخول جذابة للمستثمرين ذوي الأفق الاستثماري الطويل. يعتمد تحقيق هذه الفرصة المحتملة بشكل كبير على نجاح الترقيات القادمة للشبكة (مثل Pectra) وتحسن نشاط الطبقة الثانية (L2). يُنصح المستثمرون الراغبون في الاستثمار بالإيثيريوم بالاستعداد لتقلبات قصيرة الأجل والنظر إلى الأساسيات طويلة الأجل وإمكانات النمو المستقبلية للشبكة.
خلاصة: استقرار مقابل فرصة مضادة للاتجاه
خلص تقرير فيديليتي إلى أن سوق العملات المشفرة يقدم صورة مزدوجة في بداية الربع الثاني. تظهر البيتكوين علامات استقرار وصمود وسط مرحلة تماسك سعري، مدعومة بأساسيات قوية على السلسلة وسلوك تراكمي من المستثمرين على المدى الطويل، مما يبقي النظرة إيجابية للمستقبل.
من ناحية أخرى، قد توفر الإيثيريوم، على الرغم من ضعفها الفني الحالي، فرصًا استثمارية ذات قيمة مضادة للاتجاه السائد (contrarian value opportunities). يشير انخفاض تقييمها إلى منطقة جذابة تاريخيًا، مما قد يكافئ المستثمرين الصبورين المستعدين لتحمل التقلبات قصيرة الأجل والرهان على نجاح التطورات المستقبلية للشبكة وعودة النمو في نشاطها.
في نهاية المطاف، يعكس تحليل فيديليتي الحاجة إلى نهج دقيق ومدروس عند الاستثمار في الأصول الرقمية، مع الأخذ في الاعتبار الفروق الدقيقة بين أداء كل عملة والمقاييس المتعددة التي تؤثر على قيمتها وتوقعاتها المستقبلية.