تراجع البيتكوين إلى 96,000 دولار: هل هي نهاية الدورة أم مجرد جني أرباح؟
شهدت عملة البيتكوين الرقمية الرائدة تراجعًا حادًا يوم الجمعة، لتسقط إلى مستوى 96,000 دولار وسط عمليات بيع مكثفة وتزايد عزوف المستثمرين عن المخاطرة. هذا الانخفاض أثار جدلاً واسعًا بين المتداولين والمحللين: هل نحن أمام جني أرباح طبيعي أم أن هذا يمثل نقطة تحول كبرى في مسار السوق؟
وفقًا للتقارير الصادرة عن البيانات على السلسلة وتحليلات السوق، أدت عملية البيع هذه إلى محو أكثر من 700 مليون دولار من المراكز الطويلة (Long Positions) وأنهت شهر نوفمبر بتراجع يزيد عن 10% في قيمة البيتكوين. هذا المشهد المتقلب يترك العديد من الأسئلة حول مستقبل العملة المشفرة الأكبر عالميًا.
تحركات الحيتان تثير القلق وتلفت الأنظار
لطالما كانت تحركات “الحيتان” – المستثمرين الكبار الذين يمتلكون كميات ضخمة من البيتكوين – مؤشرًا حاسمًا لاتجاهات السوق. وقد كشفت التقارير الأخيرة عن عمليات نقل ضخمة لعملة البيتكوين أثارت انتباه الجميع. إحدى هذه العمليات كانت نقل 2,400 بيتكوين، بقيمة تقدر بنحو 237 مليون دولار، من محفظة مرتبطة بالمتداول الشهير أوين غوندن (Owen Gunden) إلى منصة تداول Kraken. هذه العملية تم تتبعها بدقة من قبل مراقب البلوكتشين “Arkham”.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبعد فترة وجيزة، قام أوين غوندن بنقل ما تبقى لديه من بيتكوين، حيث أودع أكثر من نصف ممتلكاته مباشرة في Kraken، بإجمالي 290.7 مليون دولار من البيتكوين. وبذلك، لم يتبق لديه سوى 250 مليون دولار من البيتكوين. هذه التحركات الكبيرة جدًا تُظهر مستوى عالٍ من النشاط البيعي من قبل أحد أكبر اللاعبين في السوق، مما يثير تساؤلات حول دوافعه وتأثير ذلك على المعنويات العامة.
جني أرباح “نهاية الدورة” أم بداية تراجع أعمق؟
بناءً على تحليل “Glassnode”، ارتفع متوسط الإنفاق اليومي للمتداولين طويلي الأجل من أكثر من 12,000 بيتكوين يوميًا في أوائل يوليو إلى ما يقرب من 26,000 بيتكوين يوميًا هذا الأسبوع. هذا النمط، وفقًا لمحللي Glassnode، يبدو وكأنه توزيع منظم من قبل حاملي العملة القدامى بدلاً من خروج جماعي مفاجئ وذعر. يتم تأطير هذا السلوك على أنه جني أرباح في “المرحلة المتأخرة من الدورة” (late-cycle profit-taking): أي أنه عملية منتظمة، ثابتة، وموزعة على نطاق واسع.
ومع ذلك، أظهرت بيانات من “Santiment” أن البيتكوين قد انخفضت إلى أقل من 100 ألف دولار للمرة الثانية هذا الشهر، مما أثار موجة من الخوف والمشاركات القلقة من المتداولين الأفراد على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الارتفاع في مؤشر الخوف والذعر (FUD) يشير إلى أن المستثمرين الصغار يشعرون بالقلق من إمكانية حدوث مزيد من التراجعات.
لا يوجد انهيار: إشارات نهاية الدورة وقراءات على السلسلة
في خضم هذه المخاوف، قدم فينسنت ليو (Vincent Liu)، المدير التنفيذي للاستثمار في Kronos Research، رؤية مطمئنة إلى حد ما. أوضح ليو أن عمليات البيع المنظمة والتناوب المستمر للمكاسب غالبًا ما تظهر في مراحل نهاية الدورة. وحذر من أن هذه المرحلة لا تشير تلقائيًا إلى ذروة نهائية للسوق، بشرط أن يظل هناك مشترون مستعدون لاستيعاب العرض الإضافي.
