موسم العملات البديلة: حجم عقود الإيثيريوم الآجلة الدائمة يسجل رقماً قياسياً جديداً مقابل البيتكوين
تشير البيانات الحديثة إلى أن هيمنة حجم عقود الإيثيريوم الآجلة الدائمة (Perpetual Futures Volume Dominance) قد وصلت إلى مستوى قياسي جديد بالنسبة للبيتكوين، وهي إشارة واضحة على تزايد الاهتمام بالمضاربة في العملات البديلة (Altcoins). هذا التطور الهام قد يكون مؤشراً على دخول سوق العملات الرقمية مرحلة “موسم العملات البديلة” المنتظرة، حيث تتحول أنظار المستثمرين ورؤوس أموالهم نحو الأصول الرقمية الأخرى بخلاف البيتكوين. إن فهم ديناميكيات هذا التغيير أمر بالغ الأهمية لأي مستثمر في هذا السوق سريع التطور.
هيمنة حجم عقود الإيثيريوم الآجلة الدائمة تصل إلى 67%
وفقاً للبيانات الصادرة عن شركة التحليلات على السلسلة “Glassnode”، شهد حجم عقود الإيثيريوم الآجلة الدائمة ارتفاعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة. تُظهر الرسوم البيانية التي استشهدت بها Glassnode بوضوح هذا الاتجاه المتصاعد في توزيع هيمنة حجم العقود الآجلة الدائمة بين الإيثيريوم والبيتكوين.
قبل فترة، تجاوز الإيثيريوم البيتكوين في حجم العقود الآجلة الدائمة، مما يشير إلى تحول واضح في اهتمام المضاربين من عملة البيتكوين (BTC) إلى الإيثيريوم (ETH). ومنذ ذلك الحين، استمر هذا التباعد في الازدياد، مما يعني أن اهتمام المتداولين بالعملة الرقمية المصنفة الثانية من حيث القيمة السوقية في تزايد مستمر. ومع استمرار هذا الارتفاع الأخير، وصلت هيمنة حجم عقود الإيثيريوم الآجلة الدائمة إلى مستوى 67%، وهو رقم قياسي جديد على الإطلاق (ATH).
تُعد العقود الآجلة الدائمة أداة مالية تسمح للمتداولين بالمضاربة على سعر الأصول دون تاريخ انتهاء صلاحية، مما يجعلها شائعة جداً في سوق العملات المشفرة نظراً لمرونتها وقدرتها على توفير رافعة مالية. إن الارتفاع في حجم هذه العقود للإيثيريوم، وتجاوزه للبيتكوين، يعكس ثقة أكبر من المتداولين في إمكانيات الإيثيريوم على المدى القصير والمتوسط، وربما رغبة في تحقيق مكاسب أكبر من التقلبات المتوقعة في سعرها.
ماذا تعني هيمنة الإيثيريوم لحركة السوق؟
تشرح شركة التحليلات Glassnode أن الإيثيريوم لطالما اعتُبر على مر السنين بمثابة “مؤشر رئيسي” أو “Bellwether asset” في سوق الأصول الرقمية. فترات تفوق أدائها عادة ما تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمرحلة “موسم العملات البديلة” الأوسع في هذا السوق. على هذا النحو، فإن هذا التحول الواضح في نشاط التداول يمكن أن يكون إشارة إلى تزايد التركيز على قطاع العملات البديلة بين المستثمرين.
لا يقتصر الأمر على ذلك، بل تشير Glassnode أيضاً إلى أن هذا الاتجاه قد يشير إلى “تسارع في شهية المخاطرة ضمن دورة السوق الحالية”. عندما تزداد شهية المخاطرة، يميل المستثمرون إلى البحث عن أصول ذات إمكانات نمو أعلى، حتى لو كانت مصحوبة بمخاطر أكبر، بدلاً من الأصول الأكثر استقراراً مثل البيتكوين. هذا التحول من “ملاذ آمن” نسبي (البيتكوين) إلى أصول أكثر تقلباً (الإيثيريوم والعملات البديلة الأخرى) هو سمة مميزة لموسم العملات البديلة.
