بيتكوين تتجاوز 117 ألف دولار: قرار الفيدرالي الأمريكي يطلق شرارة صعود تاريخي؟
تشهد الأوساط المالية والتقنية ترقبًا كبيرًا مع الارتفاع الملحوظ الذي حققته عملة بيتكوين (BTC)، حيث لامست قيمة 117,000 دولار أمريكي مرتين خلال الساعات القليلة الماضية، مسجلة بذلك أعلى مستوى لها منذ 23 أغسطس. هذا الإنجاز، الذي يأتي بعد ما يقرب من أربعة أسابيع، يعكس زخمًا إيجابيًا قويًا في سوق العملات المشفرة، ويفتح الباب أمام تساؤلات حول العوامل الدافعة وراء هذا الصعود، وأبرزها التوقعات بقرار وشيك من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتخفيض أسعار الفائدة للمرة الأولى هذا العام. هذا القرار، إذا ما تم، قد يمثل نقطة تحول حاسمة، مبشرًا بدورة جديدة من التيسير النقدي التي طالما كانت محفزًا رئيسيًا لصعود الأصول الخطرة، وعلى رأسها العملات الرقمية.
مع بداية تعاملات صباح الأربعاء في آسيا، لم يقتصر أداء بيتكوين على تحقيق قفزة يومية بلغت 1.5% فحسب، بل امتدت مكاسبها لتصل إلى ما يقرب من 5% على مدار الأسبوع، قبل أن تتراجع بشكل طفيف لتستقر عند 116,600 دولار في وقت كتابة هذا التقرير. هذا الأداء القوي لا يمكن فصله عن الترقب الشديد لقرار الفيدرالي الأمريكي، والذي يُعتقد أنه سيضخ مزيدًا من السيولة في الأسواق المالية العالمية. من الناحية التاريخية، أثبتت فترات التيسير النقدي أنها بيئة خصبة للأصول التي تحمل مخاطر أعلى، مثل العملات الرقمية والأسهم، مما يغذي آمال المستثمرين في استمرار هذا الزخم الإيجابي وقد يدفع ببيتكوين نحو آفاق جديدة لم يتم الوصول إليها منذ فترة طويلة.
السياسة النقدية للفيدرالي: محرك صعود بيتكوين؟
لطالما كانت قرارات البنوك المركزية، وخاصة الفيدرالي الأمريكي، عاملًا رئيسيًا في تشكيل اتجاهات الأسواق المالية. وفي سياق العملات المشفرة، فإن تخفيض أسعار الفائدة يُنظر إليه عادةً على أنه إشارة صعودية قوية لعدة أسباب متكاملة:
- زيادة السيولة في النظام المالي: عندما يخفض الفيدرالي أسعار الفائدة، تنخفض تكلفة الاقتراض للمؤسسات والأفراد. هذا يؤدي إلى زيادة الأموال المتداولة في الاقتصاد، أو ما يعرف بالسيولة. هذه السيولة الفائضة غالبًا ما تبحث عن فرص استثمارية ذات عائد أعلى، وتتجه بشكل متزايد نحو الأصول التي يُنظر إليها على أنها توفر إمكانات نمو أكبر، مثل العملات المشفرة والأسهم التكنولوجية.
- تحول تدفقات رؤوس الأموال: يفسر محللون مثل “آش كريبتو” هذا التحول في تدفقات رؤوس الأموال بدقة. فمع انخفاض عائدات الأصول التقليدية الأقل خطورة، مثل سندات الخزانة والسندات الحكومية الأخرى، يصبح المستثمرون أقل ميلًا للاحتفاظ بأموالهم في هذه الأصول. وبدلاً من ذلك، يبدأون في نقل رؤوس أموالهم إلى الأصول ذات المخاطر العالية والعوائد المحتملة الأكبر، بما في ذلك سوق الأسهم وسوق العملات المشفرة الناشئ. هذه الظاهرة، حسب “آش كريبتو”، ستزداد “كلما حدثت المزيد من التخفيضات، ستزداد تدفقات السيولة إلى بيتكوين والعملات البديلة.”
