انقسام المحللين: هل يؤدي ارتفاع العرض النقدي القياسي إلى تعزيز سعر البيتكوين؟
وصل العرض النقدي العالمي وعرض النقد في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية جديدة، وهو ما يُنظر إليه تقليديًا على أنه إشارة صعودية قوية لأسواق البيتكوين. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا صحيح دائمًا؟ يراقب المحللون عن كثب توسع العرض النقدي كمؤشر رئيسي لأسواق البيتكوين والعملات الرقمية، مدفوعين بالاعتقاد السائد بأن البنوك المركزية عندما تطبع المزيد من الأموال، فإن جزءًا منها يتدفق في النهاية إلى الأصول عالية المخاطر مثل العملات المشفرة. ومع ذلك، فإن العلاقة ليست دائمًا واضحة أو متناسقة، مما يثير جدلاً كبيرًا داخل المجتمع المالي.
لماذا يُنظر إلى العرض النقدي كمؤشر صعودي؟
الفكرة الأساسية وراء هذا الارتباط المفترض بسيطة نسبيًا. عندما تزيد البنوك المركزية من المعروض النقدي – غالبًا من خلال سياسات التيسير الكمي أو خفض أسعار الفائدة – فإنها تقلل من قيمة العملة الورقية. هذا الانخفاض في القوة الشرائية يجعل الأصول ذات العائد المرتفع أو تلك التي يُنظر إليها على أنها مخزن للقيمة أكثر جاذبية. البيتكوين، مع حدها الأقصى من العرض البالغ 21 مليون قطعة نقدية، غالبًا ما يتم الترويج لها كـ “ذهب رقمي” ومخزن للقيمة مقاوم للتضخم. وبالتالي، فإن زيادة كمية الأموال المتداولة يمكن أن تدفع المستثمرين للبحث عن أصول بديلة للحفاظ على ثرواتهم، مما يزيد الطلب على البيتكوين ويدفع سعرها للارتفاع.
آراء تدعم الارتباط: بيانات وحجج
يؤكد العديد من المحللين والمتابعين لسوق العملات الرقمية على وجود علاقة قوية بين نمو العرض النقدي وأداء البيتكوين. أحد هؤلاء هو مستخدم يوتيوب المعروف في مجال العملات الرقمية، لارك ديفيس، الذي أشار مؤخرًا إلى أن أسواق البيتكوين تتماشى حاليًا مع إزاحة 100 يوم للعرض النقدي M2.
العرض النقدي M2 هو مقياس واسع يشمل النقود المتداولة والودائع تحت الطلب وحسابات التوفير وصناديق الاستثمار المشتركة للأسواق النقدية. يُنظر إليه على أنه مؤشر جيد للسيولة المتاحة في الاقتصاد. وفقًا لديفيس، فإن التوافق الحالي بين البيتكوين والإزاحة الزمنية لنمو M2 يشير إلى شيء مهم.
بناءً على هذا التوافق، توقع ديفيس “حركة بارابولية” – ارتفاعًا حادًا ومتسارعًا – يمكن أن تدفع سعر البيتكوين إلى مستوى مذهل يبلغ 250 ألف دولار خلال الأشهر القليلة المقبلة. ومع ذلك، أقر ديفيس أيضًا بأن البيتكوين يتأخر في الواقع عن نمو العرض النقدي M2 في الوقت الحالي، وهو نمط لاحظ أنه يحدث غالبًا على الأطر الزمنية الأطول. هذا التباين المؤقت لا يقلل من توقعاته على المدى المتوسط، بل يشير إلى أن السوق قد يكون في مرحلة “لحاق” بالسيولة المتزايدة.
لتعزيز حجته، شارك ديفيس بيانات تظهر أن العرض النقدي العالمي M2 يسجل مستويات قياسية جديدة على الإطلاق (ATHs). تزامن البيتكوين مع هذا الاتجاه، مع الأخذ في الاعتبار الإزاحة الزمنية المذكورة، يعزز وجهة النظر القائلة بأن السيولة العالمية المتزايدة هي محرك رئيسي لأسعار الأصول الخطرة مثل العملات المشفرة.
الأرقام تتحدث: ارتفاع قياسي في العرض النقدي
تؤكد البيانات الاقتصادية الأخيرة على حقيقة أن العرض النقدي يتزايد بشكل كبير، سواء في الولايات المتحدة أو على المستوى العالمي. لاحظ مستثمر الأسواق العالمية، على سبيل المثال، أن العرض النقدي في الولايات المتحدة “يعود للارتفاع بقوة”.
في مايو الماضي، قفز العرض النقدي M2 في أمريكا بنسبة 4.5٪ على أساس سنوي، ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 21.94 تريليون دولار. هذا الرقم تجاوز الرقم القياسي السابق المسجل في مارس 2022 والذي بلغ 21.86 تريليون دولار. من المرجح أن يكون العرض النقدي قد تجاوز بالفعل حاجز الـ 22 تريليون دولار بحلول يوليو، مع استمرار عمليات “طباعة الأموال” أو التوسع النقدي. إذا استمر هذا الاتجاه الحالي خلال العقد القادم، يتوقع أن يتضاعف العرض النقدي M2 في الولايات المتحدة، مما يشير إلى انخفاض كبير في القوة الشرائية للدولار بمرور الوقت.
