منظمو الاتحاد الأوروبي يحققون في خطط Robinhood للأوراق المالية المرمزة بعد مخاوف من OpenAI
أثارت خطط منصة التداول الشهيرة Robinhood لإصدار أوراق مالية خاصة مرمزة، تقدم تعرضًا لأسهم شركات التكنولوجيا الكبرى مثل SpaceX وOpenAI، تدقيقًا تنظيميًا في أوروبا. جاء هذا التدقيق بعد أن أثارت شركة الذكاء الاصطناعي OpenAI مخاوف واضحة، مؤكدة أن الأصول الرقمية التي تصدرها Robinhood والتي تحمل اسمها لا تمثل ملكية أسهم حقيقية في الشركة. نقلت شبكة CNBC هذا الخبر في تقرير نشر بتاريخ 7 يوليو، مسلطة الضوء على التوترات المتزايدة بين الابتكار في مجال الأصول الرقمية والمتطلبات التنظيمية التقليدية.
يُعد هذا التطور حدثًا مهمًا في المشهد المتطور للأوراق المالية المرمزة (Tokenized Securities)، حيث تسعى الشركات المالية إلى الاستفادة من تقنية البلوك تشين لزيادة الكفاءة والوصول إلى الأسواق. ومع ذلك، فإنه يبرز أيضًا التحديات الكبيرة التي تواجه المنظمين في فهم وتقييم هذه الأدوات المالية الجديدة، وضمان حماية المستثمرين وسلامة السوق.
البنك المركزي الليتواني يقود التحقيق الأولي
يقع المقر الرئيسي لعمليات Robinhood في الاتحاد الأوروبي في ليتوانيا، مما يجعل بنك ليتوانيا المركزي هو المنظم الأساسي للمنصة داخل التكتل الأوروبي. أكد البنك المركزي أنه يطلب توضيحات تفصيلية وشاملة من Robinhood قبل أن يتمكن من تقييم قانونية المنتجات المرمزة التي تخطط الشركة لإطلاقها. يُظهر هذا الإجراء مدى الجدية التي يتعامل بها المنظمون الأوروبيون مع هذه التطورات، وحرصهم على فهم كامل لطبيعة هذه الأصول والمخاطر المرتبطة بها قبل السماح بتداولها على نطاق واسع.
صرح متحدث باسم البنك المركزي لشبكة CNBC، مؤكدًا على المنهجية المتبعة في هذه القضية الحساسة:
“فقط بعد استلام وتقييم هذه المعلومات، سنكون قادرين على تقييم قانونية ومدى امتثال هذه الأدوات المحددة.”
هذا التصريح يؤكد أن البنك لن يتسرع في اتخاذ قرار بشأن الأوراق المالية المرمزة، بل سيعتمد على تحليل دقيق للمعلومات التي تقدمها Robinhood. من المتوقع أن تشمل هذه المعلومات تفاصيل حول البنية التقنية للأصول المرمزة، الآليات القانونية التي تدعمها، وكيفية حماية المستثمرين. يعتبر قرار بنك ليتوانيا حاسمًا، حيث يمكن أن يضع سابقة لكيفية تعامل المنظمين الآخرين في الاتحاد الأوروبي مع أدوات مماثلة في المستقبل.
مخاوف OpenAI: هل الأصول المرمزة تمثل ملكية حقيقية؟
تدور جذور الخلاف الحالي حول الإعلان الأخير لـ Robinhood عن خططها للتوسع في مجال الأوراق المالية المرمزة. يشمل ذلك خططًا لإصدار أكثر من 200 سهم أمريكي وصندوق استثمار متداول (ETF) في شكل رموز (Tokens) للمستثمرين في أوروبا. أعلنت Robinhood عن هذه الخطط، بالإضافة إلى إطلاق شبكة بلوك تشين جديدة من الطبقة الثانية (Layer-2 Blockchain)، في 30 يونيو، مؤكدة بذلك طموحاتها لتصبح لاعبًا رئيسيًا في قطاع التشفير سريع النمو.
