أليكس ثورن من غالاكسي ينتقد شبكات الإيثيريوم الطبقة الثانية: “مستنزفة للإيثيريوم” ومخاوف حول الاحتفاظ بالرسوم
في تطور يثير جدلاً واسعًا داخل مجتمع البلوك تشين، وجه أليكس ثورن، رئيس قسم الأبحاث في غالاكسي (Galaxy)، انتقادات حادة لنموذج عمل العديد من شبكات الإيثيريوم من الطبقة الثانية (L2s)، واصفًا إياها بأنها “مستنزفة للإيثيريوم” (ETH extractive). تأتي هذه التصريحات لتسلط الضوء مجددًا على مخاوف قائمة منذ فترة طويلة بشأن كيفية توزيع القيمة الاقتصادية ضمن نظام الإيثيريوم البيئي المتنامي.
في منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي بتاريخ 6 أغسطس، جادل ثورن بأن شبكات الطبقة الثانية تحتفظ بمعظم إيرادات الرسوم التي تجمعها من المستخدمين، بينما لا تساهم سوى بقدر ضئيل نسبيًا في شبكة الإيثيريوم الرئيسية (L1). يشكل هذا التوازن اختلالًا اقتصاديًا في نظر ثورن، حيث تتراكم الأرباح بشكل كبير لدى مشغلي L2 بينما لا يعود جزء كبير منها إلى أمن وقيمة الطبقة الأولى، التي تشكل الأساس الذي تبنى عليه هذه الشبكات.
وتابع ثورن ليؤكد أن هذه المسألة تتجاوز مجرد هوامش الربح؛ إنها تتعلق بالصحة العامة واللامركزية للمنظومة بأكملها. فالاعتماد المتزايد على شبكات L2 لتحقيق قابلية التوسع يجب أن يوازيه التزام بتعزيز الطبقة الأساسية. وأضاف ثورن أن غالبية شبكات الطبقة الثانية يتم التحكم فيها من قبل شركات أو مؤسسات فردية، مما يعني أن “قيمة ضئيلة جدًا تتراكم لحاملي الإيثيريوم”. وقد أشار إلى نقطة محورية أخرى تثير قلقه، وهي أن “معظم شبكات L2 لا تقوم حتى بتخزين (staking) الإيثيريوم الذي تجمعه في رسومها”. هذه الممارسات، بحسب ثورن، تخلق نموذجًا تجاريًا يبدو وكأنه يستفيد بشكل كبير من بنية الإيثيريوم التحتية دون المساهمة الكافية في تعزيز أمنها اللامركزي وقيمتها الأساسية.
يعد هذا النقد بمثابة دعوة للاستيقاظ لمجتمع الإيثيريوم لإعادة تقييم العلاقة الاقتصادية بين الطبقات المختلفة، وخصوصًا مع اقتراب الشبكة من تحقيق أهدافها في التوسع والتحول إلى نظام بيئي متعدد الطبقات بشكل كامل. إن الجدل حول “الاستنزاف” ليس مجرد خلاف حول الأرقام، بل هو انعكاس للتحديات الفلسفية والاقتصادية الكامنة في بناء نظام مالي لامركزي ومستدام.
ديناميكيات ما بعد EIP-4844: تحليل التكاليف والإيرادات الضخمة
لتعزيز حجته وتوضيح حجم المشكلة، أشار ثورن إلى ديناميكيات ما بعد تطبيق اقتراح تحسين الإيثيريوم EIP-4844، والذي يُعرف أيضًا باسم “الدانكشاردينغ الجزئي” (proto-danksharding). يهدف هذا التحديث إلى خفض تكاليف البيانات لشبكات الطبقة الثانية عن طريق إدخال “البلوبس” (blobs)، وهي مساحات مخصصة لتخزين البيانات على الطبقة الأولى تستخدمها سلاسل الكتل المبنية فوق الإيثيريوم. كان الهدف من هذا التحديث هو تمكين L2s من العمل بتكلفة أقل، وبالتالي توفير رسوم أقل للمستخدمين وزيادة كفاءة المعاملات.
