أفيل (Avail) تسعى لإحداث ثورة في البلوك تشين بطبقة توحيد عالمية
لقد شهدت سلاسل الكتل نموًا هائلاً وتوسعًا في السنوات الأخيرة، لكن هذا التوسع صاحبه تشرذم وتشتت ملحوظ. أصبحت السيولة مجزأة عبر الطبقات الثانية (L2s) المتعددة، واستمرت الجسور التي تربط هذه الطبقات في مواجهة مشكلات أمنية وفنية متكررة، وتحول مفهوم “توفر البيانات” (Data Availability – DA) إلى أحد أكبر التحديات وعنق الزجاجة الذي يحد من قدرة المنظومة بأكملها على التوسع الفعال. في ظل هذه التحديات، يبرز مشروع أفيل (Avail) كحل طموح يهدف إلى معالجة هذه المشكلات الثلاث دفعة واحدة، مقدمًا رؤية جديدة لمستقبل سلس ومترابط لسلاسل الكتل.
تأسست أفيل بهدف أساسي يتمثل في توفير خدمة توفر بيانات قابلة للتحقق وقابلة للتطوير. ومع ذلك، تطور المشروع ليضع نفسه اليوم كطبقة توحيد متكاملة، تقدم حلولًا شاملة تتجاوز مجرد توفر البيانات. تتكون هذه الطبقة الموحدة من ثلاثة مكونات رئيسية: قاعدة توفر البيانات (DA base) التي تضمن وصول البيانات وسلامتها، وNexus الذي يتيح التشغيل البيني المستند إلى الإثبات بين مختلف سلاسل الكتل، وأخيرًا Fusion، وهي آلية أمان مشتركة قادرة على إعادة رهن الأصول الكبيرة مثل الإيثيريوم (ETH) والبيتكوين (BTC) وحتى رموز الرول أب (rollup tokens) لتعزيز أمان المنظومة بأكملها.
الفلسفة وراء أفيل بسيطة ولكنها طموحة للغاية: يجب أن يتمكن المطورون من بناء تطبيقاتهم مرة واحدة ونشرها وتوسيعها في أي مكان على شبكة سلاسل الكتل، بينما يجب ألا يضطر المستخدمون للتفكير في السلسلة التي يتفاعلون معها على الإطلاق. تهدف أفيل إلى إزالة الحواجز التعقيدية وتوفير تجربة سلسة للمطورين والمستخدمين على حد سواء، مما يمهد الطريق لجيل جديد من التطبيقات اللامركزية (dApps) القابلة للتوسع بشكل لا محدود.
من الفكرة إلى الواقع: اختبارات أفيل في العالم الحقيقي
في مقابلة أجرتها CryptoSlate مع أنوراج أرجون، المؤسس المشارك لأفيل، تم الكشف عن تفاصيل حول كيفية تحويل هذه الفلسفة الطموحة من مجرد خارطة طريق إلى حقيقة ملموسة. بدأ النقاش بتسليط الضوء على اختبار إجهاد حقيقي واجهه المشروع: عملية بيع عقد سوفون (Sophon) التي جمعت 60 مليون دولار. لقد أثبت هذا الحدث قدرة عميل أفيل الخفيف (light client) على العمل بكفاءة على نطاق إنتاجي واسع، مما يشير إلى ظهور بدائيات جديدة لجمع التبرعات القابلة للتحقق للسلاسل المخصصة للتطبيقات (app-specific chains).
كانت هذه التجربة محورية ليس فقط لإثبات المتانة التقنية لأفيل، بل أيضًا لتوضيح إمكانياتها في تمكين نماذج مالية مبتكرة. فبدلًا من الاعتماد على الأساليب التقليدية التي قد تكون عرضة للتحكم المركزي أو تتطلب ثقة في جهات خارجية، تقدم أفيل بنية تحتية تمكن من جمع التبرعات بشفافية وكفاءة وأمان لا مثيل له، حيث يمكن للمشاركين التحقق بشكل مباشر من صحة البيانات والمعاملات.
EnigmaDA: توفر البيانات المشفرة للخصوصية المؤسسية
إحدى الركائز الأساسية التي تعمل عليها أفيل هي EnigmaDA – وهي آلية توفر بيانات مشفرة مصممة خصيصًا لتلبية متطلبات الخصوصية الصارمة للمؤسسات، دون الحاجة إلى إعادة إدخال وسطاء موثوق بهم. يمثل هذا الابتكار خطوة عملاقة نحو دمج القطاع المالي التقليدي (TradFi) مع تقنية البلوك تشين، مع مراعاة الحاجة الماسة للحفاظ على سرية البيانات الحساسة.
