تدوير أم استسلام؟ 867 مليون دولار تتدفق خارج صناديق البيتكوين المتداولة مع تراجعها دون 100,000 دولار
شهدت صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة الفورية (ETFs) يوم 13 نوفمبر تدفقات خارجة صافية بلغت 866.7 مليون دولار، وهو ثاني أكبر سحب ليوم واحد منذ إطلاق هذه الصناديق في يناير 2024. هذا الرقم تجاوز الرقم القياسي السابق المسجل في 1 أغسطس بقيمة 812.3 مليون دولار، ليحتل المرتبة الثانية بعد السحب الأسوأ على الإطلاق المسجل في 25 فبراير بقيمة 1.1 مليار دولار. هذا التراجع الأخير يثير تساؤلات حول مستقبل البيتكوين ومسار الاستثمار في العملات المشفرة، خاصة مع تراجع سعر البيتكوين مرة أخرى دون مستوى 100,000 دولار. فهل نشهد مرحلة استسلام للسوق، أم مجرد إعادة تدوير للمخاطر والأرباح؟ هذا المقال سيتعمق في تفاصيل هذه التدفقات، الأسباب الكامنة وراءها، وتأثيراتها المحتملة على سوق العملات المشفرة.
تفاصيل التدفقات الخارجة التاريخية وأبرز اللاعبين
لم يكن يوم 13 نوفمبر يومًا عاديًا لسوق العملات المشفرة، فقد شهدت صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة الفورية تدفقات خارجة هائلة. تُظهر بيانات Farside Investors أن صندوق Grayscale Bitcoin Mini Trust تصدّر عمليات السحب في 13 نوفمبر، حيث بلغت تدفقاته الخارجة حوالي 318 مليون دولار. تبعته عن كثب صناديق BlackRock’s IBIT التي سجلت 257 مليون دولار من التدفقات الخارجة. كما ساهمت صناديق Fidelity’s FBTC وBitwise’s BITB بسحوبات إضافية عبر جميع صناديق البيتكوين الـ 11 المدرجة في الولايات المتحدة. هذه الأرقام تسلط الضوء على حركة كبيرة لرأس المال بعيدًا عن البيتكوين، مما يعكس تحولًا في معنويات المستثمرين.
يجب الإشارة إلى أن هذه التدفقات الخارجة لا تمثل حادثة منعزلة، بل تأتي ضمن سياق أوسع لموجة تقليل المخاطر التي استمرت لثلاثة أسابيع، حيث بلغت إجمالي السحوبات من صناديق البيتكوين المتداولة حوالي 2.6 مليار دولار. هذا النمط من السحوبات، وإن كان كبيرًا، يتوافق مع السلوك التاريخي خلال فترات الابتعاد عن المخاطر. فعندما تداولت البيتكوين عند 126,000 دولار في أكتوبر، كانت حيازات حاملي صناديق الاستثمار المتداولة قد حققت مكاسب غير محققة تجاوزت 100% لأولئك الذين دخلوا السوق عند الإطلاق. وقد أدى الانخفاض اللاحق إلى ضغط طبيعي لتحقيق الأرباح، خاصة مع تحول التوقعات بشأن سياسة الاحتياطي الفيدرالي وبيع أسواق الأسهم.
تأثيرات السوق وانخفاض سعر البيتكوين
بالتزامن مع هذه التدفقات الخارجة الضخمة، انخفض سعر البيتكوين مرة أخرى دون 100,000 دولار في نفس اليوم، مسجلاً تراجعًا يقارب 2% من قيمته. وتسارع هذا التراجع في 14 نوفمبر، حيث انخفض سعر البيتكوين إلى 94,890.52 دولارًا أمريكيًا وقت كتابة هذا التقرير، بانخفاض قدره 4.8% خلال 24 ساعة. هذا الانخفاض يعكس بوضوح استجابة السوق للتدفقات الخارجة وعدم اليقين الاقتصادي الكلي.