لاحظ ثورن أن التكاليف الإجمالية لتأكيد البلوبس لشبكات L2 وإنفاق الغاز على الطبقة الأولى قد بلغت حوالي 10,000 دولار يوميًا. هذه التكلفة تمثل المساهمة المباشرة لشبكات L2 في أمن وخدمات الطبقة الأولى. في المقابل، تحقق شبكات الطبقة الثانية إيرادات تتراوح من 100,000 دولار إلى 400,000 دولار يوميًا من رسوم المستخدمين. هذا التباين الكبير في الأرقام يسلط الضوء على هوامش الربح الهائلة التي تتمتع بها شبكات L2، مما يثير تساؤلات جدية حول توزيع القيمة.
وتابع ثورن موضحًا أن أرباح شبكات L2 تترك “هامش ربح جيد حتى بعد احتساب تكاليف تشغيل السلسلة”. هذا يعني أن شبكات L2 ليست فقط تحقق أرباحًا، بل تحقق أرباحًا كبيرة جدًا مقارنة بما تدفعه للطبقة الأولى التي توفر لها الأمن والتسوية النهائية للمعاملات. هذه الأرقام تثير تساؤلات حول العدالة الاقتصادية ومدى مساهمة هذه الشبكات في النظام البيئي الأوسع للإيثيريوم الذي تعتمد عليه في أمنها وتأمين معاملاتها، وما إذا كانت هذه النسبة تخدم مصالح كل من المطورين والمستخدمين وحاملي ETH على المدى الطويل.
مقارنة مدفوعات Base إلى Optimism Collective مقابل مدفوعات L2s إلى الإيثيريوم
قدم أليكس ثورن مقارنة صارخة لإظهار مدى هذا الخلل الاقتصادي. قارن بين المدفوعات من شبكة Base (التي طورتها Coinbase وتستخدم حزمة OP Stack) إلى Optimism Collective، وبين المدفوعات من جميع شبكات L2 مجتمعة إلى شبكة الإيثيريوم الرئيسية. تعتبر هذه المقارنة جوهرية لأنها تسلط الضوء على كيفية تدفق القيمة داخل النظام البيئي:
- على مدى الـ 180 يومًا الماضية، دفعت شبكة Base مبلغ 4.4 مليون دولار إلى Optimism Collective. هذا يمثل مساهمة لبروتوكول آخر (Optimism) ضمن النظام البيئي لـ L2.
- في المقابل، دفعت جميع شبكات الطبقة الثانية مجتمعة مبلغ 3.05 مليون دولار فقط لشبكة الإيثيريوم الرئيسية مقابل البلوبس والغاز. هذا المبلغ هو مساهمة جميع L2s في تأمين واستقرار الطبقة الأساسية للإيثيريوم.
هذا التفاوت يعزز حجة ثورن بأن شبكات L2 توجه القيمة إلى الكيانات المشغلة لها أو المجمعات العليا (مثل Optimism Collective) أكثر مما توجهها إلى الإيثيريوم نفسها. وذهب ثورن أبعد من ذلك، مدعيًا أن شركة كوين بيس (Coinbase) حققت 14.9 مليون دولار من إيرادات رسوم شبكة Base في الربع الثاني من العام. من هذا المبلغ، كانت تكاليف بيانات الطبقة الأولى 443,000 دولار فقط، بينما دفعت 2.16 مليون دولار إلى Optimism. وعلق ثورن قائلًا: “Optimism يحقق حرفيًا 4.8 أضعاف ما تحققه الإيثيريوم من Base”.
توجت هذه الانتقادات بتساؤل أوسع حول “المواءمة” بين شبكات الطبقة الثانية والإيثيريوم. أجاب ثورن على هذا التساؤل بوضوح: “إنها ليست حقًا ‘متوافقة مع الإيثيريوم’… إنها تبدو ‘مستنزفة للإيثيريوم’ بالنسبة لي”. هذه الكلمات تلخص جوهر حجته وتشعل فتيل نقاش حول نموذج الربح المستدام لشبكات الطبقة الثانية وتأثيره على القيمة الإجمالية للإيثيريوم.
