“`html
شبكة إيثيريوم تشتعل نشاطاً بينما السعر يراوح مكانه: هل اقترب الانفجار السعري؟
تشهد شبكة إيثيريوم حالياً فترة من هدوء حركة الأسعار، وهو ما يعكس حالة التوطيد الأوسع التي تسود سوق الأصول المشفرة بشكل عام. عند كتابة هذا التقرير، يتم تداول إيثيريوم (ETH) حوالي 2423 دولاراً أمريكياً، مسجلاً انخفاضاً يومياً طفيفاً بنسبة 0.9% ويظل أقل بأكثر من 50% من أعلى مستوى تاريخي له عند 4878 دولاراً. يتزامن هذا الركود مع نقص عام في المحفزات القوية القادرة على دفع مسيرة صعود مستدامة، مما يترك المتداولين في حالة من الحذر بشأن المسار المستقبلي القريب لإيثيريوم. لكن على الرغم من هذا النقص في زخم الأسعار، فإن نشاط الشبكة على إيثيريوم يحكي قصة مختلفة تماماً.
مقاييس النشاط على السلسلة تشير إلى تزايد التفاعل على الشبكة
وفقاً لتحليل أجراه كارميلو أليمان، المحلل لدى CryptoQuant، ارتفع عدد المعاملات المؤكدة على شبكة إيثيريوم مؤخراً إلى 1,750,940 معاملة، ليصبح هذا الرقم ثالث أعلى عدد يومي للمعاملات في تاريخ الشبكة. يشير أليمان إلى أن هذا الاتجاه قد يدل على قوة استخدام أساسية للشبكة، حتى في الوقت الذي ينتظر فيه المشاركون في السوق استجابة سعرية أكثر أهمية.
يركز تحليل أليمان على مقياس “إجمالي عدد المعاملات” في إيثيريوم، والذي يلتقط جميع أشكال النشاط على الشبكة. هذا يشمل ليس فقط تحويلات ETH المباشرة، بل أيضاً عمليات تنفيذ العقود الذكية والتفاعلات المعقدة مع التطبيقات اللامركزية وبروتوكولات التمويل اللامركزي (DeFi). هذه الشمولية تجعل المقياس مؤشراً قوياً على الاستخدام الفعلي للشبكة وليس مجرد نشاط تداول بسيط.
يمثل الارتفاع الأخير في عدد المعاملات انعكاساً لاتجاه هابط استمر لأشهر عدة، كما أنه يمثل أعلى عدد للمعاملات منذ 14 يناير، عندما سجلت شبكة إيثيريوم 1.96 مليون معاملة. هذا يقارن بارتفاعات تاريخية أخرى، مما يضع النشاط الحالي في سياقه الصحيح كواحد من أكثر الأيام ازدحاماً على الإطلاق. تشير هذه الأرقام إلى أن البنية التحتية الأساسية لإيثيريوم لا تزال تستخدم بشكل مكثف، حتى لو لم ينعكس ذلك فوراً في قيمة الأصل.
وفقاً لأليمان، قد يكون هذا الارتفاع المفاجئ مدفوعاً بعدة عوامل رئيسية. من بين هذه العوامل:
- زيادة أنشطة المراجحة (Arbitrage): يستفيد المتداولون من فروقات الأسعار الصغيرة عبر مختلف البورصات والبروتوكولات، مما يتطلب تنفيذ العديد من المعاملات السريعة على الشبكة.
- نشاط التداول المتزايد: حتى لو كان السعر راكداً ضمن نطاق، قد يكون هناك نشاط تداول مرتفع داخله، خاصة من قبل المتداولين ذوي الترددات العالية أو الروبوتات التي تنفذ صفقات متعددة.
- التفاعل مع شبكات الطبقة الثانية (Layer 2): هذا هو عامل مهم ومتزايد الأهمية. تستمر شبكات الطبقة الثانية مثل Arbitrum وOptimism في امتصاص جزء كبير من حجم المعاملات. ومع ذلك، فإن تفاعلات المستخدمين مع هذه الشبكات (مثل الإيداعات والسحوبات ونقل الأصول بين الطبقات) تتطلب معاملات على الطبقة الأولى (شبكة إيثيريوم الرئيسية). كلما زاد استخدام الطبقة الثانية، زادت الحاجة إلى التفاعل مع الطبقة الأولى لتسوية المعاملات أو نقل الأصول، مما يساهم في ارتفاع إجمالي عدد المعاملات على الطبقة الأولى.
