سوق المشتقات المشفرة: استقرار حذر بعد أحداث التصفية الكبرى وتقرير Bybit و Block Scholes
مر ما يقارب الشهر على تعرض سوق العملات المشفرة لأحد أكبر أحداث التصفية في تاريخه، والتي تركت آثارًا عميقة لا تزال تتردد أصداؤها حتى يومنا هذا. وفي ظل هذه الظروف، كشف تقرير مشترك حول المشتقات المشفرة صادر عن منصة تداول العملات الرقمية العملاقة Bybit ومعهد أبحاث الاستثمار Block Scholes عن أن المتداولين بدأوا يستعيدون استقرارهم بحذر شديد. هذا الموقف الدفاعي بات سائدًا في جميع أنحاء سوق المشتقات، مؤثرًا على كل من عقود الخيارات المشفرة والعقود الدائمة.
تُعد أحداث التصفية في سوق العملات المشفرة لحظات حرجة، حيث يتم إغلاق عدد كبير من المراكز المفتوحة بشكل قسري بسبب تحركات الأسعار الكبيرة. وغالبًا ما تؤدي هذه الأحداث إلى حالة من عدم اليقين والقلق بين المتداولين، مما يدفعهم إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم. التقرير الأخير يسلط الضوء على كيفية تعامل السوق مع هذه الصدمة، ويقدم رؤى قيمة حول سلوك المتداولين في فترة ما بعد الصدمة.
إن فهم ديناميكيات سوق المشتقات المشفرة أمر حيوي لأي مستثمر أو متداول في هذا الفضاء. فالمشتقات، مثل العقود الآجلة والخيارات، تسمح للمتداولين بالتحوط ضد المخاطر أو المضاربة على تحركات الأسعار المستقبلية دون الحاجة إلى امتلاك الأصل الأساسي مباشرةً. وبالتالي، فإن تحليل هذه الأسواق يوفر نافذة على المعنويات العامة للمتداولين والاتجاهات المحتملة للسوق الأوسع.
تأثيرات حدث التصفية لا تزال قائمة: دروس من الماضي القريب
لاحظت Bybit أن المراكز المفتوحة الاسمية في العقود الدائمة ظلت راكدة دون مستوى 10 مليارات دولار منذ حدث التصفية الضخم. وتجدر الإشارة إلى أن التوترات التجارية المتجددة بين الولايات المتحدة والصين كانت هي الشرارة التي أشعلت هذا التراجع الواسع النطاق في السوق. وقد ذكرت Bybit أن هذا الحدث كان له تأثير كبير على أسواق المقايضات الدائمة لديها، وأن المتداولين الآن يظهرون رغبة قليلة في إعادة الدخول إلى مراكزهم التي خسروها سابقًا. هذا الحذر ليس مفاجئًا، فبعد خسائر كبيرة، عادة ما يميل المتداولون إلى اتباع نهج أكثر تحفظًا لتجنب المزيد من المخاطر.
لقد أدت التطورات الجيوسياسية والاقتصادية الكلية دورًا محوريًا في تشكيل مسار سوق العملات المشفرة في الفترة الأخيرة. فبعد أحداث التصفية، أحرزت الحكومتان الأمريكية والصينية بعض التقدم الدبلوماطي، مما بعث بعض الأمل في الأسواق. ومع ذلك، فإن النبرة المتشددة لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، خلال اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) الذي تلا ذلك، قد عززت المعنويات الهبوطية. أظهر المتداولون المزيد من ردود الفعل التي تتجنب المخاطر مع هبوط سعر البيتكوين (BTC) إلى مستوى 107,000 دولار، وانحرفت انحرافات الخيارات قصيرة الأجل (put-call skews) بشكل حاد نحو الاتجاه الهبوطي، مما يشير إلى زيادة الطلب على عقود البيع التي تستخدم للتحوط ضد انخفاض الأسعار.
تعكس هذه الديناميكيات مدى ارتباط سوق العملات المشفرة، رغم استقلاليته الظاهرية، بالأحداث الاقتصادية والسياسية العالمية. فالتصريحات من البنوك المركزية الكبرى، مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي، يمكن أن يكون لها تأثير مضاعف على معنويات المستثمرين في جميع فئات الأصول، بما في ذلك الأصول الرقمية. إن المتداولين ذوي الخبرة يدركون أهمية مراقبة هذه العوامل الكلية عند اتخاذ قرارات التداول.
المتداولون يتخذون موقفًا دفاعيًا: تحول في استراتيجيات السوق
في حين ظلت المراكز المفتوحة في سوق العقود الآجلة ثابتة، شهد قطاع الخيارات زيادة مطردة. ولا يزال البيتكوين يستحوذ على ما يقارب نصف المراكز المفتوحة، مع انتشار الباقي عبر ثماني عملات بديلة يتم تتبعها. على الرغم من أن ظروف السوق الحالية تعكس نقصًا في الزخم وفصلًا للعملات المشفرة عن معنويات المخاطرة الأوسع، إلا أن مستويات المراكز المفتوحة في الخيارات تعكس تلك التي شوهدت قبل حدث التصفية.
