“`html
مخاوف تضارب المصالح لترامب تعرقل تقدم سياسة العملات المشفرة الأوسع نطاقًا
شهد الأسبوع الماضي تصاعدًا ملحوظًا في النقاشات الدائرة حول الإثراء الشخصي واحتمالات تضارب المصالح الناشئة عن مشاريع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مجال الأصول المشفرة. هذه المخاوف لا تؤثر فقط على تقدم تشريعات العملات المستقرة، بل تلقي بظلالها أيضًا على مجمل السياسات المتعلقة بالعملات المشفرة في الولايات المتحدة، مما يثير قلق المستثمرين والمشرعين على حد سواء حول مستقبل هذا القطاع الحيوي.
في هذا السياق، صرح ريان جيلبرت، مؤسس صندوق رأس المال الاستثماري للتكنولوجيا المالية “لونش باد كابيتال”، لشبكة CNBC قائلاً: “إنه لأمر مؤسف أن تعترض المصالح التجارية الشخصية طريق السياسات الجيدة… آمل أن يتنحى جميع المسؤولين في الإدارة، بمن فيهم الرئيس، جانبًا للسماح بمرور السياسات السليمة.” يعكس هذا التصريح القلق المتزايد في أوساط الخبراء من أن الاعتبارات الشخصية قد تطغى على الحاجة الملحة لوضع أطر تنظيمية واضحة وفعالة لسوق العملات المشفرة المتنامي.
تداعيات تضارب المصالح على المسار التشريعي للعملات المشفرة
تعتبر الأطر التنظيمية حجر الزاوية لضمان نمو صحي ومستدام لسوق العملات المشفرة، إلا أن المخاوف الأخيرة المتعلقة بالرئيس ترامب قد ألقت بظلال من الشك على مستقبل العديد من المبادرات التشريعية الهامة.
قانون العملات المستقرة (GENIUS Act): مصير معلق في أروقة السياسة
يهدف قانون “توجيه وتأسيس الابتكار الوطني للعملات المستقرة الأمريكية” (المعروف اختصارًا بـ GENIUS Act) إلى وضع إطار تنظيمي شامل للعملات المستقرة المستخدمة في المدفوعات داخل الولايات المتحدة. يُنظر إلى هذا التشريع على أنه خطوة أساسية نحو توفير الوضوح والاستقرار في هذا الجزء الهام من النظام البيئي للعملات المشفرة.
وكانت كاترينا باغليا، كبيرة المسؤولين القانونيين في شركة رأس المال الاستثماري “بانترا كابيتال”، قد صرحت لشبكة CNBC في وقت سابق من هذا الأسبوع بأن مشروع القانون هذا “يُعتبر عمومًا التشريع الأسهل للمرور عبر الكونغرس”. وبناءً على ذلك، أعربت باغليا عن خيبة أملها – وإن لم تكن متفاجئة – عندما فشل قانون GENIUS Act في الحصول على موافقة مجلس الشيوخ يوم الخميس، حيث جاءت نتيجة التصويت 48 صوتًا مؤيدًا مقابل 49 معارضًا. هذا الفشل يسلط الضوء على مدى تعقيد المشهد السياسي وتأثير العوامل الخارجية على التشريعات التقنية.
مشروع قانون هيكل سوق العملات المشفرة يواجه رياحًا معاكسة
لم تقتصر تداعيات المخاوف الأخلاقية المحيطة بأرباح ترامب من أصول ومشاريع العملات المشفرة على قانون العملات المستقرة فحسب، بل امتدت لتشمل مناقشة مشروع قانون هيكل سوق العملات المشفرة الأمريكي، الذي كان من المقرر مناقشته في السادس من مايو. تم تقديم مشروع القانون هذا يوم الاثنين بهدف توفير الوضوح التنظيمي الذي تشتد الحاجة إليه في السوق، وتحديد كيفية تصنيف الأصول الرقمية والإشراف عليها من قبل كل من هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) ولجنة تداول السلع الآجلة (CFTC). إن تأجيل أو عرقلة هذا القانون يعني استمرار حالة عدم اليقين التنظيمي التي تخيم على الشركات والمستثمرين في قطاع العملات المشفرة.
تسلسل الأحداث التي أثارت فتيل المخاوف بشأن تضارب المصالح
شهدت الفترة الأخيرة سلسلة من الأحداث التي سلطت الضوء بشكل متزايد على احتمالية وجود تضارب مصالح مرتبط بمشاريع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مجال العملات المشفرة. يمكن تلخيص أبرز هذه الأحداث في النقاط التالية، والتي تظهر كيف تراكمت الشكوك لتصل إلى ما هي عليه اليوم:
- إطلاق عملة “$TRUMP” الميمية وتداعياتها الاقتصادية والسياسية: قبل أيام قليلة من حفل تنصيب الرئيس ترامب، تم إطلاق عملة “$TRUMP” الميمية الرسمية. شهد سعر هذه العملة ارتفاعًا قياسيًا ليصل إلى 75 دولارًا في 19 يناير، وفقًا لبيانات “كريبتو سليت”. ولكن، سرعان ما انهار سعر العملة بشكل حاد بعد التنصيب، مما أدى إلى خسائر فادحة للمستثمرين الصغار تجاوزت ملياري دولار. في المقابل، أفادت وكالة رويترز في فبراير أن الشركات المرتبطة بترامب، والتي تسيطر على 80% من إمدادات العملة الميمية، حققت أرباحًا تقدر بنحو 100 مليون دولار من رسوم التداول بحلول 30 يناير. أثار هذا التباين الصارخ تساؤلات جدية حول أخلاقيات هذه الممارسات.