تظل منصات مثل Arbitrum وOptimism مساهمين رئيسيين في الاستخدام الأوسع لإيثيريوم. هي لا تخفف الضغط على الشبكة الرئيسية فقط، بل تزيد أيضاً من قابلية الوصول والتكلفة المعقولة للمستخدمين، مما يشجع على المزيد من التفاعل مع النظام البيئي الأوسع لإيثيريوم. العلاقة بين نمو الطبقة الثانية وزيادة المعاملات على الطبقة الأولى هي مؤشر على تكامل النظام البيئي الصحي والمتنامي.
يشير أليمان كذلك إلى أنه على الرغم من تقلب أسعار ETH ضمن نطاق يتراوح بين 2100 و2880 دولاراً في الأسابيع الأخيرة، فإن الزيادة في حركة الشبكة قد تلمح إلى تراكم مبكر من قبل المستثمرين أو تجدد الاهتمام ببروتوكولات التمويل اللامركزي (DeFi). هذا الديناميكية، على الرغم من أنها لم تنعكس فوراً في تقييم الأصل، تشير إلى أن البنية التحتية الأساسية لإيثيريوم لا تزال تشهد استخداماً هادفاً وقوياً. المستثمرون والمطورون يواصلون البناء والتفاعل، مما قد يضع الأساس للانفجارات المستقبلية بمجرد ظهور المحفزات المناسبة.
السلوك المضاربي وتدفقات البورصات تثير مخاوف قصيرة المدى
في سياق منفصل، قام محلل آخر في CryptoQuant، عمرو طه، بفحص الإعداد الفني الأخير لإيثيريوم من منظور سوق المشتقات المالية. تعتبر أسواق المشتقات (مثل العقود الآجلة والعقود الدائمة) مؤشراً مهماً على معنويات المتداولين وتوقعاتهم المستقبلية، خاصة المراكز ذات الرافعة المالية.
يسلط طه الضوء على أن أسعار التمويل (Funding Rates) لعقود ETH الدائمة على منصة بينانس (Binance) قد تحولت من منطقة سلبية إلى منطقة إيجابية. أسعار التمويل هي مدفوعات دورية يتم إجراؤها بين المتداولين الذين يحملون مراكز طويلة (Long) والمتداولين الذين يحملون مراكز قصيرة (Short) في العقود الدائمة، وهي تهدف إلى الحفاظ على سعر العقد قريباً من السعر الفوري للأصل. عندما تكون أسعار التمويل إيجابية، فهذا يعني أن المتداولين الذين يفتحون مراكز طويلة يدفعون رسوماً للمتداولين الذين يفتحون مراكز قصيرة، وهو ما يدل عادةً على أن المراكز الطويلة ذات الرافعة المالية تتزايد وأن هناك توقُّعاً صعودياً قوياً.
يعد هذا التحول إلى أسعار تمويل إيجابية علامة على أن المراكز الطويلة ذات الرافعة المالية تتزايد، مما قد يعكس توقعات باستمرار ارتفاع الأسعار. يتوقع المتداولون مزيداً من المكاسب ويستخدمون الرافعة المالية لتضخيم أرباحهم المحتملة. ومع ذلك، يثير هذا التحول أيضاً احتمال حدوث تمدد مفرط في المراكز الطويلة، خاصة إذا بدأت هذه المراكز في السيطرة على حجم التداول الإجمالي. يمكن أن يؤدي التركيز العالي للمراكز الطويلة ذات الرافعة المالية إلى ضعف السوق أمام الانعكاسات المفاجئة.
يشير طه أيضاً إلى إعادة اختبار حدثت مؤخراً لمنطقة رئيسية لـ “ضغط البيع القسري للمراكز القصيرة” (Short Squeeze Zone). يحدث ضغط البيع القسري عندما يضطر المتداولون الذين فتحوا مراكز قصيرة (يراهنون على انخفاض السعر) إلى إغلاق مراكزهم بسبب ارتفاع مفاجئ في السعر. لإغلاق مركز قصير، يجب على المتداول شراء الأصل الأساسي، مما يؤدي إلى زيادة سريعة في أوامر الشراء وبالتالي دفع السعر إلى الأعلى بشكل أسرع. خلال إعادة الاختبار هذه، أُجبر المشاركون في السوق الذين راهنوا على انخفاض ETH على إغلاق مراكزهم، مما أدى إلى موجة سريعة من أوامر الشراء.
مثل هذه التحركات يمكن أن تولد ارتفاعات قصيرة المدى ومفاجئة في السعر، لكنها غالباً ما تعقبها مراحل تصحيح أو هدوء بمجرد أن تتلاشى الطاقة المضاربية وتتوقف عمليات الإغلاق القسري للمراكز القصيرة. هذه الارتفاعات ليست بالضرورة مدعومة بأساسيات قوية أو تدفقات حقيقية لرأس المال الاستثماري طويل الأجل، بل هي نتيجة لديناميكيات السوق المشتقات وإجبار المتداولين على التحرك.
