العملات المشفرة تهيمن على تصنيفات صناديق الاستثمار المتداولة وتستحوذ على نصف المراكز العشرين الأولى ‘الجديدة’
في تطور لافت يؤكد على النفوذ المتزايد للعملات المشفرة في الأوساط المالية التقليدية، تشير التقارير الحديثة إلى هيمنة صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) المرتبطة بالبيتكوين والإيثيريوم على لوحة المتصدرين لصناديق الاستثمار المتداولة لعام 2025. فقد استحوذت هذه الصناديق على 10 من أصل أفضل 20 مركزًا، بل والأربعة الأوائل على مستوى التدفقات النقدية الإجمالية. يعكس هذا الأداء القوي جاذبية الأصول الرقمية للمستثمرين الذين يسعون للاستفادة من نمو سوق العملات المشفرة من خلال آليات استثمار منظمة وسهلة الوصول.
تأتي هذه السيطرة في ظل أداء قوي ومبشر لهذه المنتجات الاستثمارية خلال عام 2025 حتى الآن. فمنذ بداية عام 2024، شهد سوق صناديق الاستثمار المتداولة إطلاق أكثر من 1300 صندوق جديد، وهو ما يبرز التوسع السريع لهذا القطاع. وفي هذا المشهد المزدحم والمنافس بشدة، تمكنت صناديق الكريبتو المتداولة من نحت مكانة بارزة لنفسها، متجاوزة العديد من الفئات الأصولية التقليدية.
صناديق الاستثمار المتداولة للعملات المشفرة تتربع على عرش القادمين الجدد
لقد أصبحت صناديق الاستثمار المتداولة المتعلقة بالعملات المشفرة تمثل الآن 10 من أفضل 20 صندوقًا استثماريًا متداولًا في السوق بشكل عام، والتي تم إطلاقها منذ بداية عام 2024. هذا الإنجاز ليس مجرد إحصائية، بل هو مؤشر واضح على التحول الكبير في مشهد الاستثمار العالمي، حيث بدأت الأصول الرقمية تكتسب الشرعية والقبول على نطاق واسع.
وفقًا لما نشره مدير الثروات “نيت جيراسي” في منشور على منصة X بتاريخ 10 أغسطس، فقد تم إطلاق أكثر من 1300 صندوق استثمار متداول منذ بداية العام الماضي. وأضاف جيراسي أن 10 من أصل أفضل 20 صندوقًا من حيث إجمالي التدفقات النقدية هي صناديق مرتبطة بالعملات المشفرة، بما في ذلك المراكز الأربعة الأولى ككل. هذا التوزيع يؤكد على أن الطلب على التعرض للعملات المشفرة عبر قنوات منظمة لا يزال قويًا جدًا، وهو ما يدفع إلى مزيد من الابتكار والاستثمار في هذا المجال.
تتنوع هذه الصناديق الرائدة لتشمل أنواعًا مختلفة من التعرض للعملات المشفرة، مما يوفر للمستثمرين خيارات متعددة تتناسب مع استراتيجياتهم وأهدافهم الاستثمارية. ومن بين هذه الصناديق البارزة:
- خمسة صناديق بيتكوين فورية متداولة (Spot Bitcoin ETFs).
- صندوقان إيثيريوم فوريان متداولان (Spot Ethereum ETFs).
- عدد قليل من صناديق خيارات الدخل المركزة على MicroStrategy (MicroStrategy-focused option income ETFs)، والتي تستفيد من استراتيجية MicroStrategy في الاستثمار في البيتكوين.
- صندوق إيثيريوم واحد ذو رافعة مالية (Leveraged Ethereum ETF)، والذي يهدف إلى تحقيق عوائد مضاعفة لحركة سعر الإيثيريوم.
