إيثيريوم يقترب من أعلى مستوياته التاريخية مع ارتفاع رافعة العملات البديلة إلى 47 مليار دولار
في تطور لافت يثير حماس المستثمرين والمحللين على حد سواء، اقتربت عملة إيثيريوم (ETH) بقوة من أعلى مستوى لها على الإطلاق، حيث لم يتبق سوى 3.9% فقط لتحقيق هذا الإنجاز. يتزامن هذا الأداء المذهل مع قوة واسعة النطاق تشهدها العملات البديلة (Altcoins) في السوق، مما يعكس تجدداً في شهية المخاطرة ودخول رؤوس أموال جديدة إلى قطاع الأصول الرقمية.
وصلت الرافعة المالية (Leverage) عبر العملات المشفرة البديلة الرئيسية إلى مستوى قياسي بلغ 47 مليار دولار، وفقًا لبيانات Glassnode، وهي علامة واضحة على تزايد النشاط المضاربي والثقة المتنامية في آفاق السوق الصاعدة. هذا الرقم الضخم يشير إلى أن المتداولين يستخدمون المزيد من الأموال المقترضة لزيادة تعرضهم للعملات البديلة، على أمل تحقيق مكاسب أكبر من التقلبات السعرية.
صعود إيثيريوم: أرقام قياسية ونمو مطرد
في وقت كتابة هذا التقرير، تم تداول إيثيريوم عند سعر 4,738.94 دولارًا أمريكيًا، مسجلًا ارتفاعًا بنسبة 3.1% خلال الـ 24 ساعة الماضية. لا يفصل إيثيريوم سوى 2.7% فقط عن أعلى مستوى له على الإطلاق الذي سجله في نوفمبر 2021. هذا الارتفاع المتسارع لا يدل فقط على الاهتمام المتزايد بإيثيريوم كأصل رقمي، بل يؤكد أيضًا على مكانته المحورية في منظومة التمويل اللامركزي (DeFi) والويب 3.0.
تزامن هذا الارتفاع اللافت في سعر إيثيريوم مع مكاسب واسعة النطاق في سوق العملات البديلة ككل، مما يشير إلى تحول أوسع في مزاج السوق. فقد أظهرت عوائد السبعة أيام ارتفاعًا كبيرًا في العديد من العملات الرقمية الرئيسية الأخرى، مما يؤكد على أن زخم السوق لم يقتصر على إيثيريوم فقط. هذه الظاهرة، المعروفة بتدوير رؤوس الأموال، تشير إلى أن المستثمرين بدأوا في توزيع استثماراتهم خارج بيتكوين، بحثاً عن فرص نمو أعلى في العملات البديلة.
أداء لافت للعملات البديلة خلال سبعة أيام:
- إيثيريوم (ETH): ارتفاع بنسبة 25.5%
- دوجكوين (DOGE): ارتفاع بنسبة 25.5%
- ريبل (XRP): ارتفاع بنسبة 16.2%
- سولانا (SOL): ارتفاع بنسبة 13.6%
هذه الأرقام تعكس شهية قوية للمخاطرة بين المستثمرين، مدفوعة بتوقعات إيجابية للسوق بشكل عام.
محركات الزخم: عوامل اقتصادية ومؤسسية
أرجع جاغ كونر، رئيس قسم المشتقات في Bitfinex، الزخم القوي الذي تشهده إيثيريوم إلى عدة عوامل متضافرة خلقت بيئة مواتية للنمو. هذه العوامل لا تقتصر على ديناميكيات السوق الداخلية للعملات المشفرة، بل تمتد لتشمل مؤثرات اقتصادية كلية تلعب دورًا حاسمًا في توجيه تدفقات رأس المال نحو الأصول ذات المخاطر العالية.
من بين أبرز هذه العوامل هي “تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة (ETF) القوية” و”التراكم المؤسسي”. تشير تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة إلى اهتمام متزايد من المستثمرين التقليديين والمؤسسات الكبرى بالتعرض للعملات المشفرة عبر أدوات استثمارية منظمة. هذا النوع من الاستثمار يضفي شرعية وثقة أكبر على السوق، ويفتح الباب أمام رؤوس أموال ضخمة كانت مترددة سابقًا في الدخول مباشرة إلى بورصات العملات المشفرة.
بالإضافة إلى ذلك، يلعب “الخلفية الاقتصادية الكلية المواتية” دورًا كبيرًا. فبعد بيانات مؤشر أسعار المستهلك (CPI) الأكثر ليونة، والتي فاقت التوقعات، تعززت توقعات خفض أسعار الفائدة. عندما تنخفض أسعار الفائدة، يصبح الاحتفاظ بالنقد أقل جاذبية، ويسعى المستثمرون إلى أصول ذات عوائد أعلى، بما في ذلك الأصول المشفرة. هذا الجمع من العوامل دفع المتداولين للعودة إلى أصول المخاطرة، مع تجديد مراكز الشراء (Long Positioning) لكل من بيتكوين وإيثيريوم، مما يعكس نظرة صعودية واسعة النطاق في السوق.
