“`html
عمدة بنما سيتي ميزراشي: “البيتكوين ليس آمناً فحسب، بل مزدهر”
شهد مؤتمر البيتكوين المرموق لعام 2025 في لاس فيغاس تجمعاً لشخصيات بارزة لمناقشة مستقبل البيتكوين في أمريكا الوسطى، وخاصة في بنما. شارك في هذه الجلسة النقاشية الهامة كل من مايك بيترسون، مدير مشروع “شاطئ البيتكوين” (Bitcoin Beach) الذي كان له دور ريادي في تبني البيتكوين على مستوى القاعدة في السلفادور، وماكس وستايسي، مستشارا رئيس السلفادور لشؤون بناء “دولة البيتكوين” (Building Bitcoin Country)، بالإضافة إلى عمدة مدينة بنما، ماير ميزراشي. كانت الجلسة تحت عنوان “هل بنما هي التالية؟ السلفادور تقود المنطقة لتبني البيتكوين”، وسلطت الضوء على التجارب القائمة والرؤى المستقبلية لتكامل البيتكوين في اقتصادات المنطقة.
رؤية بنما: الأمان والازدهار مع البيتكوين
افتتح عمدة مدينة بنما، ماير ميزراشي، الجلسة ببيان جريء يعكس الموقف المتزايد الإيجابية تجاه البيتكوين في مدينته. قال ميزراشي بكل وضوح: “نحن نقبل البيتكوين. تتلقى المدينة مدفوعاتها بالبيتكوين، لكنها تستقبل القيمة النهائية بالدولار عبر وسيط معالج للمدفوعات. البيتكوين ليس آمناً فحسب. إنه مزدهر.”
هذا التصريح يحمل أهمية كبيرة لعدة أسباب. أولاً، يؤكد على الاستعداد العملي لقبول البيتكوين كوسيلة للدفع للخدمات البلدية أو الضرائب. ثانياً، يشير إلى وجود بنية تحتية (حتى لو كانت تعتمد على وسيط تحويل) تسمح بتحويل البيتكوين إلى عملة تقليدية (الدولار في هذه الحالة) لضمان الاستقرار المالي للعمليات الحكومية. الأهم من ذلك هو الوصف المزدوج للبيتكوين بأنه “آمن” و”مزدهر”.
يشير وصف “آمن” إلى الثقة في التكنولوجيا الأساسية للبيتكوين، وهي البلوك تشين، التي توفر سجلات شفافة وغير قابلة للتغيير للمعاملات. كما يمكن أن يشير إلى الأمان الذي يوفره البيتكوين كأصل مقاوم للتضخم وتدخلات الحكومات المركزية، خاصة في بيئات اقتصادية قد تكون غير مستقرة. أما وصف “مزدهر”، فيعكس الإيمان بالقدرة الاقتصادية للبيتكوين على جلب النمو والفرص. يمكن أن يتحقق هذا الازدهار من خلال جذب الاستثمارات القائمة على البيتكوين، تسهيل التجارة الدولية، وتمكين المواطنين من بناء الثروة بطرق جديدة. رؤية عمدة ميزراشي تتجاوز مجرد القبول التقني للبيتكوين لتشمل الاعتراف بفوائده الاقتصادية الكبرى.
تجربة السلفادور: الريادة ووضع المعايير
لعبت السلفادور دوراً محورياً في النقاش، حيث كانت أول دولة في العالم تعتمد البيتكوين كعملة قانونية. شارك ماكس وستايسي، مستشارا الرئيس، رؤى قيمة حول تجربتهم وتحدياتهم، وخاصة فيما يتعلق بمسألة المحتالين في عالم العملات المشفرة.
أوضح ماكس الاستراتيجيات التي اتبعتها السلفادور لمواجهة هذه التحديات وحماية المواطنين والمستثمرين. قال: “فعلنا شيئين مبكرين، أحدهما كان إنشاء مكتب البيتكوين الذي سيقدم تقاريره مباشرة إلى الرئيس، ثم قمنا أيضاً بتمرير قانون ينص على أن البيتكوين هو نقود وأن أي شيء آخر هو أوراق مالية غير مسجلة.”
