ضربة مزدوجة: الولايات المتحدة تستهدف العمليات السيبرانية لكوريا الشمالية وتتهم مؤسسي OmegaPro في احتيال عالمي
في تطورات متزامنة تسلط الضوء على جهود الولايات المتحدة لمكافحة الأنشطة المالية غير المشروعة والاحتيال على مستوى العالم، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية ووزارة العدل عن إجراءين كبيرين. استهدفت وزارة الخزانة الأمريكية، من خلال مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، ممثلاً سيبرانياً كورياً شمالياً يساهم في تمويل برامج بيونغ يانغ النووية والصاروخية. وفي الوقت نفسه، وجهت وزارة العدل الأمريكية اتهامات لمؤسسي شركة OmegaPro، وهو مخطط استثمار عالمي في العملات المشفرة والفوركس، يُزعم أنه احتال على المستثمرين بمئات الملايين من الدولارات.
هذه الإجراءات تؤكد الطبيعة المتعددة الأوجه للتهديدات المالية التي تواجه الأنظمة المالية الدولية، سواء كانت مدفوعة بدوافع جيوسياسية لتمويل أنظمة مارقة أو بدافع الجشع من قبل مرتكبي عمليات الاحتيال واسعة النطاق. إن استهداف كل من الجهات الفاعلة المرتبطة بالدول والجماعات الإجرامية المنظمة يوضح التزام الولايات المتحدة بملاحقة جميع أشكال الأنشطة غير المشروعة التي تستفيد من النظام المالي العالمي، بما في ذلك استخدام التقنيات الجديدة مثل العملات المشفرة.
الخزانة الأمريكية تستهدف ممثلًا سيبرانيًا كوريًا شماليًا
يوم الخميس، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات ضد سونغ كوم هيوك (Song Kum Hyok)، وهو فاعل سيبراني من كوريا الشمالية مرتبط بمجموعة الاختراق “أندارييل” (Andariel)، التابعة لمكتب الاستطلاع العام (RGB)، وهي وكالة استخبارات عسكرية رئيسية في كوريا الشمالية. يُعرف مكتب الاستطلاع العام بضلوعه في مجموعة واسعة من الأنشطة الخبيثة، بما في ذلك العمليات السيبرانية لجمع المعلومات الاستخباراتية وتوليد الإيرادات للنظام الكوري الشمالي.
وفقًا لبيان وزارة الخزانة، سهّل سونغ مخططًا غير قانوني لعمال تكنولوجيا المعلومات يدر إيرادات كبيرة لنظام بيونغ يانغ. تعتمد كوريا الشمالية بشكل متزايد على الأنشطة السيبرانية والعمالة الخارجية غير المشروعة للتحايل على العقوبات الدولية وتمويل برامجها النووية والصاروخية المحظورة. يعتبر سونغ جزءًا أساسيًا من هذه الشبكة المعقدة التي تستغل النظام المالي والتكنولوجي العالمي.
تسهيل مخططات العمالة غير المشروعة
البيان الصحفي الرسمي لوزارة الخزانة الأمريكية يوضح أن سونغ أشرف على عمليات تم فيها تزويد مواطنين من كوريا الشمالية، يتمركزون غالبًا في الصين وروسيا، بهويات مزورة. ساعدتهم هذه الهويات المزيفة في الحصول على فرص عمل في شركات غير مدركة لوضعهم الحقيقي في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة. كان هؤلاء العمال ينتحلون شخصيات أجانب أو مواطنين أمريكيين باستخدام أسماء مسروقة وأرقام ضمان اجتماعي وعناوين للحصول على وظائف عن بعد. كانت هذه الوظائف تدر دخلاً يتم تقاسمه مع سونغ أو غيره من المشرفين ويتم تحويله في نهاية المطاف إلى كوريا الشمالية لدعم برامج أسلحتها الباليستية.
هذه الممارسة لا تمثل فقط انتهاكًا للعقوبات وتمويلًا لنظام خطير، بل تشكل أيضًا خطرًا أمنيًا كبيرًا على الشركات المستهدفة. ذكر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية أن بعض عمال تكنولوجيا المعلومات الكوريين الشماليين الذين تم توظيفهم بهذه الطريقة قاموا أيضًا بإدخال برامج ضارة في شبكات الشركات المستهدفة لغرض استغلالها بشكل أكبر. يمكن أن يشمل هذا الاستغلال سرقة البيانات، أو تعطيل العمليات، أو حتى استخدام الشبكات كنقطة انطلاق لهجمات سيبرانية أخرى. هذا يبرز التهديد المزدوج الذي تشكله هذه المخططات: تمويل النظام الكوري الشمالي وتعريض الأمن السيبراني العالمي للخطر.