في غضون ذلك، أظهرت بيانات البورصات أنه تم إيداع أكثر من 177,000 ETH على منصة بينانس خلال ثلاثة أيام. إيداع كميات كبيرة من الأصول في البورصات غالباً ما يُفسر كإشارة محتملة على نية البيع من قبل المستثمرين الذين نقلوا أصولهم من محافظ التخزين البارد إلى منصات التداول للاستعداد للبيع. قد يشير هذا إلى ضغط بيع محتمل قادم على السعر أو إعادة تموضع من قبل الحائزين الكبار (Whales)، الذين قد يكونون يعدلون استراتيجياتهم بناءً على توقعاتهم للسوق على المدى القصير.
السياق الأوسع والتوقعات المستقبلية
كما ذكرنا سابقاً، يمر سوق العملات المشفرة عموماً بفترة من التوطيد ونقص في المحفزات الكبيرة التي يمكن أن تدفع الأسعار بشكل حاسم في أي اتجاه. العوامل الاقتصادية الكلية، مثل التضخم وقرارات البنوك المركزية بشأن أسعار الفائدة، لا تزال تؤثر على معنويات المستثمرين وتجعلهم أكثر حذراً تجاه الأصول عالية المخاطر مثل العملات المشفرة.
في ظل هذا المناخ، يصبح التناقض بين نشاط الشبكة المتزايد لإيثيريوم والإشارات المضاربية المختلطة أكثر وضوحاً. من جهة، لدينا دليل على استخدام حقيقي ومتزايد للبنية التحتية لإيثيريوم، مدفوعاً بالتمويل اللامركزي والطبقات الثانية. هذا الاستخدام الأساسي هو وقود النمو المستدام على المدى الطويل. من جهة أخرى، لدينا إشارات قصيرة المدى من أسواق المشتقات والبورصات تشير إلى تراكم للمخاطر المضاربية واحتمالية ضغط بيع.
يشير ارتفاع عدد المعاملات إلى أن المطورين والمستخدمين يواصلون البناء والتفاعل بنشاط على إيثيريوم، بغض النظر عن حركة السعر اللحظية. هذا النشاط المستمر هو علامة صحية لأي شبكة بلوكتشين ويدعم القيمة الجوهرية للأصل على المدى الطويل. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل المخاوف قصيرة المدى التي أثارها تحليل أسواق المشتقات وتدفقات البورصات. قد تؤدي المراكز ذات الرافعة المالية المفرطة إلى عمليات تصفية (Liquidations) متتالية يمكن أن تدفع السعر إلى الانخفاض بسرعة. كما أن عمليات الإيداع الكبيرة في البورصات قد تمثل عرض بيع ينتظر الفرصة المناسبة لدخول السوق.
الخلاصة: هل اقترب الانفجار السعري؟
الوضع الحالي لإيثيريوم معقد ويقدم صورة متناقضة. من ناحية، يؤكد النشاط القوي والمتزايد على السلسلة الأساسية قوة الشبكة واستخدامها الفعلي، مما يشير إلى وجود طلب أساسي وتطور مستمر. هذا يمكن اعتباره أساساً قوياً لأي ارتفاع سعري محتمل في المستقبل.
من ناحية أخرى، تثير الإشارات من أسواق المشتقات وتدفقات البورصات بعض القلق بشأن الضعف المحتمل على المدى القصير. التركيز العالي للمراكز الطويلة ذات الرافعة المالية وإيداعات ETH الكبيرة في البورصات يمكن أن يشكلا ضغطاً هبوطياً إذا تحولت معنويات السوق بشكل سلبي أو حدثت عمليات جني أرباح كبيرة.
الإجابة على سؤال ما إذا كان الانفجار السعري قادماً ليست واضحة في هذه المرحلة. النشاط الأساسي للشبكة هو بالتأكيد إشارة إيجابية على المدى الطويل. ومع ذلك، قد تحتاج الشبكة أو السوق الأوسع إلى محفز جديد وقوي (مثل أخبار اقتصادية إيجابية، أو تقدم كبير في تطوير إيثيريوم، أو تدفق كبير لرأس المال المؤسساتي) للتغلب على حالة التوطيد الحالية وتجاوز المخاطر قصيرة المدى التي يشير إليها المحللون. يجب على المتداولين والمستثمرين مراقبة هذه الديناميكيات المتضاربة عن كثب، والبحث عن تأكيدات من عدة مصادر قبل اتخاذ قرارات استثمارية كبيرة.
الصورة المميزة تم إنشاؤها باستخدام DALL-E، الرسم البياني من TradingView.
“`