وأشار ليو إلى أن التواجد في مرحلة متأخرة من الدورة لا يعني أن السوق قد وصل إلى سقفه. بل إنه يظهر فقط أن الزخم قد تباطأ، وأن قوى أكبر مثل اتجاهات الاقتصاد الكلي والسيولة أصبحت هي المتحكمة الآن. وصرح ليو قائلاً: “الشكوك حول تخفيض أسعار الفائدة وضعف السوق الأخير أبطأ الصعود، ولم ينهيه”. بعبارة أخرى، لا يوجد انهيار أو ما شابه ذلك. هذا التحليل يشير إلى أن السوق لا يزال يتمتع بأساسات قوية، وأن التصحيح الحالي قد يكون جزءًا طبيعيًا من دورة السوق.
المؤشرات على السلسلة تؤكد الاتجاه
يتم مراقبة المؤشرات على السلسلة (On-chain indicators) عن كثب، حيث بلغ صافي نسبة الربح غير المحقق للبيتكوين (Net Unrealized Profit/Loss Ratio – NUPL) حوالي 0.476. يفسر بعض المتداولين هذا المستوى على أنه تلميح إلى تشكل قيعان قصيرة الأجل. ومع ذلك، أضاف ليو أن هذه القراءة هي مجرد واحدة من عدة إشارات، ويجب تتبعها جنبًا إلى جنب مع ظروف السيولة والاقتصاد الكلي للحصول على صورة كاملة.
نظرة فاحصة على متوسط الإنفاق الشهري من قبل المتداولين طويلي الأجل تكشف عن اتجاه واضح: فقد ارتفعت التدفقات الخارجية من حوالي 12.5 ألف بيتكوين يوميًا في أوائل يوليو إلى 26.5 ألف بيتكوين يوميًا اليوم (متوسط متحرك لـ 30 يومًا). هذا الارتفاع المستمر يعكس زيادة ضغط التوزيع من قبل الفئات الأقدم من المستثمرين، مما يؤكد فكرة جني الأرباح المنظم.
تأثير البيع على أسهم العملات المشفرة
- انخفضت أسهم Cipher Mining بنسبة 14%.
- هبطت أسهم Riot Platforms و Hut 8 بنسبة 13%.
- تراجعت أسهم MARA Holdings و Bitmine Immersion بأكثر من 10%.
- انخفضت أسهم Coinbase و Strategy بنحو 7%.
هذا يشير إلى ارتباط وثيق بين أداء سوق العملات المشفرة وأسهم الشركات التي تعتمد عليها، وأن المخاوف تنتشر عبر القطاع بأكمله.
تدفقات مؤسسية ضخمة ومؤشر الخوف والجشع
الخلاصة
إن تراجع البيتكوين الأخير، على الرغم من شدته، يُنظر إليه من قبل العديد من الخبراء على أنه جزء طبيعي من دورة السوق، مميزًا بجني أرباح منظم من قبل حاملي العملة على المدى الطويل وبعض اللاعبين المؤسسيين. في حين أن الخوف قد سيطر على المتداولين الأفراد، فإن التحليلات على السلسلة وتشريح السوق لا تشير إلى “انهيار” وشيك. بدلاً من ذلك، يبدو أن السوق يدخل مرحلة من التباطؤ حيث تتحكم اتجاهات الاقتصاد الكلي والسيولة بشكل أكبر. يجب على المستثمرين البقاء على اطلاع ومراقبة هذه العوامل عن كثب لاتخاذ قرارات مستنيرة.
—
**إخلاء مسؤولية:** هذه المقالة لأغراض إعلامية فقط ولا تُعتبر نصيحة مالية. يجب على القراء إجراء أبحاثهم الخاصة والتشاور مع مستشار مالي قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية.