كانت حالة عدم اليقين الاقتصادي الكلي هي المحرك الرئيسي لهذه الموجة من تقليل المخاطر. تزامنت عمليات الاسترداد مع حل أزمة الإغلاق الحكومي الأمريكي، والذي دفع الأسواق إلى تسعير احتمالية أقل لخفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر. وقد أدت التوقعات بظروف سيولة أكثر تشددًا إلى دفع المستثمرين للتحول من الأصول عالية المخاطر، مثل البيتكوين، إلى النقد والسندات والذهب التي تُعتبر ملاذات آمنة. هذا التحول الاستراتيجي للمستثمرين يؤكد على أن العوامل الاقتصادية الكلية تلعب دورًا حاسمًا في تحديد اتجاهات سوق العملات المشفرة، حتى بالنسبة للأصول الرقمية التي يُفترض أنها “لامركزية”.
دور المشتقات وتصفية المراكز الطويلة
لم تقتصر الضغوط البيعية على التدفقات الخارجة من صناديق الاستثمار المتداولة فحسب، بل تم تضخيمها أيضًا من خلال مراكز المشتقات. فبعد ارتفاع البيتكوين في أكتوبر إلى حوالي 126,000 دولار، تراكمت مراكز العقود الآجلة الطويلة بشكل كبير. وعندما اخترقت الأسعار الفورية مستوى 100,000 دولار نزولًا، تسلسلت عمليات التصفية عبر السوق، حيث بلغت حوالي 190 مليون دولار في عقود البيتكوين الآجلة الطويلة وأكثر من 300 مليون دولار عبر أصول العملات المشفرة الأخرى.
هذه المبيعات القسرية أدت إلى سحوبات إضافية من صناديق الاستثمار المتداولة، حيث تم تفعيل حدود المخاطر المؤسسية. عندما يضطر المستثمرون المؤسسيون إلى تصفية مراكزهم بسبب تجاوز حدود المخاطر، فإن ذلك يخلق حلقة ردود فعل سلبية تؤدي إلى مزيد من الانخفاض في الأسعار وزيادة الضغط على الأصول. هذا يوضح مدى ترابط سوق العملات المشفرة التقليدي (البيتكوين الفورية) مع أسواق المشتقات المالية، وكيف يمكن لحركة في أحدهما أن تؤثر بشكل كبير على الآخر.
تحولات في استثمارات العملات المشفرة الأخرى
في خضم هذه التدفقات الخارجة من البيتكوين، شهدت بعض العملات المشفرة الأخرى تحولات مثيرة للاهتمام. فقد شهد صندوق XRP المتداول في البورصة، الذي تم إطلاقه في 13 نوفمبر، تدفقات داخلة بلغت حوالي 250 مليون دولار. كما جذبت صناديق Solana المتداولة في البورصة رؤوس أموال متواضعة. وفي المقابل، شهدت منتجات الإيثيريوم تدفقات خارجة مماثلة لتلك التي شهدتها صناديق البيتكوين.
هذه الديناميكية تشير إلى أن بعض المستثمرين قاموا بجني الأرباح من مراكز البيتكوين الخاصة بهم وأعادوا تخصيص المخاطر نحو روايات عملات مشفرة بديلة. ومع ذلك، فإن التدفقات الخارجة البالغة 866 مليون دولار من البيتكوين تجاوزت بكثير أي تدفقات داخلة ليوم واحد في أي مكان آخر، مما يؤكد على أن التركيز الرئيسي كان على سحب رأس المال من سوق البيتكوين بشكل عام، وليس فقط تحويله بالكامل إلى أصول مشفرة أخرى. ومع ذلك، فإن بروز XRP وSolana يشير إلى اهتمام متزايد ببدائل البيتكوين، وربما رغبة في تنويع المحافظ في ظل عدم اليقين.
