“`html
البورصات اللامركزية (DEXs) تستحوذ على 30% من نشاط التداول الفوري للمركزيات في يونيو، مسجلة رقماً قياسياً جديداً
في تطور لافت يعكس التحولات المستمرة في سوق العملات الرقمية، شهد شهر يونيو أداءً قوياً للبورصات اللامركزية (DEXs) مقارنة بنظيراتها المركزية (CEXs). تشير البيانات الصادرة عن منصتي DefiLlama و The Block إلى أن البورصات اللامركزية عالجت صفقات فورية بقيمة إجمالية تقارب 385 مليار دولار أمريكي خلال الشهر، وهو ما يعادل ما يقرب من 30% من إجمالي حجم التداول المسجل في البورصات المركزية. هذا الرقم لا يمثل مجرد إحصائية، بل هو رقم قياسي جديد يؤكد تزايد أهمية وتأثير المنصات اللامركزية في المشهد المالي الرقمي.
على الرغم من أن حجم التداول في البورصات اللامركزية شهد انخفاضاً بنسبة 12% تقريباً مقارنة بشهر مايو السابق، إلا أن البورصات المركزية عانت من انكماش أكبر بكثير في حجم التداول الفوري خلال نفس الفترة، حيث تقلص نشاطها بنسبة تقارب 30%. هذا التباين الحاد في الأداء بين النوعين من المنصات هو ما دفع نسبة “حجم التداول الفوري في DEX إلى CEX” لتصل إلى 28.4% وقت إعداد هذه المقالة، وهو أعلى مستوى على الإطلاق. الرقم القياسي السابق كان حوالي 21%، وتم تسجيله في شهر مايو الماضي، مما يبرز سرعة وتيرة هذا التحول.
من الجدير بالذكر أيضاً أن حجم التداول الشهري في البورصات المركزية خلال يونيو كان الأصغر منذ سبتمبر من عام 2024. هذا التراجع الكبير في نشاط CEXs بالتزامن مع الأداء النسبي القوي لـ DEXs يسلط الضوء على عدة عوامل مؤثرة في سلوك المتداولين وتفضيلاتهم في البيئة الحالية للسوق.
الأرقام تتحدث: سجل قياسي جديد
يشير وصول نسبة حجم التداول في البورصات اللامركزية إلى المركزية إلى ما يقرب من 30% إلى نضج متزايد في تقنيات ومنصات التداول اللامركزي. لم يعد التداول على السلسلة (on-chain trading) مقتصراً على المستخدمين المتخصصين أو أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة فقط، بل أصبح خياراً جذاباً لشريحة أوسع من المتداولين الذين يبحثون عن بدائل للمنصات التقليدية.
حجم الـ 385 مليار دولار الذي عالجته DEXs في يونيو يمثل شهادة على السيولة الكبيرة المتاحة حالياً على هذه المنصات وقدرتها على التعامل مع كميات هائلة من التداولات. هذا النمو المستمر في الحجم يعزز الثقة في البنية التحتية اللامركزية ويشجع المزيد من المستخدمين على الانتقال إليها.
التراجع النسبي الأقل في حجم التداول على المنصات اللامركزية مقارنة بالمركزية خلال فترة اتسمت بتقلبات السوق أو انخفاض النشاط العام يشير إلى مرونة أكبر في نماذج عمل DEXs، لا سيما تلك التي تعتمد على مجمعات السيولة ونماذج صانع السوق الآلي (AMM). هذه النماذج قد تكون أقل تأثراً بشكل مباشر بتغيرات معنويات السوق اللحظية بنفس درجة تأثر البورصات المركزية التي تعتمد بشكل أكبر على أوامر البيع والشراء المباشرة.
اللاعبون الرئيسيون يحافظون على مكانتهم
يعود الفضل في جزء كبير من توسع حصة السوق للبورصات اللامركزية إلى الأداء الجيد والجاذبية المستمرة للمنصات الرائدة. شهدت منصات مثل Uniswap و PancakeSwap ومنصات أخرى لا تتطلب إذناً (permissionless) تراجعات نسبية أقل في حجم التداول مقارنة بمنافسيها المركزيين. هذا يعني أن المستخدمين النشطين على هذه المنصات استمروا في التداول بمعدلات أعلى نسبياً على الرغم من الانكماش العام في السوق.
عند النظر إلى حجم التداول المجمع لأكبر خمس بورصات لامركزية، والتي تشمل Uniswap و PancakeSwap بالإضافة إلى Orca و Raydium و Meteora، نجد أن حجم تداولها الإجمالي انخفض بأقل من 10% على أساس شهري. هذا الأداء المدعوم بعدة عوامل رئيسية:
- حجم التداول المستقر للأزواج المرتبطة بالعملات المستقرة على شبكة إيثيريوم: توفر أزواج التداول بين العملات المستقرة (مثل USDC/USDT) سيولة مستقرة وتعتبر ملاذاً للمتداولين خلال فترات التقلب، مما يحافظ على مستوى أساسي من النشاط.