- مباحثات عائلة ترامب للاستحواذ على حصة في “بينانس يو إس”: في شهر مارس، أفادت تقارير بأن ممثلين عن عائلة ترامب كانوا يجرون محادثات للاستحواذ على حصة في الذراع الأمريكية لمنصة “بينانس”. يذكر أن “بينانس” دفعت غرامة تاريخية بعد إدانتها بانتهاك قوانين مكافحة غسيل الأموال في عام 2023، مما زاد من حساسية هذه المحادثات.
- تزامن تشريعي مع إطلاق عملة مستقرة مرتبطة بعائلة ترامب: في 13 مارس، وافقت لجنة الشؤون المصرفية بمجلس الشيوخ على قانون GENIUS Act. وبعد ذلك بوقت قصير، في 25 مارس، أعلنت شركة “وورلد ليبرتي فاينانشال” (World Liberty Financial – WLF)، وهي مشروع تمويل لامركزي مرتبط بعائلة ترامب، عن خطط لإطلاق عملتها المستقرة الخاصة، USD1. هذا التزامن أثار شكوكًا حول إمكانية استغلال النفوذ السياسي لتحقيق مكاسب شخصية.
- دور الاستثمارات الإماراتية وصفقة “بينانس” وعملة USD1: تم الإعلان عن استثمار شركة “إم جي إكس” (MGX)، وهي شركة استثمارية عملاقة مقرها أبوظبي، في منصة “بينانس” في 12 مارس. يرأس مجلس إدارة “إم جي إكس” الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات وشقيق رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد. كما أن صندوق الثروة السيادي الإماراتي “مبادلة”، الذي يدير أصولاً بقيمة 330 مليار دولار، شريك في “إم جي إكس”. وفي الأول من مايو، أكد أحد مؤسسي “وورلد ليبرتي فاينانشال” أن عملة USD1 قد تم اختيارها لتنفيذ هذه الصفقة، وفقًا لرويترز، مما يربط بشكل مباشر مشاريع عائلة ترامب بصفقات دولية كبرى.
- دعوة ترامب الخاصة لحاملي عملته الميمية وانتقادات أوسوف: في أواخر أبريل، وجه الرئيس ترامب دعوة إلى أبرز 220 من حاملي عملته الميمية لحضور حفل عشاء خاص في 22 مايو. في ذلك الوقت، وصف السيناتور الديمقراطي عن ولاية جورجيا، جون أوسوف، هذه الخطوة بأنها “جريمة تستوجب العزل”، معتبرًا إياها استخدامًا واضحًا للمنصب لتحقيق منفعة شخصية.
- أرباح ميلانيا ترامب المشبوهة من عملتها الميمية الخاصة: في وقت سابق من هذا الأسبوع، كشفت صحيفة “فاينانشال تايمز” أن مطلعين حققوا ما يقرب من 100 مليون دولار عن طريق شراء العملة الميمية الخاصة بالسيدة الأولى ميلانيا ترامب قبل ساعات قليلة من إطلاقها رسميًا للجمهور. هذا الكشف أضاف طبقة أخرى من الشكوك حول استغلال المعلومات الداخلية والمكانة لتحقيق أرباح غير مشروعة.
تصاعد حدة التوترات حول “فساد ترامب” المزعوم في الأسبوع المنصرم
شهد الأسبوع الماضي تكثيفًا للضغوط والانتقادات الموجهة للرئيس ترامب على خلفية أنشطته في مجال العملات المشفرة، حيث تحولت المخاوف إلى اتهامات مباشرة بالفساد واستغلال النفوذ.
تعثر قانون GENIUS Act بسبب مخاوف أمنية ومالية جديدة
كان من المتوقع أن يمر قانون GENIUS Act بسلاسة عبر مجلس الشيوخ. ولكن، في نهاية الأسبوع الماضي، أعلن تسعة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، من بينهم أربعة كانوا قد صوتوا سابقًا لصالح مشروع القانون، أنهم سيسحبون دعمهم إذا لم يتم تعديل مشروع القانون لمعالجة المخاوف المتعلقة بالأمن القومي وغسيل الأموال. هذه الخطوة المفاجئة عكست تزايد القلق من إمكانية استغلال العملات المستقرة في أنشطة غير قانونية، خاصة في ظل الارتباطات المثيرة للجدل المحيطة بالرئيس.
