“`html
تشارلز هوسكينسون من كاردانو ينفي مزاعم اختلاس عملات ADA ويصفها بأنها شخصية ومدمرة بعمق
في عالم العملات الرقمية المتطور باستمرار، تعد الشفافية والثقة من أهم الركائز التي يبني عليها المستثمرون والمستخدمون قراراتهم. أي مزاعم تتعلق بسوء إدارة الأموال أو نقص الشفافية يمكن أن تهز الثقة بسرعة وتؤثر سلبًا على المشروع المعني. مؤخرًا، وجدت شبكة كاردانو (Cardano) نفسها في قلب عاصفة من المزاعم والاتهامات التي طالت قائدها ومؤسسها، تشارلز هوسكينسون، وشركة تطويرها الرئيسية، Input Output Global (IOG).
تتمحور المزاعم حول ادعاءات بأن شركة IOG قامت باختلاس مبلغ كبير يقدر بأكثر من 318 مليون عملة ADA. يُزعم أن هذه العملات كانت موجودة في محافظ تعود إلى مرحلة ما قبل بيع الرموز (pre-sale) ولم يتم استردادها من قبل أصحابها الأصليين. قيمة هذه العملات، خاصة بالأسعار الحالية في سوق العملات الرقمية، تجعل من هذه المزاعم أمرًا بالغ الأهمية والحساسية.
ردًا على هذه الاتهامات المتزايدة، قام تشارلز هوسكينسون بتوسيع نطاق استجابته الأولية، مؤكدًا على الجانب الشخصي والمدمر للموقف. في منشور نشره بتاريخ 18 مايو على منصة X (تويتر سابقًا)، لم يقتصر هوسكينسون على نفي المزاعم فحسب، بل عبر عن الأثر العميق الذي خلفته هذه الاتهامات على سمعته وكيف أنها أعادت تشكيل نظرته لعلاقته بالمجتمع الذي عمل جاهدًا على بنائه.
تأمل هوسكينسون في الأثر السلبي للمزاعم على سمعته قائلاً:
“لعقد من الزمان، كنت في الخطوط الأمامية. عدم منح الثقة هنا دون دليل قوي على العكس يعني أنني لا أمتلك الاتصال الذي ظننت أنني أمتلكه مع بعض الأشخاص.”
هذه الكلمات تكشف عن شعور واضح بخيبة الأمل والإحباط من قبل هوسكينسون، حيث يبدو أنه يشعر بأن سنوات من القيادة والجهود في بناء وتطوير كاردانو لم تكسبه القدر الكافي من الثقة ليُمنح “فائدة الشك” في ظل هذه الأزمة. هذا يبرز التحدي المتمثل في بناء وإدارة مجتمع لامركزي واسع، حيث يمكن للمعلومات، أو سوء الفهم، أو المزاعم أن تنتشر بسرعة وتؤثر على الديناميكيات بين القادة والمشاركين.
في إشارة إلى رغبته في التعامل مع الموقف بطريقة منظمة والحد من الاحتكاك المباشر الذي تسببه مثل هذه المزاعم على المنصات العامة، أشار هوسكينسون إلى خطط للمستقبل. أعلن أنه بعد إصدار نتائج تدقيق خارجي مستقل لهذه القضية، ينوي تسليم مهمة إدارة حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي إلى فريق إعلامي متخصص. هذه الخطوة قد تُفسر على أنها محاولة لخلق حاجز بينه وبين الجدل اليومي، والسماح له بالتركيز بشكل أكبر على رؤية كاردانو وتطويرها التقني، بينما يتعامل فريق متخصص مع التواصل العام.
التصدي القانوني وخطط التدقيق المستقل
لم تكن استجابة هوسكينسون الأخيرة هي الأولى له فيما يتعلق بهذه القضية. في السابع من مايو، أصدر بيانًا أوليًا تطرق فيه للمزاعم وألمح إلى إمكانية اتخاذ شركة IOG إجراءات قانونية ضد الأفراد أو الجهات التي تروج للاتهامات حول تحويل عملات ADA غير المطالب بها من حدث توزيع الرموز في عام 2017. هذا التهديد باللجوء إلى القضاء يؤكد على أن IOG وهوسكينسون ينظران إلى هذه المزاعم بجدية قصوى ويعتبرانها تشهيرًا يلحق الضرر.
تعود تفاصيل المزاعم إلى سلسلة من التغريدات نشرها مستخدم X يُدعى ماساتو ألكسندر. ادعى ألكسندر أن تحديثًا للبروتوكول تم تنفيذه في ديسمبر 2020 قد أدخل وظيفة تسمح بإعادة تخصيص عملات ADA الموجودة في مخرجات المعاملات غير المستردة (unredeemed UTxOs) إلى احتياطيات كاردانو. زعم ألكسندر بعد ذلك أن معاملة Move Instantaneous Rewards (MIR) لاحقة قد حولت هذه الأموال من الاحتياطيات دون توفير مستوى كافٍ من الشفافية أو إرسال إشعارات إلى أصحاب القسائم الأصليين الذين لم يستردوا عملاتهم بعد. هذا يثير تساؤلات حول عملية نقل الأموال وشفافية حوكمة البروتوكول.
