سوق المشتقات المشفرة يستعيد استقراره بحذر بعد حدث تصفية أكتوبر التاريخي: تقرير Bybit يكشف عن تحولات استراتيجية
لقد مر ما يقرب من شهر منذ أن شهد سوق العملات المشفرة واحدة من أكبر أحداث التصفية في تاريخه، ولكن آثار تلك الحادثة لا تزال قائمة وتلقي بظلالها على المتداولين والمستثمرين على حد سواء. في خضم هذه الأجواء المتقلبة، كشف تقرير مشترك حول مشتقات العملات المشفرة صادر عن بورصة العملات المشفرة الرائدة Bybit ومعهد أبحاث الاستثمار Block Scholes أن المتداولين بدأوا في إيجاد نوع من الاستقرار، وإن كان بحذر شديد. هذا الموقف الدفاعي قد انتشر في جميع أنحاء سوق المشتقات، مؤثرًا بشكل كبير على كل من عقود خيارات العملات المشفرة وعقودها الدائمة.
تُعد أحداث التصفية الكبرى لحظات فارقة في تاريخ الأسواق المالية، حيث تُجبر المستثمرين على إغلاق مراكزهم بأكثر الطرق غير المواتية، مما يؤدي إلى خسائر فادحة ويزيد من حالة عدم اليقين. وقد كان الحدث الأخير بمثابة تذكير صارخ بالتقلبات الكامنة في عالم الأصول الرقمية، وضرورة تبني استراتيجيات حكيمة لإدارة المخاطر. يشير تقرير Bybit و Block Scholes إلى أن هذه التجربة المريرة قد غيرت بشكل ملموس سلوك المتداولين، دافعة إياهم نحو نهج أكثر تحفظًا وحذرًا في التعامل مع الأدوات المشتقة.
آثار حدث التصفية لا تزال قائمة
لقد كشفت Bybit أن الاهتمام المفتوح الاسمي في العقود الدائمة ظل راكدًا تحت مستوى 10 مليارات دولار منذ حدث التصفية الضخم. يُذكر أن التوترات التجارية المتجددة بين الولايات المتحدة والصين كانت هي الشرارة التي أطلقت شرارة هذا الانخفاض الواسع النطاق في السوق. وذكرت Bybit أن هذا الحدث كان له تأثير كبير على أسواق المقايضات الدائمة الخاصة بها، وأن المتداولين الآن يُظهرون شهية قليلة لإعادة الدخول إلى مراكزهم التي خسروها سابقًا. هذا الركود في الاهتمام المفتوح يعكس بوضوح تردد المتداولين وقلقهم من تكرار سيناريوهات الخسارة الكبيرة، مما يؤثر على السيولة الكلية ونشاط السوق.
وعلى الرغم من إحراز الحكومتين الأمريكية والصينية بعض التقدم الدبلوماسي بعد الحادث، إلا أن نبرة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول المتشددة خلال اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) الذي تلا ذلك، قد عززت الشعور الهابط. أظهر المتداولون ردود فعل أكثر تحفّظًا وتجنبًا للمخاطر مع هبوط سعر البيتكوين (BTC) إلى مستوى 107,000 دولار، وانحرفت انحرافات أسعار خيارات الشراء والبيع قصيرة الأجل بشكل حاد نحو الاتجاه الهابط. هذه الديناميكيات السوقية تشير إلى أن العوامل الاقتصادية الكلية والسياسات النقدية لا تزال تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل معنويات سوق العملات المشفرة، حتى في مواجهة التطورات الإيجابية الأخرى.
في الوقت الحالي، عادت انحرافات التقلب لأسعار البيتكوين والإيثريوم (ETH) في سوق الخيارات إلى الانحياز الهبوطي بعد أن فضلت خيارات الشراء لفترة وجيزة. وقد عادت هياكل المدة الزمنية لكلا الأصلين إلى طبيعتها، لكن التقلبات في الأسعار الحالية لا تزال مرتفعة. وهذا يشير إلى طلب مستمر على الخيارات حتى في بيئة تُعرف تاريخيًا بانخفاض التقلبات. يعكس هذا التباين رغبة المتداولين في حماية أنفسهم من التقلبات المستقبلية المحتملة، حتى لو كانت الظروف الحالية تبدو أكثر هدوءًا ظاهريًا، مما يؤكد على استمرار حالة عدم اليقين.