احتجاج النائبة ماكسين ووترز وتصريحاتها النارية
في السادس من مايو، استغلت النائبة ماكسين ووترز (ديمقراطية من كاليفورنيا)، وهي العضو الديمقراطي البارز في لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب، الوقت المخصص لمناقشة مشروع قانون هيكل سوق العملات المشفرة للاحتجاج على ما وصفته بـ “فساد ترامب”. صرحت ووترز بأن ترامب حقق ما لا يقل عن 350 مليون دولار من عملته الميمية، مضيفة: “لقد خاض ترامب حملته الانتخابية على أساس وضع المزيد من الأموال في جيوب الأمريكيين – تبين أنه كان يقصد فقط جيوبه وجيوب المقربين منه.”
شهادة وزارة الخزانة واتهامات خطيرة بالاستغلال
في نفس الجلسة، قالت تشاستيتي ميرفي، كبيرة مستشاري المؤسسات المالية في وزارة الخزانة، إن إمبراطورية ترامب في مجال العملات المشفرة هي وسيلة “للمتاجرة بالنفوذ والرشوة والاستيلاء على التنظيمات”. كما أكد النائب ستيفن لينش أن ترامب قد كسب حوالي 2.9 مليار دولار – أي ما يقرب من 40% من ثروته – من مشاريعه في مجال العملات المشفرة. هذه الشهادات الرسمية زادت من خطورة الموقف وأعطت مصداقية للاتهامات الموجهة.
تقديم قانون “إنهاء فساد العملات المشفرة” لمواجهة التحديات الأخلاقية
في السابع من مايو، قدم السيناتور الأمريكي مارك كيلي قانون “إنهاء فساد العملات المشفرة”. يهدف هذا القانون إلى حظر أعضاء الكونغرس وأفراد عائلاتهم من “إصدار أو تأييد أو رعاية الأصول المشفرة، مثل العملات الميمية والعملات المستقرة”. وأشار كيلي قائلاً: “ترامب يستغل رئاسته ويجني الملايين من عملاته المشفرة الخاصة – هذا فساد واضح وضوح الشمس.”
دعوات للتحقيق وطلب عفو مثير للجدل
يوم الجمعة، حث أعضاء ديمقراطيون في مجلس الشيوخ وزير الخزانة سكوت بيسنت والمدعية العامة بام بوندي على التحقيق في علاقات ترامب بمنصة “بينانس”، حسبما أفادت وكالة بلومبرغ. وفي تطور لافت، طلب الرئيس التنفيذي السابق لمنصة “بينانس”، تشانغبينغ تشاو (CZ)، الذي قضى أربعة أشهر في السجن، العفو من الرئيس ترامب، مما أضاف بُعدًا آخر للقصة المعقدة.
تصريح السيناتور جيف ميركلي حول استغلال النفوذ
وفي بيان لشبكة CNBC، قال السيناتور جيف ميركلي: “حاليًا، يمكن للأشخاص الذين يرغبون في تنمية نفوذهم لدى الرئيس أن يثروه شخصيًا عن طريق شراء العملات المشفرة التي يمتلكها أو يسيطر عليها… هذا مخطط فاسد للغاية.” يعكس هذا التصريح القلق العميق من أن تصبح العملات المشفرة أداة جديدة للفساد السياسي على أعلى المستويات.
مستقبل التشريعات المتعلقة بالعملات المشفرة في ظل تصاعد المخاوف
على الرغم من كل هذه المخاوف والاتهامات، بدأت المفاوضات بين أعضاء مجلس الشيوخ من كلا الحزبين بالفعل منذ فشل التصويت يوم الخميس الماضي. وهناك احتمالية لإعادة التصويت على قانون GENIUS Act في وقت مبكر من يوم الاثنين المقبل. يتوقع معظم المشرعين أن يتم تمرير قانون GENIUS Act في نهاية المطاف من مجلس الشيوخ ليصل إلى مكتب الرئيس ترامب، لكن الجدول الزمني لا يزال غير مؤكد وسط هذه الأجواء المشحونة بمخاوف تضارب المصالح.
إن الوضع الحالي يضع مستقبل تنظيم قطاع العملات المشفرة في الولايات المتحدة على المحك. فبينما يسعى المشرعون لوضع أطر قانونية واضحة، تلقي الأنشطة الشخصية والاتهامات بالفساد بظلالها على هذه الجهود، مما قد يؤدي إلى تأخيرات إضافية أو حتى تعديلات جوهرية على مشاريع القوانين المقترحة. يبقى السؤال الأهم هو ما إذا كانت الاعتبارات السياسية والشخصية ستنتصر على الحاجة الملحة لتنظيم فعال ومحايد لهذا القطاع التكنولوجي سريع التطور، والذي يحمل إمكانات هائلة للاقتصاد الرقمي العالمي.
“`