في رده المضاد، قدم هوسكينسون تفسيرًا مختلفًا للأحداث. أكد أن الغالبية العظمى من المستثمرين، وبالتحديد 99.8%، قد قاموا باسترداد قسائم عملات ADA الخاصة بهم بنجاح. فيما يتعلق بالنسبة المتبقية، وهي 0.2% من عملات ADA التي لم يتم استردادها، أوضح هوسكينسون أنه تم استرداد هذه العملات بموجب قواعد البروتوكول بعد انتهاء فترة سماح مدتها سبع سنوات للتصرف فيها. والأهم من ذلك، زعم هوسكينسون أن هذه العملات المتبقية قد تم التبرع بها إلى Intersect، وهي الهيئة التنسيقية الصناعية المستقلة التي تهدف إلى تعزيز النظام البيئي لكاردانو.
ولإضفاء المزيد من المصداقية على روايته وتفنيد المزاعم، أعلن هوسكينسون أن تقريرًا شاملاً ومدققًا من قبل طرف خارجي مستقل سيتم نشره قريبًا. يهدف هذا التقرير إلى توثيق كامل لعملية الاسترداد التي تمت منذ البداية وتفاصيل عملية البيع الجماعي لعام 2017. كما أكد على أنه بمجرد ظهور نتائج التدقيق التي يتوقع أن تدعم موقفه، سيقوم بإرسال “خطابات إلى الأطراف المعنية يطالب فيها بسحب المزاعم والاعتذار” عن الضرر الذي لحق به وبشركة IOG.
مع ذلك، لم يمر رد هوسكينسون دون رد. عارض ماساتو ألكسندر ادعاء التبرع بالكامل لـ Intersect، مشيرًا إلى بيان عام صادر عن المدير التنفيذي المؤقت لـ Intersect ذكر فيه أن الهيئة تلقت 7 ملايين دولار فقط في عام 2024. يرى ألكسندر أن هذا المبلغ لا يتناسب إطلاقًا مع القيمة السوقية المقدرة لـ 318 مليون عملة ADA المتنازع عليها، والتي قد تتجاوز 600 مليون دولار بكثير حسب الأسعار الحالية. كما جدد ألكسندر انتقاده لغياب تدقيق مفصل ومتاح للعامة يتتبع مسار وتدفقات هذه الأموال بشكل كامل، مما يترك مساحة للشكوك والتساؤلات.
مؤسسة كاردانو وإيمورغو توضحان الموقف وتدعمان التدقيق
في محاولة لتقديم المزيد من الوضوح بشأن الأدوار والمسؤوليات داخل نظام كاردانو البيئي، أصدرت مؤسسة كاردانو (Cardano Foundation) بيانًا رسميًا بتاريخ 19 مايو. في بيانها، نأت المؤسسة بنفسها عن الجوانب التشغيلية الدقيقة لعملية استرداد قسائم ADA بعد عام 2021. أوضحت المؤسسة أنها كانت تتلقى تحديثات عامة حول التقدم المحرز في عملية الاسترداد، لكنها لم تتلقَ بيانات محاسبية مفصلة أو تقوم بإدارة الأموال بشكل مباشر.
ذكرت المؤسسة بوضوح في بيانها:
“لقد تم قيادة جهود تحديد موقع ودعم حاملي القسائم المتبقين من قبل فريق IO على مدار السنوات الأربع الماضية.”
هذا يؤكد أن المسؤولية التشغيلية المباشرة لعملية الاسترداد النهائية تقع على عاتق فريق IOG. رحبت مؤسسة كاردانو بتعهد شركة IOG بإصدار تقرير تدقيق من طرف ثالث وأوصت بأن يكون هذا التدقيق شاملًا قدر الإمكان. بشكل خاص، نصحت المؤسسة بأن يشمل التدقيق تفاصيل جميع معاملات MIR، الأرصدة المعنية، وأي عوائد أو مكاسب تم تحقيقها أثناء إدارة هذه الأموال. هذا الموقف من المؤسسة يعكس الرغبة في تحقيق أقصى قدر من الشفافية من خلال التدقيق الخارجي.
من جهتها، قامت إيمورغو (Emurgo)، وهي الذراع التجاري وشريك أساسي في نظام كاردانو البيئي، بالدفاع عن جهود شركة IOG في منشور على منصة X بتاريخ 19 مايو. أشارت إيمورغو إلى أن عملية استرداد العملات التي امتدت على مدار سبع سنوات كانت عملية معقدة وشاقة. تضمنت هذه العملية حملات توعية متعددة لمستشفي القسائم، إجراء تحقيقات من طرف ثالث في دول مثل اليابان حيث كان هناك عدد كبير من حاملي القسائم، بالإضافة إلى عمليات التحقق من هوية العملاء (KYC) لضمان الامتثال.
اعترفت إيمورغو في منشورها:
“بينما تم استرداد الغالبية العظمى من قسائم ADA ما قبل البيع بنجاح، كانت هناك نسبة صغيرة لم يتم استردادها.”