المتداولون يتخذون موقفًا دفاعيًا
بينما يظل الاهتمام المفتوح في سوق العقود الآجلة ثابتًا، فقد شهد قطاع الخيارات زيادة مطردة. ولا يزال الاهتمام المفتوح بالبيتكوين يمثل ما يقرب من النصف، مع انتشار الباقي عبر ثماني عملات بديلة يتم تتبعها. على الرغم من أن ظروف السوق الحالية تعكس نقصًا في الزخم وفصلًا للعملات المشفرة عن معنويات المخاطرة الأوسع نطاقًا في الأسواق التقليدية، إلا أن مستويات الاهتمام المفتوح في الخيارات تعكس تلك التي شوهدت قبل حدث التصفية.
علاوة على ذلك، يعكس الاهتمام المفتوح في الخيارات موقفًا دفاعيًا وطلبًا مستمرًا من المتداولين على خيارات البيع قصيرة الأجل (short-term puts). يُلاحظ أيضًا أن المشاركين في السوق يقومون بالتحوط عبر الخيارات لحماية محافظهم من الانخفاضات المحتملة. هذا التوجه نحو خيارات البيع يدل على وجود مخاوف عميقة بشأن الاتجاه المستقبلي للسوق، ورغبة قوية في تأمين الحماية ضد أي تراجعات حادة محتملة. يُنظر إلى هذه الاستراتيجيات على أنها مؤشر على نضج السوق، حيث يتبنى المتداولون أدوات أكثر تعقيدًا لإدارة المخاطر بدلًا من مجرد التفاؤل غير المحدود.
وقد أوضحت Bybit و Block Scholes: “لقد أظهر المتداولون استعدادًا لزيادة التقلبات قصيرة الأجل خلال أحداث الضغط، مما أدى إلى انعكاس قصير الأجل للمنحنى. ورغم أن الانعكاس لم يدم طويلًا، إلا أنه ترك وراءه خط أساس أعلى في تسعير التقلبات، يتركز بشكل خاص في خيارات البيع.” هذا يشير إلى أن حتى الأحداث القصيرة الأجل يمكن أن يكون لها تأثيرات دائمة على تصورات المخاطر وتسعير الأدوات المشتقة، مما يجعل السوق أكثر حساسية للصدمات المستقبلية.
في غضون ذلك، ذكرت Bybit أن سعر البيتكوين (BTC) ظل محصورًا في نطاق يتراوح بين 105,000 دولار و 115,000 دولار لفترة. ومع ذلك، فقد انخفض الأصل دون هذا النطاق يوم الثلاثاء ليصل إلى 99,000 دولار. كان سعر البيتكوين يتداول فوق 101,800 دولار بقليل وقت كتابة هذا التقرير، وفقًا لبيانات CoinMarketCap. هذه التقلبات ضمن نطاق معين، ثم الانخفاض المفاجئ، تُسلط الضوء على الطبيعة المتقلبة للعملات المشفرة، حتى في فترات “الاستقرار الحذر”. يُظهر هذا السلوك الحاجة المستمرة للمتداولين لمراقبة السوق عن كثب وتعديل استراتيجياتهم وفقًا لذلك.
يُعد تقرير Bybit و Block Scholes بمثابة نافذة هامة على نفسية السوق الحالية واستراتيجيات المتداولين بعد فترة من الاضطراب الكبير. بينما يستعيد سوق المشتقات المشفرة نوعًا من الاستقرار، فإنه يفعل ذلك بحذر شديد، مع ميل واضح نحو التحوط وحماية رأس المال. هذه الديناميكية الجديدة تُشير إلى أن الدروس المستفادة من حدث التصفية في أكتوبر قد تركت بصمة عميقة، وستستمر في تشكيل سلوكيات المتداولين واستراتيجياتهم في المستقبل المنظور. يبقى السؤال الأهم: هل سيتحول هذا الاستقرار الحذر إلى زخم صعودي مستدام، أم أنه مجرد هدوء يسبق عاصفة أخرى؟ فقط الوقت كفيل بالإجابة، ولكن المؤكد هو أن سوق العملات المشفرة يتكيف ويتعلم من تحدياته.