توضح هذه الإجراءات مقاربة السلفادور الشاملة. إنشاء مكتب البيتكوين يمثل التزاماً حكومياً رسمياً بتطوير وتنظيم النظام البيئي للبيتكوين في البلاد، مما يوفر نقطة اتصال واضحة ومنظمة للمبادرات المتعلقة بالبيتكوين. أما القانون الذي يميز البيتكوين كـ “نقود” عن غيره من الأصول الرقمية، فهو خطوة قانونية حاسمة توفر الوضوح التنظيمي وتقلل من المخاطر المرتبطة بالأصول الرقمية الأخرى التي قد تكون غير مستقرة أو احتيالية. هذا النهج يساعد في بناء الثقة في البيتكوين نفسه كشكل شرعي من أشكال المال، بينما يضع حواجز أمام الأنشطة الاحتيالية التي تستغل حداثة ونقص الفهم لدى البعض في مجال العملات المشفرة.
البيتكوين كأداة للتمكين الإقليمي
تطرق النقاش أيضاً إلى الدور الأوسع الذي يمكن أن تلعبه البيتكوين في أمريكا الوسطى كمنطقة. عبر مايك بيترسون عن رؤيته بقوة، قائلاً: “إن وصول البيتكوين إلى أمريكا الوسطى يخوض معركة ضد العولميين الذين لطالما نظروا إلى المنطقة على أنها فناء خلفي. هذا لا يطاق وهذا سيتغير الآن.”
يعكس هذا التصريح وجهة نظر مفادها أن الأنظمة المالية التقليدية والمؤسسات العالمية قد أدت إلى تهميش اقتصادات أمريكا الوسطى تاريخياً. يُنظر إلى البيتكوين، بتقنيته اللامركزية والمفتوحة، كأداة يمكن أن تمكن الدول والأفراد في المنطقة من تجاوز الأنظمة التقليدية، تحقيق سيادة مالية أكبر، والمشاركة في الاقتصاد العالمي بشروط أكثر عدلاً. إنه يمثل تحرراً محتملاً من القيود التي فرضتها القوى الاقتصادية الكبرى في الماضي.
عقب عمدة ميزراشي على ذلك برؤية تكميلية، قائلاً: “تخيل نفسك في كتلة اقتصادية مدعومة من قبل السلفادور، مدعومة من بنما والباقي سيأتي.” هذه الرؤية تتحدث عن إمكانية إنشاء تحالف اقتصادي إقليمي يستفيد من تبني البيتكوين. إذا قامت دول مثل السلفادور وبنما بريادة تبني البيتكوين، يمكن أن يشكلوا نواة لكتلة اقتصادية تستخدم البيتكوين كوسيلة تبادل واحتياطي، مما يعزز التجارة البينية، ويجذب الاستثمارات، ويزيد من النفوذ الاقتصادي للمنطقة ككل. هذا التكتل المحتمل يمكن أن يوفر بدائل للأنظمة المالية التقليدية ويخلق فرصاً جديدة للنمو المشترك.
التعليم المالي: أساس المستقبل
أكدت ستايسي على عنصر حيوي لنجاح تبني البيتكوين على المدى الطويل: التعليم. سلطت الضوء على مبادرة رائدة في السلفادور قائلة: “السلفادور هي أول دولة في العالم لديها برنامج شامل للتعليم المالي في المدارس الحكومية يبدأ من سن 7 سنوات. هؤلاء أطفال صغار يتعلمون محو الأمية المالية.”
لا يمكن المبالغة في أهمية التعليم المالي، وخاصة في سياق تبني تقنيات مالية جديدة مثل البيتكوين. إن تعليم الجيل الجديد كيفية إدارة الأموال، فهم الادخار والاستثمار، والتعرف على الفرص والمخاطر المرتبطة بالأدوات المالية المختلفة، بما في ذلك البيتكوين، هو أمر ضروري لضمان أن يكون التبني مستداماً ومفيداً للمواطنين. البدء في سن مبكرة يضمن أن يكبر الأطفال وهم يمتلكون الأدوات المعرفية اللازمة لاتخاذ قرارات مالية سليمة في عالم يتغير بسرعة. برنامج السلفادور للتعليم المالي هو مثال يحتذى به يمكن أن تتبناه الدول الأخرى التي تسعى لدمج البيتكوين أو غيرها من التقنيات المالية الحديثة في اقتصاداتها.
