# ربحية تعدين البيتكوين في أدنى مستوياتها منذ عامين: كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الصناعة ويفتح آفاقًا جديدة؟
تشهد صناعة تعدين البيتكوين تحولات جذرية، حيث تراجعت ربحيتها (Bitcoin mining profitability) إلى أدنى مستوياتها في عامين، مدفوعة بتصاعد صعوبة التعدين (mining difficulty) بشكل غير مسبوق وتراجع حاد في رسوم المعاملات على السلسلة (on-chain fees). هذا الوضع المعقد أحدث انقسامًا واضحًا في المشهد التعديني: فئة من عمال المناجم تكافح للبقاء بهوامش ربح تكاد تكون معدومة، بينما فئة أخرى تستثمر بذكاء في إعادة تعريف أدوارها، محولةً بنيتها التحتية لتصبح مراكز بيانات قوية تخدم طفرة الذكاء الاصطناعي (AI boom) المتنامية.
لطالما كانت صناعة تعدين البيتكوين متجانسة، تتحرك في تناغم مباشر مع تقلبات سعر البيتكوين (Bitcoin price). لكن المشهد اليوم مختلف تمامًا؛ نحن نشهد ميلاد اقتصاد “بسرعتين”، حيث لم تعد استراتيجية الطاقة وحدها هي المحددة للنجاح، بل أصبحت قوة الهاش (hashpower) هي المعيار الأساسي. عند حوالي 42.14 دولارًا لكل تيراهاش في اليوم، انخفض سعر الهاش (hashprice) – وهو المقياس الصناعي لإيرادات عمال المناجم لكل وحدة من القوة الحاسوبية – إلى أدنى 4% من نطاقه خلال العامين الماضيين. هذا التراجع الحاد، الذي بلغ 19% خلال الشهر الماضي وحده، تزامن مع تراجع أوسع في سعر البيتكوين إلى حوالي 101,500 دولار، مما فاقم الضغط على الأرباح بشكل كبير.
الأسباب الكامنة وراء تدهور ربحية تعدين البيتكوين
يُخطئ من يعتقد أن سعر البيتكوين الفوري هو الجاني الوحيد. السبب الحقيقي يكمن في البنية الرياضية للشبكة نفسها، والتي تخضع لتعديلات مستمرة لضمان أمانها. فقد ارتفعت صعوبة التعدين بنسبة 31% مذهلة خلال الأشهر الستة الماضية، بينما زاد معدل الهاش (hashrate) بنسبة 23%. في المقابل، تلاشت الرسوم التي كانت في السابق مدعومة بنشاط “أوردينال” وازدحام الشبكة، لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ الربيع. هذه العوامل مجتمعة خلقت ضغطًا هائلاً، حيث تتنافس المزيد من الآلات على عدد أقل من المكافآت الثابتة نسبيًا.
هذه المعادلة الصعبة تشكل ضربة قاصمة لعمال المناجم الأصغر. فالكثير منهم يعملون حاليًا دون مستويات التعادل، خاصة أولئك الذين يعانون من عقود كهرباء باهظة التكلفة أو يعتمدون على أجهزة تعدين قديمة وغير كفؤة. هذا الوضع يستحضر إلى الأذهان فترات الركود السابقة في الدورات الاقتصادية لعام 2020 وأواخر عام 2022، عندما اضطر اللاعبون الأضعف إلى الاستسلام قبل فترة وجيزة من انتعاش السوق. لكن هذه المرة، يأتي اختبار الإجهاد في سياق مختلف تمامًا، سياق يتميز بصعود نجم الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء (HPC)، مما يوفر صمام هروب غير مسبوق لعمال المناجم.
الذكاء الاصطناعي: طوق النجاة واستراتيجية التحول لعمال المناجم
لقد فتح ظهور الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء آفاقًا جديدة تمامًا لعمال المناجم، مما يسمح لهم بتحويل بنيتهم التحتية المخصصة للتعدين نحو أعباء عمل أكثر ربحية وغير متعلقة بالبيتكوين. هذا التحول ليس مجرد خيار تكتيكي، بل أصبح ضرورة استراتيجية للعديد من الشركات.