السياق الهيكلي لصناديق البيتكوين المتداولة في البورصة
على الرغم من التدفقات الخارجة الكبيرة، من المهم التأكيد على أن هذه السحوبات لا تشير إلى فشل هيكلي في منتجات صناديق الاستثمار المتداولة نفسها. فقد عملت الصناديق على النحو المصمم لها، حيث عالجت عمليات استرداد واسعة النطاق دون أي اضطراب تشغيلي. وقد سمحت آلية “المشارك المعتمد” للمؤسسات بالخروج من مراكزها بكفاءة، مما يدل على البنية التحتية للسيولة التي توفرها صناديق الاستثمار المتداولة الفورية مقارنة بأساليب التعرض للعملات المشفرة قبل وجود هذه الصناديق.
تظل الأصول الإجمالية تحت الإدارة (AUM) عبر صناديق البيتكوين المتداولة فوق 80 مليار دولار، على الرغم من ثلاثة أسابيع من التدفقات الخارجة. وتمثل التدفقات الخارجة البالغة 2.6 مليار دولار حوالي 3% من إجمالي الحيازات، وهو ما يتوافق مع إعادة التوازن المنتظمة خلال فترات عدم اليقين الاقتصادي الكلي المتزايد وجني الأرباح بعد تسجيل مستويات قياسية. هذا يشير إلى أن السوق يمر بمرحلة طبيعية من التصحيح وإعادة التقييم، بدلاً من انهيار هيكلي. فالصناديق أثبتت كفاءتها في التعامل مع التقلبات، مما يعزز الثقة في نموذجها على المدى الطويل.
الآفاق المستقبلية للبيتكوين وصناديقها
اختبار البيتكوين لمستوى الدعم عند 94,000 دولار في 14 نوفمبر يضع الأصل عند مفترق طرق فني حاسم. يمثل سعر 94,890.52 دولارًا أمريكيًا انخفاضًا بنسبة 25% عن أعلى مستوياته في أكتوبر وأدنى مستوى منذ أوائل مايو. ويعتمد استمرار التدفقات الخارجة من صناديق الاستثمار المتداولة على ما إذا كانت الأسعار الفورية ستستقر فوق مستويات الدعم الرئيسية وما إذا كانت الظروف الاقتصادية الكلية ستتحسن بما يكفي لتبرير إعادة الدخول في مراكز المخاطرة.
تعد بيانات 13 نوفمبر بمثابة لقطة لمراكز مزدحمة تلتقي مع معنويات متدهورة، وهي ظروف تسبق تاريخيًا إما قيعان الاستسلام أو مراحل التوحيد الممتدة. وهذا يعني أن السوق قد يكون على وشك تغيير كبير في الاتجاه، إما نحو الانتعاش بعد تصفية المراكز الضعيفة، أو نحو فترة أطول من الاستقرار والتراكم قبل أي حركة صعودية كبيرة. المستثمرون والمحللون سيراقبون عن كثب مؤشرات الاقتصاد الكلي وسلوك سعر البيتكوين في الأيام والأسابيع القادمة لتحديد المسار المحتمل.
الخاتمة:
إن التدفقات الخارجة الكبيرة من صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة في منتصف نوفمبر، وإن كانت مثيرة للقلق، إلا أنها يجب أن تُفهم في سياق أوسع من التقلبات السوقية الطبيعية وموجات تقليل المخاطر المرتبطة بعدم اليقين الاقتصادي الكلي. بينما شهدت البيتكوين تراجعًا في قيمتها وتأثرت بموجة تصفية المراكز، إلا أن الهيكل الأساسي لصناديق الاستثمار المتداولة أثبت مرونته وقدرته على التعامل مع هذه الضغوط. السؤال الحقيقي ليس ما إذا كانت هذه التدفقات تشير إلى نهاية البيتكوين، بل ما إذا كانت تمثل “استسلامًا” مؤقتًا قبل الارتداد، أو “تدويرًا” استراتيجيًا لرأس المال نحو فرص أخرى. يبقى الأمر رهنًا بتحسن الظروف الاقتصادية الكلية واستقرار أسعار البيتكوين فوق مستويات الدعم الرئيسية لتحديد المسار المستقبلي لهذا الأصل الرقمي الرائد. تابعوا مدونتنا للمزيد من التحليلات المعمقة والتحديثات المستمرة حول سوق العملات المشفرة والتكنولوجيا.