ومع ذلك، فإن نقطة الخلاف الرئيسية تكمن في “رموز OpenAI” التي تخطط Robinhood لإصدارها. سرعان ما نأت شركة OpenAI بنفسها عن هذه الرموز، محذرة المستثمرين بوضوح من أن هذه الأصول الرقمية، التي تحمل اسم الشركة، لا توفر أي حصة أسهم فعلية أو حقوق ملكية مباشرة في OpenAI. هذا التباين بين ما تقدمه Robinhood وما تؤكده OpenAI هو ما أثار التدقيق التنظيمي، حيث يشير إلى احتمال وجود لبس أو سوء فهم لدى المستثمرين حول طبيعة هذه الأصول المرمزة.
يمكن أن يؤدي هذا اللبس إلى عدة مشكلات، منها:
- تضليل المستثمرين حول طبيعة استثمارهم.
- مخاطر قانونية تتعلق بتقديم أوراق مالية دون الامتثال الكامل للقوانين المنظمة لذلك.
- الإضرار بسمعة الشركات المعنية وسوق الأصول الرقمية بشكل عام.
تؤكد مخاوف OpenAI على الحاجة الماسة للشفافية والدقة في وصف الأصول الرقمية الجديدة. يجب على الشركات المصدرة لهذه الأصول أن توضح بوضوح ما يمثله الرمز الرقمي وما لا يمثله، خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق الملكية أو التعرض لشركات خاصة غير مدرجة في البورصات التقليدية.
سوق الرمزنة واللاعبون الرئيسيون
يأتي هذا التدقيق التنظيمي في وقت تشهد فيه المؤسسات المالية التقليدية والشركات الناشئة في مجال العملات المشفرة تسارعًا في جهودها للاستحواذ على حصة من سوق الرمزنة (Tokenization Market). تُقدر قيمة هذا السوق بأكثر من 24 مليار دولار اعتبارًا من 30 يونيو، ويُتوقع له نمو كبير في السنوات القادمة. الرمزنة هي عملية تحويل حقوق أصل معين (مثل العقارات، الأسهم، السندات، أو حتى الفن) إلى رمز رقمي على شبكة بلوك تشين، مما يسهل تداوله وإدارته.
حاليًا، يهيمن على قطاع الرمزنة فئتان رئيسيتان من الأصول:
- الائتمان الخاص المرمز (Tokenized Private Credit): يمثل جزءًا كبيرًا من القيمة الإجمالية للسوق.
- ديون الخزانة الأمريكية المرمزة (Tokenized U.S. Treasury Debt): أيضًا تشكل حصة مهيمنة، حيث تستخدمها الشركات لتحقيق عوائد على السيولة.
على النقيض من ذلك، لا تزال الأسهم المرمزة تمثل قطاعًا صغيرًا نسبيًا في السوق، بقيمة سوقية تبلغ حوالي 188 مليون دولار فقط حاليًا. ومع ذلك، يُنظر إليها على أنها فئة أصول ذات إمكانات نمو سريعة، نظرًا للطلب المحتمل على التعرض لأسهم الشركات الخاصة عالية القيمة والتي قد لا تكون متاحة بسهولة للمستثمرين الأفراد أو حتى بعض المستثمرين المؤسسيين.
لم تقتصر المشاركة في سوق الرمزنة على الشركات الناشئة، بل دخل لاعبون رئيسيون في عالم التمويل التقليدي هذا المجال بقوة. على سبيل المثال:
- BlackRock: أكبر مدير أصول في العالم، أطلقت صندوقًا لسوق المال المرمز.
- Franklin Templeton: شركة إدارة استثمارات عالمية، تستكشف أيضًا استخدام البلوك تشين لتسوية المعاملات، بما في ذلك الأموال النقدية المرمزة.
تؤكد مشاركة هؤلاء العمالقة على أن الرمزنة ليست مجرد موضة عابرة في عالم الكريبتو، بل هي توجه استراتيجي يهدف إلى تحسين كفاءة الأسواق المالية وتقليل التكاليف وزيادة الشفافية من خلال الاستفادة من طبيعة البلوك تشين اللامركزية والثابتة.
التحديات التنظيمية والقانونية المستمرة
على الرغم من التفاؤل المحيط بإمكانيات الرمزنة، لا تزال هناك حالة كبيرة من عدم اليقين القانوني والتنظيمي. أحد أكبر النقاشات الجارية بين المنظمين والمحامين هو ما إذا كانت أدوات الأسهم المرمزة تتطلب تسجيلًا كاملًا كأوراق مالية بموجب القوانين القائمة (مثل قوانين الأوراق المالية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)، أو ما إذا كانت هياكل مشتقات مالية (Derivatives) كافية لتلبية معايير الامتثال.