للحصول على منظور تاريخي، بلغ متوسط معدل النمو السنوي للعرض النقدي M2 في الولايات المتحدة بين عامي 2000 و 2025 حوالي 6.3٪. النمو الحالي بنسبة 4.5٪ على أساس سنوي في مايو هو ضمن هذا النطاق التاريخي ولكنه يمثل تسارعًا مقارنة بفترات سابقة من التضييق النقدي.
شهد العرض النقدي الأمريكي نموًا سريعًا بشكل خاص على مدى السنوات الخمس الماضية، حيث ارتفع بنسبة حوالي 37٪ منذ مارس 2020. كانت هذه الفترة هي التي شهدت قيام الاحتياطي الفيدرالي بزيادة طباعة الأموال بشكل كبير وغير مسبوق في محاولة لدعم الاقتصاد والحفاظ عليه خلال جائحة كوفيد-19 وتداعياتها الاقتصادية.
على الصعيد العالمي، الصورة مماثلة. وصل العرض النقدي العالمي إلى مستوى قياسي بلغ 93.7 تريليون دولار أمريكي، ويواصل النمو بمعدل سنوي يبلغ 7.45٪. يشمل هذا الرقم العالمي إجمالي العرض النقدي للبنوك المركزية الأربعة الكبرى في العالم، وهي:
- الاحتياطي الفيدرالي (Fed) في الولايات المتحدة
- البنك المركزي الأوروبي (ECB)
- بنك اليابان (BOJ)
- بنك الشعب الصيني (PBOC)
هذا التوسع المتزامن في السيولة عبر الاقتصادات الكبرى في العالم يوفر بيئة خصبة للأصول التي تعتبر ملاذًا من التضخم أو التي تستفيد من تدفقات رأس المال الباحثة عن عوائد أعلى.
تعليقًا على هذا المشهد، صرح المحلل Crypto Auris الأسبوع الماضي بأن “مع توسع العرض النقدي العالمي، يقع هدف البيتكوين التالي حول 170 ألف دولار، متبعًا التدفق”. هذا الرأي يدعم بشكل مباشر النظرية القائلة بأن السيولة المتزايدة هي الدافع الرئيسي لارتفاع أسعار البيتكوين، وأن مستوياته المستقبلية يمكن التنبؤ بها بناءً على حجم الأموال المتداولة.
عوامل أخرى تؤثر على السوق: مثال حديث
على الرغم من التركيز على العرض النقدي كدافع رئيسي، فإن أسواق العملات الرقمية تتأثر بالعديد من العوامل الأخرى، بما في ذلك التطورات الجيوسياسية والسياسية والاقتصادية الأخرى. على سبيل المثال، كان المحللون يتوقعون أسبوعًا قويًا للبيتكوين إذا كانت نتيجة الموعد النهائي للتعرفة الجمركية التي فرضها ترامب إيجابية. كانت هذه التعرفات تؤثر على التجارة العالمية وتثير حالة من عدم اليقين في الأسواق.
ومع ذلك، أصدر الرئيس الأمريكي خطابات إلى دول في آسيا لم تتوصل بعد إلى اتفاقيات تجارية، بما في ذلك اليابان وكوريا وتايلاند وإندونيسيا. تسببت هذه الخطوة في تراجع أسواق العملات الرقمية يوم الثلاثاء، مما يوضح كيف يمكن للأحداث السياسية المفاجئة أن تتغلب على إشارات السوق التي قد تبدو إيجابية بناءً على العوامل الكلية مثل العرض النقدي.
الرأي المضاد: فك الارتباط المفترض
في المقابل، هناك محللون ومنصات إعلامية تشكك بشدة في العلاقة المباشرة والسببية بين العرض النقدي M2 وأسعار البيتكوين. في 7 يوليو، نشرت منصة Protos مقالًا فنّدت فيه الارتباط المزعوم بين العرض النقدي M2 وأسعار البيتكوين، مشيرة إلى أن العلاقة تنهار ببساطة عند تغيير الإطار الزمني على الرسوم البيانية.
وفقًا لتحليل Protos، عندما يتم تكبير الرسم البياني من عام 2021 إلى الوقت الحاضر، يبدو الارتباط بين M2 والبيتكوين قويًا وملحوظًا. يبدو وكأنهما يتحركان في مسار متقارب. ومع ذلك، عندما يتم تصغير الرسوم البيانية لتشمل فترة أطول، من عام 2019 إلى الوقت الحاضر، تتغير الصورة بشكل كبير.
