إيثيريوم يحطم أرقام تدفقات الدخول، ويجذب 2.12 مليار دولار في أسبوع

في أسبوع تاريخي سُجل بأحرف من ذهب في دفاتر سوق الأصول الرقمية، برزت شبكة إيثيريوم (Ethereum) كقوة لا تُضاهى، محققة تدفقات استثمارية غير مسبوقة بلغت 2.12 مليار دولار أمريكي. لم تكن هذه الأرقام مجرد إنجاز عابر، بل تجاوزت الرقم القياسي السابق لإيثيريوم بضعفين تقريبًا، مما يُشير إلى تحول جذري في اهتمامات المستثمرين وثقتهم المتزايدة في هذه المنصة الرائدة. هذا الارتفاع الصاروخي لم يتوقف تأثيره عند إيثيريوم فحسب، بل أحدث صدىً واسعًا في عموم السوق، حيث دفع إجمالي تدفقات منتجات استثمار الأصول الرقمية إلى أعلى مستوى أسبوعي على الإطلاق، مسجلاً 4.39 مليار دولار أمريكي. هذا الرقم المهيب يتجاوز بوضوح الرقم القياسي السابق البالغ 4.27 مليار دولار، الذي سُجل في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأمريكية في ديسمبر 2024، مما يبرهن على زخم غير مسبوق يشهده قطاع العملات المشفرة.

إيثيريوم يقود موجة التدفقات القياسية للأصول الرقمية ويؤكد هيمنته

تقرير “Digital Asset Fund Flows Weekly Report” الأخير الصادر عن شركة CoinShares المتخصصة في تحليل تدفقات الأموال في الأصول الرقمية، يُسلّط الضوء على الأداء المذهل لإيثيريوم. تُظهر البيانات أن إيثيريوم لم تسجل فقط أعلى تدفقات أسبوعية على الإطلاق، بل تجاوزت هذه التدفقات السابقة بشكل كبير، لتؤكد مكانتها كواحدة من الأصول الرقمية الأكثر جذبًا لرأس المال المؤسسي والفردي على حد سواء. إن الوصول إلى 2.12 مليار دولار في أسبوع واحد ليس مجرد رقم، بل هو مؤشر على تزايد الإيمان بإمكانيات شبكة إيثيريوم كقاعدة للتمويل اللامركزي (DeFi)، والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، والعديد من الابتكارات البلوك تشين.

مسار نمو إيثيريوم كان ثابتًا ومستمرًا، حيث شهدت تدفقات إيجابية على مدار الثلاثة عشر أسبوعًا الماضية دون انقطاع، مما يعكس استقرارًا وثقة متزايدة. وقد أدت هذه التدفقات المتتالية إلى ارتفاع حصة إيثيريوم من إجمالي الأصول تحت الإدارة (AUM) بشكل ملحوظ، حيث باتت تشكل الآن 23% من هذا الإجمالي، مما يعكس تزايد أهميتها في محافظ المستثمرين. والأكثر إثارة للإعجاب هو أن إيثيريوم قد جذبت 6.2 مليار دولار من التدفقات الاستثمارية منذ بداية هذا العام، وهو رقم تجاوز بالفعل إجمالي التدفقات التي حققتها خلال عام 2024 بأكمله، مما يُبشّر بعام قياسي جديد لإيثيريوم.

على صعيد السوق الأوسع، لم يقتصر التأثير الإيجابي على إيثيريوم وحدها. فقد ارتفع إجمالي الأصول الخاضعة للإدارة في جميع منتجات استثمار الأصول الرقمية إلى مستوى قياسي جديد بلغ 220 مليار دولار أمريكي، مما يؤكد التوسع السريع والقبول المتزايد لفئة الأصول الرقمية بشكل عام. كما شهدت منتجات التداول المتداولة في البورصة (ETPs) نشاطًا تجاريًا غير مسبوق، حيث وصل حجم التداول الأسبوعي العالمي فيها إلى 39.2 مليار دولار، وهو رقم قياسي يعكس زيادة كبيرة في السيولة والتفاعل داخل هذا القطاع من السوق. هذه الأرقام مجتمعة تُرسم صورة لسوق رقمي يتوسع بسرعة ويجذب المزيد من الاهتمام والاستثمار.

