هل التبني السائد يهدد لا مركزية البيتكوين؟ استطلاع CoinGecko يكشف عن مخاوف مجتمع العملات المشفرة
كشف استطلاع حديث أجرته منصة CoinGecko، إحدى المنصات الرائدة في تحليل بيانات العملات المشفرة، عن انقسام حذر داخل مجتمع العملات الرقمية بخصوص القبول المتزايد للبيتكوين في التيار العام. أظهر الاستطلاع، الذي أجري في الفترة ما بين 22 أغسطس و11 سبتمبر 2025 وجمع آراء 2,549 مشاركًا من مختلف أنحاء العالم، أن الغالبية تميل إلى النظرة الإيجابية تجاه هذا التبني، إلا أن أقلية كبيرة لا تزال تشعر بالقلق من الكيفية التي قد تعيد بها وول ستريت والتمويل التقليدي تشكيل هذا الأصل الرقمي الثوري. هذا التوتر بين النمو والالتزام بالمبادئ الأساسية للبيتكوين يمثل نقطة محورية للنقاش داخل المجتمع، ويسلط الضوء على مخاوف عميقة بشأن مستقبل العملة الرقمية الأكثر شهرة في العالم.
انقسام المجتمع حول تبني البيتكوين السائد: تفاؤل حذر وتخوفات متنامية
أظهرت النتائج أن 60% من المستجيبين يرون أن التبني السائد، والذي يشمل تطورات مثل صناديق المؤشرات المتداولة الفورية (ETFs)، واحتفاظ الشركات بالبيتكوين في خزائنها، وتراكم الحكومات لهذه العملة، هو أمر إيجابي للبيتكوين. ضمن هذه المجموعة، وصف 41.4% هذا الاتجاه بأنه “إيجابي جدًا”، مستشهدين بزيادة الشرعية وإمكانات الأسعار على المدى الطويل كأسباب رئيسية لتفاؤلهم. بينما شعر 18.6% بالـ “إيجابية” ولكن أبدوا حماسًا أقل، ربما لوعيهم بالمخاطر المحتملة أو لتجاربهم السابقة في تقلبات السوق.
على الجانب الآخر، وقف 19.4% من المشاركين على الحياد، مفضلين مراقبة التطورات قبل اتخاذ موقف واضح. لكن النسبة الأكثر إثارة للقلق هي 20.5% الذين عبروا عن مخاوفهم من أن توسع البيتكوين في التمويل التقليدي قد يعرض مبادئها الأساسية للخطر. شملت هذه المجموعة 12.7% ممن يرون التبني السائد على أنه “سلبي جدًا”، وحذروا من أن اللامركزية ومقاومة الرقابة قد تضعف بشكل كبير. بينما شعر 7.8% بأنهم “سلبيون” ولكن بمعارضة أقل حدة. تعكس هذه الأرقام خلافًا جوهريًا حول الاتجاه الذي يجب أن تسلكه البيتكوين، وما إذا كانت التنازلات ضرورية لتحقيق قبول أوسع.
صراع وول ستريت مقابل اللامركزية: تهديد للهوية الأصلية للبيتكوين؟
تكمن جذور هذا الانقسام العميق في الصراع القديم بين نموذج “وول ستريت” للتمويل المركزي والجوهر اللامركزي للبيتكوين. لطالما تغنى مجتمع العملات المشفرة بمقاومة البيتكوين للرقابة وقدرتها على العمل دون وسيط، مما يمنح الأفراد سيطرة كاملة على أموالهم. ومع دخول كيانات مالية ضخمة مثل صناديق الاستثمار والمؤسسات المالية التقليدية، يخشى البعض أن تتحول البيتكوين إلى مجرد أداة استثمارية أخرى تخضع لنفس القواعد والقيود التي تفرضها الأنظمة المالية القائمة. هذا التحول قد يؤدي، حسب وجهة نظر المتشائمين، إلى فقدان البيتكوين لهويتها الأصلية كعملة “للناس” ومساحة حرة بعيدًا عن سيطرة البنوك والحكومات.
القلق لا يقتصر فقط على الجانب النظري؛ فالمخاوف تتجلى في مسائل عملية مثل زيادة التأثير المؤسسي على تطوير البروتوكول، أو احتمالية أن تقوم الجهات التنظيمية بفرض قيود أكثر صرامة على استخدام البيتكوين تحت ذريعة حماية المستثمرين. يرى المعارضون أن الشرعية المكتسبة من التبني السائد قد تكون ثمنًا باهظًا إذا ما كانت على حساب التنازل عن المبادئ التي جعلت البيتكوين مميزة في المقام الأول. إنها معضلة حقيقية: هل يمكن للبيتكوين أن تحقق أقصى إمكاناتها كأصل عالمي مع الحفاظ على روحها الثورية؟
من هم الأكثر تشكيكًا؟ المستثمرون الجدد في الواجهة: دروس لم يتعلموها بعد
كان الشك أكثر وضوحًا بين المستثمرين الذين يمرون بأول دورة سوق للعملات المشفرة. فبين هؤلاء الوافدين الجدد، رأى 29.3% أن التبني السائد سلبي أو ضار جدًا، وهو ما يقارب ضعف النسبة المسجلة بين المشاركين في الدورة الثانية (14.9%) و15.7% بين أولئك الذين يخوضون دورتهم الثالثة أو أكثر. هذا التباين الكبير يشير إلى أن المستثمرين الجدد، الذين لم يشهدوا تقلبات السوق السابقة وكيفية استجابة البيتكوين لها، قد يكونون أكثر عرضة للخوف من التغيرات غير المفهومة أو التي تبدو وكأنها تهدد “طبيعة” البيتكوين التي تعلموها.