النقاش طويل الأمد حول قيمة L2s: اللامركزية والتوزيع الاقتصادي
تأتي حجة ثورن لتُحيي نقاشًا طويل الأمد حول مقدار القيمة الاقتصادية التي يجب أن تعيدها شبكات الطبقة الثانية إلى الإيثيريوم مقابل ما تحتفظ به هذه الشبكات لمشغليها أو المجمعات التي تدعمها. هذا النقاش ليس جديدًا، ولكنه يكتسب زخمًا متزايدًا مع النضج المستمر لنظام الإيثيريوم البيئي وتزايد الاعتماد على حلول الطبقة الثانية لزيادة قابلية التوسع. يدور هذا الجدل حول توازن دقيق بين تمكين الابتكار وتقليل الاحتكاك للمستخدمين، وبين ضمان استدامة وأمن الطبقة الأساسية.
تطورات شبكة Base ومراحل اللامركزية في الإيثيريوم
تعد شبكة Base، التي تشغلها Coinbase، من بين الشبكات التي نالت اهتمامًا خاصًا في هذا السياق. في أبريل، تخرجت Base إلى “المرحلة 1” على مُجمّع البيانات L2Beat، وهي طبقة لامركزية وسيطة تصورها المؤسس المشارك للإيثيريوم فيتاليك بوتيرين. تشير المرحلة 1 إلى تحسينات في آليات إثبات الأخطاء (fault-proofs) والضمانات الأمنية للحوكمة. هذه المرحلة تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز أمان L2s من خلال آليات تسمح بالتحقق من صحة المعاملات على L1.
أما “المرحلة 2″، وهي المستوى الأعلى من اللامركزية، فتعرف بأنها مرحلة لا يوجد فيها أي مجموعة من الفاعلين يمكنها نشر جذر حالة (state root) بخلاف ناتج التعليمات البرمجية، حتى بالإجماع. هذا يعني أن السيطرة على الشبكة تكون لامركزية تمامًا ومستقلة عن أي كيان واحد. وقد قامت شبكة Base، جنبًا إلى جنب مع سلاسل أخرى، بتحديث إجراءاتها الأمنية مؤخرًا لمنع طرق حظر الرسائل إلى الشبكة الرئيسية بخلاف اختراق ما لا يقل عن 75% من مجلس الأمن الخاص بالشبكة. هذه التحديثات تعكس التزامًا متزايدًا بتحسين أمان L2s وتقليل مخاطر المركزية.
ورغم هذه التطورات نحو مزيد من اللامركزية والأمان، فإن الجدل الذي أثاره ثورن يركز بشكل أكبر على الجانب الاقتصادي وكيفية تدفق القيمة. فمع أن هياكل التكلفة ما بعد EIP-4844 قد خفضت تكاليف بيانات L2 من خلال إدخال البلوبس، فإن التوازن بين رسوم المستخدمين التي تحتفظ بها شبكات L2 والإنفاق على L1 والتخزين (staking) لا يزال محل نزاع. هذا يطرح سؤالاً جوهرياً: هل ينبغي أن تكون قيمة L2s هي مجرد وسيلة لتحقيق الربح لمشغليها، أم يجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من تعزيز قيمة الطبقة الأساسية للإيثيريوم على المدى الطويل؟
الآثار المترتبة والحلول المحتملة: نحو نموذج أكثر عدلاً
تتجاوز تصريحات أليكس ثورن مجرد انتقاد تقني؛ إنها تتطرق إلى الأبعاد الاقتصادية والفلسفية لمستقبل الإيثيريوم. فإذا كانت شبكات الطبقة الثانية هي الحل الأساسي لقابلية التوسع، فمن الضروري أن يكون نموذج عملها متوافقًا مع المبادئ الأساسية للإيثيريوم وهي اللامركزية، والأمان، وتراكم القيمة لجميع المشاركين في النظام البيئي، وليس فقط للكيانات المركزية التي تديرها. إن المخاوف بشأن “الاستنزاف” ليست مجرد مسألة أرباح، بل هي تتعلق أيضًا بمدى صحة واستدامة نموذج أعمال شبكات L2 على المدى الطويل.
