“`html
البيتكوين يستقر بين 100 ألف و110 آلاف دولار مع تراجع الأرباح ونشاط الشبكة
ظل سعر البيتكوين (BTC)، العملة الرقمية الأكبر من حيث القيمة السوقية، يتحرك ضمن نطاق سعري ضيق نسبياً يتراوح بين 100,000 و110,000 دولار أمريكي. هذه الحالة من الاستقرار النسبي، أو بالأحرى، الحصر في نطاق محدد، استمرت للأسبوع السابع على التوالي، وفقاً لتقرير شامل صادر عن شركة التحليلات الرائدة Glassnode بتاريخ 26 يونيو.
يعزو التقرير هذا السلوك السعري إلى مجموعة من العوامل المترابطة التي تشير إلى تباطؤ في ديناميكيات السوق التي دفعت الأسعار إلى مستويات قياسية سابقاً. أبرز هذه العوامل هي وتيرة تحقيق الأرباح من قبل المتداولين والمستثمرين، حجم التداول على الشبكة وفي البورصات، والحالة الحالية لسوق المشتقات.
أشار تقرير Glassnode تحديداً إلى الصعوبات التي واجهها السوق في مواصلة الزخم الصعودي الذي شهدناه في شهر مايو، والذي بلغ ذروته بوصول البيتكوين إلى أعلى مستوياته على الإطلاق. فقد بلغت مؤشرات الأرباح المحققة (Realized Profit)، والتي تقيس إجمالي الأرباح التي يحققها المتداولون عند بيع عملاتهم بسعر أعلى من سعر شرائها، ذروتها في أوائل شهر مايو، ثم بدأت في الانخفاض تدريجياً.
يعكس هذا الانخفاض في مؤشرات تحقيق الأرباح أن المتداولين قاموا بتأمين موجة الأرباح الثالثة في الدورة السوقية الحالية. في حين أن تحقيق الأرباح أمر طبيعي وصحي في أي سوق، فإن تباطؤ وتيرته بعد فترة من النشاط العالي يمكن أن يشير إلى أن الضغط البيعي الناتج عن جني الأرباح قد قل، ولكنه في نفس الوقت قد يعني أيضاً تباطؤاً في “دوران رأس المال” (Capital Rotation)، أي حركة الأموال بين الأصول المختلفة داخل السوق، وهو ما يحد من ظهور مشترين جدد بأسعار أعلى.
تحقيق الأرباح: نظرة معمقة
تعتبر الأرباح المحققة مقياساً مهماً لفهم سلوك المتداولين على السلسلة (On-Chain). عندما يتم نقل البيتكوين الذي كان آخر تحرك له بسعر معين إلى عنوان آخر بسعر أعلى، يُسجل فرق السعر كربح محقق. تراكم هذه الأرباح عبر الشبكة يعطي صورة عن مدى الربحية الإجمالية للمستثمرين في فترة زمنية معينة.
وفقاً لبيانات Glassnode، بلغ إجمالي الأرباح المحققة التراكمية في الدورة الحالية بين عامي 2023 و2025 ما مجموعه 650 مليار دولار أمريكي. هذا الرقم يتجاوز بالفعل إجمالي الأرباح المحققة خلال الفترة الكاملة بين عامي 2020 و2022، مما يسلط الضوء على مدى الربحية التي شهدها السوق في السنوات القليلة الماضية، لا سيما مع الارتفاعات القياسية الأخيرة.
ومع ذلك، فإن المشهد الحالي، كما يصفه التقرير، يشير إلى تراجع في وتيرة “دوران رأس المال” داخل السوق. عندما يكون دوران رأس المال بطيئاً، فهذا يعني أن الأموال لا تتحرك بنشاط بين العملات أو بين المستثمرين القدامى والجدد. هذا التباطؤ يمكن أن يفسر جزئياً سبب عدم قدرة البيتكوين على اختراق حاجز الـ 110,000 دولار بشكل حاسم والاستمرار في مساره الصعودي القوي الذي شهدناه في أوائل العام.
تباطؤ نشاط الشبكة وحجم التداول
إلى جانب تراجع وتيرة تحقيق الأرباح، يشير تقرير Glassnode أيضاً إلى انخفاض ملحوظ في نشاط الشبكة وحجم التداول. انخفض حجم التحويلات على السلسلة (On-Chain Transfer Volume) بنسبة 32% عن أعلى مستوياته في أواخر مايو، ليصل إلى حوالي 52 مليار دولار. هذا الانخفاض في حجم التحويلات يعكس نشاطاً أقل على الشبكة نفسها، سواء كان ذلك لغرض التداول، التحويلات بين المحافظ، أو أي شكل آخر من أشكال نقل القيمة.