آيرس إنيرجي ومايكروسوفت: نموذج رائد للتحول الذكي
خير مثال على هذا التحول ما أعلنته شركة آيرس إنيرجي (Iris Energy) في وقت سابق من هذا الأسبوع، حيث أبرمت صفقة ضخمة بقيمة 9.7 مليار دولار لمدة خمس سنوات مع عملاق التكنولوجيا مايكروسوفت (Microsoft). تهدف الصفقة إلى تزويد مايكروسوفت بقدرات الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، مما يعني إعادة توجيه جزء كبير من أسطول آيرس إنيرجي من أجهزة التعدين ليصبح مزودًا لخدمات الحوسبة عالية الأداء. كان رد فعل سوق الأسهم فوريًا وإيجابيًا للغاية، وبدأ الوسطاء في إعادة تقييم شركات مثل IREN وCore Scientific وRiot Platforms وCleanspark، مصنفين إياها الآن على أنها “شركات بنية تحتية للذكاء الاصطناعي” بدلاً من مجرد وكلاء للبيتكوين.
هذا التحول، المدعوم بتنويع حقيقي للإيرادات (revenue diversification)، هو السبب الجوهري وراء قدرة أسهم شركات التعدين (miner equities) على الارتفاع حتى في ظل انخفاض سعر الهاش. بدأ السوق يدرك قيمة المرونة على نطاق الشبكة والعقود طويلة الأجل لتوريد الطاقة، ويفضلها على مجرد إنتاج الهاش الخام. التناقض واضح ومؤلم مع شركات التعدين التقليدية التي لا تزال مرتبطة حصريًا بإنتاج البيتكوين، والتي تجد نفسها بلا حيلة عندما تنهار هوامش الربح.
أرباح عمال المناجم التقليديين بلغت الآن أدنى مستويات ربحيتها منذ أبريل، مع قراءات لسعر الهاش حول 43 دولارًا لكل بيتاهاش في الثانية يوميًا، وهي قريبة من أدنى مستوياتها في عدة أشهر. لا تزال هذه الشركات تعتمد بشكل كامل على مكافآت كتل البيتكوين ورسوم المعاملات، وهي مصادر دخل تنخفض تلقائيًا مع كل زيادة في صعوبة التعدين. ما لم يتمكنوا من التحوط من المخاطر المالية أو الوصول إلى مصادر طاقة فائقة الرخص، فإنهم عالقون في انتظار التخفيف التالي لدعم الكتل أو حدوث ارتفاع مفاجئ في رسوم الشبكة.
ماراثون ديجيتال: قوة النطاق والتوسع الاستراتيجي
في المقابل، تُظهر شركة ماراثون ديجيتال (Marathon Digital) كيف يمكن للنطاق الواسع أن يخفف من حدة الأزمة. فقد أعلنت الشركة مؤخرًا عن ربح ربع سنوي قياسي بلغ 123 مليون دولار، وذلك بفضل استراتيجيتها المزدوجة التي ركزت على مضاعفة الكفاءة التشغيلية وتطوير خطوط أعمال جديدة مجاورة لاستضافة الذكاء الاصطناعي. أصبح مزيج إيرادات ماراثون الآن يجمع بين عمليات التعدين وعمليات الذكاء الاصطناعي، مما يعكس بوضوح كيف يتغير تعريف “عامل التعدين” في هذه الصناعة المتطورة. تمكنها بصمتها الواسعة للطاقة من تقليل أو إعادة توجيه الحمل بشكل انتهازي، سواء ببيع الطاقة الزائدة أو تأجير بنيتها التحتية لمهام الحوسبة عالية الأداء عندما تشتد الضغوط الاقتصادية على تعدين البيتكوين.
الانقسام المالي: نماذج الأعمال المستدامة مقابل السعي وراء المكافآت
أصبح هذا التباعد جليًا الآن في بيانات السوق: يتعامل مستثمرو الأسهم مع ضعف سعر الهاش ليس كمخاطرة وجودية تهدد الصناعة بأكملها، بل كفلتر فعّال يفصل عمال المناجم ذوي نماذج الأعمال المستدامة (sustainable business models) والمرنة عن أولئك الذين يطاردون فقط مكافآت الكتل دون رؤية استراتيجية أوسع. كما ذكرت أحدث مذكرة من بيرنشتاين، “لن يضر ألم سعر الهاش عمال المناجم الذين تحولوا إلى الذكاء الاصطناعي.” هذا التصريح يلخص التغيير الهيكلي العميق الجاري، والذي يحول تعدين البيتكوين من مسعى أحادي الغرض إلى عمل بنية تحتية للبيانات متعددة الأسواق ومتكاملة.