العملات البديلة (Altcoins) تنضم إلى مسيرة صعود إيثيريوم وتنوع اهتمامات المستثمرين

بالرغم من التألق اللافت لإيثيريوم، لم تتخلف بيتكوين (Bitcoin) عن الركب تمامًا، حيث استقطبت تدفقات كبيرة بلغت 2.2 مليار دولار خلال الأسبوع. ورغم أن هذا الرقم يمثل انخفاضًا طفيفًا مقارنة بـ 2.7 مليار دولار التي جذبتها بيتكوين في الأسبوع السابق، إلا أنه يؤكد استمرار مكانتها كأصل رقمي أساسي وملاذ للمستثمرين. ولا تزال منتجات التداول المتداولة في البورصة (ETPs) الخاصة ببيتكوين تلعب دورًا محوريًا في تسهيل الوصول إلى هذا الأصل، حيث شكلت 55% من إجمالي نشاط التداول في البورصات، مما يعكس اعتماد المستثمرين عليها كأداة فعالة للمشاركة في سوق بيتكوين.

اللافت للنظر هو الأداء القوي الذي سجلته العملات البديلة (Altcoins)، مما يشير إلى تحول واضح في شهية المستثمرين نحو التنوع وتوسيع محافظهم الاستثمارية خارج نطاق بيتكوين وإيثيريوم. وقد شهدت العديد من هذه الأصول تدفقات إيجابية، مما يعكس اهتمامًا متزايدًا بمشاريع البلوك تشين المختلفة:

• سولانا (Solana): تصدرت قائمة العملات البديلة الأكثر جذبًا للتدفقات، مسجلة 39 مليون دولار. يعكس هذا الاهتمام المتزايد بالبلوك تشين الخاص بها، المعروفة بقدرتها على معالجة المعاملات بسرعة وبتكلفة منخفضة، مما يجعلها منصة جذابة للتطبيقات اللامركزية.
• ريبل (XRP): جذبت تدفقات بلغت 36 مليون دولار، مؤكدة قاعدة مستثمريها الوفية وإمكانياتها الواسعة في مجال المدفوعات عبر الحدود وتسهيل التحويلات المالية العالمية.
• سوي (Sui): كعملة بديلة ناشئة وواعدة، استقطبت 9.3 مليون دولار، مما يسلط الضوء على شهية المستثمرين لاستكشاف المشاريع الجديدة ذات الإمكانات الكبيرة في تقديم حلول مبتكرة لتقنيات الويب3.
• تشين لينك (Chainlink): سجلت هذه الشبكة الرائدة في مجال أوراكل البلوك تشين، التي تربط العقود الذكية بالبيانات الواقعية، تدفقات بقيمة 0.9 مليون دولار، مما يعكس أهمية البنية التحتية الأساسية التي توفرها للسوق.
• كاردانو (Cardano): جذبت 0.3 مليون دولار من التدفقات، وهي منصة بلوك تشين معروفة بمنهجها القائم على الأبحاث والتدقيق الأكاديمي، مما يجذب المستثمرين الباحثين عن الاستقرار والتطور المنهجي.

هذه التدفقات المتنوعة تؤكد أن المستثمرين أصبحوا أكثر انتقائية، ويسعون لفرص نمو في قطاعات محددة من سوق العملات البديلة، مما يدعم تنوع النظام البيئي للعملات المشفرة.

في المقابل، كانت منتجات الأصول المتعددة هي الفئة الوحيدة التي واجهت تدفقات خارجة، حيث سجلت 16.4 مليون دولار خلال الأسبوع الماضي. قد يُشير ذلك إلى أن المستثمرين أصبحوا أكثر انتقائية، ويفضلون التركيز على أصول فردية ذات أداء قوي ومسار نمو واضح بدلاً من المحافظ المتنوعة التي قد تكون أقل تركيزًا في فترات الزخم القوي لسوق العملات البديلة.

يُعد هذا الاتجاه نحو العملات البديلة مؤشرًا قويًا على نضوج سوق الأصول الرقمية وتنوعه. وقد أشارت شركة QCP Capital، إحدى الشركات الرائدة في تحليل أسواق العملات المشفرة، إلى أن هيمنة بيتكوين على السوق قد تراجعت من 64% إلى 60% خلال الأسبوع الماضي، وهو تحول كبير. في المقابل، ارتفعت حصة إيثيريوم السوقية بشكل ملحوظ من 9.7% إلى 11.6% في نفس الفترة. وإذا استمر هذا التغير في الديناميكيات، تتوقع QCP أن المرحلة التالية من “موسم العملات البديلة” قد تكون قد بدأت بالفعل. هذا يعني أن المستثمرين قد يوجهون رؤوس أموالهم بشكل متزايد نحو العملات البديلة بحثًا عن عوائد أعلى، مما قد يُعيد تشكيل مشهد السوق ويفتح آفاقًا جديدة للمشاريع الأصغر.