أما على صعيد التداول في البورصات الفورية (Spot Exchange Turnover)، فقد بلغ حجم التداول حوالي 7.7 مليار دولار. هذا الرقم يعتبر أقل بكثير من المستويات التي شهدناها خلال فترات الاختراق السعري السابقة. انخفاض حجم التداول في البورصات يشير إلى قلة نشاط الشراء والبيع الفوري، وهو ما يساهم في حالة الركود النسبي التي يشهدها السعر.
انخفاض كل من حجم التحويلات على السلسلة وحجم التداول في البورصات يُعد مؤشراً على تراجع عام في “النشاط” داخل نظام البيتكوين البيئي. عندما يكون النشاط منخفضاً، فهذا يعني أن عدداً أقل من المشاركين يقومون بعمليات كبيرة، مما يقلل من السيولة والديناميكية اللازمة لدفع السعر في اتجاه معين بقوة.
منطقة الدعم الهيكلي: 93 ألف – 100 ألف دولار
في خضم هذه التطورات، تسلط Glassnode الضوء على منطقة سعرية معينة كمنطقة تراكم ودعم هيكلي مهم. تظهر خريطة كثافة التكلفة الأساسية (Cost-Basis Density Heatmap) أن هناك منطقة تراكم كثيفة تقع بين 93,000 و100,000 دولار أمريكي. تُظهر هذه الخريطة متوسط سعر الشراء للمتداولين الذين يحتفظون بالبيتكوين في عناوينهم.
تشير الكثافة العالية في هذا النطاق إلى أن عدداً كبيراً من عملات البيتكوين تم شراؤها وتجميعها في هذه المنطقة السعرية. هذا يجعلها منطقة دعم قوية نفسياً وهيكلياً. عندما يتراجع السعر نحو هذه المنطقة، يميل المشترون الذين دخلوا عند هذه المستويات أو أقل إلى المقاومة وعدم البيع بخسارة، بل قد يزيدون من مراكزهم، مما يوفر طلباً كافياً لصد الانخفاض.
شهدت عطلة نهاية الأسبوع الماضية اختباراً موجزاً للحافة العليا من هذا النطاق، حيث تراجع سعر البيتكوين إلى حوالي 99,000 دولار. ومع ذلك، سرعان ما استعاد السعر عتبة المئة ألف دولار، بالتزامن مع هدوء نسبي في التوترات الجيوسياسية العالمية التي قد تكون ساهمت في الضغط البيعي قصير الأجل.
يؤكد التقرير على أهمية هذه المنطقة كمستوى دعم حاسم. ويحذر من أن كسراً حاسماً ومستداماً لهذه المنطقة يمكن أن يجبر حاملي البيتكوين الذين اشتروا في هذا النطاق على “الاستسلام” (Capitulate)، أي البيع بخسارة لتجنب خسائر أكبر. مثل هذا السيناريو يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التصحيح السعري وتعميق الانخفاض.
إعادة ضبط سوق المشتقات وتصفية الرافعة المالية
لعب سوق المشتقات (Derivatives Market)، مثل العقود الآجلة والخيارات، دوراً هاماً في التقلبات الأخيرة، وشهد بدوره نوعاً من “إعادة الضبط”. خلال التقلبات السعرية الحادة (Whipsaw) التي شهدها السوق مؤخراً، حدثت موجة من تصفية المراكز المفتوحة.
وصلت تصفية مراكز الشراء (Long Liquidations) إلى 28.6 مليون دولار، بينما بلغت تصفية مراكز البيع (Short Liquidations) 25.2 مليون دولار. هذه التصفية المتوازنة تقريباً لمراكز الرافعة المالية على كلا الجانبين (الشراء والبيع) ساهمت في “غسل” الرافعة المالية الزائدة من النظام، أي تقليل عدد المراكز المفتوحة ذات المخاطر العالية التي يمكن أن تضخم التقلبات.
انكمشت الفائدة المفتوحة (Open Interest)، وهي القيمة الإجمالية للعقود المشتقة التي لم تتم تسويتها بعد، من 360,000 بيتكوين إلى 334,000 بيتكوين. يمثل هذا انخفاضاً بنسبة 7%، ويشير إلى خروج بعض المشاركين من السوق أو تقليل حجم مراكزهم، مما يساهم في إزالة “الزخم التخميني” أو الفائض المضاربي الذي كان موجوداً.