- النشاط المتزايد على سلاسل الكتل الأخرى: شهدت شبكات مثل BNB Chain و Solana و Base نمواً في النشاط والتداول على منصاتها اللامركزية، مما ساهم في تعويض جزء من الانخفاض المحتمل في حجم التداول على إيثيريوم أو الشبكات الأخرى.
هذه العوامل مجتمعة ساعدت كبرى البورصات اللامركزية على الحفاظ على مستويات نشاط قوية نسبياً مقارنة بالانخفاضات الحادة التي شهدتها البورصات المركزية.
لماذا يتحول المتداولون؟
على الجانب الآخر، شهدت منصات مركزية كبرى مثل Binance و Coinbase و OKX انخفاضات أعمق في حجم التداول. يمكن تفسير هذا الانخفاض جزئياً بالتحولات في سلوك المتداولين الكبار والأفراد على حد سواء:
- تقليل الرافعة المالية: في أوقات عدم اليقين أو بعد فترات من التقلبات العالية، يميل المتداولون إلى تقليل استخدام الرافعة المالية، والتي غالباً ما تكون متاحة بشكل أوسع وبشروط مختلفة على البورصات المركزية مقارنة باللامركزية. تقليل التداول بالرافعة المالية يؤدي مباشرة إلى انخفاض في أحجام التداول الإجمالية على هذه المنصات.
- نقل الأصول إلى الحفظ الذاتي: تزايد الوعي بأهمية الحفظ الذاتي (self-custody) والتحكم الكامل في المفاتيح الخاصة يدفع المستخدمين لنقل أصولهم من محافظ البورصات المركزية إلى محافظهم الخاصة غير الاحتجازية. هذا التحول يقلل من حجم الأصول المتاحة للتداول بشكل فوري على CEXs.
تشير بيانات النشاط المتعلقة بعملة البيتكوين (BTC) على Binance كدليل على هذا الاتجاه. سجلت المنصة تدفقات داخلة (inflows) لعملة BTC بلغت 5,700 بيتكوين خلال فترة 30 يوماً، وهو أقل من نصف المتوسط الذي سجلته المنصة منذ عام 2020. هذا يشير إلى أن عدداً أقل نسبياً من مستخدمي المنصة يقومون بإيداع البيتكوين بغرض التداول أو الرافعة المالية مقارنة بالسنوات الماضية.
علاوة على ذلك، تُظهر بيانات من Nansen انخفاضاً مستمراً في المعروض من العملات المستقرة ERC-20 على البورصات المركزية منذ 17 يونيو. هذا الانخفاض في العملات المستقرة، التي غالباً ما تستخدم للتداول والسيولة على المنصات المركزية، يؤكد أيضاً اتجاه المستخدمين نحو سحب أصولهم أو الاحتفاظ بها خارج بيئة CEX.
الاتجاه مستمر ويتزايد
ما يميز الأداء الحالي للبورصات اللامركزية ليس مجرد ارتفاع لحظي، بل هو جزء من اتجاه أوسع ومستمر. على الرغم من بعض التحديات أو التراجعات التي شهدتها السوق بين شهري يناير وأبريل، فإن نسبة حجم التداول في DEX إلى CEX لم تنخفض أبداً عن 12% في عام 2025. مقارنة بالفترة بين عامي 2019 و 2024، حيث تم تجاوز عتبة الـ 12% أربع مرات فقط، يبرز أداء عام 2025 قوة وثبات التداول على السلسلة هذا العام.
في يناير، لاحظ المحلل Ignas أن عملية اكتشاف الأسعار (price discovery) تتحول بشكل كبير نحو البورصات اللامركزية بدلاً من أن تكون محتكرة من قبل صناديق رأس المال الاستثماري أو المنصات المركزية الكبرى. اكتشاف الأسعار هو العملية التي يتم من خلالها تحديد سعر الأصل في السوق بناءً على قوى العرض والطلب. هذا يشمل كيفية تفاعل السوق مع الأخبار الجديدة، التطورات التقنية، أو التحركات الكبيرة من قبل المشاركين الرئيسيين.