توضح البيانات على الإطار الزمني الأطول أن العرض النقدي M2 بدأ في الارتفاع بشكل كبير قبل عامين من أن تبدأ البيتكوين في صعودها البارز. بمعنى آخر، كان هناك توسع نقدي كبير دون أن يتبعه ارتفاع فوري ومماثل في سعر البيتكوين. هذا الانفصال الزمني يضعف حجة الارتباط المباشر والسببي.
الأكثر إقناعًا في حجة Protos هو الإشارة إلى حدث كبير في سوق العملات الرقمية: انهيار بورصة FTX في نوفمبر 2022. في ذلك الوقت، كان العرض النقدي M2 يسجل مستويات قياسية جديدة على الإطلاق. وفقًا لنظرية الارتباط المباشر، كان يجب أن يؤدي هذا الارتفاع في السيولة إلى دعم أو ارتفاع في سعر البيتكوين. ومع ذلك، حدث العكس تمامًا؛ انهارت البيتكوين وأسواق العملات الرقمية بأكملها في أعقاب فضيحة FTX. هذا التباين الحاد بين اتجاه M2 واتجاه البيتكوين في لحظة حرجة يقدم دليلًا قويًا ضد الارتباط التلقائي والمباشر.
علاوة على ذلك، يجادل Protos بأن إجمالي العرض النقدي M2 لا يقيس بالضرورة السيولة المتاحة خصيصًا لشراء أصول مثل البيتكوين. يشمل M2 أنواعًا مختلفة من الودائع التي قد لا يتم تحويلها بسهولة أو بسرعة إلى رؤوس أموال جاهزة للاستثمار في الأسواق المتقلبة مثل العملات الرقمية. بالإضافة إلى ذلك، يشيرون إلى أن العرض النقدي يرتبط، بحكم تعريفه، بأسعار “كل شيء” في الاقتصاد تقريبًا، لأنه يمثل المقام في حساب جميع الأسعار (كمية الأموال المتداولة نسبة إلى كمية السلع والخدمات). وبالتالي، فإن الارتباط بين M2 والبيتكوين قد لا يكون فريدًا أو خاصًا بالبيتكوين على وجه التحديد، بل مجرد انعكاس لانخفاض قيمة الوحدة النقدية مقابل جميع الأصول.
خلاصة الجدل
يظل الجدل حول ما إذا كان العرض النقدي القياسي سيؤدي حتمًا إلى تعزيز سعر البيتكوين قائماً ومثيراً للاهتمام. من ناحية، يقدم أنصار الارتباط أدلة على تزامن الحركات على أطر زمنية معينة، ويستندون إلى المنطق الاقتصادي الأساسي حول تأثير التضخم وتدفقات رأس المال على الأصول الخطرة. يرون أن المستويات القياسية للعرض النقدي العالمي والأمريكي تشير إلى بيئة كلية مواتية للبيتكوين، ويتوقعون ارتفاعات كبيرة بناءً على هذا التوسع.
من ناحية أخرى، يقدم المشككون أدلة مضادة مقنعة، خاصة عند فحص البيانات على فترات أطول وتضمين الأحداث السوقية الكبرى التي تتناقض مع نظرية الارتباط المباشر. يؤكدون على أن العلاقة ليست سببية بشكل مباشر وأن العرض النقدي ليس المؤشر الوحيد، ولا ربما الأهم دائمًا، الذي يدفع أسعار البيتكوين. تشير حججهم إلى أن عوامل أخرى مثل معنويات السوق، التطورات التنظيمية، الابتكار التكنولوجي، والأحداث الخاصة بالصناعة (مثل انهيار FTX) يمكن أن يكون لها تأثير أكبر وأكثر فورية على سعر البيتكوين من مجرد حجم الأموال المطبوعة.
في النهاية، يبدو أن الحقيقة تقع في مكان ما بين هذين الرأيين المتطرفين. من المعقول أن يؤثر التوسع الكبير في العرض النقدي العالمي على أسعار الأصول الخطرة بشكل عام، بما في ذلك البيتكوين، على المدى الطويل. فزيادة السيولة في النظام المالي تبحث عن أماكن تستقر فيها وقد تتدفق إلى الأصول التي يُنظر إليها على أنها توفر حماية ضد انخفاض قيمة العملة الورقية أو توفر إمكانات نمو عالية. ومع ذلك، فإنه من السذاجة الاعتقاد بأن هذا الارتباط مباشر، مثالي، وخالٍ من أي عوامل أخرى. أسعار البيتكوين شديدة التقلب وتتأثر بمزيج معقد من العوامل الكلية والجزئية والخاصة بالعملة الرقمية نفسها.
يبقى على المستثمرين والمحللين مراقبة كلا الجانبين من الجدل. بينما قد يوفر نمو العرض النقدي خلفية كلية إيجابية محتملة، يجب عدم تجاهل العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير وسريع على أسواق العملات الرقمية. قد تكون العلاقة موجودة، ولكنها ليست دائمًا المحرك الوحيد أو الأكثر موثوقية لأسعار البيتكوين.
“`