توسيع العقوبات لتشمل ميسرين روس
بالإضافة إلى سونغ، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية أيضًا عقوبات على المواطن الروسي غايك أساتريان (Gayk Asatryan) وأربعة كيانات لتسهيلهم شبكة لتوفير عمال تكنولوجيا معلومات كوريين شماليين مقرها روسيا. يُزعم أن أساتريان، الذي يمتلك شركتي Asatryan LLC وFortuna LLC، وقع عقودًا مع كيانات كورية شمالية مثل شركة Korea Songkwang Trading General Corporation وشركة Korea Saenal Trading Corporation في عام 2024 لإرسال ما يصل إلى 80 عامل تكنولوجيا معلومات كوري شمالي إلى روسيا. هذا يشير إلى استمرار التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية في المجالات التي تساعد كوريا الشمالية على توليد العملة الأجنبية، على الرغم من العقوبات الدولية.
أضافت وزارة الخزانة أن كوريا الشمالية تحتفظ بآلاف من عمال تكنولوجيا المعلومات المهرة عالميًا، والذين يعملون تحت هويات مزيفة، ويستهدفون أصحاب العمل في البلدان الأكثر ثراءً. يستخدم هؤلاء العمال منصات العمل الحر ومنصات العملات المشفرة لكسب وغسل الأموال وإرسالها مرة أخرى إلى بيونغ يانغ. إن الطبيعة اللامركزية والسرية لبعض هذه المنصات تجعل من الصعب تتبع هذه التدفقات المالية، مما يتطلب جهودًا دولية منسقة لمكافحة هذه الأنشطة.
صرح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية أن هذه الإجراءات هي جزء من جهود أوسع لمكافحة توليد كوريا الشمالية للإيرادات من خلال التجسس السيبراني والعمالة غير المشروعة، والتي تدعم بشكل مباشر برامج أسلحتها المحظورة. إن استهداف الأفراد والكيانات التي تسهل هذه الأنشطة هو وسيلة لقطع مصادر التمويل الحيوية لنظام يعرض الأمن الإقليمي والدولي للخطر.
وزارة العدل تتخذ إجراءات ضد مخطط احتيال OmegaPro للعملات المشفرة
بينما تتصدى الولايات المتحدة للجرائم المرتبطة بالعملات المشفرة، اتخذت السلطات إجراءات ضد مؤسسي OmegaPro، مايكل شانون سيمز (Michael Shannon Sims) وخوان كارلوس رينوسو (Juan Carlos Reynoso). يُزعم أنهما احتالا على مستثمرين بأكثر من 650 مليون دولار أمريكي من خلال وعود كاذبة بتحقيق عوائد عالية في تداول العملات المشفرة والفوركس. يعتبر هذا المخطط مثالًا صارخًا على استغلال الاهتمام المتزايد بالعملات المشفرة والأسواق المالية للاحتيال على الأفراد على نطاق عالمي.
تزعم لائحة الاتهام أن سيمز (48 عامًا) ورينوسو (57 عامًا) ادعيا للمستثمرين أنهم سيحصلون على عوائد بنسبة 300% في غضون 16 شهرًا باستخدام “متداولين نخبة”. تم تضليل الضحايا، الذين غالبًا ما استخدموا العملات المشفرة للاستثمار، بشأن سلامة أموالهم وشرعية عمليات OmegaPro. عادة ما تعتمد مخططات بونزي والأهرامات على الوعود بعوائد غير واقعية لجذب مستثمرين جدد ودفع عوائد وهمية للمستثمرين الأقدم، مما يخلق وهمًا بالربحية قبل أن ينهار النظام بأكمله.
استهداف الضعفاء والترويج المضلل
صرحت وزارة العدل أن المتهمين استهدفوا أفرادًا ضعفاء على مستوى العالم، بما في ذلك في بورتوريكو، لإثراء أنفسهم. غالبًا ما يستهدف مرتكبو عمليات الاحتيال الأشخاص الذين يفتقرون إلى الخبرة المالية أو يبحثون عن طرق سريعة لتحقيق الثراء، مستغلين آمالهم وأحيانًا يأسهم المالي. لتضخيم جاذبية مخططهم، استضاف سيمز ورينوسو فعاليات ترويجية فاخرة واستعرضوا أنماط حياة مترفة على وسائل التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المستثمرين. تُستخدم هذه التكتيكات لخلق هالة من النجاح والشرعية حول المخطط، مما يجعل من الصعب على الضحايا تمييز طبيعته الاحتيالية.