توزيع تدفقات العملات المشفرة حسب المناطق الجغرافية: محركات النمو ومواطن التراجع

كانت الولايات المتحدة الأمريكية المحرك الأبرز لهذه التدفقات الأسبوعية الهائلة، حيث استحوذت على حصة الأسد بـ 4.37 مليار دولار من إجمالي التدفقات. يعكس هذا الرقم الدور المحوري الذي تلعبه الولايات المتحدة كسوق رائدة للاستثمار في الأصول الرقمية، مدعومة ببنية تحتية قوية ومنظمات استثمارية نشطة واهتمام متزايد من المستثمرين المؤسسيين. هذا يرسخ مكانة أمريكا كمركز حيوي لنمو قطاع العملات المشفرة.

تلت الولايات المتحدة في جذب التدفقات كل من سويسرا، التي استقطبت 47.3 مليون دولار، مما يؤكد سمعتها كملاذ آمن للابتكار المالي والتكنولوجيا المالية. كما أظهرت أستراليا وهونج كونج اهتمامًا متزايدًا، حيث سجلتا تدفقات بلغت 17.3 مليون دولار و 14.1 مليون دولار على التوالي، مما يشير إلى تنامي اهتمام الأسواق الآسيوية والأوقيانوسية بالاستثمار في الأصول الرقمية. وفي أمريكا الشمالية، شهدت كندا تدفقات متواضعة بلغت 3 ملايين دولار، مما يعكس حضورًا أوسع للعملات المشفرة عبر مختلف الاقتصادات المتقدمة.

على النقيض، سجلت بعض المناطق تدفقات خارجة ملحوظة خلال الأسبوع الماضي، مما يستدعي فهم الأسباب الكامنة وراءها. تصدرت البرازيل قائمة الدول التي شهدت تدفقات خارجة، حيث وصلت إلى 28.1 مليون دولار. قد يكون هذا الانخفاض مرتبطًا بتقلبات اقتصادية داخلية أو تغييرات في معنويات المستثمرين المحليين. تلتها السويد بتدفقات خارجة بلغت 21 مليون دولار، وألمانيا بـ 15.5 مليون دولار. غالبًا ما تُعزى هذه التدفقات السلبية في أوروبا إلى بيئات تنظيمية أكثر صرامة، أو تحولات في سياسات البنوك المركزية، أو ببساطة إعادة تقييم المخاطر من قبل المستثمرين المحليين في ظل ديناميكيات السوق العالمية. هذه التباينات الإقليمية تُظهر أن سوق العملات المشفرة ليس كتلة واحدة، بل يتأثر بشدة بالعوامل المحلية والإقليمية.

الخلاصة والتوقعات المستقبلية: سوق في تحول دائم

يُعتبر الأسبوع الماضي بحق نقطة تحول محورية في مسيرة سوق الأصول الرقمية. لم تؤكد فيه إيثيريوم مكانتها كمركز للابتكار والتطور التكنولوجي فحسب، بل أشارت أيضًا إلى تحول ديناميكي محتمل في مشهد السوق بأكمله. إن الأرقام القياسية غير المسبوقة في التدفقات الاستثمارية، إلى جانب الارتفاع الكبير في إجمالي الأصول المدارة وحجم التداول في منتجات التداول المتداولة في البورصة، كلها مؤشرات قوية على أن سوق العملات المشفرة يتجه نحو مرحلة جديدة من النضج والقبول الواسع النطاق.

مع استمرار تدفق رؤوس الأموال نحو العملات البديلة وتراجع هيمنة بيتكوين النسبية، يبدو أن توقعات “موسم العملات البديلة” قد بدأت تتحقق بالفعل. هذا التحول لا يعني فقط فرصًا استثمارية جديدة ومُحتملة العوائد للمستثمرين الباحثين عن تنويع، بل يضع أيضًا تحديات جديدة أمام المشاريع التي تسعى لجذب الاهتمام والتمويل في سوق يزداد تنافسية وتنوعًا يومًا بعد يوم. ستظل مراقبة هذه التحولات في تفضيلات المستثمرين والتدفقات الإقليمية أمرًا حيويًا لفهم المسار المستقبلي لسوق الأصول الرقمية الذي لا يتوقف عن التطور والتكيف مع المستجدات العالمية.