يطرح دمج التشفير وإدارة المفاتيح وقابلية التدقيق على السلسلة تحديات معقدة، خاصة عند التعامل مع البنوك والمشاريع التجريبية في التمويل التقليدي. تحتاج هذه المؤسسات إلى ضمان أن البيانات مشفرة وآمنة تمامًا، ولكن في نفس الوقت، يجب أن تكون قابلة للتدقيق من قبل الجهات التنظيمية عند الضرورة. تعمل EnigmaDA على تحقيق هذا التوازن الدقيق، موفرة بيئة تمكن من التعامل مع البيانات السرية على البلوك تشين بطريقة تحافظ على خصوصيتها وفي نفس الوقت تسمح بالتحقق والتدقيق عند الحاجة، كل ذلك دون المساس باللامركزية أو إدخال نقاط ضعف مركزية.
الركيزة الثانية: التشغيل البيني السلس عبر Nexus
تُعد قابلية التشغيل البيني (Interoperability) الركيزة الأخرى التي تقوم عليها رؤية أفيل. فبدلًا من تقديم جسر آخر يتنافس مع الحلول الحالية، يعد Nexus بـ “حزمة تطوير برمجيات (SDK) واحدة، تسع سلاسل، بدون تبديل الشبكة”. يهدف هذا المكون إلى توجيه تدفقات السيولة عبر العملات المستقرة متعددة السلاسل وسيولة التمويل اللامركزي (DeFi) المتناثرة، مع تقليل مخاطر إعادة التشغيل (replay risks) ومخاطر النصاب القانوني (quorum risks) باستخدام بيئات التنفيذ الموثوقة (TEE) والتحقق من المعرفة الصفرية (ZK verification).
تخيل عالمًا حيث يمكن للمستخدمين التفاعل مع أي تطبيق أو أصل على أي سلسلة كتل دون الحاجة إلى معرفة السلسلة التي يتعاملون معها أو القلق بشأن تعقيدات الجسور المختلفة. هذا هو الوعد الذي يقدمه Nexus. من خلال SDK واحد، يمكن للمطورين إنشاء تطبيقاتهم مرة واحدة لتتفاعل بسلاسة مع تسع سلاسل بلوك تشين مختلفة (أو أكثر في المستقبل)، مما يفتح آفاقًا جديدة للابتكار ويسهل تجربة المستخدم بشكل جذري. تعمل تقنيات مثل TEE و ZK على تعزيز الأمان وتوفير ضمانات قوية ضد الثغرات التي غالبًا ما ابتليت بها الجسور التقليدية.
العميل الخفيف لأفيل: عقدة كاملة في جيبك
على جانب المستخدم، يستهدف العميل الخفيف (light client) من أفيل نطاقًا تردديًا أقل من 1 ميجابايت/ثانية، ويمكن تشغيله على الهواتف والمتصفحات عبر أخذ عينات توفر البيانات (data-availability sampling) وإثباتات الصلاحية (validity proofs). هذا التطور يدفع بمفهوم “عقدة كاملة في جيبك” نحو الأسواق الناشئة، حيث تكون موارد الأجهزة والاتصال بالإنترنت محدودة في كثير من الأحيان.
إن إتاحة تشغيل عميل خفيف يتيح للمستخدمين التحقق من صحة المعاملات والبيانات دون الحاجة إلى تنزيل السلسلة بأكملها، مما يقلل بشكل كبير من المتطلبات التقنية ويزيد من إمكانية الوصول. هذا يعني أن الملايين من الأشخاص في جميع أنحاء العالم، الذين قد لا يمتلكون أجهزة حاسوب قوية أو اتصال إنترنت عالي السرعة، سيتمكنون من المشاركة بشكل كامل وآمن في منظومة البلوك تشين، مما يعزز الشمول المالي واللامركزية الحقيقية.
موازنة السرعة واللامركزية: TurboDA والكتل اللانهائية
خلال المقابلة، تم استكشاف المفاضلات بين السرعة واللامركزية، خاصة فيما يتعلق بـ TurboDA التي تقدم تأكيدات مسبقة (pre-confirmations) خلال 250 ميلي ثانية. كما تطرق الحديث إلى هدف الفريق البحثي الطموح المتمثل في “الكتل اللانهائية” (infinity blocks) بإنتاج كتل بحجم 10 جيجابايت في حوالي 600 ميلي ثانية. هذه الأهداف تبرز التزام أفيل بدفع حدود الأداء مع الحفاظ على المبادئ الأساسية للامركزية.