نشاط الخيارات يشير إلى توقعات اختراق وشيكة
تعتبر سوق الخيارات مؤشرًا رئيسيًا لمشاعر المتداولين وتوقعاتهم بشأن حركة الأسعار المستقبلية. وفي هذا السياق، ارتفعت الفائدة المفتوحة على خيارات إيثيريوم (Options Open Interest) إلى أعلى مستوى لها منذ بداية العام، حيث بلغت ما يقرب من 16.1 مليار دولار، بالتزامن مع ارتفاع السعر الفوري. تشير هذه الزيادة الملحوظة في الفائدة المفتوحة إلى طلب قوي على الخيارات التي تتيح إمكانية تحقيق اختراق فوق المستويات السابقة.
تؤكد نشاطات أقساط الشراء (Call Premium Activity) على المراكز الصعودية التي يتخذها المتداولون. ففي 8 أغسطس، دفع المتداولون ما يقرب من 82 مليون دولار على أقساط الشراء، وتلاها 31.5 مليون دولار في 11 أغسطس. هذا التفوق المستمر لأقساط الشراء على أقساط البيع (Put Premium) هو مؤشر واضح على أن المتداولين يدفعون علاوات (Premiums) مقابل الحصول على إمكانية “التقعر التصاعدي” (Upside Convexity)، مما يعني أنهم يتوقعون مكاسب كبيرة مع اقتراب إيثيريوم من مستويات قياسية جديدة.
ما يثير الاهتمام بشكل خاص هو أن بيانات Glassnode تشير إلى انخفاض التقلبات الضمنية (Implied Volatility) على الرغم من تراكم الفائدة المفتوحة. عادةً ما تشير التقلبات الضمنية المنخفضة إلى أن الأسواق تتوقع تحركًا حادًا في المستقبل، بينما يتم التحوط من مخاطر الانكماش (Downside Risk) في نفس الوقت. علق كونر من Bitfinex على هذه الظاهرة، مشيرًا إلى أن التقلبات المضغوطة تعني أن أي صدمة اقتصادية كلية قد تؤدي إلى تقلبات سعرية كبيرة، مما يسلط الضوء على حساسية السوق للظروف الاقتصادية الأوسع.
القطاع البديل يظهر تفوقاً إحصائياً
لم يقتصر الزخم الصعودي على إيثيريوم فحسب، بل امتد ليشمل قطاع العملات البديلة بأكمله، والذي أظهر تفوقًا إحصائيًا ملحوظًا. فقد تجاوزت عوائد السبعة أيام المرجحة بالقيمة السوقية عبر أفضل العملات البديلة النطاق القياسي الانحرافي ثلاث مرات منذ أبريل الماضي. يشير هذا التجاوز إلى فترات أداء متفوقة ذات دلالة إحصائية، مما يعني أن هذه المكاسب ليست مجرد تقلبات عشوائية، بل تعكس اتجاهًا قويًا وواضحًا.
تبرز ضخامة وتكرار هذه الظاهرة التحول المستمر لرأس المال من بيتكوين إلى قطاع العملات البديلة. هذا التحول يدل على أن المستثمرين يبحثون عن فرص نمو أعلى خارج الأصول الأكثر رسوخًا، مما يغذي دورة من تدوير رأس المال داخل السوق المشفرة. يُنظر إلى هذه الديناميكية عادةً على أنها علامة على سوق صاعدة ناضجة، حيث تنتشر الثقة والمخاطرة عبر مختلف الأصول.
ومع ذلك، فإن تراكم الرافعة المالية، الذي وصل إلى مستويات قياسية كما ذكرت بيانات Glassnode، يخلق ظروفًا يمكن أن تؤدي فيها تحركات الأسعار إلى تأثيرات متتالية عبر أصول متعددة. هذا يعني أن حركة سعرية كبيرة في أحد الأصول قد تتسبب في تصفية مراكز كبيرة أخرى، مما يؤدي إلى تقلبات سريعة وحادة في السوق. تسلط Glassnode الضوء على أن القوة الواسعة النطاق للعملات البديلة تعكس “عرضًا مضاربيًا مكثفًا وشهية على مستوى السوق لتعرضات بيتا أعلى (Higher Beta Exposures) مع بناء الزخم خارج بيتكوين.” تشير “تعرضات بيتا أعلى” إلى الأصول التي تميل إلى التقلب بشكل أكبر من السوق ككل، مما يعني أنها توفر إمكانية تحقيق مكاسب أعلى ولكن أيضًا مخاطر أكبر.
خلاصة وتوقعات مستقبلية
إن اقتراب إيثيريوم من أعلى مستوياته التاريخية، بالتزامن مع الارتفاع القياسي في الرافعة المالية لقطاع العملات البديلة، يرسم صورة لسوق عملات مشفرة نابض بالحياة ومليء بالزخم. مدفوعًا بتدفقات مؤسسية قوية، وتوقعات اقتصادية مواتية، ونشاط خيارات يعكس تفاؤلاً، يبدو إيثيريوم ورفاقه من العملات البديلة في وضع قوي للاستمرار في مسار النمو.
ومع ذلك، يجب على المستثمرين توخي الحذر، حيث أن الرافعة المالية المتزايدة، بينما تعزز المكاسب، تزيد أيضًا من المخاطر الكامنة في السوق. إن التقلبات الضمنية المنخفضة على الرغم من الفائدة المفتوحة المرتفعة تشير إلى أن السوق قد يكون على وشك تحركات كبيرة، مما يتطلب يقظة وتخطيطًا استراتيجيًا. في ظل هذه الديناميكيات، تظل المراقبة الدقيقة لبيانات السوق ومؤشراته الاقتصادية أمرًا بالغ الأهمية للمستثمرين في هذا الفضاء المتطور باستمرار.