معدلات التمويل السنوية (Annualized Funding Rates) ومستويات الأساس لمدة ثلاثة أشهر (Three-Month Basis Levels)، وهي مؤشرات مهمة لحالة سوق المشتقات وتعكس الفارق بين سعر العقود الآجلة والسعر الفوري، استمرت في الانخفاض على مدى عدة أسابيع. هذا الانخفاض المستمر يشير إلى أن المتداولين مترددون في إعادة بناء مراكز شراء قوية وعدوانية باستخدام الرافعة المالية، على الرغم من أن حجم التداول قد يكون مرتفعاً في بعض الأحيان. يعكس هذا الجو العام الحذر الذي يهيمن على سوق المشتقات حالياً.
التوقعات المستقبلية ومتطلبات الارتفاع
يخلص تقرير Glassnode إلى أن الزخم العام لسوق البيتكوين لا يزال “بناءً” أو إيجابياً نسبياً طالما أن السعر يحافظ على مستوياته فوق منطقة الدعم الهيكلي التي تم تحديدها (بين 93,000 و100,000 دولار). هذا يعني أن الأساسيات طويلة الأجل قد لا تزال قوية، وأن كبار الحاملين قد لا يقومون ببيع واسع النطاق.
ومع ذلك، يشير التقرير بوضوح إلى أن تحقيق اختراق سعري حاسم والخروج من النطاق الحالي يتطلب “انتعاشاً واضحاً في الطلب، النشاط، والاقتناع” (a clear pickup in demand, activity, and conviction). هذه العوامل الثلاثة هي المحركات الرئيسية للتحركات السعرية الكبيرة في سوق العملات المشفرة:
- الطلب: يشير إلى وجود مشترين جدد أو حاليين على استعداد لشراء البيتكوين بأسعار أعلى.
- النشاط: يعكس زيادة في حجم التداول والتحويلات على السلسلة، مما يدل على مشاركة أكبر في السوق.
- الاقتناع: يدل على ثقة المتداولين والمستثمرين في الاتجاه الصعودي المستقبلي، مما يدفعهم للاحتفاظ بمركزهم أو زيادته بدلاً من البيع.
ما لم تظهر هذه المدخلات الأساسية وتصبح واضحة في بيانات السوق، فمن المرجح أن يستمر سعر البيتكوين في التذبذب والتحرك داخل النطاق الحالي البالغ 10,000 دولار (بين 100,000 و110,000 دولار). هذه الحالة من الاستقرار النسبي يمكن أن تستمر حتى يحدث حدث محفز جديد، سواء كان مرتبطاً بالأخبار الاقتصادية الكلية، التطورات التنظيمية، أو تغيرات في معنويات السوق.
الخلاصة
في الوقت الحالي، يبدو أن سوق البيتكوين يمر بمرحلة من التجميع والانتظار بعد موجة الارتفاعات الكبيرة. تشير البيانات على السلسلة وبيانات المشتقات، كما حللتها Glassnode، إلى أن العوامل التي تدفع السعر نحو مستويات قياسية جديدة قد تراجعت قوتها مؤقتاً. تباطؤ تحقيق الأرباح، انخفاض النشاط على الشبكة، والجو الحذر في سوق المشتقات، كلها تساهم في بقاء السعر محصوراً ضمن نطاق محدد.
على الرغم من وجود منطقة دعم هيكلي قوية حول مستويات 93,000 إلى 100,000 دولار، والتي صمدت أمام الاختبارات الأخيرة، فإن تجاوز حاجز الـ 110,000 دولار يبدو صعباً في ظل الظروف الحالية. يتطلب الأمر عودة واضحة للطلب القوي، وزيادة في نشاط السوق، وتعزيزاً في اقتناع المتداولين بالاتجاه الصعودي لتحفيز الموجة التالية من الارتفاع.
حتى ظهور هذه الإشارات، من المتوقع أن يظل سعر البيتكوين يراوح مكانه ضمن النطاق الحالي، مما يوفر فرصاً للمتداولين الذين يفضلون استراتيجيات التداول ضمن نطاقات سعرية محددة، بينما ينتظر المستثمرون على المدى الطويل دليلاً على استئناف الزخم الصعودي القوي.
“`