غالباً ما يتميز موسم العملات البديلة بالميزات التالية:
- تحول السيولة: تبدأ السيولة بالتدفق من البيتكوين إلى الإيثيريوم ثم إلى العملات البديلة الأصغر حجماً.
- ارتفاع الأسعار بشكل جماعي: تشهد معظم العملات البديلة ارتفاعات سعرية ملحوظة، تفوق في كثير من الأحيان ارتفاعات البيتكوين.
- تزايد الاهتمام: يزداد الاهتمام العام والمضاربة في سوق العملات البديلة بشكل كبير.
- المخاطر المتزايدة: مع الفرص تأتي المخاطر الأكبر، حيث تكون العملات البديلة أكثر تقلباً وعرضة للتصحيحات الحادة.
تزايد هيمنة الإيثيريوم في مؤشر العقود المفتوحة (Open Interest)
لم يقتصر نمو هيمنة الإيثيريوم على حجم التداول فحسب، بل امتد ليشمل مؤشراً آخر مهماً في سوق العقود الآجلة الدائمة: وهو مؤشر العقود المفتوحة (Open Interest). يقيس هذا المؤشر إجمالي عدد العقود المتعلقة بأصل معين التي لا تزال مفتوحة في جميع بورصات المشتقات المالية المركزية. بعبارة أخرى، يمثل هذا المؤشر عدد العقود التي لم يتم تسويتها أو إغلاقها بعد، مما يعطي فكرة عن إجمالي حجم رأس المال الملتزم بصفقات الإيثيريوم المستقبلية.
الرسم البياني الذي يوضح كيفية تغير هيمنة الإيثيريوم لهذا المؤشر بالنسبة للبيتكوين على مدى السنوات القليلة الماضية يكشف عن اتجاه واضح. كما هو ظاهر، ارتفعت هيمنة العقود المفتوحة لعقود الإيثيريوم الآجلة الدائمة لتصل إلى 43.3% مؤخراً. على الرغم من أن البيتكوين لا يزال مهيمناً بنسبة 56.7% في هذا المؤشر، إلا أن الفارق بين العملتين أصبح أقرب بكثير مما كان عليه في وقت سابق من هذا العام. هذا التقلص في الفارق يعد إشارة قوية على أن المستثمرين يزدادون ثقة في الإيثيريوم كقوة سوقية مستقلة وكقائد محتمل لموجة صعود قادمة في العملات البديلة.
إن ارتفاع العقود المفتوحة للإيثيريوم يشير إلى دخول رؤوس أموال جديدة إلى السوق، أو إلى قيام المتداولين الحاليين بزيادة مراكزهم. هذا يعكس اهتماماً متزايداً ليس فقط في المضاربة اللحظية (كما يشير حجم التداول)، ولكن أيضاً في الالتزامات طويلة الأجل (كما تشير العقود المفتوحة). هذا التراكم في العقود المفتوحة يمكن أن يؤدي إلى تحركات سعرية كبيرة بمجرد أن تبدأ هذه العقود في التسوية أو الإغلاق.
ديناميكيات سوق العملات البديلة الأوسع: قمم جديدة وتقلبات حادة
على صعيد قطاع العقود الآجلة ككل، سجل إجمالي العقود المفتوحة مجمّعاً عبر العملات البديلة الرئيسية (الإيثيريوم، سولانا، XRP، ودوجكوين) رقماً قياسياً جديداً بلغ 60.2 مليار دولار مؤخراً. هذا الرقم الفلكي يؤكد الحجم الهائل لرأس المال المتداول والمضارب به في سوق العملات البديلة، ويعكس مستوى غير مسبوق من الاهتمام والاستثمار في هذا القطاع.
ومع ذلك، لم يدم هذا المستوى المرتفع طويلاً، حيث شهد المؤشر انخفاضاً حاداً قدره 2.6 مليار دولار بعد فترة وجيزة. يُعد هذا الانخفاض في العقود المفتوحة للعملات البديلة الرئيسية هو العاشر الأكبر على الإطلاق في السجلات التاريخية. هذا التقلب السريع يسلط الضوء على الطبيعة المتغيرة والمتقلبة لسوق العملات البديلة.