إن تحقيق سرعات عالية في معالجة المعاملات أمر بالغ الأهمية لتمكين التطبيقات على نطاق الإنترنت. ومع ذلك، غالبًا ما تأتي هذه السرعة على حساب اللامركزية أو الأمان. تعمل أفيل على إيجاد حلول مبتكرة لموازنة هذه العوامل، باستخدام تقنيات متقدمة لضمان أن الشبكة لا تزال موزعة وآمنة حتى مع زيادة معدل الإنتاجية بشكل كبير. القدرة على معالجة كتل ضخمة بهذه السرعة يمكن أن تفتح الباب أمام حالات استخدام جديدة لم تكن ممكنة من قبل على سلاسل الكتل التقليدية.
نمو مجموعة المدققين والنشر الرائد
لم يغفل النقاش عن مسار نمو مجموعة المدققين (validator set) من 105 مدققين ومعامل ناكاموتو (Nakamoto coefficient) يبلغ 34، مما يشير إلى مستوى صحي من اللامركزية والأمان. كما تم استعراض ما تتعلمه أفيل من عمليات النشر الرائدة مثل سلسلة Lens (650 ألف ملف شخصي) وسوفون، وهما مثالان يوضحان الاستخدامات العملية وقدرة أفيل على دعم تطبيقات كبيرة ومعقدة.
تُعد قوة شبكة المدققين وتنوعها أمرًا حيويًا لأي بلوك تشين لامركزية. يشير معامل ناكاموتو المرتفع إلى أنه لا يوجد عدد قليل من الجهات التي يمكنها السيطرة على الشبكة، مما يعزز مقاومتها للرقابة والعدالة. توفر عمليات النشر الناجحة مثل Lens Chain، التي تستضيف قاعدة مستخدمين كبيرة، دروسًا قيمة حول التوسع في العالم الحقيقي وتحدياته، مما يسمح لأفيل بتحسين حلولها باستمرار.
معايير اختيار الشركاء ونمو المجتمع
مع وجود أكثر من 50 عملية دمج في قائمة الانتظار، يوضح أرجون كيف تقوم أفيل بفرز الشركاء بناءً على الملاءمة التقنية، والقيمة التي يضيفونها إلى النظام البيئي، والامتثال. يؤكد هذا النهج على استراتيجية نمو مستدامة تركز على الجودة والتماسك.
يرتكز نمو مجتمع أفيل (أكثر من 600 ألف عضو في عام واحد) على نشاط البناة (builder activity) بدلاً من مقاييس الغرور (vanity metrics). هذا يعني أن التركيز ينصب على تمكين المطورين وبناء أدوات وبنية تحتية قوية تجذب الابتكار الحقيقي، بدلاً من مجرد السعي وراء الأرقام السطحية. إن مجتمعًا نابضًا بالحياة من البناة هو المؤشر الحقيقي على الصحة طويلة الأجل لأي نظام بيئي لامركزي.
رؤية أفيل للمستقبل: سلاسل كتل موحدة
إذا كانت رؤية أفيل صحيحة، فإن المرحلة التالية من العملات المشفرة لن تكون صراعًا بين “L2 مقابل L2” (الطبقات الثانية المتنافسة)، بل ستكون مدفوعة بالرول أب (rollups) المرتكزة على التطبيقات التي تتحدث لغة مشتركة قائمة على الإثبات. ستكون هذه الرول أب واعية بالخصوصية عند الحاجة، محايدة بمصداقية حسب التصميم، وأخيرًا قابلة للاستخدام على نطاق الإنترنت.
تتخيل أفيل مستقبلًا حيث يتم التخلص من التجزئة والتعقيد الحاليين. ستتفاعل التطبيقات بسلاسة عبر سلاسل الكتل المختلفة، وستتم حماية خصوصية المستخدمين بشكل فعال، وستكون البنية التحتية الأساسية محايدة بشكل يبعث على الثقة، مما يعني أنها لن تفضل تطبيقًا أو كيانًا على آخر. والأهم من ذلك، ستكون منظومة البلوك تشين بأكملها قابلة للتوسع إلى مستوى يمكنها من خدمة مليارات المستخدمين، تمامًا مثل الإنترنت اليوم. هذا يمثل تحولًا نموذجيًا نحو تجربة بلوك تشين موحدة وفعالة وسهلة الاستخدام للجميع. لمزيد من التفاصيل، يمكن قراءة المحادثة الكاملة مع أنوراج أرجون.