علاوة على ذلك، تعكس المراكز المفتوحة في الخيارات موقفًا دفاعيًا وطلبًا ثابتًا من المتداولين على عقود البيع قصيرة الأجل (short-term puts). كما يقوم المشاركون في السوق بالتحوط عبر الخيارات، مما يدل على استراتيجية واضحة لإدارة المخاطر في بيئة سوق غير مؤكدة. هذا التحول نحو التحوط يبرز النضج المتزايد للسوق، حيث يسعى المتداولون إلى حماية رؤوس أموالهم بدلاً من مجرد السعي لتحقيق أرباح سريعة.
وقد أوضحت Bybit و Block Scholes في تقريرهما: “أظهر المتداولون رغبة في رفع التقلبات قصيرة الأجل خلال أحداث الضغط، مما أدى إلى عكس مؤقت للمنحنى. وعلى الرغم من أن الانعكاس كان قصير الأجل، إلا أنه ترك وراءه خطًا أساسيًا أعلى في تسعير التقلبات، يتركز بشكل خاص في عقود البيع (put options).” هذا يعني أن المتداولين مستعدون لدفع علاوة أكبر لتأمين الحماية من الانخفاضات المحتملة، مما يؤكد الطبيعة الحذرة للسوق الحالية.
نظرة على تقلبات البيتكوين والإيثيريوم: مؤشرات السوق
في الوقت الحالي، عادت انحرافات تقلبات البيتكوين والإيثيريوم في سوق الخيارات إلى الانحياز الهبوطي بعد أن كانت تفضل عقود الشراء (calls) لفترة وجيزة. وقد عادت هياكل المدة الزمنية لكلا الأصلين إلى طبيعتها، لكن التقلبات السوقية (at-the-market volatility) لا تزال مرتفعة. وهذا يشير إلى استمرار الطلب على خيارات التحوط حتى في بيئة تُعرف تاريخيًا بتقلباتها المنخفضة، مما يؤكد على الرغبة في الحماية ضد أي تحركات سعرية مفاجئة.
تُعد التقلبات مقياسًا مهمًا للمخاطر في الأسواق المالية. عندما تكون التقلبات مرتفعة، فهذا يعني أن الأسعار من المتوقع أن تتحرك بشكل كبير في أي من الاتجاهين. إن استمرار ارتفاع التقلبات السوقية، حتى في ظل استقرار نسبي للأسعار، يشير إلى أن المتداولين لا يزالون يتوقعون تقلبات مستقبلية ويستخدمون الخيارات لإدارة هذه التوقعات. هذا السلوك يعكس عدم اليقين المتأصل في سوق العملات المشفرة، والذي غالبًا ما يتأثر بسرعة بالتغيرات في المعنويات أو الأحداث الكبرى.
نطاق تداول البيتكوين الحالي: ضغوط ومقاومة
في غضون ذلك، ذكرت Bybit أن سعر البيتكوين (BTC) ظل محصورًا في نطاق يتراوح بين 105,000 دولار و115,000 دولار. لكن الأصل انخفض إلى ما دون هذا النطاق يوم الثلاثاء، ليصل إلى مستوى 99,000 دولار. وكان البيتكوين يتداول بسعر يزيد قليلًا عن 101,800 دولار وقت كتابة هذا التقرير، وفقًا لبيانات CoinMarketCap. هذا النطاق الضيق نسبيًا يشير إلى مرحلة من التوحيد، حيث يحاول السوق إيجاد توازن جديد بعد الصدمة.
إن مراقبة نطاقات التداول تعد أمرًا حيويًا للمتداولين، حيث يمكن أن تشير إلى نقاط الدعم والمقاومة الرئيسية. عندما يخترق الأصل نطاقًا محددًا، سواء صعودًا أو هبوطًا، فقد يكون ذلك إشارة إلى بداية اتجاه جديد. الانخفاض الأخير للبيتكوين دون النطاق المذكور يؤكد على هشاشة السوق والحاجة المستمرة للحذر.
في الختام، يظهر تقرير Bybit و Block Scholes صورة لسوق مشتقات العملات المشفرة يتعافى ببطء وحذر بعد حدث تصفية كبير. ومع أن المتداولين يتخذون موقفًا دفاعيًا ويركزون على التحوط وإدارة المخاطر، فإن استمرار الطلب على الخيارات وارتفاع التقلبات يشير إلى أن السوق لا يزال يتوقع تحركات كبيرة. هذه التطورات تؤكد على أهمية البحث والتحليل المستمر لفهم ديناميكيات هذا السوق المتطور باستمرار. المتداولون والمستثمرون الذين يمتلكون رؤية واضحة لهذه الاتجاهات هم الأكثر قدرة على التنقل بنجاح في عالم العملات المشفرة.
إن الشراكة بين منصات التداول مثل Bybit ومؤسسات الأبحاث مثل Block Scholes توفر بيانات وتحليلات لا تقدر بثمن تساعد على زيادة الشفافية والفهم في سوق المشتقات المشفرة. ومع استمرار تطور هذا السوق، ستظل هذه التقارير أدوات أساسية للمتداولين والمحللين على حد سواء لاتخاذ قرارات مستنيرة في بيئة مالية معقدة ومتغيرة باستمرار.