قد يكون هذا التباين ناتجًا عن عدة عوامل. فالمستثمرون الجدد قد يفتقرون إلى التعرض الكافي لدورات التبني السابقة، حيث شهدت البيتكوين نموًا كبيرًا رغم مخاوف مماثلة. أو أنهم يمثلون فئة من المتداولين المضاربين الذين يخشون تحول البيتكوين إلى أصل مالي تقليدي آخر، مما قد يقلل من فرص التقلبات الحادة والمكاسب السريعة التي جذبتهم في البداية. إن منظورهم يميل إلى رؤية التغيير كتهديد أكبر للاستقرار والفرص التي يتوقعونها من سوق العملات المشفرة.
أصحاب الخبرة يرحبون بالمؤسسات: فهم أعمق لديناميكيات السوق
على النقيض من ذلك، شعر 52.0% فقط من المشاركين في الدورة الأولى بالإيجابية أو الإيجابية جدًا تجاه زخم البيتكوين السائد، مقارنة بـ 65.2% من المستجيبين في الدورة الثانية و64.4% من المخضرمين على المدى الطويل. وكان المشاركون في الدورة الثانية هم الأكثر عرضة لوصف التبني السائد بأنه “إيجابي جدًا”. تشير هذه النتائج إلى أن مستخدمي العملات المشفرة المخضرمين، الذين مروا بعدة دورات سوق وشهدوا تطور الصناعة، أكثر ارتياحًا لفكرة المشاركة المؤسسية.
يمكن تفسير هذا الارتياح بأن المخضرمين قد أدركوا أن التبني المؤسسي يجلب معه رأس مال أكبر، وسيولة أعلى، وبنية تحتية أكثر قوة، مما يعزز استقرار السوق على المدى الطويل. ربما يرون أن هذا التطور لا يتعارض بالضرورة مع مبادئ اللامركزية، بل يمكن أن يدعمها من خلال زيادة عدد الأطراف المشاركة وتوزيع الملكية. بالنسبة لهم، قد يكون القبول السائد هو الخطوة المنطقية التالية في نضوج البيتكوين كفئة أصول عالمية، وهم أكثر استعدادًا لتقبل التحديات التي قد تصاحب هذا النمو.
لمحة ديموغرافية عن المشاركين في الاستطلاع: من يحدد مستقبل البيتكوين؟
كشف استطلاع CoinGecko عن تركيبة ديموغرافية مثيرة للاهتمام للمشاركين، مما يقدم رؤى حول وجهات النظر المختلفة داخل المجتمع. من حيث الأدوار، حدد 68% أنفسهم كمستثمرين للعملات المشفرة على المدى الطويل، مما يؤكد أن غالبية المشاركين يهتمون بالاستقرار والنمو المستقبلي للبيتكوين. في المقابل، وصف 20% أنفسهم كمتداولين على المدى القصير، وهؤلاء غالبًا ما يكونون أكثر حساسية للتقلبات السعرية والتغيرات السريعة في السوق. وشكل “البناة” (Builders)، وهم المطورون والمبتكرون في المجال، 7% من المجموعة، بينما كان 5% من المتفرجين الذين يراقبون السوق دون مشاركة نشطة.
من حيث الخبرة، كان 38% منهم يخوضون دورتهم السوقية الأولى، ولديهم ما يصل إلى ثلاث سنوات في عالم العملات المشفرة. وشكل 41% من المشاركين في دورتهم الثانية، وتتراوح خبرتهم بين أربع وسبع سنوات. أما 21% المتبقون فكانوا من المخضرمين الذين يتمتعون بخبرة تزيد عن ثماني سنوات. يعكس هذا التوزيع توازنًا بين الحداثة والخبرة، مما يثري النقاش حول مستقبل البيتكوين بآراء متنوعة.
جغرافيًا، تركز المستجيبون في أوروبا، التي شكلت 31% من المشاركين، تليها آسيا بنسبة 26% وأمريكا الشمالية بنسبة 22%. وتوزع المشاركون المتبقون على إفريقيا وأمريكا الجنوبية وأوقيانوسيا. هذا الانتشار الجغرافي يدل على أن النقاش حول تبني البيتكوين السائد هو نقاش عالمي، مع اختلافات محتملة في وجهات النظر بناءً على اللوائح المحلية والبيئات الاقتصادية.
الخلاصة: موازنة النمو مع المبادئ الأساسية في مسيرة البيتكوين
يؤكد استطلاع CoinGecko على التوتر الجوهري داخل مجتمع البيتكوين: الرغبة في النمو والتبني على نطاق واسع، مقابل الالتزام بالمبادئ الأساسية للامركزية ومقاومة الرقابة. بينما يرى الكثيرون في التبني السائد طريقًا نحو الشرعية والاستقرار على المدى الطويل، يخشى آخرون، خاصة الوافدون الجدد، من أن هذا المسار قد يودي بالبيتكوين بعيدًا عن قيمها التأسيسية. إنها عملية موازنة دقيقة تتطلب حوارًا مستمرًا وتفهمًا عميقًا لديناميكيات السوق والتكنولوجيا.
لا شك أن البيتكوين ستستمر في التطور، وستواجه المزيد من التحديات والفرص. يبقى السؤال الأهم هو كيف سيتمكن المجتمع من توجيه هذا التطور بطريقة تحافظ على جوهر البيتكوين الثوري مع فتح أبوابها لمزيد من المشاركة العالمية. إن النقاش الدائر حول مستقبل البيتكوين ليس مجرد نقاش مالي، بل هو نقاش فلسفي حول التوازن بين الحرية والنمو، وبين الابتكار والحفاظ على الهوية. ندعوكم لمشاركة آرائكم وتجاربكم، فمستقبل البيتكوين يتشكل بأيدينا جميعًا.