لوحة المتصدرين لصناديق الاستثمار المتداولة: نظرة معمقة
في طليعة هذه الصناديق المهيمنة يأتي صندوق iShares Bitcoin Trust ETF (IBIT) التابع لشركة BlackRock، والذي جمع تدفقات نقدية تزيد عن 57.4 مليار دولار، مما يجعله المتصدر بلا منازع. يليه في المرتبة الثانية صندوق FBTC التابع لشركة Fidelity، محققًا تدفقات بلغت 12.1 مليار دولار. ويحتل صندوق ETHA التابع لشركة BlackRock، والمختص بالإيثيريوم، المرتبة الثالثة بتدفقات قدرها 9.6 مليار دولار، مما يؤكد الاهتمام المتزايد بالإيثيريوم كأصل استثماري. ويأتي في المرتبة الرابعة صندوق YieldMax MSTR Option Income Strategy ETF (MSTY) بتدفقات بلغت 7.2 مليار دولار، مما يسلط الضوء على استراتيجيات الدخل المشتقة من العملات المشفرة.
لم تقتصر الهيمنة على المراكز الأربعة الأولى فحسب، بل امتدت لتشمل جزءًا كبيرًا من قائمة أفضل 20 صندوقًا. من بين الصناديق الأخرى التي برزت في هذه القائمة نجد:
- صندوق ARKB التابع لـ ARK 21S، والذي جذب 2.38 مليار دولار من التدفقات.
- صندوق BITB التابع لـ Bitwise، بتدفقات بلغت 2.32 مليار دولار.
- صندوق Fidelity Ethereum Fund ETF (FETH)، محققًا 2.23 مليار دولار.
- صندوق Grayscale Bitcoin Mini Trust ETF (BTC)، الذي جمع 1.66 مليار دولار.
- صندوق 2x Ether ETF (ETHU)، بتدفقات بلغت 1.64 مليار دولار.
- صندوق Defiance Daily Target 2x Long MicroStrategy ETF (MSTX)، الذي حقق 1.52 مليار دولار.
هذه الأرقام لا تعكس فقط حجم الاستثمار، بل تؤكد أيضًا على التنوع المتزايد في المنتجات المتاحة للمستثمرين المهتمين بالعملات المشفرة. علق محلل صناديق الاستثمار المتداولة في بلومبرج، إريك بالتشوناس، واصفًا لوحة المتصدرين بأنها “جامحة” (wild)، مشيرًا إلى أن دخول صناديق NEOS و YieldMax إلى المراكز العشرة الأولى كان “شبه صدمة” (semi-shock)، مما يبرز مدى المفاجأة في الأداء الاستثنائي لهذه الصناديق الجديدة في سوق تقليدي.
صناديق الاستثمار المتداولة تنتعش بقوة بعد تدفقات خارجة
على الرغم من التقلبات الأخيرة التي شهدتها أسواق العملات المشفرة، تواصل هذه المنتجات الاستثمارية تحقيق نمو إجمالي قوي. فقد شهدت صناديق الإيثيريوم الفورية المتداولة انتعاشًا كبيرًا الأسبوع الماضي، بعد أن شهدت تدفقات خارجة بقيمة 465 مليون دولار في 4 أغسطس. وسجل صندوق ETHA التابع لشركة BlackRock أكبر حركة سلبية، حيث خسر ما يقرب من 375 مليون دولار، تلاه صندوق FETH التابع لـ Fidelity عن كثب، بتدفقات خارجة بلغت 55.1 مليون دولار.
ومع ذلك، تظهر بيانات SoSoValue أن هذه الصناديق قد انتعشت منذ ذلك الحين، مسجلة 461.21 مليون دولار من صافي التدفقات النقدية الداخلة في 8 أغسطس وحده، مما رفع إجماليها التراكمي إلى 9.82 مليار دولار. وقد تصدر صندوق ETHA قائمة الصناديق الجاذبة للاستثمار، حيث جذب 254.73 مليون دولار، تلاه صندوق FETH بـ 132.35 مليون دولار، بينما جمع صندوق Grayscale ETHE 26.84 مليون دولار. هذا الانتعاش السريع يبرهن على مرونة سوق العملات المشفرة وقدرتها على استيعاب التقلبات الكبيرة.