تشير Glassnode في تقريرها إلى أن “هذه التقلبات السريعة تؤكد أن العملات البديلة تجذب حالياً قدراً كبيراً من اهتمام المستثمرين، وقد ساهمت بشكل كبير في زيادة الانعكاسية (Reflexivity) والهشاشة (Fragility) عبر أسواق الأصول الرقمية”.
تُعد الانعكاسية (Reflexivity) ظاهرة تتفاعل فيها توقعات المشاركين في السوق مع واقع السوق ذاته، مما يؤدي إلى تعزيز الاتجاهات القائمة. فمثلاً، إذا توقع المستثمرون ارتفاع الأسعار، فإنهم يشترون، مما يؤدي بالفعل إلى ارتفاع الأسعار وتأكيد توقعاتهم، وهكذا دواليك. أما الهشاشة (Fragility) فتعني أن السوق أصبح أكثر عرضة للصدمات والانهيارات السريعة، حيث يمكن أن تؤدي الأحداث الصغيرة إلى ردود فعل متسلسلة وتصحيحات حادة. هذا يعني أن سوق العملات البديلة، على الرغم من الفرص الكبيرة، يحمل مخاطر متزايدة تتطلب حذراً شديداً من المستثمرين.
تداعيات الهشاشة والانعكاسية
تزايد الانعكاسية في سوق العملات البديلة يعني أن اتجاهات السوق يمكن أن تتعزز بسرعة، مما يؤدي إلى ارتفاعات صاروخية أو انهيارات حادة في غضون فترات قصيرة. هذا يقدم فرصاً هائلة للمتداولين النشطين، ولكنه يزيد أيضاً من المخاطر للمستثمرين الأقل خبرة.
من ناحية أخرى، تشير الهشاشة إلى أن السوق قد لا يتمتع بالعمق الكافي لاستيعاب عمليات بيع كبيرة دون التأثير بشكل كبير على الأسعار. هذا قد يؤدي إلى “عمليات تصفية متتالية” حيث يؤدي انخفاض طفيف في السعر إلى تفعيل أوامر إغلاق المراكز (Stop-Losses) أو تصفية المراكز ذات الرافعة المالية، مما يضغط على الأسعار أكثر ويثير المزيد من عمليات البيع.
على المستثمرين أن يكونوا على دراية بأن فترة “موسم العملات البديلة” قد تكون مجزية جداً، ولكنها تتطلب استراتيجية حكيمة لإدارة المخاطر. يشمل ذلك:
- تنويع المحفظة: عدم وضع كل البيض في سلة واحدة.
- تحديد مستويات وقف الخسارة: لحماية رأس المال من التقلبات الحادة.
- البحث الجيد: فهم أساسيات العملات البديلة التي يتم الاستثمار فيها.
- عدم الانجراف وراء العواطف: القرارات العقلانية هي المفتاح في سوق متقلب.
سعر الإيثيريوم (ETH) الحالي
في وقت كتابة هذا التقرير، يتداول الإيثيريوم حول مستوى 4,200 دولار، مسجلاً انخفاضاً بنحو 7% خلال الأيام السبعة الماضية. هذا التراجع الأخير يذكرنا بأن حتى في خضم مؤشرات “موسم العملات البديلة” وارتفاع شهية المخاطرة، فإن أسواق العملات الرقمية تظل متقلبة بطبيعتها. يجب على المستثمرين دائماً إجراء أبحاثهم الخاصة واتخاذ قرارات مستنيرة.
إن تسجيل الإيثيريوم لأرقام قياسية جديدة في هيمنة حجم عقودها الآجلة الدائمة، وارتفاع العقود المفتوحة، يقدم دلائل قوية على تحول محتمل في اهتمام السوق نحو العملات البديلة. ومع ذلك، فإن التقلبات الحادة التي شهدها إجمالي العقود المفتوحة للعملات البديلة تذكرنا بالمخاطر الكامنة في هذه السوق. يبقى السؤال، هل نحن على أعتاب موسم عملات بديلة حقيقي ومستدام، أم أن هذه الإشارات مجرد ومضات من اهتمام المضاربين؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة، لكن البيانات الحالية تشير بقوة إلى أن الإيثيريوم يقود الطريق.