إذا تم تصنيف الأصول المرمزة على أنها أوراق مالية كاملة، فإن ذلك سيتطلب من المصدرين والمنصات التي تتداولها الالتزام بقواعد صارمة تتعلق بالإفصاح، التسجيل، وحماية المستثمرين، والتي قد تكون مكلفة ومعقدة. أما إذا تم التعامل معها كـ “مشتقات” توفر تعرضًا لأصل أساسي دون ملكيته المباشرة، فقد تكون المتطلبات التنظيمية أقل صرامة، مما يسهل عملية الإصدار والتداول. هذا هو على الأرجح ما تسعى إليه Robinhood من خلال تقديم “تعرض” لأسهم OpenAI وليس “ملكية” فعلية.
بالنسبة لـ Robinhood، فإن التحقيق التنظيمي الذي يجريه بنك ليتوانيا يمكن أن يضع سابقة هامة جدًا. إذا نجحت Robinhood في الحصول على موافقة منظمة ليتوانيا، فقد يمهد ذلك الطريق ل rollout عالمي لإطار عمل الرمزنة الخاص بها. وعلى العكس من ذلك، إذا واجهت اعتراضات كبيرة أو تم تصنيف منتجاتها بشكل يتطلب امتثالًا أشد صرامة، فقد تضطر إلى إعادة تقييم استراتيجيتها العالمية في مجال الأصول المرمزة.
قدمت Robinhood عرضًا تقديميًا في مؤتمر EthCC الأخير في بروكسل، والذي يُعد أحد أكبر مؤتمرات مجتمع الإيثيريوم والبلوك تشين في أوروبا. خلال هذا العرض، حددت الشركة خططها الطموحة لترميز مجموعة واسعة من الأدوات المالية، بما في ذلك الأسهم، السندات، وصناديق الاستثمار. ومع ذلك، فإن رد الفعل التنظيمي الذي تواجهه حاليًا يسلط الضوء على الخط الدقيق الفاصل بين الابتكار في سوق الأصول الرقمية سريع التطور وضرورة حماية المستثمرين.
الآثار المحتملة للمستثمرين والسوق
لهذا التدقيق التنظيمي تداعيات كبيرة على المستثمرين وسوق الأصول الرقمية ككل:
- حماية المستثمرين: الهدف الأساسي للمنظمين هو ضمان أن المستثمرين يفهمون المخاطر المرتبطة بالأصول المرمزة وأنهم لا يتم تضليلهم بشأن حقوقهم أو طبيعة استثماراتهم.
- وضوح السوق: سيوفر قرار بنك ليتوانيا، وأي قرارات تنظيمية لاحقة في الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، وضوحًا أكبر للشركات التي تسعى لدخول سوق الرمزنة. هذا الوضوح ضروري لنمو السوق بشكل مستدام.
- ابتكار مقابل تنظيم: يمثل الموقف الحالي صراعًا مستمرًا بين وتيرة الابتكار السريعة في قطاع التكنولوجيا المالية (FinTech) وحاجة المنظمين إلى اللحاق بالركب ووضع أطر عمل مناسبة.
- التنافسية العالمية: ستؤثر كيفية تعامل المناطق القضائية المختلفة (مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) مع الأوراق المالية المرمزة على التنافسية العالمية في هذا القطاع الناشئ.
في الختام، فإن تحقيق المنظمين الأوروبيين في خطط Robinhood لترميز الأوراق المالية، مدفوعًا بمخاوف OpenAI، هو مثال صارخ على التحديات التي تواجه دمج الأصول التقليدية مع تقنية البلوك تشين. في حين أن الرمزنة تحمل وعودًا كبيرة بزيادة السيولة والكفاءة، إلا أنها تتطلب أيضًا تدقيقًا دقيقًا لضمان الامتثال للقوانين الحالية وحماية المستثمرين في هذا المشهد المالي الجديد والمثير.
ستراقب الأوساط المالية والتقنية عن كثب تطورات هذا التحقيق، حيث يمكن أن تكون النتائج ذات تأثير كبير على مستقبل الأوراق المالية المرمزة وكيفية تنظيمها على مستوى العالم.
“`