- تأثير تضخم الدولار وضعف قوته الشرائية: أحد أهم التأثيرات الجانبية لزيادة السيولة والتيسير النقدي هو إضعاف العملة الوطنية. فمع وجود المزيد من الدولارات المتداولة في الاقتصاد العالمي، تنخفض القوة الشرائية للدولار الأمريكي. بيتكوين، التي غالبًا ما يُشار إليها بـ “الذهب الرقمي” وتعتبر أداة للتحوط ضد التضخم وضعف العملات الورقية، تستفيد بشكل كبير من هذا السيناريو. فالمستثمرون الذين يسعون للحفاظ على قيمة أصولهم أو زيادتها يلتفتون نحو بيتكوين كبديل مستقر نسبيًا للدولار المتضخم. وقد انعكس هذا الاتجاه بالفعل في أداء مؤشر الدولار (DXY)، الذي يقيس قيمة الدولار مقابل سلة من العملات الرئيسية، حيث ضعف بنسبة 12% حتى الآن هذا العام، مما يؤكد صحة هذا الارتباط.
صوت المحللين: رؤى متفائلة لمستقبل مشرق
تتعدد الأصوات في عالم التحليلات المالية، لكن الإجماع يبدو متجهاً نحو التفاؤل بشأن تأثير قرار الفيدرالي على العملات المشفرة:
- أليكس كروجر (Alex Krüger): قدم الاقتصادي أليكس كروجر رؤية واضحة للسوق، مشيرًا إلى استعداده للتخفيض “الحمائمي” لأسعار الفائدة، حتى مع قيام الأسواق بتسعير هذه الخطوة مسبقًا. أكد كروجر على تفاؤله بالأسهم وبيتكوين، منبهًا إلى أن “السوق غالبًا ما ينسى مدى قدرة بيتكوين على التحرك بسبب تحيز الحداثة.” هذا التحيز يدفع المستثمرين إلى التركيز على الأحداث الأخيرة، مما قد يجعلهم يقللون من شأن الزخم التاريخي والمستقبلي لبيتكوين في ظل ظروف مماثلة.
- آش كريبتو (Ash Crypto): عزز “آش كريبتو” من هذه النظرة المتفائلة من خلال الإشارة إلى محفزات رئيسية أخرى تضاف إلى تخفيضات أسعار الفائدة. من هذه المحفزات “الموافقة على صناديق المؤشرات المتداولة (ETF)، إدارة مؤيدة للعملات المشفرة ووضوح تنظيمي”. توقع آش أن “بمجرد أن تبدأ السيولة في التدفق، سيتم تسعير هذه المحفزات، مما يؤدي إلى ارتفاع قطاعي في الربع الرابع.” هذا يلمح إلى أن هذه العوامل مجتمعة يمكن أن تخلق “عاصفة مثالية” لنمو هائل في سوق العملات المشفرة.
- سيكوديلك (Sykodelic): استند المحلل سيكوديلك إلى السوابق التاريخية لتعزيز حجته. فقد ذكر أن “المرة الأخيرة التي خفض فيها الفيدرالي أسعار الفائدة، ارتفع السوق بقوة كبيرة.” وقارن الوضع الحالي بالماضي، مشيرًا إلى أننا “بالضبط في نفس الموقف تقريبًا الذي كنا عليه في المرة الأخيرة التي خفض فيها الفيدرالي أسعار الفائدة.” هذا يدعو إلى التفكير في سبب التشكك المنتشر حاليًا، ويقترح أن التاريخ قد يكرر نفسه لصالح صعود قوي.
- آرثر هايز (Arthur Hayes): أضاف المؤسس المشارك لـ BitMEX، آرثر هايز، بُعدًا آخر للنقاش من خلال تسليط الضوء على “المهمة الثالثة” للفيدرالي، والتي تتم مناقشتها الآن. ألمح هايز إلى أن الدعوة للتحكم في منحنى العائد (YCC) تمثل تحولًا محتملاً في السياسة النقدية، وهو ما يمكن أن يكون إيجابيًا للغاية لبيتكوين. التحكم في منحنى العائد يمكن أن يعني بيئة أسعار فائدة منخفضة لفترة أطول، مما يدعم استمرار تدفق السيولة نحو الأصول الخطرة.
