انهيار البيتكوين: هل “لحظة الاكتتاب العام” تُعيد تشكيل السوق؟
شهدت عملة البيتكوين، ملكة العملات الرقمية، تراجعًا ملحوظًا بنسبة تزيد عن 30% من أعلى مستوياتها التاريخية التي بلغت 126 ألف دولار، لتتداول حاليًا حول 85,500 دولار بعد أن هبطت لفترة وجيزة إلى 82 ألف دولار، وفقًا لتقارير السوق. هذه التحركات الأخيرة لم تمر مرور الكرام، فقد حذر المتداولون من أن تصرفات “المحتفظين على المدى الطويل” تُغير بشكل جذري طريقة استجابة السوق للضغوط. لقد تضاءلت السيولة، وهذا بدوره يجعل تقلبات الأسعار أكبر وأكثر حدة من المعتاد، مما يثير تساؤلات حول مستقبل هذه العملة الرقمية الرائدة وتأثير التغيرات الهيكلية في ملكيتها.
تحذير بيتر شيف: البيتكوين في “لحظة الاكتتاب العام”
يُعرف المستثمر في الذهب، بيتر شيف، بموقفه المتشائم تجاه البيتكوين. وقد أطلق مؤخرًا تحذيرًا صارمًا، مُشيرًا إلى أن البيتكوين “تشهد أخيرًا لحظة الاكتتاب العام الخاصة بها”. يرى شيف أن تحول المحتفظين المخضرمين إلى بائعين يؤدي إلى زيادة العرض في قمة السوق، مما ينبئ بمبيعات مستقبلية أعمق وأكثر تأثيرًا. هذا التحول من “الأيدي القوية” (المحتفظون على المدى الطويل) إلى “الأيدي الضعيفة” (المستثمرون الجدد أو أولئك الذين يبحثون عن مكاسب سريعة) لا يزيد فقط من العرض المتداول، بل يعني أيضًا أن أي تراجعات مستقبلية ستكون أكبر وأكثر دراماتيكية.
لطالما تكررت وجهة نظر شيف من قبل الأصوات المتشائمة لسنوات، لكن هذه المرة، يتزامن تعليقه مع تحركات واضحة على السلسلة (on-chain moves) وتدفقات خارجة كبيرة من صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة (ETFs). يلاحظ المتداولون أن المحتفظين على المدى الطويل الواثقين غالبًا ما يقومون بتقليم مراكزهم بالقرب من القمم المحلية؛ وعندما يقوم الكثيرون بذلك في وقت واحد، فإن حركة السعر غالبًا ما تصبح أكثر عنفًا. هذا يعزز فكرة أن السوق يشهد تحولًا هيكليًا، حيث تتغير ديناميكيات العرض والطلب بشكل جوهري.
“بعد كل هذه السنوات، يشهد البيتكوين أخيرًا لحظة الاكتتاب العام الآن بعد أن توفرت سيولة كافية للمستثمرين الأوائل (OGs) لتصفية استثماراتهم. أنا أتفق مع ذلك، لكن هذا القدر الكبير من البيتكوين الذي ينتقل من الأيدي القوية إلى الأيدي الضعيفة لا يزيد فقط من العرض المتداول، بل يعني أيضًا أن عمليات البيع المستقبلية ستكون أكبر.” – بيتر شيف، 22 نوفمبر 2025.
تحركات الحيتان وعمليات البيع الكبرى: إشارات مقلقة
تُشير التقارير إلى أن “الحيتان” والمحافظ المبكرة حركت أكثر من 400,000 بيتكوين في أكتوبر، وهو نشاط يرتبط عادة بضغوط بيع كبيرة. على سبيل المثال، قام المستثمر المبكر، أوين جوندين، بتصفية حصته الكاملة البالغة 11,000 بيتكوين خلال شهري أكتوبر ونوفمبر، مما أضاف المزيد من الضغط على السوق.
ولم يقتصر البيع على الحيتان والمستثمرين الأوائل فقط؛ فقد قام عدد من الشخصيات البارزة في قطاع التجزئة بالبيع أيضًا. أعلن روبرت كيوساكي، مؤلف كتاب “الأب الغني والأب الفقير”، عن عملية بيع بلغت قيمتها حوالي 2.25 مليون دولار. صرح كيوساكي أنه اشترى البيتكوين عندما كانت حوالي 6,000 دولار وباعها بالقرب من 90,000 دولار، ويعتزم إعادة استثمار العائدات في مشاريع مدرة للدخل، مما يعكس استراتيجية تنويع بعيدًا عن الأصول الرقمية.