يُزعم أن OmegaPro قامت بتوجيه أموال الضحايا من خلال محافظ عملات مشفرة يسيطر عليها “مطلعون” لإخفاء أرباح المخطط. استخدام العملات المشفرة في هذه الحالة لم يكن للشفافية أو الكفاءة، بل كوسيلة لإخفاء مسار الأموال وجعل التتبع من قبل السلطات أكثر صعوبة. في عام 2023، بعد ادعاء حدوث اختراق لشبكتها، نقلت OmegaPro حسابات الضحايا إلى منصة أخرى، لكن المستثمرين لم يتمكنوا من استعادة أموالهم. غالبًا ما يكون ادعاء الاختراق ذريعة تستخدمها المخططات الاحتيالية الكبيرة عندما تبدأ في الانهيار لتبرير عدم قدرة الضحايا على سحب أموالهم.
التهم والعقوبات المحتملة
يواجه كل من سيمز ورينوسو تهمتي التآمر لارتكاب احتيال إلكتروني وغسل الأموال. تحمل كل من هاتين التهمتين عقوبة قصوى تصل إلى 20 عامًا في السجن. إذا أُدينوا، فقد يقضون عقوبة كبيرة خلف القضبان، مما يرسل رسالة قوية إلى الآخرين الذين قد يفكرون في ارتكاب مخططات احتيال مماثلة باستخدام العملات المشفرة أو غيرها من الأدوات المالية. تُظهر هذه القضية التزام وزارة العدل الأمريكية بملاحقة المتورطين في عمليات الاحتيال واسعة النطاق، بغض النظر عن الأدوات التكنولوجية المستخدمة أو النطاق الجغرافي للمخطط.
خاتمة
إن هذه الإجراءات المتزامنة التي اتخذتها وزارتا الخزانة والعدل الأمريكيتين ضد ممثل سيبراني كوري شمالي ومؤسسي مخطط احتيال عالمي تُظهر الطبيعة المتطورة والمتنوعة للتهديدات التي تواجه الأمن المالي والاقتصادي العالمي. من جهة، يتم استخدام الأدوات السيبرانية والعمالة الخارجية لتمويل نظام يسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل، مما يتطلب يقظة مستمرة وتنسيقًا دوليًا لفرض العقوبات ومكافحة التهرب منها. ومن جهة أخرى، تستغل المخططات الاحتيالية الكبرى التكنولوجيات الجديدة مثل العملات المشفرة لخداع الآلاف أو الملايين من الأفراد حول العالم، مما يتطلب قدرات تحقيق وملاحقة متخصصة لحماية المستثمرين واستعادة الأصول حيثما أمكن.
تؤكد هذه القضايا على أهمية التعاون بين الوكالات الحكومية المختلفة في الولايات المتحدة، وكذلك التعاون الدولي، لمواجهة هذه التحديات العابرة للحدود. كما تسلط الضوء على ضرورة زيادة الوعي العام بالمخاطر المرتبطة بالاستثمارات ذات العوائد المرتفعة غير الواقعية والحذر من التعامل مع الكيانات التي تفتقر إلى التنظيم والشفافية. إن مكافحة هذه الأنشطة غير المشروعة أمر حيوي للحفاظ على سلامة النظام المالي العالمي وحماية الأفراد من الوقوع ضحية لعمليات الاحتيال.
إن العقوبات المفروضة على الممثل الكوري الشمالي والكيانات المرتبطة به هي خطوة مباشرة لعرقلة تدفق الأموال إلى بيونغ يانغ، بينما تهدف التهم الموجهة لمؤسسي OmegaPro إلى محاسبة المسؤولين عن الاحتيال على نطاق واسع واستعادة بعض الثقة في الأسواق المالية. هذه الإجراءات هي تذكير بأن السلطات تتكيف مع الأساليب الجديدة التي يستخدمها الأفراد والدول على حد سواء للانخراط في أنشطة غير مشروعة، وأنها ملتزمة بملاحقة هؤلاء الفاعلين لحماية الأمن القومي والمصالح الاقتصادية للمواطنين الأمريكيين والشركاء الدوليين.
يستمر المشهد المالي العالمي في التطور بسرعة، مع ظهور تقنيات جديدة وطرق احتيال مبتكرة. إن قدرة السلطات على مواكبة هذه التطورات واتخاذ إجراءات حاسمة أمر بالغ الأهمية. إن الدروس المستفادة من قضايا مثل هذه ستساعد في تشكيل الاستجابات المستقبلية للتهديدات السيبرانية التي ترعاها الدول وعمليات الاحتيال الكبرى التي تستغل التكنولوجيات الحديثة.
“`