من ناحية أخرى، واجهت صناديق البيتكوين الفورية المتداولة اضطرابات أكبر. فبعد أن شهدت سحب 812 مليون دولار في 1 أغسطس، وهو ما يمثل ثاني أكبر سحب ليوم واحد في تاريخها، استمرت التدفقات الخارجة في أوائل أغسطس، حيث شهد صندوق IBIT التابع لشركة BlackRock وحده سحبًا قدره 292 مليون دولار يوم الاثنين الماضي، بينما سجلت صناديق FBTC التابعة لـ Fidelity و ARKB التابعة لـ ARK Invest خسائر كبيرة أيضًا. هذه السحوبات كانت بمثابة اختبار حقيقي لمدى ثبات هذه الصناديق وقدرتها على الصمود في وجه ضغوط البيع.
على الرغم من هذه الحركة السلبية، تمكنت صناديق البيتكوين المتداولة من قلب الأمور بحلول نهاية ذلك الأسبوع، مسجلة 403.88 مليون دولار من صافي التدفقات النقدية الداخلة في 8 أغسطس، لتدفع إجماليها التراكمي إلى 54.43 مليار دولار. سيطر صندوق IBIT على هذا اليوم بتدفقات بلغت 359.98 مليون دولار، بينما أضاف صندوق FBTC 30.49 مليون دولار. هذه العودة القوية تؤكد على ثقة المستثمرين طويلة الأجل في البيتكوين ودوره كأصل رقمي رائد، وعلى جاذبية صناديق الاستثمار المتداولة كقناة للاستثمار فيه.
الآفاق المستقبلية لصناديق الكريبتو المتداولة
إن الأداء المذهل لصناديق الاستثمار المتداولة المرتبطة بالعملات المشفرة، وقدرتها على الهيمنة على تصنيفات “القادمين الجدد” في سوق صناديق الاستثمار المتداولة، يشير إلى مرحلة جديدة في دمج الأصول الرقمية ضمن المشهد المالي التقليدي. لم تعد العملات المشفرة مجرد ظاهرة تقنية أو استثمارية متخصصة، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من محافظ استثمارية متنوعة، مدعومة بمنتجات مالية منظمة وموثوقة.
تُظهر البيانات الأخيرة أن هذه الصناديق لا تجذب رؤوس أموال ضخمة فحسب، بل إنها تتمتع أيضًا بمرونة ملحوظة في مواجهة التقلبات السوقية. القدرة على الانتعاش بسرعة بعد فترات التدفقات الخارجة الكبيرة، كما رأينا مع صناديق الإيثيريوم والبيتكوين، تعزز الثقة في هذه المنتجات كأدوات استثمارية قابلة للاستمرار. هذا الانتعاش يؤكد أن الاهتمام بالعملات المشفرة ليس مجرد موجة عابرة، بل هو تحول هيكلي في كيفية تعامل المستثمرين مع الأصول الرقمية.
مع استمرار نمو الوعي والتنظيم حول العملات المشفرة، من المتوقع أن تزداد شعبية صناديق الاستثمار المتداولة للعملات المشفرة. إنها توفر طريقة آمنة ومنظمة للمستثمرين لدخول سوق العملات الرقمية دون الحاجة إلى القلق بشأن التعقيدات التقنية المتعلقة بالتخزين أو إدارة المفاتيح الخاصة. وهذا يجعلها نقطة دخول مثالية للمؤسسات والمستثمرين الأفراد على حد سواء. كل هذه العوامل تشير إلى مستقبل مشرق لصناديق الاستثمار المتداولة في العملات المشفرة، ودورها المتزايد في رسم ملامح المشهد الاستثماري العالمي.