وفقاً للمحلل، يحدث هذا التحول لأن المتداولين الذين يوصفون بـ “المال الذكي” (smart money) – وهم المستثمرون ذوو الخبرة أو المؤسسات القادرة على اتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على معلومات وتحليلات متقدمة – يشاركون بشكل أساسي في التداول على السلسلة. يفضل هؤلاء المتداولون غالباً التفاعل مباشرة مع العقود الذكية ومجمعات السيولة على المنصات اللامركزية للاستفادة من الفرص فور ظهورها، لا سيما في أسواق الأصول ذات القيمة السوقية الأصغر أو المشاريع الناشئة.
نتيجة لذلك، يعتبر حجم التداول على البورصات المركزية بمثابة “سيولة خروج” (exit liquidity) لهؤلاء المتداولين. هذا يعني أنهم قد يستخدمون CEXs لتصفية مراكز كبيرة تم بناؤها على DEXs، أو لتحويل الأصول بين العملات المستقرة والعملات الورقية. هذا التحول في الديناميكيات يشير إلى أن المنصات اللامركزية أصبحت المكان الذي تنشأ فيه الحركات السعرية الهامة والنشاط الأساسي، بدلاً من أن تكون البورصات المركزية هي المحرك الرئيسي للسوق كما كان الحال في الماضي.
الزيادة في أحجام التداول على السلسلة قد تعكس ببساطة انتقال المتداولين إلى المنصات التي ينشأ فيها “الحدث” الفعلي، بدلاً من الانتظار في المنصات المركزية حيث قد تصل المعلومات أو فرص التداول بوتيرة أبطأ أو بعد فوات الأوان. كما أن الشفافية الأكبر التي توفرها سجلات الكتل العامة (blockchains) تتيح للمتداولين تتبع حركة الأصول الكبيرة ونشاط “المال الذكي” بشكل أكثر فعالية على السلسلة، مما يعزز جاذبية التداول اللامركزي.
مع بقاء أقل من يوم تداول واحد في شهر يونيو، كان إجمالي حجم التداول الجاري في البورصات اللامركزية أقل بنحو 15 مليار دولار فقط من عتبة الـ 400 مليار دولار. نظراً لأن متوسط حجم التداول اليومي خلال الأسبوع الماضي تجاوز 13 مليار دولار، فهناك مسار ممكن لإنهاء الشهر فوق حاجز الـ 400 مليار دولار إذا بقيت ظروف السوق مستقرة نسبياً. حتى لو لم يتم الوصول إلى هذا الرقم، فإن الأداء في يونيو يمثل نقطة تحول هامة ويؤكد الاتجاه المتنامي نحو اللامركزية في التداول الفوري.
ماذا يعني هذا الاتجاه للمستقبل؟
هذا التحول المستمر نحو البورصات اللامركزية له آثار عديدة على مستقبل سوق العملات الرقمية. بالنسبة للمستخدمين، يعني ذلك المزيد من الخيارات، سيطرة أكبر على أصولهم، والقدرة على التداول في بيئة لا تتطلب الثقة في وسيط مركزي. ومع ذلك، فإنه يتطلب أيضاً فهماً أعمق لكيفية عمل التداول على السلسلة، ومخاطر العقود الذكية، وتكاليف الغاز (gas fees) في بعض الشبكات.
بالنسبة للبورصات المركزية، يفرض هذا الاتجاه تحدياً كبيراً. ستحتاج CEXs إلى التكيف والابتكار للحفاظ على قدرتها التنافسية. قد يشمل ذلك تحسين تجربة المستخدم، تقديم خدمات قيمة مضافة لا تتوفر بسهولة على DEXs (مثل التداول بالهامش المعقد، التداول الآجل، أو خدمات التداول الإداري)، أو حتى دمج قدرات التداول اللامركزي ضمن منصاتها الخاصة.
بالنسبة للسوق ككل، فإن تزايد هيمنة DEXs في اكتشاف الأسعار قد يؤدي إلى سوق أكثر كفاءة وشفافية على المدى الطويل. ومع ذلك، فإنه قد يثير أيضاً تساؤلات تنظيمية جديدة، حيث أن المنصات اللامركزية غالباً ما تعمل خارج نطاق الإشراف التنظيمي التقليدي. ستكون العلاقة بين المنظمين والمنصات اللامركزية نقطة محورية في السنوات القادمة.
في الختام، يعتبر أداء البورصات اللامركزية في شهر يونيو 2025 علامة فارقة لا يمكن تجاهلها. إنها ليست مجرد إحصائية عابرة، بل هي تأكيد على التطور المستمر للبنية التحتية اللامركزية وقدرتها على جذب حجم تداول كبير، حتى في ظل ظروف السوق التي قد تكون صعبة. ومع استمرار هذا الاتجاه، يبدو أن مستقبل التداول في عالم العملات الرقمية يتجه بشكل متزايد نحو اللامركزية.
“`