اقتصاد البيتكوين: من الإنفاق إلى الادخار
اختتم ماكس الجلسة بتعليق عميق حول التأثير المحتمل للبيتكوين على العقلية الاقتصادية للأفراد، مستخدماً مفهوم “نظرية الألعاب” (Game Theory) للإشارة إلى كيف يمكن لمصالح مختلفة أن تتوافق بشكل غير متوقع من خلال بروتوكول البيتكوين اللامركزي.
قال ماكس: “نظرية الألعاب الأمريكية الصحيحة؟ لأن الولايات المتحدة تريد شراء الكثير من البيتكوين، فإذا أرادت بنما شراء الكثير من البيتكوين، فهذا يساعد الجميع في الولايات المتحدة. هذا هو التعبير الجميل لنظرية الألعاب المتوافقة تماماً في البروتوكول الذي يغير العالم الذي نعيش فيه. وعلى مستوى الشارع، ما يفعله البيتكوين للسكان هو الانتقال من عقلية الإنفاق إلى عقلية الادخار.”
فكرة “نظرية الألعاب” هنا تشير إلى المصالح المتقاطعة. إذا بدأت دول أخرى في تبني وشراء البيتكوين بكميات كبيرة، فإن هذا يزيد من قيمة البيتكوين ويؤكد شرعيته كأصل عالمي، مما يعود بالفائدة أيضاً على الكيانات التي تملك بالفعل كميات كبيرة منه، مثل بعض الشركات أو الأفراد في الولايات المتحدة. إنها حلقة تغذية راجعة إيجابية حيث يؤدي تبني البيتكوين على نطاق واسع إلى تعزيز قيمة الشبكة لجميع المشاركين.
لكن التأثير الأكثر أهمية الذي أشار إليه ماكس هو التحول في العقلية لدى السكان. في كثير من الاقتصادات، خاصة تلك التي تعاني من التضخم أو عدم الاستقرار النقدي، قد تكون هناك عقلية سائدة تشجع على الإنفاق السريع للمال قبل أن يفقد قيمته. البيتكوين، كأصل يتميز بالندرة وسقف محدد للعرض (21 مليون عملة)، يوفر بديلاً للمال الورقي الذي يمكن طباعته بلا حدود. طبيعة البيتكوين كـ “نقود صلبة” تشجع على الادخار. بدلاً من إنفاق ما يملكون بسرعة، يجد الأفراد في البيتكوين وسيلة لحفظ قيمة عملهم ومدخراتهم على المدى الطويل. هذا التحول من عقلية الإنفاق إلى عقلية الادخار يمكن أن يكون له آثار عميقة على مستوى الأفراد والمجتمعات، مما يشجع على التخطيط للمستقبل، الاستثمار، وبناء الثروة على المدى الطويل.
التحديات والآفاق المستقبلية
رغم التفاؤل الواضح، لا تزال هناك تحديات. مسألة المحتالين التي ذكرها ماكس هي قضية مستمرة تتطلب يقظة وتنظيماً. الحاجة إلى بنية تحتية قوية وموثوقة لدعم معاملات البيتكوين وتسهيل التحويلات هي أمر حيوي. كذلك، يتطلب التبني الواسع جهوداً تعليمية مستمرة لضمان فهم الجمهور لكيفية استخدام البيتكوين بأمان وفعالية.
مع ذلك، فإن الرؤى التي طرحها قادة مثل عمدة ميزراشي ومستشارا رئيس السلفادور ومدير “شاطئ البيتكوين” تشير إلى مسار واضح نحو مستقبل تلعب فيه العملات الرقمية، وفي مقدمتها البيتكوين، دوراً متزايد الأهمية في الاقتصادات الوطنية والإقليمية في أمريكا الوسطى. إن التركيز على الأمان، الازدهار، التمكين الإقليمي، والتعليم المالي يضع أسساً قوية لتبني مستدام ومفيد للبيتكوين. مستقبل بنما، والسلفادور، والمنطقة بأسرها قد يكون بالفعل مرتبطاً بشكل وثيق بمسار تبني البيتكوين.
يمكن مشاهدة الجلسة النقاشية الكاملة وبقية فعاليات اليوم الثالث من مؤتمر البيتكوين 2025 للحصول على تفاصيل أوفى حول هذه المناقشات والرؤى.
“`