إذا لم تساهم شبكات L2 بشكل كافٍ في أمن الطبقة الأولى من خلال Staking للإيثيريوم أو آليات أخرى، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف الأساس الذي تعتمد عليه. من الضروري إيجاد توازن يضمن أن L2s لا تخدم فقط مصالحها الخاصة، بل تساهم أيضًا في تعزيز قيمة وتأمين الإيثيريوم ككل. يتطلب هذا النقاش حوارًا مفتوحًا ومستمرًا بين مطوري الإيثيريوم، ومشغلي شبكات L2، والمجتمع الأوسع، لاستكشاف آليات يمكنها تحقيق هذه المواءمة.
قد تظهر حلول مبتكرة في المستقبل لمعالجة هذه التحديات، منها على سبيل المثال لا الحصر:
- آليات مشاركة الإيرادات الأكثر عدلاً: يمكن تصميم نماذج تحفيزية تشجع L2s على إعادة نسبة أكبر من رسومها إلى الطبقة الأولى.
- تضمين Staking ETH: فرض أو تحفيز شبكات L2 لتخزين جزء من ETH الذي تجمعه من الرسوم على الطبقة الأولى.
- نماذج حوكمة مشتركة: تطوير نماذج حوكمة تضمن أن القرارات المتعلقة بتدفق القيمة تخدم مصلحة النظام البيئي بأكمله، وليس فقط مصالح المشغلين الفرديين لـ L2s.
- بروتوكولات الأمان المحسّنة: الاستمرار في تطوير آليات أمان مثل إثباتات الاحتيال (fraud proofs) وإثباتات الصلاحية (validity proofs) التي تعزز اعتماد L2s على أمن الطبقة الأولى.
بالنسبة لحاملي الإيثيريوم، فإن هذا النقاش له أهمية كبيرة. فإذا كانت شبكات الطبقة الثانية لا تعيد قيمة كافية إلى ETH، فقد يؤثر ذلك على قيمة العملة على المدى الطويل. القيمة المتراكمة لـ ETH هي عنصر أساسي في اقتصاد الإيثيريوم، وإذا كانت الطبقات المضافة “تستنزف” هذه القيمة بدلاً من تعزيزها، فقد يكون لذلك عواقب غير مرغوبة على الاستقرار الاقتصادي للمنظومة.
أما بالنسبة للمطورين، فإن هذا يطرح تحديات وفرصًا. كيف يمكن تصميم شبكات L2 بحيث تكون فعالة في التوسع وفي نفس الوقت “متوافقة مع الإيثيريوم” اقتصاديًا؟ هل يمكن أن تكون هناك حوافز لـ L2s للمساهمة بشكل أكبر في الطبقة الأولى؟ هذه أسئلة تحتاج إلى إجابات مبتكرة لضمان استمرار نمو ونجاح الإيثيريوم كمنصة رائدة للعقود الذكية والتطبيقات اللامركزية.
في الختام، تُعد تصريحات أليكس ثورن تذكيرًا بأن الابتكار في مجال البلوك تشين لا يقتصر على الحلول التقنية فحسب، بل يمتد ليشمل النماذج الاقتصادية والحوكمة. إن تحقيق التوازن الصحيح بين قابلية التوسع، والأمان، والعدالة الاقتصادية سيكون مفتاح نجاح الإيثيريوم ونظامها البيئي المزدهر في السنوات القادمة، مما يضمن أن الابتكار في الطبقة الثانية يعود بالنفع على الطبقة الأولى والمجتمع ككل.