متى ينعكس الانكماش؟ مؤشرات رئيسية يجب مراقبتها
بالنسبة لأولئك الذين يتساءلون متى يمكن أن ينعكس هذا الاتجاه الهبوطي، هناك عدة مؤشرات واضحة تستحق المراقبة الدقيقة:
- **استقرار أو تراجع صعوبة التعدين:** المؤشر الأول هو استقرار أو تراجع في صعوبة التعدين (difficulty plateau or rollover). يشير هذا إلى أن معدلات الهاش غير المربحة تتوقف عن العمل، مما يخلق إعادة توازن طبيعية في الشبكة ترفع حصة عمال المناجم الباقين من المكافآت وتخفف الضغط التنافسي.
- **عودة قوية لرسوم المعاملات على السلسلة:** المؤشر الثاني هو عودة ظهور قوية لرسوم المعاملات على السلسلة (on-chain fees)، سواء كان ذلك نتيجة لزيادة الازدحام في الشبكة أو لظهور موجة جديدة من الطلب على الأنماط الرقمية (inscription-style demand) أو غيرها من الابتكارات. يمكن لأي من هذه العوامل أن يرفع سعر الهاش بشكل كبير دون الحاجة إلى أي تغيير في سعر البيتكوين نفسه.
- **التوسع المستمر في عقود الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء:** المؤشر الثالث، وربما الأكثر تأثيرًا، هو التوسع المستمر في عقود الذكاء الاصطناعي أو الحوسبة عالية الأداء. كل ميغاواط جديد يتم تحويله من تعدين البيتكوين إلى أعباء عمل خارجية يقلل من المنافسة الفعلية على شبكة البيتكوين، مما يؤدي إلى استقرار الهوامش الربحية لأولئك الذين يختارون البقاء في التعدين التقليدي.
تؤثر متغيرات أخرى أيضًا بشكل كبير: مثل أسعار الطاقة خلال فصل الشتاء، وحوافز التخفيض التي تقدمها الحكومات أو شركات الطاقة، واللوائح الإقليمية التي يمكن أن تحدد من يمكنه البقاء على قيد الحياة في فترة طويلة من الضغط الاقتصادي. عادة ما تتسارع عمليات الاندماج والتصفية وإغلاق المواقع عندما يقترب سعر الهاش من أدنى مستوياته في الدورة.
تاريخيًا، كان هذا النوع من الضغط إشارة متناقضة للسوق الأوسع، بمثابة مقدمة لتخفيف تعديل الصعوبة وتراكم جديد لعمال المناجم استعدادًا للدورة الصعودية التالية.
خاتمة: تعدين البيتكوين في مفترق طرق
ستقدم الزيادة التالية في صعوبة التعدين الاختبار الحقيقي الأول لما إذا كان هذا الانضغاط قد وصل إلى حدوده القصوى. إذا تباطأ نمو معدل الهاش بينما ارتفعت الرسوم، فقد يبدأ سعر الهاش في العودة البطيئة نحو التوازن، مما يبشر بفترة من الاستقرار وربما الانتعاش.
حتى ذلك الحين، لا تزال صناعة تعدين البيتكوين منقسمة بشكل واضح: بين أولئك الذين يحاولون تجاوز أصعب مشكلة رياضية في البيتكوين بأساليب تقليدية، وأولئك الذين يعيدون كتابة قواعد اللعبة بالكامل من خلال استغلال قوة الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء. هذا التحول لا يمثل فقط تحديًا وجوديًا، بل فرصة ذهبية لإعادة تعريف كيفية عمل الصناعة بأكملها في عصر التكنولوجيا المتقدمة والابتكار المستمر. المستقبل يحمل في طياته مسارات متعددة، وستكون المرونة والقدرة على التكيف هي مفتاح النجاح.
دعوة للعمل: هل أنت مستعد لاستكشاف آفاق جديدة في عالم العملات المشفرة والذكاء الاصطناعي؟ تابع مدونتنا للحصول على أحدث التحليلات، الاستراتيجيات، والأخبار التي تشكل مستقبل هذه الصناعة المتغيرة باستمرار!