قدمت الشركة أيضًا توضيحًا تقنيًا مهمًا لتبرير الحاجة إلى نقل عملات ADA غير المستردة. أوضحت أن تنفيذ شوكة شيللي (Shelley hard fork) في كاردانو كان سيجعل عملات ADA التي لا تزال في محافظ ما قبل البيع الأصلية غير قابلة للإنفاق. وبالتالي، كان نقلها ضروريًا من الناحية التقنية لتمكين إمكانية استردادها في المستقبل إذا تقدم أصحابها للمطالبة بها، أو لإدارتها بشكل صحيح وفقًا لقواعد البروتوكول.
كما عبرت إيمورغو عن قلقها الشديد من انتشار ما أسمته بـ “الفود (FUD) المفرط وغير المبرر”، وهو مصطلح في عالم العملات الرقمية يشير إلى نشر الخوف والشك والريبة. قالت الشركة إن الاتهامات التي يتم تداولها، والتي ترى أنها مبنية على حقائق محدودة أو مبتورة، تسببت في ضرر غير ضروري للنظام البيئي ككل. هذا يشير إلى أن إيمورغو تنظر إلى هذه المزاعم على أنها حملة سلبية تهدف إلى تقويض الثقة في كاردانو.
على غرار مؤسسة كاردانو، رددت إيمورغو دعوة شركة IOG لإجراء تدقيق شامل وشفاف. كما حثت المجتمع الأوسع لكاردانو على التحلي بالصبر وعدم التسرع في إصدار الأحكام حتى يتم الانتهاء من التدقيق وتقديم الحقائق الكاملة. هذه الرسالة المتناسقة من الشركاء الرئيسيين في كاردانو تؤكد على أن التدقيق الخارجي هو المسار المتفق عليه لمعالجة الأزمة.
خلاصة وتطلع إلى المستقبل
تُعد المزاعم الأخيرة المتعلقة بإساءة استخدام عملات ADA غير المستردة بمثابة تذكير صارخ بأهمية الشفافية والمسؤولية في مشاريع العملات الرقمية اللامركزية. الردود من تشارلز هوسكينسون، ومؤسسة كاردانو، وإيمورغو، تسلط الضوء على التحديات التي تواجه القادة والمنظمات في الحفاظ على الثقة وتوضيح الحقائق في مواجهة الاتهامات السريعة الانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي.
شعور هوسكينسون بأن المزاعم “شخصية ومدمرة بعمق” يؤكد أن قادة المشاريع التقنية الكبرى ليسوا بمنأى عن التأثير العاطفي والمهني لمثل هذه المواقف. تعليقاته حول علاقته بمجتمع كاردانو تشير إلى أن الثقة ليست شيئًا يُمنح إلى الأبد، بل هي شيء يجب كسبه والحفاظ عليه باستمرار، حتى بعد سنوات من العمل الجاد.
من الناحية المؤسسية، فإن توضيحات مؤسسة كاردانو وإيمورغو حول أدوارهما المحددة وعملية الاسترداد المعقدة التي استمرت لسنوات، تهدف إلى تقديم سياق للوضع. إقرار إيمورغو بأن نسبة صغيرة من العملات لم تُسترد والتفسير التقني لضرورة نقلها بسبب شوكة شيللي يقدم حججًا تهدف إلى دحض فكرة وجود عملية اختلاس متعمدة وغير مبررة.
ومع ذلك، فإن التضارب في الأرقام التي قدمها ماساتو ألكسندر وتساؤلاته حول مبلغ التبرع لـ Intersect ونقص الشفافية في تتبع الأموال تظل نقاطًا تتطلب التوضيح. هنا يأتي دور التدقيق الخارجي المعلن عنه. يُنظر إلى هذا التدقيق على أنه الآلية الأكثر فعالية لتقديم صورة كاملة وغير متحيزة لمصير عملات ADA غير المستردة.
تعتمد استعادة الثقة بشكل كبير على شفافية وشمولية نتائج هذا التدقيق. يجب أن يقدم التقرير أدلة واضحة ومفصلة تتعلق بجميع المعاملات المعنية، بما في ذلك معاملات MIR، وكيفية إدارة الأموال، وأين استقرت في النهاية. فقط من خلال هذه الشفافية الكاملة يمكن للمجتمع تقييم المزاعم والحجج المقدمة من جميع الأطراف بشكل مستنير.
في انتظار نتائج التدقيق، يبقى الوضع غير محسوم. الدعوة إلى الصبر من قبل الجهات الرئيسية في كاردانو هي دعوة ضرورية، حيث أن التسرع في إصدار الأحكام يمكن أن يلحق المزيد من الضرر غير المبرر. بالنسبة لكاردانو كمشروع، فإن هذه الأزمة تمثل فرصة لإظهار التزامها بالشفافية والحوكمة السليمة، وتعزيز آلياتها الداخلية لضمان عدم تكرار مثل هذه الشكوك في المستقبل. مستقبل العلاقة بين قادة كاردانو ومجتمعها سيعتمد بشكل كبير على كيفية إدارة هذه المرحلة الحرجة والدروس المستفادة منها.
“`