تداعيات ضعف الدولار الأمريكي: بيتكوين كملاذ آمن
إن الارتباط بين ضعف الدولار الأمريكي وصعود بيتكوين ليس مجرد مصادفة، بل هو انعكاس لديناميكيات اقتصادية عميقة. عندما يتبع الفيدرالي الأمريكي سياسة نقدية تيسيرية، فإنه غالبًا ما يؤدي إلى تراجع قيمة الدولار مقارنة بالعملات الأخرى والأصول الصلبة. في هذه البيئة، يبحث المستثمرون عن أصول بديلة للحفاظ على ثرواتهم وحمايتها من التضخم. هنا يأتي دور بيتكوين كـ “ذهب رقمي”. بخلاف الذهب التقليدي، تقدم بيتكوين مزايا إضافية مثل سهولة النقل والتخزين واللامركزية، مما يجعلها خيارًا جذابًا بشكل متزايد في أوقات عدم اليقين الاقتصادي أو عندما تفقد العملات الورقية بريقها.
التراجع المستمر في مؤشر الدولار (DXY) بنسبة 12% حتى الآن هذا العام، ليس مجرد رقم، بل هو مؤشر قوي على هذا التحول في تفضيلات المستثمرين. مع تزايد الشكوك حول استقرار العملات الورقية في ظل التضخم المتصاعد والسياسات النقدية التوسعية، يجد المستثمرون في بيتكوين ملاذًا آمنًا يوفر لهم ليس فقط الحماية ولكن أيضًا إمكانية تحقيق عوائد كبيرة. هذه الظاهرة لا تقتصر على بيتكوين فحسب، بل تمتد لتشمل العملات المشفرة الرئيسية الأخرى، حيث تشكل جزءًا من تحول أوسع نحو الأصول اللامركزية.
توقعات لمستقبل مزدهر: BTC و ETH على أعتاب “تحرك هائل”
التفاؤل لا يقتصر على مجتمع العملات المشفرة فقط، بل يمتد ليشمل خبراء ماليين بارزين خارج هذا النطاق. في مقابلة مع شبكة CNBC، عبر توم لي من Fundstrat عن اعتقاده بأن الفيدرالي “يمكن أن يعيد الثقة بالفعل بالقول إننا عدنا إلى دورة التيسير”. وأشار إلى أن تخفيض سعر الفائدة سيشكل “تحسنًا حقيقيًا في السيولة”، وهو ما يترجم مباشرة إلى فرص استثمارية جديدة. توقع لي أن تشهد كل من بيتكوين وإيثيريوم (Ethereum) “تحركًا هائلاً” في الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام، مما يلمح إلى أن الربع الرابع قد يكون فترة استثنائية من النمو والازدهار لسوق العملات المشفرة.
تتماشى هذه التوقعات مع صورة أوسع للوضع الاقتصادي والمالي، حيث تتضافر عوامل متعددة لخلق بيئة مواتية للأصول الرقمية. إن التآزر بين السياسات النقدية المتوقعة، وتدفقات السيولة المتزايدة، والتطورات الإيجابية الخاصة بقطاع العملات المشفرة مثل الموافقات على صناديق المؤشرات المتداولة ووضوح الإطار التنظيمي، كلها عوامل قد تطلق شرارة موجة صعودية غير مسبوقة. إن التفاؤل الحالي في السوق، المدعوم بالتحليلات الاقتصادية الرصينة وتقييمات الخبراء، يرسم صورة واعدة جدًا لمستقبل بيتكوين والعملات المشفرة في الفترة القادمة، مما يجعلها محط أنظار المستثمرين حول العالم.
في الختام، يبدو أن سوق العملات المشفرة يقف على أعتاب فترة مثيرة ومليئة بالفرص. مع تجاوز بيتكوين لمستويات مقاومة مهمة وترقب المزيد من التيسير النقدي من قبل الفيدرالي الأمريكي، إلى جانب الدعم المستمر من المحللين ووجود محفزات قوية في القطاع، قد يشهد المستثمرون تحركات سعرية غير مسبوقة. إن هذه المرحلة لا تمثل مجرد ارتفاع مؤقت، بل قد تكون بداية لدورة صعودية أطول وأكثر استدامة، تعيد تعريف مكانة العملات الرقمية في المشهد المالي العالمي.