تصفية الرافعة المالية وتدفقات صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs): محفزات إضافية للتراجع
يُشير محللون في Bitfinex إلى محركين رئيسيين للانخفاض الأخير في سعر البيتكوين: مبيعات المحتفظين على المدى الطويل وتصفية الرافعة المالية في أسواق المشتقات. عندما تتفكك المراكز الهامشية، يمكن أن تتوالى الأسعار إلى مستويات أدنى قبل أن يجد السوق دعمًا، مما يخلق تأثيرًا متسلسلًا يُعزز من حدة الهبوط.
وفقًا لبلومبرج وإيداعات الصناديق، سحب المستثمرون ما يقرب من مليار دولار من صناديق البيتكوين المتداولة في جلسة واحدة، وهو ثاني أكبر تدفق يومي خارج من مجموعة الصناديق الاثني عشر. وقد تصدرت BlackRock’s IBIT عمليات السحب بـ 355 مليون دولار، بينما شهدت Grayscale’s GBTC و Fidelity’s FBTC خروج حوالي 200 مليون دولار لكل منهما. خلال الشهر الماضي، سجلت منتجات صناديق الاستثمار المتداولة صافي تدفقات خارجة بلغ حوالي 4 مليارات دولار. تُشير أرقام Citi Research، التي استشهد بها مراقبو السوق، إلى أن كل مليار دولار يتم سحبها يؤدي إلى تراجع سلبي بنسبة 3.4% في سعر البيتكوين، مما يُبرز الحساسية العالية للسوق لهذه التدفقات.
ومع ذلك، كان هناك تحرك مضاد يشير إلى التقلبات السريعة في السوق؛ فقد أظهرت التقارير أن صناديق الاستثمار المتداولة سجلت تدفقات داخلة بقيمة 238 مليون دولار في اليوم التالي، مما يؤكد كيف يمكن للتدفقات أن تنعكس بسرعة. هذا يُظهر أن السوق لا يزال يتأرجح بين ضغوط البيع والشراء، مع وجود مستثمرين مؤسسيين لا يزالون يرون قيمة في العملة الرقمية.
تداعيات تحذير شيف على مستقبل البيتكوين
يُظهر تحذير شيف أن البيتكوين لا يزال عرضة للتأثر عندما يقوم كبار المحتفظين بالبيع. حتى مع استمرار بعض المؤسسات في الشراء، فإن انتقال العملات من الملاك على المدى الطويل إلى المستثمرين العاديين أو الأقل خبرة يمكن أن يجعل انخفاضات الأسعار المستقبلية أكبر وأسرع. هذا يُغير من طبيعة السوق، حيث قد يصبح أقل استقرارًا وأكثر تقلبًا في ظل هذه الديناميكيات الجديدة.
سيركز مراقبو السوق على الأرجح اهتمامًا وثيقًا على ما يفعله هؤلاء المحتفظون المخضرمون، لأن أفعالهم قد تحدد مدى عمق الانهيار التالي. في عالم العملات المشفرة، حيث المشاعر وتقلبات السوق جزء لا يتجزأ من اللعبة، تُصبح تحركات اللاعبين الكبار حاسمة في توجيه الاتجاهات المستقبلية. على المستثمرين أن يبقوا على اطلاع دائم بهذه التغيرات، وأن يفهموا أن هيكل ملكية البيتكوين يتطور، مما قد يؤدي إلى فصول جديدة من التقلبات المثيرة.
في الختام، يبدو أن البيتكوين يمر بمرحلة انتقالية حاسمة. إن “لحظة الاكتتاب العام” التي تحدث عنها شيف، والتي تتسم بتحول الملكية وتزايد السيولة المتاحة للبيع من قبل الأوائل، إلى جانب ضغوط التصفية وتدفقات صناديق الاستثمار المتداولة، كلها عوامل تُساهم في بيئة سوقية غير مستقرة. بينما يمكن أن تُسبب هذه التحولات تراجعات حادة، فإنها أيضًا تُمهد الطريق لتشكيل أساس جديد للسوق في المستقبل. على المستثمرين توخي الحذر ومراقبة هذه الديناميكيات عن كثب لاتخاذ قرارات مستنيرة في هذا المشهد المالي المتغير باستمرار.
كلمات مفتاحية: بيتكوين، انهيار البيتكوين، سعر البيتكوين، بيتر شيف، صناديق البيتكوين المتداولة، تدفقات خارجة، المحتفظون على المدى الطويل، حيتان البيتكوين، سيولة، تقلبات السوق، عملات رقمية، استثمار البيتكوين، تحليل البيتكوين، سوق العملات المشفرة.
